أعرب أعضاء مجتمع “فرق الأطراف” عن غضبهم من كيفية تجسيد فيلم “الساحرات” – في نسخته الجديدة التي أصدرتها مؤخرًا شركة “وارنر برذرز” والمقتبسة من رواية للكاتب روالد دال تحمل نفس العنوان – لشخصية الساحرة الكبرى.
في هذا الفيلم، الذي عُرض على المنصات الرقمية خلال الشهر الماضي، ظهرت شخصية الساحرة الكبرى، التي جسّدت دورها آن هاثاواي، بثلاثة أصابع في كل يد. وفي وقت سابق من هذا الشهر، ندد الأفراد الذين يعانون من هذا التشوّه الخلقي إلى جانب المنظمات التي تدافع عن حقوقهم بأن التفسير الفني لهذه الشخصية المخيفة يحمل تشابها مزعجا لتشوّه جيني نادر يُعرف باسم “انعدام الأصابع”، والذي يشار إليه أحيانًا باسم “اليد المنقسمة”.
منذ ذلك الحين، تصدّر هاشتاغ #لست ساحرة منصات التواصل الاجتماعي، ولكن هذه ليست المرة الأولى التي تُستخدم فيها التشوهات الخلقية لتصوير شخصيات شريرة في الأفلام.
بالنظر إلى النقص الفادح في تمثيل هذه الفئة في الأفلام والمسلسلات بنسبة لا تتجاوز 20 بالمئة، يبدو أن استعارات التشوه الخلقي منتشرة ومتجذرة بالكامل في مختلف جوانب المشاهد المريعة لأفلام الرعب.
رغم الاعتذار الذي تقدمت به كل من الممثلة آن هاثاواي شخصيا وشركة “وارنر برذرز” علنا عن التسبب بأي إساءة لهذه الفئة، إلا أن الأذى الذي لحق بمجتمع “فرق الأطراف”، ولا سيما الأطفال الصغار الذين يعانون من هذا التشوه الخلقي، لا يزال محسوسا.
اعتذرت آن هاثاوي علنًا عن أي إهانة سببها تجسيدها لشخصية “الساحرة الكبرى”.
قائمة هوليوود الطويلة من الأشرار ذوي الاحتياجات الخاصة
يعود أصل الروايات التي تعتبر الإعاقة والتشوه الخلقي عقابًا على السلوك غير الأخلاقي إلى النصوص القديمة، ولا يخلو تاريخ السينما من الشخصيات الشريرة والوحوش المشوهة.
كانت الشخصيات الشريرة في الأفلام الكلاسيكية على الشاشة الفضية مثل فيلم “أحدب نوتردام” و”شبح الأوبرا”، وحتى في أفلام السبعينات والثمانينات مثل شخصية “توماس هيويت” من فيلم “مجزرة منشار تكساس” وشخصية “فريدي كروغر” من فيلم “كابوس في شارع إلم”، تقتل بدافع التشوه الذي تعاني منه.
وفي حين أن إضفاء الطابع المؤسسي على الذهان يعد من العناصر الأساسية في تكوين شخصية مايكل مايرز في سلسلة أفلام “هالوين” وشخصية “هانيبال ليكتر” من فيلم “صمت الحملان”، يُصَوّر الانحلال العقلي لشخصية الجوكر في الفيلم الصادر سنة 2019 جزئيا على أنه منتج ثانوي لتردي خدمات الصحة النفسية المحلية.
كما تُستخدم أمراض الجهاز العصبي وحالات اضطراب النمو العصبي لجعل شخصيات الأفلام مخيفة ومرعبة. وحتى سمات التوحد الشائعة مثل التأرجح ذهابا وإيابا، الذي يعد شكلا من أشكال التنظيم الذاتي أو “التحرك”، تُنقل للمشاهد على أنها نوع من غرابة الشخصية.
في فيلم “اختطاف دبورا لوغان” الذي صدر في سنة 2014، استُخدم الصراع المأساوي للشخصية الرئيسية مع المراحل الأولى من مرض الزهايمر كعنصر من الحبكة القصصية للفيلم لإرباك المشاهد وطمس الخطوط الفاصلة بين التدهور المعرفي والمس الشيطاني.
توقّف لبرهة للتمعّن في صورة بسيطة، مثل مشهد كرسي متحرك فارغ مركون عند نافذة الغرفة في منزل قديم مهجور؛ مجرد التفكير في ذلك سيشعرك بالقشعريرة وهو أمر من الصعب تبريره. وتكمن المفارقة في أنه في العالم الحقيقي، من المرجح أن يكون الأشخاص ذوي الإعاقة من ضحايا الجرائم الشنيعة وليسوا جناة كما تصورهم الأفلام. ولعل أحد أكثر الجوانب ترويعا في حياة القتلة المتسلسلين هو قدرتهم على التأقلم والتخفي على مرأى من الجميع.
مستقبل أكثر إشراقا لتمثيل ذوي الإعاقة على الشاشة
من حسن الحظ، ليس كل شيء في صناعة الأفلام قاتما. فهناك مؤشرات على أن هوليوود بدأت تزيد من نسبة تمثيل ذوي الإعاقة في الصناعة السينمائية. ففي الصيف الماضي، أعلنت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة عن دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في الصناعة السينمائية.
حسب كيلي كات ويلز، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لوكالة “سي تالنت” التي يقع مقرها في لوس أنجلوس والمتخصصة في تمثيل المبدعين من الصم والمعاقين في صناعة السينما والمسلسلات، “يحتاج صانعو الأفلام إلى أن يسألوا أنفسهم باستمرار.. ‘هل نقوم بتصوير الإعاقة – حتى عن غير قصد – بأي شكل من الأشكال’. إن الأمر يتعلق بالانتباه إلى التفاصيل. فغالبًا ما يضمر الأشخاص نوايا حسنة، ولكن هذه النوايا يجب أن تأتي مع المعرفة والخبرة؛ وهذا يعني في هذه الحالة مطابقة النوايا الحسنة مع المعرفة الصحيحة والأشخاص المناسبين”.
لا شك أن هناك العديد من الإبتكارات والتجديد. وهذا يمكن أن نلاحظه في أعمال على غرار فيلم “مكان هادئ” الصادر سنة 2018 الذي يتناول قصة أسرة تعيش في عالم تسيطر عليه كائنات مفترسة عمياء تنجذب للأصوات، مما يجبر أفرادها على التواصل بلغة الإشارة والتزام الصمت للبقاء على قيد الحياة.
ينطبق الأمر ذاته على تلميع صورة السحرة والوحوش والقتلة، الذين يقدمون عادة في شكل شخصيات تعاني تشوها خلقيا، للحصول على المزيد من أبطال الأفلام المعوقين
أدت دور البطولة في هذا الفيلم، الذي يطغى عليه الصمت بنسبة 95 بالمئة، الممثلة الصماء ميليسنت سيموندز، وقد أصّر المخرج والممثل المشارك جون كراسينسكي على ضرورة تعلم طاقم العمل لغة الإشارة لكل سطر من السيناريو.
لكن في الحقيقة، سيكون من الصعب، أو حتى غير المرغوب فيه، فصل استعارات التشوه الخلقي بشكل كلي عن أفلام الرعب، نظرا لأن ذلك يقتضي تجسيد شخصيات تعاني من تشوهات خلقية أو حالات ذهنية معينة تكون بعيدة كل البعد عن المعايير المتعارف عليها.
قد يكون هذا الأمر ضروريًا للحفاظ على النزاهة الفنية، ولكن في الوقت نفسه، من المؤكد أنه لا يمكن أن نتوقع من صانعي الأفلام – لا سيما الأفلام التي يتضمن جوهرها الأطفال – الانتباه إلى هذه التفاصيل ومراعاة الأقليات التي قد يمثلونها عن غير قصد. وينطبق الأمر ذاته على تلميع صورة السحرة والوحوش والقتلة، الذين يقدمون عادة في شكل شخصيات تعاني تشوها خلقيا، للحصول على المزيد من أبطال الأفلام المعوقين. هذا الأمر ينطوي على خطر التحول إلى إنتاج أفلام مبتذلة حول شخصيات ذات “قوى خاصة”.
تتمثل إحدى القوى الخاصة التي يمتلكها تصوير ذوي الإعاقة على الشاشة في إمكانية جعل هذه الإعاقة مرئية وخفية في نفس الوقت وذلك إذا عمل مؤلفو الأفلام والمسلسلات على ابتكار شخصيات تعاني من إعاقة لكنها تتمتع بأبعاد أكثر ثراءً وتعقيدًا؛ وبذلك تكون إعاقتهم مجرد صفة عرضية بدلاً من جعلها جوهر الشخصية.
من شأن هذه الخطوة أن تساعد كلا من المشاهدين الأطفال والبالغين على التصالح مع ذواتهم وتقبل الحقيقة البسيطة التي لا مفر منها، ألا وهي أن الأشخاص ذوي الإعاقة ليسوا مختلفين عن أي شخص عادي آخر.
المصدر: فوربس