“حضر السلاح وغابت التنمية” مقولة يرددها العديد من المغاربة والجزائريين في ظل تواصل سباق التسلح بين الجزائر والمغرب، فما إن نسمع بصفقة سلاح لدولة ما حتى نسمع بصفقة أكبر منها للدولة الثانية، صفقات تكلف خزائن كلتا الدولتين أموالًا طائلةً في الوقت الذي كان من الأفضل فيه، وفق العديد من المتابعين، أن تذهب تلك الأموال إلى تنمية القطاعات “الهشة” التي تشهد تراجعًا كبيرًا في البلدين.
ميزانية الدفاع تتربع على موازنة الجزائر
آخر صفقات الأسلحة جاءت من الجزائر، حيث كشفت وسائل إعلام محلية ودولية عن توقيع الجزائر لعقد مع روسيا بقيمة ملياري دولار لاقتناء 14 طائرة مقاتلة من طراز “سوخوي 57″، وتعتبر الجزائر أول دولة في العالم تقتني من روسيا طائرات الشبح “سوخوي 57” من الجيل الخامس.
وأعجب المسؤولون الجزائريون بطائرة “سو-57” خلال زيارة لهم لمعرض “ماكس – 2019” الروسي للطيران والفضاء الذي أقيم عام 2019 في ضواحي موسكو، وكان ضابط جزائري آنذاك أول أجنبي تدرب على قيادة مقاتلة الجيل الخامس في نظام محاكاة تحليق الطائرة.
تقدر القيمة المالية لعقد شراء الطائرات بملياري دولار، وقد صممت الطائرة المقاتلة سو-57 لتكون ذات سرعة وقدرة فائقتين على المناورة، وتتميز الطائرة بتقنية التخفي مع الاستخدام الواسع للمواد المركبة، وهي قادرة على تطوير سرعة الإبحار التي تفوق سرعة الصوت، ومجهزة بأحدث المعدات الإلكترونية اللاسلكية والأسلحة المتطورة.
رغم ثرواتها الباطنية الضخمة، لا يوجد إلى الآن مستشفى عصري في الجزائر يأتمن فيه قادة البلاد على حياتهم
قبل ذلك، بأسابيع قليلة تسلمت القوات المسلحة الجزائرية الدفعة الأولى من طائرات الميغ 29 آم/آم 2 الروسية الصنع، وقد جيء بهذه الطائرات إلى الجزائر غير مركبة في سرية تامة قبل ظهورها في منطقة وهران بشمال غرب الجزائر قبل أيام.
لم تكن هذه الصفقات العسكرية الوحيدة هذه السنة فغيرها كثير، ما جعل الجزائر تحتل على مدى سنوات موقع الزعامة في منطقة المغرب العربي، حيث حل الجيش الجزائري في المرتبة الثالثة عربيًا، كما جاء في المرتبة الـ28 عالميًا، وفق آخر تصنيف لـ”غلوبل فاير باور“، بعد أن سخرت ثرواتها الباطنية لبناء أقوى جيش في المنطقة.
تتربع موازنة الدفاع الجزائرية على عرش الموازنات القطاعية الأخرى، وجاءت قبل وزارتي التربية والصحة، إذ بلغت الموازنة العامة للدفاع 1230 مليار دينار أي ما يعادل نحو 9.7 مليار دولار وهي تقريبًا نفس الموازنة التي حظيت بها السنة الماضية.
ويمتلك الجيش الجزائري 551 طائرة حربية، بينها 103 مقاتلات، إضافة إلى 59 طائرة نقل عسكري و87 طائرة تدريب و257 طائرة هيلوكبتر، ويصل عدد المروحيات الهجومية 45 طائرة هجومية، إلى جانب 880 دبابة و7361 مدرعة و320 مدفع ذاتي الحركة و240 مدفع ميدان و316 وحدة مدفعية صاروخية، بالإضافة إلى 5 فرقاطات و3 كورفيت و6 غواصات و25 سفينة دورية وعشرات السفن البحرية وكاسحات ألغام.
المغرب.. المرتبة الثانية إفريقيًا ضمن كبار مشتريي السلاح
المغرب بدوره، كثف من صفقات السلاح، حيث كشفت وزارة الدفاع الأمريكية في الأسابيع الماضية إبرامها صفقة تسلح مع المغرب لتطوير وتحديث محركات وميكانيكا سلاح الجو في الجيش المغربي، إضافة إلى عقود تسلح أخرى لم يتم كشف نوعيتها أو قيمتها.
ويسعى المغرب للحصول على مقاتلات من طراز “إف 16” من الولايات المتحدة، فضلًا عن سرب من الطائرات القتالية “آباتشي”، AH-64E AN / APG-78 بعد أن يتم تزويدها بنظام رصد قادر على تحديد مختلف الأهداف وتصنيفها.
وتعتبر أباتشي AH-64E أحدث طائرة هليكوبتر هجومية تم تصميمها وتجهيزها ببنية أنظمة مفتوحة، بما في ذلك أحدث الاتصالات والملاحة وأجهزة الاستشعار وأنظمة الأسلحة، كما تحتوي على نظام معزز لتحديد الهدف يوفر معلومات ليلًا ونهارًا وفي جميع الأحوال الجوية.
وكان الجيش المغربي قد أتم صفقة منتصف العام الماضي بمليار دولار مع الولايات المتحدة، اقتنى بموجبها سربًا من طائرات “إف-16” المقاتلة، وحصل على 400 قاذفة صواريخ مضادة للدروع من طراز “تاو”، ونحو 2400 صاروخ “تاو” منها 28 للتجارب الأولية قبل الشراء.
يتوافر الجيش المغربي على 291 طائرةً عسكريةً منها 46 طائرة مقاتلة و64 طائرة هيلكوبتر و31 طائرة مخصصة للنقل و67 طائرة للتدريب والقتال و4 طائرات للمهمات الخاصة، وتتوافر القوات المسلحة الملكية أيضًا على 1443 دبابة و2901 مدرعة قتالية و505 مدفعيات ذاتية الدفع و200 مدفعية بالمقطورة و144 منصة لإطلاق الصواريخ و121 مقاتلة بحرية و3 فرقاطات عسكرية و105 دوريات حربية بحرية.
نتيجة هذه الصفقات، سجل المغرب هذه السنة تقدمًا في تصنيف “غلوبال فاير باور” لأقوى جيوش العالم، للعام الحاليّ، إذ احتلت القوات المسلحة الملكية المرتبة الـ57 عالميًا من أصل 138 جيشًا شمله التقرير الأمريكي الشهير.
ويخصص المغرب ميزانية كبرى للقطاع العسكري، إذ بلغت 10 مليارات دولار، ويذكر أن حجم الإنفاق العسكري المغربي خلال الفترة الممتدة بين 2005 و2015 بلغ نحو 48 مليار دولار، حيث احتل المغرب المرتبة الثانية إفريقيًا ضمن كبار مشتريي السلاح بين عامي 2012 و2016، واستحوذت الرباط على 15% من إجمالي مشتريات إفريقيا.
تنمية مفقودة في الجزائر
هذه الصفقات العسكرية تؤكد تسارع سباق التسلح بين المغرب والجزائر في محاولة منهما للفوز بالهيمنة في منطقة المغرب العربي، حيث اشترى البلدان نصف ما اقتنته إفريقيا من أسلحة بين أعوام 1956 و2015، كل ذلك وكلا البلدين يعاني مشاكل عدة في المجال التنموي ظهرت جليًا خلال أزمة فيروس كورونا الأخيرة.
رغم ثرواتها الباطنية الضخمة، لا يوجد إلى الآن مستشفى عصري في الجزائر يأتمن فيه قادة البلاد على حياتهم، فما إن يشعر القائد بالمرض وإن كان بسيطًا، حتى يسارع بالتوجه نحو المستشفيات الأجنبية – من روسيا إلى بلجيكا إلى فرنسا إلى سويسرا إلى ألمانيا – للعلاج.
النظام الصحي في الجزائر غير مؤهل لمعالجة الأمراض المعقدة، رغم أن كل الظروف والإمكانات المالية والبشرية، مواتية كي يكون للجزائر نظام صحي متطور يضاهي الأنظمة الصحية الأجنبية.
وسبق أن كشف تقرير للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن قرابة نصف مليون مواطن يعالجون في الخارج، ونقل عن مديرة مستشفى “ميدي ستات” بإسطنبول أسيل حاليت أن تركيا استقبلت نحو 450 ألف مريض جزائري، وفق إحصاءات رسمية.
كما سجلت الجزائر هجرة نحو 40 ألف طبيب في العقدين الماضيين، ويعلل الأطباء مغادرتهم البلاد بالتهميش الذي يعانون منه ورفض تسوية وضعياتهم الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى انعدام فرص تطوير المسار المهني، كما أرجعوا تدهور القطاع الصحي إلى منظومة الحكم المهترئة القائمة على وزراء ومسؤولين غير أكفاء.
تحتوي المملكة المغربية على العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية التي عجزت الدولة عن احتوائها والتصدي لها
كمؤشر على عدم اهتمام النظام بالقطاع الصحي، تم تجميد بناء 5 مستشفيات جامعية كبرى بموازنة فاقت ملياري دولار أدرجت في موازنة 2015، لأربع مرات متتالية، والحجة أن المال غير متوافر، رغم أنه يتوافر حالًا عند الرغبة بشراء العتاد العسكري.
وتبلغ ميزانية وزارة الصحة الجزائرية ثلث ميزانية وزارة الدفاع، حيث لا تتجاوز 410 مليارات دينار بما يعادل نحو 3.2 مليار دولار رغم التحديات التي تنتظر هذا القطاع، خاصة في ظل تواصل تفشي وباء كوفيد 19.
المفارقة تظهر أيضًا عند وزارة التعليم التي توقفت ميزانيتها عند 771 مليار دينار أي في حدود 6 مليارات دولار، أما ميزانية التضامن الموجهة أساسًا للطبقات الهشة، فقد قدرت بـ132 مليارًا، وهو رقم ضعيف جدًا بالنظر إلى حجم احتياجات الشعب الجزائري.
ضعف ميزانية التعليم، أفشل خطط التعلم عن بعد التي فرضتها جائحة كورونا، ما جعل السلطات الجزائرية تستبعد هذا الحل رغم أن الوضع الوبائي في البلاد يفرض تطبيقًا صارمًا لبروتوكول التباعد الاجتماعي في البلاد ما جعل الإصابات بالوباء تتزايد يومًا بعد يوم.
واقع “مزرٍ” في المغرب
حال المغرب لا يختلف كثيرًا عن الجارة الغربية، ففي الوقت الذي خصصت فيه المملكة الأموال الطائلة لزيادة التسليح غضت السلطات النظر عن القطاعات التي تمس المواطن مباشرة على غرار الصحة والتعليم والتربية وهو ما كشفته جائحة كورونا.
وجد المغاربة أنفسهم جراء تفشي فيروس كورونا أمام قطاع صحي يعاني أزمات ومشاكل عدة، ما جعل البلاد أمام كارثة حقيقية تنبئ بها أطباء القطاع قبل سنوات خلال إضراباتهم المتتالية لتحسين وضعية عملهم والدفع بهذا القطاع الحيوي.
لأجل تفادي الكارثة، فتح المغرب الباب أمام أبنائه للتبرع بالمال والمعدات لتغطية النقص الحاصل، فهناك تباينات جغرافية واجتماعية كبيرة، فيوجد في المغرب فقط 684 سريرًا في العناية المركزة لـ35 مليون نسمة، تتركز أغلبها في المدن الكبرى، وتمثل ميزانية الصحة في المغرب نحو 6% من الميزانية الوطنية، مقابل الـ12% التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية.
منذ 2017 وحتى أواخر 2019، ظل أطباء القطاع العام في المغرب يصدحون بأعلى صوتهم من أجل رفع أجورهم وتحسين وضعية عملهم، إلا أن السلطات في البلاد لم تعر مطالبهم أي اهتمام فأغلب الميزانية موجهة للقطاع العسكري.
أزمة كورونا فرضت على المغرب التوجه نحو التعليم عن بعد لجميع التلاميذ والطلبة، وذلك لتطويق الوباء وكبح انتشاره، لكن النتائج كانت دون المأمول فالعملية عرفت فشلًا ذريعًا، نتيجة ضعف تدفق الإنترنت وأمية الآباء والفقر.
ويحتل المغرب المرتبة الـ99 عالميًا، في المؤشر المتعلق بإنفاق الحكومة على الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، فيما جاء في المرتبة الـ50 بخصوص المؤشر المتعلق بمجهودات الحكومة لتقليص الفوارق في سوق الشغل وفق منظمة “أوكسفام” العالمية ومنظمة التنمية المالية الدولية.
كما تحتوي المملكة المغربية على العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية التي عجزت الدولة عن احتوائها والتصدي لها، من ذلك ظاهرة “أطفال الشوارع” والانقطاع المبكر عن الدراسة والفقر المدقع ومدن الصفيح، رغم ثرواته المالية الكبرى.
هذه المؤشرات، تظهر المفارقة في المغرب والجزائر، ففي الوقت الذي تخصص فيه أنظمة الحكم في البلدين الأموال الطائلة لشراء الأسلحة، تعاني فئات شعبية كثيرة من مشاكل عدة، ما فاقم من التوتر الاجتماعي في كلا البلدين.