حث عدد من الكيانات الحقوقية، المحلية والإقليمية والدولية، إدارة سباق “فورمولا وان” على عدم الوقوع في فخ “الدعاية المجانية” للنظام الحاكم في البحرين “وتبييض” السجل المشين للمملكة في حقوق الإنسان، في ظل الانتقادات اللاذعة التي تتعرض لها المنامة طيلة الآونة الأخيرة بخصوص هذا الملف.
وقد أرسل قرابة 16 كيانًا حقوقيًا على رأسهم “هيومن رايتس ووتش” والاتحاد الدولي للنقابات وأعضاء تحالف الرياضة والحقوق، بجانب معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، رسالة مشتركة إلى الرئيس التنفيذي للفورمولا 1، تشيس كاري، قبيل سباق جائزة البحرين الكبرى المقبل والمقرر في الفترة من 27 إلى 29 من نوفمبر/تشرين الثاني.
الرسالة تضمنت حث كاري على ضمان العدالة لضحايا الانتهاكات المرتبطة بالسباق، كذلك حماية حقوق المتظاهرين في المملكة في ظل ما يتعرضون له من تضييقات وتنكيل، بجانب الضغط لسن تشريع قانوني يراعي المبادئ العامة لحقوق الإنسان والحفاظ عليها قدر المستطاع.
لم تكن هذه المناشدة الوحيدة التي تتقدم بها جهات حقوقية للنظام البحريني الذي يواجه اتهامات عدة بشأن الانتهاكات التي يمارسها ضد المعارضين، التي وصلت إلى استهداف حياتهم عبر محاكمات يشوبها التسييس وفق تقارير حقوقية محلية ودولية.
تحذيرات من التبييض الرياضي
عبرت الكيانات الحقوقية في الرسالة عن قلقها من التوظيف المعاكس لإقامة البطولة في البحرين في ظل استمرار الانتهاكات بشتى أنواعها، محذرة من أن إقامة الفورمولا في هذا التوقيت يعد “تبييضًا رياضيًا” لتجاوزات الحكومة البحرينية الحقوقية، مضيفة أن إدارة السباق بذلك “تؤدي علاقات عامة لا تقدر بثمن لحكومة البحرين وتخاطر بتطبيع انتهاك حقوق الإنسان في البلاد”.
كما حثت الكيانات الحقوقية المشاركة في الرسالة، كاري، على استخدام نفوذه “لتأمين العدالة والمساءلة والتعويض لضحايا الانتهاكات” المرتبطة بالسباق الذي يقام في المملكة للمرة الخامسة عشر، بما فيهم عائلة الناشط السياسي المعارض صلاح عباس المعروف بـ”فارس الميادين” الذي كان أحد قادة سلسلة فعاليّات “حق تقرير المصير” وقتله رجال الشرطة عشية السباق الذي أجري عام 2012.
كذلك الناشطة نجاح يوسف التي اعتقلت لمدة عامين بسبب انتقادها للسباق على منصات التواصل الاجتماعي عام 2017، وتعرضت لموجة من الانتهاكات داخل محبسها، ففي تصريحات سابقة لها عقب الإفراج عنها قالت “ضربتني الشرطة وهددتني بالاغتصاب. كما هددوا بقتلي وأخبروني أنهم سيقتلون أطفالي. قالوا إنهم سوف يلفقون حادثًا للأطفال لقتلهم، وقالوا لي: كل شيء سيبدو طبيعيًا. يمكننا أن نفعل هذا لك”، وأضافت “في أثناء استجوابي في حجز الشرطة، تعرضت للاغتصاب أيضًا. تم سحق كرامتي”.
وكشفًا لحالة التناقض الواضحة بين منحنى الانتهاكات الحقوقية في البحرين والزخم المصاحب لإقامة سباق الفورمولا، علق مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، سيد أحمد الوداعي، وهو أحد المشاركين في الرسالة قائلًا: “مثلما جدد النظام حملته القمعية ضد جميع أشكال المعارضة، قررت فورمولا 1 زيادة وجودها في البحرين مع إطلاق سباق الجائزة الكبرى الثاني”.
مضيفًا “في الأسابيع التي سبقت السباق، شنت الحكومة حملة اعتقالات واسعة (تقارير تشير إلى تجاوزهم 18 شخصًا خلال شهر واحد فقط) شملت أطفال المدارس ممن لا تتجاوز أعمارهم 14 عامًا، بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي”، مستنكرًا أنه بدلًا من أن ترسل إدارة الفورمولا رسالة إلى الأنظمة الديكتاتورية في العالم بعدم التسامح مع الانتهاكات والتصدي لها قدر المستطاع إذ بها تكافئهم على ذلك من خلال الإصرار على إقامة السباق.
“المنامة اليوم هي عاصمة للتعذيب وقمع الحريات”.. رئيس منتدى البحرين لحقوق الانسان باقر درويش
التعذيب سيد الأدلة
تحت عنوان “التعذيب سيد الأدلة” رصد منتدى البحرين لحقوق الإنسان في تقريره السنوي 2018 مظاهر اتساع دائرة الانتهاكات للحقوق السياسية والمدنية، من اعتقالات تعسفية وإخفاء قسري ومحاكمات غير عادلة وتعذيب وإسقاط جنسية، وغيرها من الممارسات المنهجية التي تواصل الأجهزة الأمنية بالمملكة المضي قدمًا فيها منذ الحراك الحقوقي الذي شهدته البلاد في 2011.
التقرير كشف أنه طيلة السنوات الثمانية الماضية لم تتوان الحكومة البحرينية في التنكيل بمعارضيها، إذ بلغ عدد من تم اعتقالهم تعسفيًا منذ عام 2011 حتى نهاية 2018، قرابة 14 ألفًا و473 حالة لأسباب تتعلق بحرية التعبير عن الرأي، منها 934 حالةً خلال 2018، بينها 139 طفلًا.
الإخفاء القسري كان هو الآخر حاضرًا بقوة في قائمة الانتهاكات الحقوقية، فخلال عام واحد فقط، 2018، بلغ عدد المختفين قسريًا بالمملكة 195 شخصًا، بينهم 29 طفلًا، في الوقت الذي تبرر فيه السلطات البحرينية مشروعية تلك الجرائم كونها تتعلق بقانون حماية المجتمع من الإرهاب.
ساحات القضاء تعج بمئات القضايا السياسية المدرجة تحت هذا القانون، فوفق التقرير، بلغ عدد المقدمين للمحاكمة، ألفًا و155 حالةً في مختلف درجات التقاضي، في حين وصل تعداد المداهمات للمنازل والمنشآت إلى ألف و56 حالةً، فضلًا عن الملاحقات الأمنية المتواصلة.
رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان باقر درويش استنكر تقاعس الحكومة البحرينية عن محاكمة المتورطين في تلك الجرائم الحقوقية، لافتًا في تصريحات له إلى أن السلطات هناك “تبتكر منظومة حماية للمرتكبين من خلال تكريس سياسة الإفلات من العقاب عبر المحاكمات غير العادلة”.
درويش استعرض بعض مظاهر الانتهاكات الممارسة ضد المعارضة البحرينية خلال الآونة الأخيرة، منها تعذيب 184 حالة داخل السجون، فيما بلغ عدد أحكام إسقاط الجنسية 308 حالات، وتم الحكم بالمؤبد على 129 مواطنًا بحرينيًا، بخلاف أحكام قضائية بإبعاد عشرة بحرينيين، وهو ما يخالف الدستور الذي يمنع إبعاد أي مواطن أو منعه من دخول البلاد.
وقد لخص الحقوقي البحريني الوضعية الحقوقية لبلاده بقوله: “المنامة اليوم هي عاصمة للتعذيب وقمع الحريات” في إشارة منه للإجراءات القانونية والأمنية التي تحظر التظاهر بشتى أنواعه، فضلًا عن التضييق الكبير على حريات الرأي والتعبير، وإجهاض دور المجتمع المدني في مقابل انتشار خطاب الكراهية والإقصاء في الإعلام الرسمي، بحسب رأيه.
تنديد دولي
الوضعية الحقوقية المذرية التي تشهدها الساحة البحرينية دفعت العديد من المؤسسات الدولية والحقوقيين في مختلف دول العالم لتوجيه سهام النقد لسلطات المملكة، مطالبين بإجراءات أكثر شفافية لوقف تلك الممارسات، إذ تعلق مسؤولة حملات المناصرة في منظمة العفو الدولية، رينا وهبي، على هذه الحالة بقولها: “السلطات البحرينية تعمد منذ عام 2016 إلى إبعاد المعارضين والنشطاء السياسيين والصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان”.
وأضافت وهبي أن معظم قيادات المعارضة بالبحرين تعرضوا للإبعاد أو المحاكمة، وأن مستويات القمع في المملكة ترتفع، لافتة إلى أن حملة الاضطهاد والقمع طالت السجون أيضًا، كاشفة عن تعرض المعارضين السياسيين داخل المعتقلات لمعاملة مهينة وإهمالًا طبيًا ومضايقات.
وكانت المنظمة قد دعت الحكومة البحرينية إلى إطلاق سراح المعارضين المعتقلين على خلفية قضايا رأي، وإلغاء قانون مكافحة الإرهاب الذي بات سيفًا مسلطًا على رقاب الداعين للحريات، بجانب حث السلطات هناك على الوفاء بتعهداتها في المجال الإنساني من أجل توفير الرعاية للمحتجزين.
وفي 27 من مايو/أيار الماضي وجّه عضو البرلمان الإسباني، خوان بالدوفي، مجموعة من الأسئلة البرلمانية المتعلقة بسجل البحرين في انتهاكات حقوق الإنسان، لا سيما حالة السجناء السياسيين وتقارير الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يرتكبها النظام في المملكة.
منظمة هيومن رايتس ووتش، ألمحت إلى شكوك بشأن نزاهة محاكمة المعارضين، واستجوابهم تحت التهديد، ما يجعلهم عرضة لأحكام جزافية
بالدوفي افتتح الجلسة البرلمانية حينها بالقول: “وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة لم يحاسب على جرائم التعذيب والقتل خارج نطاق القانون التي وقعت تحت إمرته”، كما اتهم الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة نجل ملك البلاد، بأنه كان “مسؤولًا بشكل مباشر عن التعذيب ولم يتهمه النظام أو يوبخه، مما يعيد تأكيد ثقافة الإفلات من العقاب العميقة الجذور في البحرين”.
وكانت 16 منظمة حقوقية بحرينية ودولية قد وجهت في الـ23 من يوليو/تموز الماضي رسالة مشتركة إلى العاهل البحريني، طالبته فيها بتخفيف أحكام الإعدام الصادرة بحق عدد من نشطاء الرأي هناك، في حين حثه 53 نائبًا أوروبيًا على استخدام صلاحياته للعفو عن 10 نشطاء آخرين، أما منظمة هيومن رايتس ووتش، فقد ألمحت إلى شكوك بشأن نزاهة محاكمة المعارضين، واستجوابهم تحت التهديد، ما يجعلهم عرضة لأحكام جزافية بعيدة عن العدل والمنطق، وتخالف بشكل كبير القانون المعمول به، سواء داخل البلاد أم في الأمم المتحدة، مطالبة ملك البحرين بتصحيح ما وصفته “الإجهاض الخطير للعدالة”.
وأمام هذا المناخ الحقوقي الملبد بالإدانات والانتقادات الدولية تسعى المنامة – كغيرها من العواصم الخليجية الأخرى المتورطة في فخاخ الانتهاكات الحقوقية – لتحسين الصورة بأي طريقة، ويعد فورمولا وان أحد الأدوات الناعمة لتجميل المشهد العام وتخفيف حدة التوتر عبر “تبييض رياضي” قد يسهم بشكل أو بآخر في ترقيع بعض الشروخات لكن من الصعب إصلاح الثوب المهلهل عبر سنوات عدة من الانتهاكات المتواصلة.