ترجمة وتحرير: نون بوست
ندد تقرير صادم صادر عن ثلاث مجموعات إسرائيلية لحقوق الإنسان بالممارسة العسكرية الواسعة النطاق لدخول منازل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، غالبا في منتصف الليل. ويدعي التقرير، الذي يتضمن شهادات لجنود وأطباء وعائلات فلسطينية، أن القوات الإسرائيلية تدخل المنازل في المتوسط أكثر من 250 مرة كل شهر لإجراء اعتقالات ولكن أيضا لأغراض أخرى بما في ذلك “رسم خرائط” للمنازل أو استخدام الأسطح في نقاط المراقبة أو البحث عن المال أو الأسلحة أو لأغراض استخبارية.
قال الجنود الذين وقع إجراء مقابلات معهم لإعداد التقرير، بمن فيهم العديد ممن تحدثوا إلى صحيفة “ذا أوبزرفر”، إنهم يعتقدون أن وظيفة مهمة للعديد من المداهمات كانت التخويف، ولكنه ادعاء نفاه الجيش الإسرائيلي. في الواقع، يفصّل التقرير، الذي هو نتاج سنتين من البحث الذي أجرته مجموعات “كسر الصمت” و “يش دين” و “أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل“، الأثر النفسي الشديد على الأفراد والعائلات والمجتمع الفلسطيني الأوسع بسبب المداهمات التي عادة ما تكون غير مصحوبة بمذكرات والتي تُعتبر طبيعتها التعسفية خرقا للقانون الدولي، وفقا للمؤلفين.
يصف التقرير العملية قائلا: “في حالة عدم وجود التزام، بموجب القانون العسكري، بالحصول على مذكرات قضائية بالموافقة على اقتحام المكان الخاص، لا يقدم الجنود لأفراد عائلاتهم أي مذكرة أو وثيقة أخرى توضح سبب غزو المنزل أو من وافق على العملية”.
من جهة أخرى، وصف أفنير جفرياهو، المدير التنفيذي لمنظمة “كسر الصمت” الذي قام بنفسه بمداهمة المنازل بينما كان رقيبا في وحدة قناصين، التقرير بأنه يفضح جزء من الاحتلال غالبا ما يكون مخفيا عن أعين الجمهور. وقال جفرياهو: “مثل نقاط التفتيش والحواجز الفاصلة، المداهمة هي جزء من الحمض النووي للاحتلال. بالنسبة للجنود مثلي، ينتهي الأمر عندما نعود إلى سيارة الجيب ونرجع إلى المخيم للنوم. لكنها بالنسبة للفلسطينيين صدمة طويلة الأمد. ما يعنيه ذلك هو أنه لا يمكنك الشعور بالأمان في منزلك أو سريرك. بالنسبة لي، فإن الذكرى الأخيرة التي بقت معي هي نظرات الخوف والكراهية الثاقبة”.
في أعقاب مداهمة مخيم بلاطة للاجئين في نابلس بالضفة الغربية في الثالث من كانون الثاني/ يناير 2017.
جاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في أعقاب حرب الأيام الستة سنة 1967. وبينما كان من المفترض أن تبشر اتفاقيات أوسلو الموقعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بإنهاء الاحتلال، استمر بناء المستوطنات اليهودية – التي يعتبرها كثير من المجتمع الدولي غير شرعية – على أراضي تعود إلى الفلسطينيين من أجل دولتهم المستقبلية، بينما يواصل الجيش الإسرائيلي تنفيذ عملياته في كل من المناطق الخاضعة ظاهريا للسيطرة الفلسطينية الكاملة والمناطق التي لا تزال تحت الإدارة الإسرائيلية.
من بين 40 جنديا إسرائيليا قدموا شهادات في التقرير، وصف عدد منهم تدريبا بدائيا وغالبا أيضا نقصا في المهارات اللغوية للتفاعل مع العائلات الفلسطينية التي واجهوها. في الواقع، بالنسبة للبعض، مثل فاضل التميمي، البالغ من العمر 59 سنة والإمام في مسجد في النبي صالح بالضفة الغربية، أصبحت المداهمات مألوفة على مدار العشرين سنة الماضية. ويقول التميمي إنه نسي عدد المرات التي دخل فيها الجنود منزله، مما يشير إلى أنه قد يكون أكثر من 20 مرة – كان آخرها في سنة 2019، قبل جائحة فيروس كورونا.
في هذا الصدد، قال التميمي لصحيفة ذا أوبزرفر الأسبوع الماضي: “السبب في قيامهم بذلك هو إخافة الجميع وإظهار من هو المسؤول. إنهم لا يقولون أبدا لماذا أو يظهرون أمرا أو ورقة قانونية. في إحدى المرات، أتذكر أنني ذهبت إلى المسجد لأداء صلاة الفجر وعندما عدت كان الجنود في منزلي. لقد وضعوا جميع أفراد عائلتي في المطبخ. عندما دخلت غرفة نومي، وجدت ثلاثة جنود مستلقين على السرير”.
أضاف التميمي قائلا: “إن عواقب هذه العمليات نفسية، حيث تشعر أن خصوصيتك تنتهك. إنه أمر مروع لعائلة محافظة ومجتمع تقليدي. الهدف من ذلك هو السيطرة والإذلال”. من جهة أخرى، تقول الدكتورة جمانة ملحم، أخصائية نفسية تعمل مع أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل: “ما يتبادر إلى ذهني هو أن العملية تنطوي على نزع الإنسانية عن مجتمع بأسره. الهدف من ذلك هو تحطيم روحهم البشرية”.
فاضل التميمي، إمام، يدعي أن منزله قد تعرض للاقتحام حوالي 20 مرة.
أوضحت ملحم أن عواقب المداهمات يمكن أن تؤدي إلى صدمة على المستوى الفردي، وقالت: “هناك العديد من العوامل التي تشير إلى خطر الاصابة باضطراب ما بعد الصدمة التي نراها منتشرة بنسب عالية في المجتمع الفلسطيني بشكل عام. نحن لا نتحدث هنا عن صدمة واحدة ولكن عن صدمة مستمرة بسبب الاحتلال، وعن ذلك الشعور بأنك مسجون في بلدك”.
بالنسبة للجنود المتورطين في المداهمات، والذين تحدثوا عن تجاربهم، فإن القضية تتسم بطبقات مختلفة من التعقيد. وصف اثنان منهما تجربتهما في مداهمة منازل الفلسطينيين بأنها تمثل نقطة تحول بالنسبة لهما، وليس لأنهما يريان نفسيهما على أنهما جنديان وشخصان “لطيفان” أو “طيبان”.
أما بالنسبة إلى “أم”، المرأة التي شاركت مرة واحدة فقط في مداهمة أحد المنازل بعد التطوع لمهمة المداهمة كجندية غير مقاتلة، بدا الاحتمال في البداية مثيرا للاهتمام. وقالت “أم”: “هذا لم يكن عملي، ولكنهم كانوا يبحثون عن جنديات لتفتيش النساء الفلسطينيات (في الخليل). كنت أعتقد أن التجربة ستكون جيدة إلى حد ما. كنت أشارك في الحرب وأنا في التاسعة عشر من عمري. أردت أن أنخرط في هذه المهمة، لأرى كيف تبدو. إلى أن اكتشفت في النهاية بأنها كانت بمثابة نقطة تحول بالنسبة لي.
عندما داهمت المنزل، أمرني القائد بتفتيش النساء بينما كانت العائلة تشعر بالرعب. ولمحت تصرف جندي آخر كنت أحبه حقا، لقد كان يحمل رشاشا صغيرا أمام صبي لطيف يبلغ من العمر ثلاث سنوات. ثم نزع الجندي قناع الوجه الذي كان يرتديه وابتسم للصبي. لقد وجدت الأمر مشينا حقا، فلا يهم كم هو لطيف هذا الجندي.
لقد كنت متشبثة بهذه الفكرة القوية التي جعلت عالمي متماسكا. لأنني لطيفة، سأقوم بالعملية بشكل مختلف. ولكن ما يهم في الأمر هي مداهمتك لمنزل في الثالثة صباحا. ولا يمكننا أن نتواجد هناك دون تدمير حياة العائلة وخلق الرعب الذي سينعكس علينا لاحقا.
بالنسبة لأرييل برنشتاين، البالغ من العمر 29 سنة، الذي خدم في وحدة النخبة للمشاة “سايرت ناحال”، بدأ شعور القلق ينتابه خلال سنة 2014 عندما نشر الجيش الإسرائيلي جنوده في الضفة الغربية للبحث عن ثلاثة شبان اختطفتهم حماس وقتلتهم. وقال: “لقد عرضت علينا صورة جوية تحدد ترقيم كل منزل. وقيل لنا أن نختار أربعة منازل بشكل عشوائي لمداهمتها و”قلبها رأسا على عقب”، وجلب أي دليل يثير الريبة. اعتقدت أنه كان من الغريب أن أختار المنازل. لقد كان المنزل الثاني الذي داهمناه كبيرا وفاخرا. قررت البقاء مع العائلة، لم نكن نتقن اللغة العربية، لذا كان الحديث محدودا للغاية. وظلت الأسرة تكرر قول نفس الكلام باللغة العربية عدة مرات.
جنود إسرائيليون منتشرون بالقرب من منزل فلسطيني خلال مداهمة للعثور على ناشط من حماس متهم بقتل حاخام، في قرية صوريف شمال مدينة الخليل بالضفة الغربية، في تموز/ يوليو 2016.
كنت أشعر بالإحباط وطلبت منهم أن يصمتوا. بينما كانوا يتوسلون إليّ أكثر فأكثر وبشدة، وفجأة أصيب الرجل العجوز في المنزل بنوبة صرع وهو يرتجف على الأرض، وأصبحت العائلة تبكي بشكل هيستيري. أدركت أنهم كانوا يتحدثون عن دوائه على الأرجح.
“لم يكن لدي أدنى شك في أن العثور على الضحايا المختطفين كان مهما، لكن كان واضحا أيضا من القادة أنه يجب علينا استخدام المداهمة خدمة لعملية البحث.
ولطالما كان هناك سبب أمني رسمي للمداهمة من أجل حماية أرواح الإسرائيليين. لكن من الناحية العملية، فهذا يعني السيطرة على المدنيين (الفلسطينيين)”.
من جانبه، نفى متحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي أن يكون الهدف من مداهمة المنازل ترهيب العائلات، قائلا إن تكرارها رهين التهديدات الأمنية. وقال المصدر نفسه: “إن دخول قوات الأمن إلى منازل السكان الفلسطينيين في منطقة يهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلة) يتم وفقا لأحكام القانون المنصوص عليه في المنطقة، والذي لا يتطلب إصدار أمر قضائي أولي”.
كما أضاف الشخص نفسه قائلا: “الهدف الأساسي لمداهمة قوات الأمن تلك المنازل هو لأغراض أمنية وعملياتية، بغية إحباط خطط إرهابية التي تستهدف الإسرائيليين. وأسفرت هذه العمليات عن اعتقال المئات من الإرهابيين وحجز العديد من الأسلحة والمتفجرات وأموال المنظمات الإرهابية وغيرها. وتجدر الإشارة إلى أن عدد المداهمات يعتمد على مستوى التهديدات الإرهابية والاحتياجات العملياتية لإحباط العمليات الإرهابية ضد أهداف إسرائيلية. إن الادعاء بأن مداهمة منازل الفلسطينيين في يهودا والسامرة تستخدم للترهيب هو ادعاء باطل”.
المصدر: الغارديان