ترجمة وتحرير نون بوست
قد تمر عدة سنوات قبل أن ندرك كل تداعيات جائحة كوفيد-19 على المجتمع وأماكن العمل. وفي ظل محاولاتنا للتعرف على أفضل السبل للخروج من الأزمة، كان على كل منا أن يتأقلم معها. غير أن النساء العاملات بالتحديد يعشن تحوّلات جوهرية الآن، حيث واجهن تحديات هائلة منذ بداية الأزمة، واضطر أغلبهن للقيام بمهام إضافية في المنزل، والتوفيق بين تلك الواجبات والحياة المهنية.
ولفهم طبيعة التحولات التي طرأت على الحياة اليومية للمرأة – وتأثير تلك التغييرات على حياتها المهنية – أجرينا مؤخرًا دراسة استقصائية شملت ما يقرب من 400 امرأة عاملة في جميع أنحاء العالم، تضم مجموعة متنوعة من المستويات المهنية، وتغطي مختلف الصناعات.
عبء هائل على حياة العاملة اليومية
تسلط الدراسة الضوء على مدى تأثير أزمة كورونا على التوازن بين العمل والحياة اليومية، والصحة العقلية والبدنية، وثقة المرأة في فرصها الوظيفية على المدى البعيد.
قالت أكثر من 80 بالمئة من النساء المشاركات في الاستطلاع إن حياتهن تأثرت سلبًا منذ تفشي كوفيد-19، حيث زادت مسؤوليات الرعاية، والأعباء المنزلية، وأعباء العمل، مما تسبب في تعرض العديد من النساء لمشاكل نفسية أو جسدية، أو الشعور بعدم القدرة على تحقيق التوازن بين التزامات العمل والحياة الشخصية.
من المقلق أن ما يقرب من نسبة 70 بالمئة من النساء اللواتي عانين من هذه الاضطرابات يشعرن بالقلق حيال قدرتهن على إحراز تقدم في المسار الوظيفي. وتتساءل 60 بالمئة منهن عن مدى قدرتهن على مواصلة العمل بالنظر إلى المتطلبات الحالية للارتقاء في الوظيفة.
يجب أن نشعر بالقلق حيال هذه النتائج من حيث تأثيراتها المباشرة على الحياة اليومية للمرأة، والتأثيرات طويلة المدى المحتملة على وظائفهن مستقبلا، وتهديد التقدم الذي أُحرز في السنوات الأخيرة في سبيل تحقيق المساواة بين الجنسين في مكان العمل. لكن بحثنا يكشف أيضًا عن الإجراءات التي يتعين على أرباب العمل اتخاذها للتخفيف من هذه الآثار.
إجراءات ضرورية لفائدة المرأة العاملة
وجّه الاستطلاع الذي أجريناه سؤالًا للنساء عما يمكن أن يفعله أصحاب العمل لدعمهن في تحقيق التقدم أثناء الجائحة وبعدها. اعتمادا على إجاباتهن وبعض الأفكار المستوحاة من الدراسة حول أهم العوائق، نرى أن هناك ست خطوات رئيسية يمكن للمؤسسات اتخاذها لضمان استمرار تقدم المرأة وظيفيا.
1. المرونة في العمل كقاعدة عامة
يعتبر المضي نحو اعتماد تدابير تتجاوز مجرد السماح بـ”العمل من المنزل”، وتقدم مجموعة من الخيارات الواسعة التي تمكّن الجميع (وليس الآباء والأمهات العاملين فحسب) من تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، أمرًا بالغا الأهمية لإحراز تقدم في مجال المساواة بين الجنسين.
أظهرت النتائج أن 60 بالمئة من المشاركات في الاستطلاع لم تعد لديهن رغبة قوية في الارتقاء الوظيفي، وقد قالت أكثر من 40 بالمئة منهن إن السبب في ذلك عدم القدرة على تحقيق التوازن بين المهنة والحياة الشخصية.
وأشار ما يقرب من 50 بالمئة من النساء اللاتي شملهن الاستطلاع أن أفضل ما يمكن أن يفعله أرباب العمل لمساعدتهن على البقاء في المؤسسة لفترة أطول هو اعتماد خيارات عمل أكثر مرونة. لكن ذلك لا يقتصر على بعض التدابير فحسب، بل يجب أن تكون تلك الخيارات مصحوبة بثقافة عمل تدعم الموظفين دون أي خوف من التعرض للعقوبات.
2. قيادة تتسم بالتعاطف والثقة
باتت الحاجة ملحة الآن أكثر من أي وقت مضى لأن يُجري المدراء وأرباب العمل محادثات ونقاشات مفتوحة لدعم موظفيهم.
قال 44 بالمئة من النساء المشاركات في الاستطلاع إن أحد الإجراءات الرئيسية التي يستطيع المدراء اتخاذها هو عقد المزيد من الاجتماعات الدورية لفرق العمل لمتابعة أداء الموظفين عن كثب. يمكن أن يساعد الحوار المفتوح على فهم المشاكل التي يواجهها الموظفون على المدى القصير، والتأكد من استمرارهم في المؤسسة على المدى الطويلة.
3. تعزيز فرص التواصل والإرشاد والرعاية
أخبرتنا 46 بالمئة من النساء في الاستطلاع أن توفير المزيد من فرص التواصل والإرشاد والرعاية داخل المؤسسة سيغريهن بالبقاء على المدى الطويل. هذه البرامج قد تعزز فرص التطور الوظيفي بشرط أن يتم تقديمها بالطرق المناسبة وفي أوقات تتلاءم مع الجداول الزمنية للعمل والاحتياجات المختلفة للموظفين.
4. خلق فرص تعلم مناسبة
بما أن 40 بالمئة من النساء أكّدن رغبتهن في الحصول على المزيد من فرص التعلم والتطور، فإن تعزيز هذا النهج بتسهيل الحصول على الخبرات والمهارات بأشكال مرنة وعملية، قد يكون من أفضل الخيارات لدعم النساء العاملات، لا سيما أن العديد منهن مازلن على استعداد لتحمل المزيد من المسؤوليات رغم القيود التي فرضتها الجائحة.
5. تقديم المكافآت والترقيات مع مراعاة التطورات
أشارت أكثر من نصف المشاركات في الاستطلاع إلى أن الحصول على ترقية أو زيادة في الراتب أو كليهما، من الإجراءات التي يمكن لأرباب العمل اتخاذها لإقناعهن بالبقاء على المدى الطويل. من المهم أن تضمن المؤسسات تقديم المكافآت والترقيات الوظيفية مع مراعاة كل التطورات، بما في ذلك العمل عن بعد، والالتزامات والمسؤوليات الملحة خارج العمل، مثل تقديم الرعاية الصحية.
6. احترام المرأة والتصدي للتجاوزات
من بين النساء اللاتي قلن إن لديهن شكوكا حول رغبتهن في مواصلة العمل في مؤسساتهن الحالية، ذكر ما يقارب الربع أن السبب هو عدم احترام التنوع وضعف الدور القيادي أو غيابه تماما، وضعف الثقافة. وذكر 30 بالمئة منهن بعض التجارب السيئة اللاتي تعرضن لها (على سبيل المثال، التعرض للإهانة، أو الاستبعاد من الاجتماعات أو المشاريع).
بالإضافة إلى السياسات والتدابير التي يجب تطبيقها لتعزيز التنوع بين الجنسين، يجب على أرباب العمل التعامل مع هذه التجاوزات “اليومية”، مثل الإهانات والاستبعاد، من خلال إجراءات واضحة وملموسة، حيث يتضح أن التصدي لها يشكّل عاملا مهما لضمان بقاء المرأة في العمل.
نجد أنفسنا اليوم عند نقطة تحول، ويبدو أن نهاية الجائحة ما زالت بعيدة، لذا يجب على المؤسسات والشركات تلبية النداء ودعم النساء العاملات، والعمل على مساعدتهن في تحقيق النجاح على المستويين الشخصي والمهني، وإلا قد يواجه اقتصادنا ومجتمعنا تداعيات طويلة الأمد.
المصدر: فوربس