قالت وكالة الأنباء السعودية (واس) أمس الجمعة 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 إن العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، أجرى اتصالا هاتفيا بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تناول تنسيق الجهود بشأن قمة العشرين التي تستضيفها المملكة لأول مرة في تاريخها خلال يومي اليوم والغد، بجانب بحث العلاقات الثنائية بين البلدين.
واتفق العاهل السعودي والرئيس التركي خلال الاتصال على الإبقاء على قنوات الحوار مفتوحة بتطوير العلاقات بين البلدين، والعمل على إزالة المشاكل العالقة، وفق البيان الصادر عن دائرة الاتصال في الرئاسة التركية ونشرته وكالة الأناضول الرسمية.
يأتي هذا الاتصال بعد أسبوعين على قرار العاهل السعودي إرسال مساعدات إنسانية عاجلة إلى تركيا لدعم متضرري الزلزال الذي ضرب ولاية إزمير غربي تركيا 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وأسفر عن مقتل 114 شخصا وجرح المئات وتدمير كثير من المباني السكنية.
وذلك على الرغم من أن العلاقات بين الرياض وأنقرة تشهد توترًا شديدًا منذ سنوات، لا سيما مع قدوم ولي العهد محمد بن سلمان، بسبب تباين وجهات النظر حيال العديد من الملفات التي تخص السياسية الخارجية للبلدين، بجانب مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، وهي الحادثة التي زادت من حدة التوترات بين الطرفين بصورة لم تشهدها من قبل.
#خادم_الحرمين_الشريفين يُجري اتصالاً هاتفيًا برئيس جمهورية تركيا، جرى خلال الاتصال تنسيق الجهود المبذولة ضمن أعمال قمة العشرين التي تستضيفها المملكة غدا وبعد غد، كما تم بحث العلاقات الثنائية بين البلدين.https://t.co/lhLpTgtYxD#واس pic.twitter.com/cHxa5dIsRO
— واس الأخبار الملكية (@spagov) November 20, 2020
اتصال بروتوكولي
العديد من وسائل الإعلام تعاملت مع الاتصال كونه الخطوة الأولى نحو إنهاء القطيعة بين البلدين كحدث استثنائي له دلالات خاصة ورسائل مبطنة، خاصة في ظل هذا الظرف الإقليمي والدولي الغامض الذي تواجهه المملكة بعد خسارة الحليف الأمريكي الأبرز لنظام آل سعود، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات.
أنصار هذا الرأي يميلون إلى رضوخ الرياض للانتقادات العديدة التي تواجهها في الداخل والخارج بسبب سياستها العدائية التي أفقدتها الكثير من حلفاءها في المنطقة، وأوقعتها أسيرة لإملاءات أبوظبي ومخططها الإقليمي الذي يهدف إلى تحقيق حلم أبناء زايد في سحب بساط الريادة الإقليمية من تحت الجميع وأولهم المملكة.
البعض يرى في هذا الاتصال إذابة للجليد بين البلدين، خاصة وأن الأونة الأخيرة شهدت اتصالا آخر بين أردوغان والعاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حيث تطرق الجانبان لإمكانية تسريع وتيرة العلاقات بين البلدين، وهو الاتصال الذي من الصعب أن يتم بدون ضوء أخضر من الرياض.
آخرون قالوا إن هذه المهاتفة إجراء بروتوكلي يجريه رئيس الدولة المستضيفة لقمة العشرين مع قادة وزعماء الدول المشاركة، والتي أعلنت نية الحضور، وذلك للتنسيق فيما بينها حول الاستعدادات النهائية وجدول الأعمال وترتيب الكلمات والإجراءات.
ولم يكن الرئيس التركي وحده الذي تلقى اتصالا هاتفيًا من العاهل السعودي، حيث أجرى الأخير اتصالا مشابهًا وولي عهده، برئيس البرازيل جايير بولسونارو، أمس الجمعة، لمناقشة جهود التنسيق في إطار عمل القمة، وقبلها بيوم أجرى الملك سلمان اتصالا أخر مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للأمر ذاته.
تعويل البعض – بحسب أنصار هذا الرأي- على ما يحمله الاتصال السعودي التركي من أبعاد بشأن تخفيف حدة التوترات في العلاقات وإعادة النظر في السياسة الخارجية للبلدين حيال الملفات الجدلية، تعويل يكتنفه التفاؤل البعيد نسبيًا عن الواقع الذي يناقض بشكل كبير ما يذهب إليه المتفائلون.
تمسك المملكة بعقد القمة رغم الأجواء الصعبة الناجمة عن تفشي وباء كورونا المستجد والتكثيف الإعلامي لهذا الحديث يعكس حجم ما يمثله من أهمية وقيمة كبيرة للنظام السعودي الذي يرى في تلك القمة بارقة أمل نحو تحسين صورة المملكة خارجيًا
الكرة في ملعب السعودية
“تركيا لا تتحمل مسؤولية تأزم العلاقات مع السعودية على الإطلاق”.. هكذا علق المحلل التركي حمزة تكين على الاتصال الذي أجراه سلمان بأردوغان، لافتًا إلى أن “أنقرة لم تسيء للرياض يوماً، بل على العكس كانت تسعى دوماً لتكون العلاقات قوية، وهي لم تتخذ مواقف عدائية ضد المملكة أو شعبها بقضية خاشقجي إنما طالبت فقط بتحقيق العدالة، وأن يحاسب من شارك بهذه الجريمة”.
تكين في تصريحات لـ “الخليج الجديد” أوضح أن بلاده لا تريد مطلقًا تأزم العلاقات مع السعودية، بل تسعى لأن يكون هناك تعاون وتنسيق كامل، منوهًا أن الاتصال جاء في إطار بروتوكولي يتعلق بالاستعدادات للقمة التي تنظر إليها المملكة على أنها “فرصة تاريخية” بالنسبة لها.
وإن كانت السعودية جادة فعلا في تقريب وجهات النظر مع تركيا فإن الكرة اليوم باتت في ملعبها، إذ بات عليها أن توقف أولا الحملات الإعلامية المسعورة التي تستهدف أنقرة، سياسيًا واقتصاديًا، وهي الحملة التي يدعمها أمراء من الأسرة المالكة، فضلا عن إعلاميين ومسئولين مقربين من ولي العهد، هذا بخلاف كيانات حكومية مثل مجلس الغرف التجارية السعودية.
وكان الذباب الإلكتروني السعودي ومعه الإماراتي قد شن على مدار الأسابيع الماضية حملات كراهية وعداء واسعة النطاق ضد تركيا، تحت ستار مقاطعة المنتجات التركية وحجب مواقعها الإلكترونية بسبب ما أسموه “التدخل التركي في شئونهم الداخلية” وهي الحملة التي قوبلت بحملات أخرى مضادة داعمة للمنتج التركي لا سيما بعد الموقف القوي لأردوغان ضد فرنسا بسبب تصريحات إيمانويل ماكرون العنصرية ضد الإسلام والمسلمين.
غسل سمعة المملكة
تمسك المملكة بعقد القمة رغم الأجواء الصعبة الناجمة عن تفشي وباء كورونا المستجد والتكثيف الإعلامي لهذا الحديث يعكس حجم ما يمثله من أهمية وقيمة كبيرة للنظام السعودي الذي يرى في تلك القمة بارقة أمل نحو تحسين صورة المملكة خارجيًا بعد الشروخات التي تعرضت لها خلال السنوات الخمس الماضية تحديدًا.
البيان الصادر عن أمانة استضافة السعودية لـ”العشرين” أشار إلى أن السعودية ترى أن “استضافة هذا التجمع رفيع المستوى يعد حدثاً تاريخياً للمملكة ويمثل نموذجاً للنتائج التحولية الجارية لـ(رؤية السعودية 2030) والتي انعكست على رئاستها”.
كما لفت كذلك إلى أن هذا “الاجتماع يعد من أقوى منتديات النقاش لصانعي القرار في العالم” فيما حرص العاهل السعودي على تقديم وجه جديد لبلاده من خلال التأكيد على أن “أولوية مجموعة العشرين القصوى والآنيّة هي مكافحة الجائحة وتبعاتها الصحية والاجتماعية والاقتصادية على كافة المستويات”.
وفي الجهة الأخرى اكتظت صحف العالم بدعوات مقاطعة القمة احتجاجاً على انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها المملكة بحق المعارضين لها في الداخل والخارج، هذا بجانب الجرائم المرتكبة في اليمن عن طريق قوات التحالف التي تقودها المملكة، فيما أطلقت الحملة الداعية للمقاطعة على القمة اسم “قمة العار” لكونها تعقد في السعودية.
نشطاء أخرون استخدموا القمة الافتراضية لإلقاء الضوء على انتهاكات بن سلمان وسياسة الاعتقالات المستمرة التي يتبعها مع المعارضين له في الداخل والخارج، إذ وثقت منظمة العفو الدولية 184 حالة إعدام في السعودية العام الماضي
الحملة أطلقت برعاية المنظمة العربية لحقوق الإنسان بالاشتراك مع ثلاثة من ذوي المعتقلين السياسيين في سجون السعودية، وهم: عبد الله العودة نجل الداعية المعتقل الشيخ سلمان العودة، وأريج السدحان شقيقة المعتقل السياسي عبد الرحمن السدحان، ولينا الهذلول شقيقة المعتقلة والناشطة النسائية الأشهر في المملكة لجين الهذلول.
وقد أصدرت الحملة بيانًا أشارت فيه إلى أن “القمة المزمع عقدها بمشاركة زعماء دول المجموعة وهي دول تفخر بدعم حقوق الإنسان، لكنها تُظهر من جهة أخرى نفاقا فجا بتوفير الحماية للنظام السعودي من أجل الحصول على مكاسب مادية”.
وأضاف البيان أن المشاركة في هذه القمة دون محاسبة النظام السعودي على جرائمه “تعطي الضوء الأخضر للسلطات السعودية لمواصلة الانتهاكات اليومية المتمثلة في قمع المعارضين الذين لا يؤيدون أجنداته والاستمرار في قتل الأبرياء في اليمن، بدلا من أن تشكل انعطافة في تحسين سلوك النظام”.
نشطاء أخرون استخدموا القمة الافتراضية لإلقاء الضوء على انتهاكات ابن سلمان وسياسة الاعتقالات المستمرة التي يتبعها مع المعارضين له في الداخل والخارج، إذ وثقت منظمة العفو الدولية 184 حالة إعدام في السعودية العام الماضي، وهو أعلى رقم للبلد في عام، في الوقت الذي يتباهى به النظام السعودي بقرار إلغاء أحكام الإعدام ضد القاصرين.
هذا وقد علقت مديرة أمنستي في بريطانيا، كيت ألين، على الزخم الإعلامي المصاحب للقمة من قبل الإعلام السعودي وحلفاءه في المنطقة بقولها “يجب ألا يصدق أحد الضجيج حول السعودية – وعلى كل واحد معرفة أنهم يقمعون وبشدة حقوق الإنسان في ظل حكم ولي العهد الديكتاتوري”.
ويمكن قراءة الاتصال السعودي من زاوية المستجدات الأخيرة التي تشهدها المنطقة والعالم بعد مؤشرات فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت مؤخرًا، الأمر الذي دفع الرياض إلى إعادة النظر في خطابها الخارجي والذي بدأ تغييره يلوح في الأفق.
الرياض تسعى لمغازلة الرئيس الجديد صاحب التصريحات السلبية السابقة عن المملكة، والذي وصفها بـ”الدولة المنبوذة”، ووعد بمعاملتها بهذه الطريقة، والذي يميل إلى ضلوع ابن سلمان في جريمة مقتل خاشقجي، داعمًا لنتائج تحقيق المخابرات الأمريكية “سي آي إيه” التي قالت إن تلك الجريمة لم تكن لتتم دون موافقة ولي العهد عليها.
وتبقى الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة عن التساؤلات المتعلقة بالسياسة الخارجية السعودية تجاه دول المنطقة، وما إذا كان اعتراها ملامح التغيير أم أن ما يحدث ليس سوى مناورة لكسب المزيد من الوقت وتخفيف الضغوط عبر غلق منافذ الخصومة مع بعض الأطراف، لحين استقراء المشهد بصورة أكثر وضوحًا خلال الفترة المقبلة.