جذب شريط فيديو عنوانه “الإخوان المسلمون يعذبون الأطفال و يلقونهم من فوق البنايات” انتباه المصريين و متابعين أخرين لما يحدث من تطورات في مصر. تمت نشر الفيديو على نطاق واسع على شبكات التواصل الاجتماعي، كما عرضته قنوات تلفزيونية مصرية و دولية. و بعد نظرة قريبة فاحصة على الفيديو الذي مدته خمس دقائق، نتوصل إلى نتائج واضحة بخصوص مضمون و مصداقية هذا الشريط.
الكاميرا تنتقل مباشرة بعد تصوير قصير لمدخل البناية إلى الأعل حيث يوجد عدد من الأشخاص. و في خلال الخمسين ثانية التالية، ليس هناك شئ أكثر من تكبير وتصغير للمشهد، و بدون تركيز على الأشخاص الموجودين الذين يتحركون حركة عادية وبطيئة ويستعدون لشيء ما.
و في الدقيقة و النصف التالية، الكاميرا تنتقل ثانيةً إلى مدخل البناية حيث يوجد تجمع مكون من 10 إلى 20 شخص. لم يدخل الجميع في البناية؛ فقط عدد قليل الذي سُمِحَ لهم أن يدخلوا.
في الدقيقة 2.29: لاحظ الرجل الذي يلبس قميصا ذا لون الأخضر الفاتح، و الذي يبدو من خلف الخزان- سنرجع إليه فيما بعد.
في الدقيقة 2.34: لاحظ الرجل الذي يلبس قميصا أبيض و له لحية طويلة و راية بيضاء و سوداء، و التي تظهر في مظاهرات الإسلاميين، يتحرك باتجاه الشرفة ليشجع الناس على التكبير، و نسمع في الشريط كلمة “الله أكبر”. و من ثم يعود خلف الخزان و في طريقه يلمس لحيته عدة مرات.
في الدقيقة 2.58: نلاحظ أربعة أشخاص فوق الخزان، و الذين يلبسون على التوالي أبيض و وردي و أسود و رمادي غامق. لا يبدو عليهم الفزع حيث أنهم يجلسوا على حافة الخزان قبل أن يقف أحدهم. لم يكن هناك صياح و لا أحد يلوح بيده و لا قفز للأعلى أو الأسفل، و لم يكن هناك توسل للمساعدة أو الرحمة- كل ما كان هو تحركات بطيئة وعادية.
في الدقيقة 3.18: هناك شخص يلبس قميصا أحمر و يقف قرب حافة الشرفة و يلوح بيده شارة النصر باتجاه الناس في الأسفل و يشجعهم على الهتاف.
في الدقيقة 3.20: الجزء الأساسي من الحدث يبدأ، و ذلك حسب المعلق: “انظر إلى الأربع أشخاص فوق الخزان؛ هناك ناس يلاحقونهم، هيا دعونا نرى ماذا سيفعلون بهم.”
في الدقيقة 3.45: يوجد ثلاث أشخاص في الأسفل، في الناحية اليسرى للشاشة و يتصرفون بصورة بطيئة غير مكترثة، و هم ليسوا منهمكين في الحدث الرئيسي، فقط ينظرون للأسفل و يحرسون و يقذفون أحيانا بعض الحجارة للأسفل.
في الدقيقة 3.50: وتيرة الحدث تسرع قليلاً، الأشخاص على الناحية اليمنى يلقون بعض الحجارة على الأشخاص في أعلى الخزان و بعد ثوانٍ يذهبون بعيداً و يخلون المكان فارغا أمام الخزان.
الدقيقة 4.05: لاحظ كيف يقف الموجودون أعلى الخزان بصورة غير مكترثة، و ينظرون خلف الخزان و ينتظرون ببساطة الجزء الثاني من المشهد.
الدقيقة 4.08: يتم توجيه المشاهد للنظر إلى المشهد خلف الخزان حيث يوجد من ثلاث إلى أربع أشخاص منهمكين في المشهد، يبدو كانه تصارع، و لكن ليس هناك تركيز كافٍ لإظهار التفاصيل ومدى خطورة ما يحدث، الا أن المعلق يبدو متأكدا يعلق بطريقة مصطنعة: “أووو لا، قتلوه، قتلوه!” الكاميرا لم تركز كثيراً على مشهد “التعذيب و القتل”. كما يبدو وكأن الكاميرا تنتقل بعيداً بشكل حاد في الدقيقة 4.18 (هل وقعت لحية أحدهم؟). مشهد الصراع يتم بشكل سريع لعدة ثواني قبل تحويل الانتباه إلى الأشخاص المتواجدين فوق الخزان، و ذلك للفت الانتباه إلى المشهد التالي.
نجد أن الأشخاص في الأسفل يضعون “معداتهم” و تنتهي مهمتهم، بينما يتحول الانتباه إلى أعلى الخزان حيث يوجد الضحايا المفترضون الذين ما زالوا ينتظرون.
من الدقيقة 4.28، يبدو أن الأشخاص في المنطقة على الجهة اليمنى يبتعدون عن المكان القريب من الخزان و يخلون مساحة ما ليصبح المكان جاهزاً.
الدقيقة 4.39: يتم دفع الشخص الأول. المعلق يصرخ. المعلق الثاني الذي يشاهد كل شئ يستوضح قائلاً: ماذا؟ ماذا حدث؟ يقول: لا، لقد مات، و تبدو نبرة الرعب مصطنعة جدا. لاحظ أن الشخص الذي تم دفعه من فوق الخزان هو احد الأشخاص الذين ظهروا في البداية، و هو يلبس قميصا ذا لون أخضر فاتح- يعني ليس أحد الأشخاص الأربعة الأصليين اللذين كانوا على الخزان كما يحاول أن يظهر لنا المعلق.
في الدقيقة 4.49: يُمسك رجل شئا في يده و يضرب الشخص الملقى على الأرض في رأسه لمرة واحدة، و لكن برفق.
الدقيقة 4.55: يقع الشخص الثاني. لم نرَ مشهد الدفع، فقط يظهر مشهد السقوط.
الأشخاص في الجهة اليمنى للشاشة يتحركون ليظهروا شئا من الانزعاج (غير متناسب تماماً مع امكانية أن شخصا قد مات). الفيديو ينتهي فجأة و بدون محاولة التركيز على الضحية المزعومة.
التحليل و الأسئلة:
- التصوير و حركات الكاميرا تبدو مريبة: التركيز يتنقل بشكل حاد عدة مرات حتى يوجه المشاهد إلى مكان الحدث، و أيضاً لمكان يتوقع أن يحدث فيه شئ قبل أن يحدث. تركيز الكاميرا في البداية يوضح أن هناك امكانية لتكبير وتقريب المشهد أكثر، و لكن لم يتم فعل ذلك في أي مرحلة من مراحل التصوير. تم فقط توجيه المشاهد إلى أين يجب أن ينظر و إلى أين يجب أن لا ينظر.
- التعليق المصاحب للأحداث أيضاً مريب و يبدو و كأنه تعليمات من مُخرج يقرأ نصا. يقال لنا: هؤلاء الأشخاص الملاحقون من طرف أنصار مرسي، و الذين من أجلهم تم الصعود للأعلى، دعونا نرى ماذا سيفعلون بهم. نغمة صوت المعلق لا يبدو فيها التعبير عن الاندهاش أو الصدمة أو التعاطف التلقائي الذي قد يبديه المشاهد لمثل هكذا حدث. عندما يدعو المشهد لردة فعل عاطفية، تبدو مصطنعة، و في الغالب لا تكون مرتبطة لما نراه في المشهد الحقيقي. يقال: انظر، إنهم يقتلونهم، و لكن لا يبدو ذلك واضحا بتاتا في المشهد. يقال لنا: إنه مات، في حين أنه لا يبدو استنتاجا حتمياأن السقوط من ارتفاع أربع إلى خمسة أمتار من الممكن أن يكون قاتلاً. (من السهل أن نستنتج ارتفاع الخزان من خلال الشخص الذي يقف جانب الخزان في عدة مشاهد: الواضح أن الارتفاع أقل من ثلاثة أضعاف طول الشخص).
- الأشخاص في الشرفة جميعهم يتحركون بشكل عادي: لا يبدو أن هناك خطرا يشعر به أحد في المكان، بما في ذلك أعلى أو أسفل الخزان.
- سرعة الحدث تبدأ فجأة في جهة واحدة من الشاشة و الأشخاص المشاركون في المشهد تتغير حركتهم، و البقية يواصلون حركتهم البطيئة حتى تعود الكاميرا للتركيز عليهم.
- لا أحد يحاول أن يغادر المشهد بأي طريقة، و لا واحد يهرب و لا واحد يحاول أن يستنجد.
- كل الفيديو يبدو قصيراً و كل المشاهد الأساسية تبدو سريعة ومختصرة- “الضرب و القتل خلف الخزان” فقط 20 ثانية؛ الإلقاء من فوق الخزان 20 ثانية أيضاً، و هكذا.
- مشهد الدفع من فوق الخزان يبدو بوضوح أنه “المشهد الأساسي” و بالتالي الجميع يترك كل شئ و ينتظر ليشاهده، و يترك مساحة واسعة لتبعاته.
- في نهاية الفيديو يبدو أن الأشخاص الحاضرين يتصرفون على أساس أن مشهد السقوط قد انتهى و بالتالي قد انتهت المهمة، و يتحركون دون أت تظهر عليهم علامات الفزع.
- يبدو الفيديو ليس له سياق طبيعي: لا يوجد حدث واضح يدور في الأسفل؛ يبدأ التصوير فجأة و ذلك بتصوير مشهد الأشخاص الموجودين فوق الخزان و ينتهي فجأة بعملية السقوط و الموت الزعوم- وحتى في هذه الحالة فإنه لم يركز على جثث الموتى لبعض الوقت كما هو متوقع، و لا على ردة فعل الناس المتواجدين، كما هو كتوقع أيضاً.
- نقطة ثانية بخصوص السياق: المشاهد يستريب لصوت إطلاق النار الذي يسمع صوته خلال التصوير، بينما لا يوجد أحد مصاب خلال الأحداث و لا يبدو أن أحداً يتوقع امكانية أن يصاب.
النتائج:
بعد الدراسة المكررة للفيديو نستنتج أنه اخراج بشكل هاو لمسرحية ما: فانه بدون تعليمات المعلق ولفتاته فإنه يبدو كمسرحية أطفال يعرفون هم فقط تفاصيل ما يقومون به، كل واحد له دوره، بينما المشاهد لن يفهم ماذا يحدث بدون التعليق المصاحب و بدون العنوان الموجه “الأخوان المسلمون يعذبون و يقتلون الأطفال بإلقائهم من فوق البنايات،” لا يمكن لشخص أن يصل إلى نتيجة أن هناك تعذيبا و قتلا ووفاة في هذه المشاهد دون التعليق والعنوان.
السياق المصطنع تمت صناعته عن طريق أصوات إطلاق النار. الغرض من ذلك إما أن يعطي انطباعا بأن هناك سياقا حقيقيا للحدث وأن هناك مواجهة ما تقع وأن المشهد الذي نراه هو جزء منها، أو أن يشتت انتباه المشاهدين حتى لا يركزوا بشكل دقيق لا في المشهد و لا في الصوت- و هذا ما تم (هذا هو الجزء الناجح في فيلم تفتقر جوانب اخراجه الأخرى الى أي نجاح في الاقناع).
النتيجة الحتمية هي أن هذه مسرحية مدفوعة الثمن من أجل إثارة الرأي العام ضد رافضي الانقلاب، و من أجل حشد الدعم للانقلاب و ذلك حتى يتم تبرير اضطهاد الإسلاميين كجزء من حملة الشائعات المنظمة.
سرعة انتشار هذا الفيديو سئ الإخراج، ليس فقط عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بل عبر العديد من القنوات المصرية و للأسف قنوات كبيرة مثل العربية و الـ إم بي سي، و الذين عامة يدعمون الانقلاب بشكل كبير، جعله يبلغ نسبة عالية من المشاهدة في أقل من 24 ساعة.
و في مشهد إضافي، بثت إم بي سي مصر مقابلة مع احد الأشخاص يزعم أنه والد أحد الضحايا. الرجل قدم سياقاً للحدث بدا غير متناسب مع ذلك الذي يبدو في الفيديو و ركز على أن المهاجمين كانو “ملتحين”. يبدو الرجل في البداية هادئا تماما، يمدح في “ثورة 30 يونيو” و كيف أن المصريين كلهم مسرورون، ما عدا هؤلاء “الملتحين” الذين يريدون تنغيص سعادة المصريين. ثم أظهر شيئاً من التأثر، و الذي بدا أن مقدمة البرنامج أرادت أن يصطنع مثله، و لكن لم تتقن ذلك. ثم عاد ليمدح الجيش و وزير الداخلية والجنرال السيسي و يدعو لهم بالنجاح و يتمنى للجميع حظاً سعيداً.
يبدو أن الفيديو في البداية استطاع أن يخدع المشاهدين و يصدمهم، و هذا ما يبرر أن بعض الإسلاميين على مواقعم على الإنترنت أبدوا نوعاً من الفزع من هذا الشريط و بدؤوا يبحثون أو يشككون في بعض أجزائه حتى ينأوا بأنفسهم عنه. و لكن بعد مشاهدته عدة مرات و التركيز على العديد من أجزائه، فإن أي مشاهد يستطيع أن يتحرر من التأثيرات الصوتية والتوجيهات واللعب بعواطفه ليعي المشاهد أنه وقع ضحية عملية خداع مقصودة. مثل هذه النظرة الفاحصة من وجهة نظرنا تقدم رواية أكثر عقلانية و منطقية و مقنعة للأحداث التي تدور وللتفسير الذي ندفع اليه عن طريق التأثيرات التي ذكرنا.
في النهاية، فإن الفيديو و استخدامه على نطاق واسع بواسطة وسائل الإعلام المصرية و الدولية يعطينا مؤشرا خطيرا: الشعور بأن هناك من يحتاج الى فبركة فيلم كهذا من أجل دعم مزاعم “الإرهاب الإسلامي؛” و أن هناك جهات ترى أن مثل هذا يعد خطوة ضرورية من أجل شيطنة الإسلاميين و من أجل إدانتهم و حظرهم، و أيضاً من أجل حشد الرأي العام لدعم الانقلاب و إسكات الرافضين لاضطهاد الرافضين للانقلاب، حتى يبدو الاضطهاد وكأنه إجراء احترازي. اشتراك الإعلام في العملية واضح و مروع، و في المشهد الحالي الذي يغيب فيه الإعلام المحايد، ذلك يطرح أسئلة خطيرة عن التطورات القادمة في المستقبل.