ترجمة وتحرير: نون بوست
داهم مئات من رجال الأمن والشرطة النمساوية 70 موقعا في فيينا فجر التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر، تاركين عشرات العائلات المسلمة في حالة من الذعر والصدمة. وكان يُعتقد أن تلك الحملة جاءت كانت ردا على هجوم مسلح وقع قبل أسبوع من ذلك التاريخ وسط فيينا وخلّف أربعة قتلى و20 جريحا.
ومع ذلك، أثار وزير الداخلية، كارل نيهمر، الدهشة عندما نفى ذلك، مشيرا إلى أن هذه المداهمات، التي كانت الأكبر من نوعها، لا علاقة لها مطلقا بالمسلح الذي ينتمي لتنظيم الدولة، والذي قام بالهجوم قبل أسبوع.
وأوضح الوزير أن المنازل والمكاتب المستهدفة كانت لأفراد ومنظمات يُزعم ارتباطها بحركة حماس الفلسطينية وجماعة الإخوان المسلمين. وقد أدان العديد من الناشطين ومنظمات حقوق الإنسان في جميع أنحاء أوروبا، بما في ذلك مجلس جنيف للحقوق والحريات، هذه العملية.
من المثير للدهشة أن هذه العملية التي كانت من أكبر العمليات الأمنية في أوروبا، لم تكن مرتبطة بالهجوم الذي سبقها، وكانت ذات توجّهات سياسية بحتة. جاء ذلك في الوقت الذي تعرضت فيه البلاد إلى تداعيات خطيرة بسبب الهجوم الإرهابي، حيث تم الكشف عن أن المهاجم كان معروفا لدى السلطات، وقد تم رصد لقاءات جمعته بعناصر أخرى في ألمانيا، كانوا يخضعون للمراقبة من قبل السلطات الألمانية.
ارتُكبت خلال الحملة عدة انتهاكات، بما في ذلك طريقة مداهمة المنازل في ساعة مبكّرة من الصباح، ومصادرة الممتلكات دون أي تفسيرات، ومن بينها هواتف محمولة وأجهزة الكترونية وأموال. يشبه هذا الوضع، إلى جانب عدم توجيه تهم لأي من المعتقلين، ما تقوم به الأنظمة القمعية والديكتاتورية في دول العالم الثالث.
من بين أولئك الذين شاهدوا عناصر مكافحة الإرهاب المدججين بالسلاح يقتحمون منزلهم في الخامسة صباحا يوم 9 تشرين الثاني/نوفمبر، أرملة تبلغ من العمر 76 سنة، تعيش بمفردها، وكان زوجها الراحل يعمل لدى الأمم المتحدة. تم اعتقال المرأة واستجوابها لساعات، ولا تزال تشعر إلى الآن بالصدمة جراء ما حدث في ذلك اليوم.
يشير كلّ هذا، إلى جانب التصريحات الأخيرة التي أدلت بها الحكومة الفرنسية، إلى تراجع الديمقراطية والحريات، والذي يصاحبه صعود السياسيين اليمينيين والشعبويين في جميع أنحاء أوروبا. ورغم عدم وضوح الصورة بشكل كامل، يجب أن يُنظر إلى ذلك بشكل معمّق.
مسلمون يصلّون الجمعة خارج مسجد في فيينا يوم 6 تشرين الثاني/نوفمبر
أسئلة حول دوافع الحملة
في الوقت الذي كان فيه النمساويون يتوقعون الكشف عن معلومات جديدة عن كيفية حدوث هجوم الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر، أثار التحرك المفاجئ ضد عشرات المنظمات وأفراد الجالية المسلمة في النمسا، والذين أظهروا منذ فترة طويلة احتراما كبيرا للقانون، بحجّة أنهم يشكلون بطريقة ما تهديدًا للقيم النمساوية، تساؤلات كثيرة.
من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة تحاول صرف الانتباه عن فشلها الأمني من خلال لفت الأنظار إلى مسألة جانبية، أو ما إذا كانت قد رضخت للضغوط من بعض الأنظمة الاستبدادية مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللتين أعلنتا الحرب على المنظمات الإسلامية التي تتبنى الديمقراطية، باعتبارها تشكل تهديدا حقيقيا لوجودها.
أما التفسير الثالث فيتعلق بالتزام الحكومة النمساوية بدعم أجندة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتفعيل “صفقة القرن“، والتي تتطلب إزالة سريعة لجميع العوائق، بما في ذلك العديد من المنظمات غير الحكومية المؤيدة للفلسطينيين والتي تعمل في جميع أنحاء أوروبا والغرب.
إذا كان هناك رابط بين جميع المستهدفين في هذه الحملة، فهو أنهم جميعا قاموا بحملات من أجل عدم القضية الفلسطينية. ورغم الالتزام بالقانون ودفع الضرائب والشفافية، فإن التسامح مع المشاعر المؤيدة للفلسطينيين تراجع في جميع أنحاء أوروبا، وهو أمر يرتبط مباشرة بالأفكار اليمينية المتطرفة التي تتبناها بعض الحكومات الأوروبية.
القبضة الحديدية
الاستنتاج الواضح بعد كل ما حدث هو أن أي شخص يعبر عن دعمه لحقوق الفلسطينيين أو يعمل على تخفيف معاناة اللاجئين الفلسطينيين أو يقدم ملابس للأيتام الفلسطينيين، يُعتبر مؤيدا لحركة حماس، ويُنظر إليه على أنه مشتبه به. وفق هذه النظرة، سيشكل هذا الشخص خطرا على الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، ويُمكن أن يستغله المتطرفون بأي شكل من الأشكال.
بما أن أيا من المستهدفين لم يرتكب جريمة، فما الذي يمكن أن يبرر القبضة الحديدية وهذه الحملة على كيانات قانونية تقوم بأعمال إنسانية؟ لماذا تُغلق الحسابات المصرفية الشخصية والتجارية لمواطنين أبرياء في وقت تتعرض فيه العائلات لضغوط مالية هائلة بسبب إجراءات كوفيدـ 19 وعمليات الإغلاق؟
ينبغي القول إن التهديد الحقيقي لاستقرار أوروبا وازدهارها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي هو ميل سياسييها إلى التصرف كمنظّرين مؤدلجين أو ناشطين أو مندوبي مبيعات. ومع توجيه الدعوة للسلطات النمساوية من أجل معالجة الأضرار التي لحقت بالعشرات من العائلات، وإعادة الممتلكات المصادرة من المنازل والمكاتب التي وقع اقتحامها، وإعادة فتح الحسابات المصرفية المغلقة، فمن المهم ألا يقع هذا النوع من الحوادث مرة أخرى في أي مكان في أوروبا.
من أجل الاستقرار الحقيقي، يجب التغلب على آفة التطرف بجميع أشكالها. إذا انحرف النضال ضد تنظيم الدولة والنازيين الجدد، وهي الأهداف التي يتوحد خلفها الجميع، نحو حملات تستهدف العناصر السلمية التي تتبنى وجهات نظر سياسية معينة أو تقوم بأعمال إنسانية وخيرية، سيؤدي ذلك إلى تقسيم المجتمع وتحقيق أهداف المتطرفين والإرهابيين. إن محاكاة ممارسات الأنظمة الدكتاتورية عبر العودة إلى الطغيان والفاشية والاستبداد والقمع ضد مواطنينا، يعني هزيمة جوهرية لقيمنا.
المصدر: ميدل إيست آي