ترجمة وتحرير: نون بوست
في أحد المراسيم الأولى التي أصدرها بعد توليه منصب الرئاسة سنة 2017، وقّع دونالد ترامب أمرا تنفيذيا يمنع المسافرين القادمين من العديد من الدول العربية ذات الأغلبية المسلمة من دخول الولايات المتحدة. بعد أقل من أربع سنوات، خرجت الجاليات العربية والمسلمة في ميشيغان وفي جميع أنحاء البلاد بأعداد غفيرة للتصويت من أجل إخراجه من البيت الأبيض. في ديربورن، المدينة التي يبلغ عدد سكانها 94 ألف نسمة وحيث يمثل العرب والمسلمون أغلبية ساحقة، تغلب الرئيس المنتخب جو بايدن على ترامب بفارق يتجاوز 17 ألف صوت، إذ حصل على 30.718 صوت مقابل 13.239 لترامب.
في الأحياء ذات الأغلبية العربية التي توجد في الجانب الشرقي من المدينة، كان هامش فوز بايدن أكبر. فاز الرئيس المنتخب بأكثر من 81 بالمئة من الأصوات هناك، في حين حصل ترامب على 17 بالمئة من الأصوات فحسب. بشكل عام، تفوق بايدن على ترامب في الدوائر التي تقطنها أغلبية من العرب الأمريكيين حيث حصل بايدن على 13286 صوت مقابل 2780 لصالح ترامب. ارتفع معدل الإقبال بأكثر من 2600 صوت مقارنة بسنة 2016 في الأحياء ذات الأغلبية العربية، مسجلا بذلك نموا في جميع مكاتب الاقتراع تقريبا.
في هذا السياق، صرح أحد منظمي مجموعة “عرب أمريكا المؤيدين لبايدن”، وهي مجموعة تعمل من أجل استقطاب الأصوات لصالح المرشح الديمقراطي: “نحن فخورون جدًا بهذا الرقم” و”بتفوق بايدن”. وأضاف المصدر ذاته: “نعلم جميعًا مدى أهمية ميشيغان. لذلك في المستقبل، على الحملات التي تريد الفوز في الغرب الأوسط أو في جميع أنحاء البلاد، أن تلبي احتياجات الأمريكيين العرب نظرا لأن نسبة تصويتهم عالية ويمكن أن يكون لها تأثير على الفوز بأغلبية الأصوات في ولاية مثل ميشيغان”.
يمكننا إعلان النصر
نظرا لخصائصها الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية، من المحتمل ألا تعكس ديربورن موقف المجتمع الأمريكي العربي بأكمله في جميع أنحاء البلاد، على الرغم من أنها تُعرف باسم عاصمة أمريكا العربية.
لكن مجتمع ديربورن العربي يمتد إلى ما وراء المدينة نفسها إلى المناطق المجاورة في ديترويت وضواحي أخرى، بما في ذلك ديربورن هايتس وهامترامك وملفينديل حيث حقق بايدن فوزا ساحقا على خصمه الجمهوري. على سبيل المثال، في هامترامك، المدينة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في أمريكا، تفوق بايدن على منافسه بحوالي 6651 صوت مقابل 1043.
تُجرى الانتخابات الرئاسية الأمريكية بشكل منفصل من قبل كل ولاية
في هذا الإطار، أوضح المستشار السياسي في ديربورن حسين الدباجة أنه “من المؤكد أن أصوات العرب لعبت دورًا رئيسيًا في فوز بايدن في ميشيغان”. وأضاف أن دعاة المجتمع والمسؤولين المحليين يبذلون جهودا حثيثة من أجل استقطاب الأصوات لصالح بايدن لذلك “أعتقد أنه يمكننا تحقيق بالنصر، ليس في ديربورن فحسب، بل في جميع أنحاء الولاية”.
نظّم المرشحون العرب الأمريكيون في المناطق التي تعتبر مؤيدة بشكل كامل للحزب الديمقراطي حملات انتخابية لصالح بايدن على الرغم من عدم وجود أي تنافس. وكانت عضوة الكونغرس رشيدة طليب، التي كانت إعادة انتخابها مضمونة، تطرق الأبواب وتشرك الناخبين يوميًا. ساعدت حملتها في الحصول على أصوات العرب والسود وانتهى بها الأمر بالفوز بأكثر من 220 ألف صوت. خلال الانتخابات العامة الأخيرة، حصل عضو الكونجرس الراحل جون كونيرز على أقل من 200 ألف صوت في المنطقة ذاتها. وخلال سنة 2016، فاز ترامب بولاية ميشيغان بجمعه أقل من 11 ألف صوت. كما فاز في ولايتي الغرب الأوسط المجاورتين ويسكونسن وبنسلفانيا بفوارق بسيطة للغاية. تبعا لذلك، شدد منظمو الحملات الانتخابية هذه السنة على أهمية كل تصويت مستشهدين بأرقام الانتخابات الأخيرة.
تُجرى الانتخابات الرئاسية الأمريكية بشكل منفصل من قبل كل ولاية، حيث تمنح كل ولاية الفائز عددًا من أصوات المجمع الانتخابي اعتمادا على عدد سكانها. خلال سنة 2020، تمكنت حملة بايدن من استعادة ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا، وإحياء ما يسمى بولايات الحائط الأزرق في الغرب الأوسط. في الانتخابات الحالية، منحت الولايات الثلاث للمرشح الديمقراطي 46 صوتًا في المجمع الانتخابي التي فاز بها ترامب سابقًا، التي جعلت منه يتخطى 270 ناخبًا، وهو العدد المطلوب للفوز بالبيت الأبيض.
إقبال هائل
على الرغم من خسارة ترامب، إلا أنه تمكن من توسيع قاعدته الانتخابية من خلال حصد أصوات ملايين الناس، ولكن الديمقراطيين تمكنوا من حشد عدد أكبر من الأصوات، من خلال تعبئة الشباب والمجتمعات الملونة. ففي مقاطعة واين بولاية ميشيغان، وهي أكثر مقاطعات ديترويت تنوّعا واكتظاظا بالسكان، تفوّق بايدن على ترامب بقرابة 320 ألف صوت، أي أكثر من ضعف هامش فوزه على مستوى كامل الولاية.
توسع هذا الفارق في مقاطعة واين بنحو 30 ألف صوت مقارنة بسنة 2016. ففي ميشيغان، على غرار الولايات الأخرى، تبين أن نتيجة الانتخابات قد حُسمت بتصويت الأغلبيّة، بدلا من تحويل المعارضين إلى مؤيّدين.
علاوة على ذلك، شهدت مقاطعة أوكلاند، التي تضم ضواحي ديترويت الشمالية، زيادة في الإقبال على التصويت والتي تُرجمت إلى هامش أوسع لصالح الديمقراطيين. فازت كلينتون في أوكلاند بحوالي 53 ألف صوت سنة 2016، بينما فاز بايدن في الولاية بأكثر من 100 ألف صوت. علاوة على ذلك، صوّتت مناطق متنوعة في ليهاي فالي وفيلادلفيا في ولاية بنسلفانيا، وأتلانتا في جورجيا، وميلووكي في ويسكونسن، لصالح الرئيس المنتخب. ويقول دعاة من العرب الأمريكيين إن الجاليات العربية خرجت بأعداد غفيرة للتصويت ضد ترامب.
العرب الأمريكيين قد صوّتوا لصالح بايدن لأنهم يرون أن هذا الديمقراطي سيقاتل من أجلهم
بذلت حملة بايدن جهودا للتواصل مع كل من العرب والمسلمين، وأطلقت منصة أمريكية إسلامية ومنصة منفصلة للجاليات العربية، ووعدت بالتراجع عن الحظر الذي فرضه ترامب على المسلمين في اليوم الأول الذي تسلّم فيه الحكم وإنهاء الدعم الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن. ومع ذلك، واجهت الحملة ردة فعل عكسيّة من المدافعين الذين ادعوا أنها لم تفعل ما يكفي لمعالجة القضايا السياسيّة العالقة حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
أفاد عامر زهر، الممثل الكوميدي الفلسطيني، لموقع “ميدل إيست آي” بأنه صوّت لبايدن على مضض، وأعرب عن تفهمه “لارتياح” الناس لرحيل ترامب، لكنه في المقابل، يشعر بالقلق من أن الإدارة الجديدة ستهمّش العرب الأمريكيين والتقدميين الذين ساهموا في فوز بايدن.
قال سامي شيتز، الذي عمل نائبا لمدير الائتلافات في حملة بايدن في ولاية أيوا، إن العرب الأمريكيين قد صوّتوا لصالح بايدن لأنهم يرون أن هذا الديمقراطي “سيقاتل من أجلهم”. وأضاف شيتز أن “الناخبين العرب الأمريكيين بحاجة ماسة إلى شخص في البيت الأبيض ليُناضل من أجلهم، ومن خلال دعمهم الساحق وإقبالهم الكبير على التصويت في الولايات الحاسمة مثل ميشيغان، أوضحوا أن جو بايدن هو هذا الشخص المرتقب”.
شجّع شيتز، وهو عربي أمريكي، الجالية العربية على مواصلة دعم الحزب الديمقراطي معربا عن تفاؤله بالإدارة القادمة، وقال: “لن يكتفي جو بايدن بعكس الضرر الذي لحق بمجتمعنا، بل سينفّذ أجندة تقدمية تعالج أوجه عدم المساواة الممنهجة التي كانت موجودة قبل فترة طويلة من انتخاب دونالد ترامب سنة 2016”.
في البداية، كان معظم العرب والمسلمين يفضلون بيرني ساندرز في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، وبالتالي يتوجب على حملة بايدن شكر متطوعي حملة ساندرز لحشدهم وفود الناخبين الذي يدلون بأصواتهم لأول مرة في ميشيغان مبكرا هذه السنة.
في يوم الانتخابات في ديربورن، بدا ارتفاع نسبة المشاركة السياسية للعرب الأمريكيين واضحا حتى قبل إعلان النتائج، إذ كان موظفو الاقتراع والمتطوعون العرب من الكبار والشباب في كل مكان.
أمضت اعتدال بزّي وجينا شامي، البالغتان من العمر 17 سنة، يوم الانتخابات واقفتين في الطقس البارد أمام مدرسة في ديربورن وقع تحويلها إلى مقرّ اقتراع من أجل حث الناس على التصويت للمرشحين الذين أيّدتهم لجنة العمل السياسي العربي الأمريكي بمن فيهم بايدن. وقالت كل من اعتدال بزّي وجينا شامي إنهما تريدان المساهمة في الانتخابات بطريقة من شأنها أن تؤثّر على حياتهما، مع أن سنهما لا يسمح لهما بالتصويت.
أوردت جينا: “ستؤثر هذه الانتخابات أكثر من غيرها في مستقبلنا. فقد بلغ العمل من أجل تغير المناخ أدنى مستوياته على الإطلاق، وأعتقد أنه من المهم أن يُثقّف الأشخاص الذين في مثل سنّنا أنفسهم”. وأضافت اعتدال قائلة: “مستقبلنا بين أيدي الآخرين”.
المصدر: ميدل إيست آي