قضية جديدة تتيح للجدل أن يستمر بشأن الائتلاف السوري المعارض ورئيسه نصر الحريري، حيث قرر الائتلاف إنشاء “المفوضية الوطنية للانتخابات” استعدادًا للمرحلة الانتقالية وما بعدها، وقال بيان صادر عن هذه المؤسسة: “لا بديل عن هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات، ولا يمكن القبول أو المشاركة بأي انتخابات بوجود هذا النظام المجرم، لكن قراره جاء التزامًا منه بتنفيذ مسؤولياته تجاه قرار مجلس الأمن الدولي 2254 وبيان جنيف لعام 2012”.
وأضاف الائتلاف في بيانه “المفوضية الوطنية للانتخابات، هي جسم فني مكلف بالتحضير للمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية خلال المرحلة الانتقالية وما بعدها، وستعمل في جميع المناطق التي يمكن الوصول إليها داخل سورية من خلال آليات تشمل إنشاء كوادر وتدريب فرق متخصصة للعمل على كل القضايا المتصلة بالعملية الانتخابية”، مشيرًا إلى أنها “ستعمل على التشبيك مع الكيانات السورية الثورية والمعارضة في جميع أنحاء العالم بما يساهم في تبادل الدعم وصولًا إلى ضمان انتخاب الممثلين الحقيقيين للشعب السوري، كما ستعمل على تعزيز مبدأ المشاركة والتعاون مع القوى الاجتماعية والمدنية والسياسية داخل وخارج البلاد”.
فتح إنشاء هذه المفوضية الباب واسعًا للتعليقات الرافضة لهذا القرار التي تعتبر أن هذه القرارات “شرعنة لوجود نظام بشار الأسد” فيما يعتبر البعض أن “الائتلاف مستعد لمشاركة النظام في عملية انتخابية”، وفور إصدار البيان توالت ردود الفعل سريعًا، حيث أعلنت مؤسسات ثورية وحقوقية وتكتلات في المعارضة السورية رفضها للمفوضية أو أي جسم من هذا القبيل.
رفضٌ واسع
الرد الأبرز على إنشاء الائتلاف السوري لمفوضية تعنى بشؤون الانتخابات جاء من المجلس الإسلامي السوري، حيث أعلن في بيان له، أن “إنشاء الائتلاف الوطني المفوضية العليا للانتخابات ومن قبلها تشكيل اللجنة الدستورية سيؤديان إلى شرعنة نظام الأسد وإعادة تعويمه”، مؤكدًا أن “المساهمة في أي انتخابات على أي مستوى تحت مظلة وجود النظام يعد إجهاضًا لمطالب الثورة الكبرى التي قامت لأجل تحقيقها، وعلى رأسها إسقاط النظام ومعاقبة أجهزته القمعية ومسؤوليها”.
بيان المجلس أشار أيضًا إلى أن بيان الائتلاف تزامن مع الانتخابات التي أعلن النظام إقامتها عام 2021 ومهد لها بمؤتمر إعادة اللاجئين، وأضاف البيان “منذ استيلاء حزب البعث على الحكم في سوريا في آذار 1963 لم تقم أي انتخابات حرة ولا نزيهة، في أجواء الاستبداد والرعب والقمع والتضليل والتزوير”. داعيًا كل القوى الثورية وفي مقدمتها الائتلاف إلى “الحفاظ على ثوابت الثورة ومنها رفض أي مقاربة أو مصالحة مع النظام، لأن هذا فضلًا عن كونه إجهاضًا للثورة ومطالبها يعني هدرًا لتضحيات الثورة ودماء شهدائها وآلام جرحاها ومصاب الثكالى”.
فيما توالت ردود كيانات شعبية ومجتمعية على قرار الائتلاف، حيث أصدرت تنسيقيات الثورة للحراك الشعبي بيانًا رفضت فيه خطوة الائتلاف “بشكل قاطع”، معتبرةً أن أي مشاركة في انتخابات في ظل وجود نظام الأسد “تمنحه الشرعية وتعتبر تغطية على جرائمه التي ارتكبها بحق الشعب السوري”، وتمسكت التنسيقيات في بيانها بالتزامها التام “بقرارات مجلس الأمن وحسب تراتبيتها التي تدعو لإجراء عملية انتقال سياسية شاملة، وخصوصا القرار 2254 الذي يقضي بإجراء انتخابات في بيئة آمنة وبإشراف الأمم المتحدة”.
إجهاض لأهداف الثورة
إثر هذه الردود الرافضة بشدة لقرارات الائتلاف توجهنا في “نون بوست” بالسؤال إلى الأستاذ الجامعي محمد نور حمدان للاستفسار عن السخط الشعبي من الائتلاف، في هذا الصدد يقول الدكتور حمدان: “هناك حالة من السخط والغضب من أداء الائتلاف في الأعوام السابقة، لأنه لم يستطع أن ينجز شيئًا على المستوى السياسي، كذلك لم يستطع تمثيل المعارضة السورية في المحافل الدولية، وكان الوضع أشبه بلعبة تبديل كراسي بين شخصيات محددة في المعارضة، ما أضعف ثقة السوريين به وبكل خطوة يقوم بها ويعلن عنها، كما أنهم باتوا ينظرون إلى هذه الأعمال أنها سبب لضياع الثورة وقيمها وأهدافها”.
يطالب الدكتور حمدان الائتلاف بأن يعيد ثقة السوريين به من خلال “تمثيل حقيقي للسوريين وإلا سيبقى حكرًا على شخصيات معينة في المعارضة وأن تكون عنده شفافية كاملة ومصارحة لهذا الشعب الذي ضحى بكل ما يملك خلال السنوات الماضية حتى يصل إلى لحظة إسقاط النظام المجرم ومحاسبته”.
ويرى حمدان أن إصرار الائتلاف على تشكيل هذه اللجنة بعد كل البيانات الرافضة من المجالس الثورية والمجلس الإسلامي السوري ومن شخصيات المعارضة سيكون سببًا في “سقوط الائتلاف بشكل رسمي بين صفوف المعارضة وفي المناطق المحررة”، لذلك لا مجال للائتلاف إلا بالتعبير عن إرادة السوريين والمعارضة والتراجع عن هذه الخطوة والعمل بشكل جدي على تمثيلهم في هذا الجسم، وفقًا لحمدان.
من جهته تساءل القائد العسكري في الجبهة الوطنية للتحرير حسام سلامة: “من أين ستأتي شرعية هذه المفوضية وقد شكل تصريح الإعلان عنها حالة من الصدمة والاستنكار عند عموم الشعب السوري الثائر؟!”.
وأضاف سلامة في حديثه لـ”نون بوست”: “رأينا بيانات التنديد بهذه المفوضية من الهيئات والمجالس الثورية، هذه المفوضية التي لا تخدم سوى الاحتلال الأسدي وحلفائه في الوقت الراهن الذي تسعى فيه روسيا لإعادة تعويم النظام” ويرى سلامة أن المفوضية ما هي إلا “إجهاض لأهداف الثورة في إسقاط النظام ومحاسبته على جرائمه”، مضيفًا أن “قرارات الائتلاف تزيد من الهوة بينه وبين الشعب السوري الثائر وأهداف الثورة وتزيد من تعرية دعواه من تمثيل الشعب والثورة”.
الباحث والكاتب السوري أحمد أبازيد قال: “رغم أن الائتلاف أعلن رفضه المشاركة في انتخابات يشارك فيها رأس النظام بشار الأسد، وهو يحافظ على سقف جيد في تصريحاته بشأن النظام والانتقال السياسي بالعموم، فإن التجربة علمتنا إمكانية التراجع عن التصريحات، كما حصل في العلاقة مع منصة موسكو سابقًا، أو في رفض المشاركة بمؤتمر سوتشي ثم المشاركة في اللجنة الدستورية”.
يضيف أبازيد “في الحقيقة دينامية الحل السياسي تعتمد على اختراع الوهم ثم الاقتناع به وترويجه. هناك وهم اسمه ملء الفراغ ووهم اللجنة الدستورية ووهم الصراع الروسي الإيراني، وحاليًّا وهم الانتخابات، وكأن النظام سيرحل بالانتخابات أو سيرشح شخصًا آخر غير بشار الأسد، أو أن المجتمع الدولي الذي لم يتدخل لوقف المذبحة سيتدخل لبناء ديمقراطية ليبرالية حديثة بينما يصطف ضباط الحرس الجمهوري وميليشيات الذبح والتعفيش ينتظرون دورهم في إصلاح المؤسسة العسكرية”.
فرصة للضغط
يصرّ الائتلاف المعارض على إثارة الجدل يومًا بعد آخر بتصرفاته التي يراها السوريون لا تتوافق مع مطالبهم ولا تخدم قضيتهم، ولم تكن المفوضية آخر تلك الأفعال بل سبقتها انتخابات الائتلاف التي اعتبرها كثيرون بمثابة “تبدل طرابيش”، حيث حصلت عملية “إعادة التدوير” وحملت معها نصر الحريري ليترأس الائتلاف بعد أن كان أنس العبدة رئيسًا له، فيما انتقل أنس العبدة من رئاسة الائتلاف إلى رئاسة الهيئة العامة للمفاوضات التي كان يرأسها نصر الحريري.
إضافةً إلى ذلك وعلى الرغم من رفضه المشاركة في مؤتمر سوتشي بروسيا الذي انعقد عام 2018، فإن الائتلاف بات يلتزم حرفيًا بمخرجاته، حيث يشارك بلجنة صياغة الدستور التي هي من أهم مخرجات مؤتمر سوتشي وهو ما فتح على الائتلاف موجة كبيرة من انتقادات السوريين.
وفي معرض انتقاده للائتلاف قال الأستاذ الجامعي محمد نور حمدان لـ”نون بوست”: “رئيس الائتلاف نصر الحريري قام في مراحل سابقة ببعض المبادرات التي لم يكن لها أثر إيجابي على مستوى الثورة منها تشكيل هيئة المفاوضات التي يعتبر كثير من السوريين أنها كانت سببًا لخسائر كثيرة على الأرض ومنها اللجنة الدستورية التي لم تقدم ولم تؤخر شيئًا بل أعطت مزيدًا من الشرعية لهذا النظام المجرم أمام المجتمع الدولي”.
أمام هذا الرفض الكبير لقرارات الائتلاف السوري المعارض، تحدث بعض النشطاء عن تأييدهم لقرار الائتلاف بإنشاء هذه المفوضية، وفي هذا السياق يقول الناشط السوري محمد شيخ عبيد:
“تشكيل الائتلاف لهيئة عليا للمفاوضات، تشرف وتروج لمشاركة السوريين المهجرين بأي انتخابات تجري في سوريا، هو بناء لمؤسسة”، مضيفًا “قبل أن نشكك في مدى نجاح هذه المؤسسة علينا أن نسأل أنفسنا: ماذا لو قرر الغرب أن يفرض على النظام إجراء انتخابات حرة في سوريا، معتمدًا على حقيقة أن من في الخارج لا يمكنهم التصويت، ومن في الداخل سيزور النظام أصواتهم كما يريد”.
ويكمل الشيخ عبيد حديثه “فإذا لم يكن لدينا مؤسسة ولو شكلية تعترض على عدم مشاركة سوريي الخارج في الانتخابات وبالتالي تشكك في شرعية انتخابات النظام، فستنجح خطة النظام ومشغليه الغربيين بسهولة، وسيبقى لنا نحن الشتم واللطم هنا على الفيسبوك، وأنا أفضل أن أسميه العواء في الحقيقية”.
يضيف الناشط السوري في منشوره على موقع فيسبوك “وجود مفوضية عليا للانتخابات وبناء شبكتها وبناء آليات عملها، أولًا سيمنح السوريين المهجرين فرصة للضغط باتجاه انتخابات حقيقية يشارك فيها الجميع، أو في حال رفض النظام فسيكون لها دور في سحب الشرعية من انتخاباته قبل أن تبدأ، وهذه الاحتمالات كلها مفيدة لنا وتصب في مصلحتنا”.
بعد الردود التي يمكن وصفها بالعنيفة على قرار إنشاء مفوضية الانتخابات، لم يستطع نصر الحريري رئيس الائتلاف السوري أن يتراجع عن هذا القرار بشكل نهائي بل أوقف العمل بالقرار على حد وصفه وغرد الحريري على توتير قائلًا: “استجابةً لمطالبات عدد من القوى الثورية والشعبية وحرصاً على وحدة الصف وعلى احترام وجهات نظر السوريين، فقد أوقفنا العمل بقرار إحداث مفوضية انتخابات، وسنجري المزيد من المشاورات مع القوى الثورية والسياسية للوصول إلى صيغة مناسبة.. كانت مهمتنا وستبقى تمثيل السوريين والتعبير عن إرادتهم”.
ويبدو أن الشعب السوري لا يريد إيقافًا بالعمل في هذا القرار بقدر ما يريد معالجة جذرية لآليات العمل وآليات اتخاذ القرارات والعمل على ما يكون في صالح الشعب والثورة.