في عام 1960 تعرضت الأخوات ميرابال (باتريا ومنيرفا وماريا تريزا) – الناشطات في جمهورية الدومينيكان – إلى اغتيال وحشي بأوامر من الحاكم رافاييل تروخيو بسبب معارضتهن له، وبعد عشرين عامًا اختار النشطاء يوم 25 من نوفمبر/تشرين الثاني يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة.
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة عام 1979 التي دخلت حيز التنفيذ عام 1981 ووافقت عليها 20 دولة، ثم أعلنت الأمم المتحدة بشكل رسمى عام 1999 أن يوم 25 من نوفمبر/تشرين الثاني هو اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، ودعت الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية لتنظيم فعاليات في هذا اليوم والتعريف بالمشكلة.
تتضمن الاتفاقية 30 مادةً عن تعريف التمييز ضد المرأة وطرق القضاء عليه والتصدي لاستغلالها ودورها في الحياة العامة والسياسية والمساواة في التعليم والمساواة في الاستحقاقات المالية وغيرهم.
مواجهة العنف ضد المرأة العربية
تواجه المرأة في العالم أجمع والمرأة العربية خاصة الكثير من التمييز مثل الحرمان من التعليم والحرمان من العمل أو المشاركة السياسية والإيذاء الجسدي سواء في بيت الأهل أم بيت الزوجية.
لمواجهة هذا الواقع أصدرت العديد من الدول العربية عدة قوانين لمناهضة العنف ضد المرأة، فقد أصدر الأردن قانون الحماية من العنف الأسري عام 2017، وأصدرت الإمارات القانون نفسه عام 2019، بينما أصدره العراق مؤخرًا في أغسطس 2020.
في كثير من المناطق يسمح الزوج لزوجته بالعمل في مقابل الحصول على راتبها وتحديد كيفية إنفاقه أو جزء منه
يعد إقليم كردستان العراق من أول الدول التي أصدرت القانون، حيث صدر عام 2011، يليه لبنان الذي أصدره عام 2014، بينما يجري إعداد القانون في فلسطين ومصر واليمن الآن.
هل توقف العنف حقًا؟
رغم صدور كل هذه القوانين المناهضة للعنف ضد المرأة، فإن المجتمع لا يلتزم بذلك، فالرجال يعتقدون أن ضرب المرأة سواء كانت أختًا أم بنتًا أم زوجةً جزء من القوامة لتهذيبها وتربيتها، وهي ناقصة عقل ودين في كل وقت فلا يجب أن تستقل برأي أو تتحكم في المال حتى لو كان مالها أو يكون لها أي سلطة على الرجل.
تشكل النساء 71% من ضحايا العنف بشكل عام في جميع أنحاء العالم، وتتعرض واحدة من كل 3 سيدات أو بنات للعنف الجسدي في حياتها، بينما تستطيع 52% فقط من النساء المتزوجات اتخاذ قرار حر في حياتهن.
ماذا عن العنف الاقتصادي؟
يعد العنف الاقتصادي شكلًا من أشكال العنف ضد المرأة، فهي تتعرض للحرمان من الميراث ابتداءً في كثير من المناطق، والحرمان من العمل ومن ثم حرية الإنفاق، فعادة ما تكون تابعة لوالدها أو أخيها أو زوجها وهذه التبعية الاقتصادية يتبعها قيود على الحرية، فهي لا تستطيع أن تتخذ أي قرار يخص حياتها الشخصية أو عملها أو دراستها أو سفرها من مكان لآخر دون إذنهم وموافقتهم.
في كثير من المناطق يسمح الزوج لزوجته بالعمل في مقابل الحصول على راتبها وتحديد كيفية إنفاقه أو جزء منه ولا بد من علمه بأوجه إنفاق مالها وربما لا يعمل الرجل فتتولى المرأة الإنفاق على البيت وفي الوقت نفسه القيام بالأعمال المنزلية ورعاية الأبناء دون مساعدة.
تتعرض النساء للضغط والاتهام بتفكيك شمل الأسرة أو إهانة إخوانها الذكور حال قررت رفع دعوى ضدهم
وفي الريف تعمل النساء في البيت وإضافة إلى ذلك يشاركن في أعمال الزراعة دون الحصول على أجر مقابل ذلك، وفي صعيد مصر تُحرم غالبية النساء من ميراثهن بحجة الحفاظ على أموال العائلة أو حتى لا يتمكن رجل غريب – زوج المرأة – من الحصول على أموال العائلة.
تشير الإحصاءات إلى أن 10% فقط من النساء في صعيد مصر يحصلن على ميراثهن وتنظر المحاكم سنويًا 144 ألف قضية تنازل عن الميراث وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ورغم تعديل قوانين المواريث عام 2017 لمعاقبة كل من امتنع عن تسليم الوارث نصيبه الشرعي وتجريم إخفاء المستندات التي تثبت الميراث، فإن ذلك لم يغير من الواقع شيئًا.
تتعرض النساء للضغط والاتهام بتفكيك شمل الأسرة أو إهانة إخوانها الذكور حال قررت رفع دعوى ضدهم، وربما تتمكن من الحصول على حكم قضائي لكنها لا تتمكن من تنفيذه بسبب سياسة وضع اليد.
وللتحايل على الأمر ظهر قانون “الرضوى” العرفي، حيث يقدم الوارثون الرجال مبلغًا ماليًا للوارثات النساء للتنازل عن حقهن في الميراث، عادة ما يكون هذا المبلغ لا يتعدى ربع حقها، لكن الكثير من النساء يقبلن به بدلًا من الحرمان من الميراث كاملًا.
فجوة الأجور في العمل
في جميع أنحاء العالم تتقاضى النساء أجورًا تقل عن الرجال في أغلب المجالات، وتقدر فجوة الأجور بين الجنسين بنسبة 23% على مستوى العالم، ترجع هذه الفجوة إلى وضع المرأة في قالب معين واعتبارها غير قادرة على العمل بشكل مكافئ للرجل لانشغالها بأعمال المنزل وتربية الأطفال مما يعني بخس عملها وعدم الحصول على التقدير المناسب، فتحصل على راتب أقل من الرجل عند قيامهم بنفس العمل بنفس الكفاءة ونفس عدد الساعات.
هناك فكر سائد أيضًا يعتبر الرجل العائل الأول والأساسي للأسرة، وعليه يجب أن يحصل على راتب أكبر لتغطية النفقات بغض النظر عن مدة كفاءته وتفوقه في العمل مقارنة بنظيراته من النساء، وتتفاقم تلك الفجوة كلما كان هناك تقدم في المنصب.
كما يدّعي البعض أن النساء لا يستطعن أداء جميع الأعمال خاصة التي تحتاج إلى قوة جسمانية عالية ويضعوا على أساسه تلك الفروق غير المبررة، أما فيما يتعلق بالترقيات فإن النساء يتعرضن لتمييز واضح خاصة الأمهات، حيث يبتعد أصحاب العمل عن ترقية النساء لمناصب رفيعة رغم كفاءتهم لأنهن قد يتغيبن عن العمل في إجازة وضع أو رعاية طفل مما يؤثر على سير العمل.
هذه الأسباب الوهمية بالإضافة إلى تحيز المجتمع ضد المرأة أدى إلى التقليل من عمل النساء وأهميته وعدم وجود حل آخر أمام النساء إلا القبول براتب أقل لحاجتها الماسة للعمل أو التوقف عن العمل تمامًا بسبب هذا الظلم.
عند المقارنة بين النساء أنفسهن نجد غيابًا في المساواة بين الأمهات وغير الأمهات، فالفرق في نسبة الأمهات العاملات وغير الأمهات يصل إلى 38%، حيث تشترط الكثير من الشركات عدم زواج المرأة أو عدم وجود أطفال بغض النظر عن المستوى التعليمي والخبرة والكفاءة في العمل.
كيف نساعد على إنهاء التمييز ضد المرأة؟
أدت جائحة كورونا هذا العام إلى تفاقم العنف ضد المرأة خاصة العنف المنزلي أو التسريح من العمل لتراجع الاقتصاد، لذا دعت الأمم المتحدة لاتخاذ عدة خطوات لتسليط الضوء على العنف ضد المرأة والقضاء عليه، وتلك الخطوات هي:
الاستماع للضحايا وتصديقهن
عندما تشارك المرأة قصة تعرضها للعنف فإنها تتخذ أول خطوة في كسر دائرة العنف، لذا يجب أن نمنحها المساحة الآمنة التي تحتاجها لإيصال صوتها ومساعدتها على إثبات حقها بشكل قانوني والحصول عليه بدلًا من إسكاتها أو التشكيك في صدق روايتها.
تعليم الأجيال القادمة
يجب أن نبدأ مبكرًا في تنشئة الأجيال القادمة على ثقافة المساواة واحترام حقوق الإنسان وخضوع الجميع للقانون والمساءلة بشكل متساو بغض النظر عن النوع، لبناء مستقبل أفضل.
توفير خدمات الدعم المناسبة
لكي تتحدث الضحايا دون خوف يجب توفير خطوط ساخنة وملاجئ للاستشارات وتوفير الدعم للناجيات من العنف، وضمان توفير الرعاية الأساسية لهن واتخاذ التدابير الوقائية اللازمة وتحسين تلك الخدمات باستمرار.
التعرف على علامات الإساءة
هناك أشكال واضحة للإساءة يستطيع أي شخص التعرف عليها ويكون لها آثار جسدية ونفسية خطيرة، لذا إذا وجدت هذه الآثار حول شخص ما فابحث عن طريقة آمنة لتقديم المساعدة والدعم اللازمين.
مواجهة ثقافة العنف والتمييز
عادة ما يجد هذا التمييز قبولًا مجتمعيًا وتبريرًا مستمرًا لتلك التصرفات وإلقاء اللوم على المرأة وأنها السبب فيما يحدث لها، لذا يجب أن نبدأ أولًا بتفكيك تلك الثقافة والدعوة ضد جميع السلوكيات السيئة التي تحظى بقبول مجتمعي.
عادة ما يتخذ العنف أشكالًا عديدةً، لذا للمساهمة في خلق بيئة أكثر أمانًا للجميع يجدر بنا عدم التردد في اتخاذ موقف مناهض وتشجيع الآخرين على ذلك، وليبدأ كل واحد فينا بنفسه وبالتأكيد سيتبعنا الآخرون.