تشكلت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب التي يطلق عليها اختصارًا باللغة الإسبانية “البوليساريو” في 20 من مايو/أيار 1973 على يد طلبة ومناضلين صحراويين بهدف تحرير الصحراء الغربية من الاستعمار الإسباني وإقامة دولة مستقلة.
شكلت جبهة البوليساريو حركة مقاومة قادت عدة مظاهرات بالمدن الصحراوية أو بالمهرجانات التي كانت تجتمع بها غالبية قبائل الصحراء (كموسم ألموكار بطانطان)، وبدأت نشاطها العسكري ضد الاستعمار الإسباني بالهجوم على الحامية الإسبانية في موضع الخنكة في 20 من مايو/أيار 1973، وتكثف العون المادي والعسكري لجبهة البوليساريو من طرف ليبيا منذ 1973 فيما بدأ الدعم الجزائري سنة 1975، وانتشرت معسكرات تدريب الصحراويين في الدولتين إبان السبعينيات.
تزعم مصطفى الوالي السيد البوليساريو منذ تأسيسها سنة 1973 لمدة ثلاث سنوات حتى مقتله في 9 من يونيو/حزيران 1976 خلال هجوم على العاصمة الموريتانية، ليخلفه محمد عبد العزيز أمينًا عامًا للجبهة سنة 1976 إلى أن وافته المنية في 31 من مايو/أيار 2016، حيث شغل مكانه إبراهيم غالي منذ 9 من يوليو/حزيران 2016 إلى يومنا هذا.
تعتبر جبهة البوليساريو نفسها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي والمفاوض باسمه، فيما يراها المغرب عصابة مسلحة لا تمثل كل الصحراويين، رغم جلوسهما معًا إلى طاولة الحوار وكعضوين بالاتحاد الإفريقي.
أطراف النزاع في الصحراء الغربية.. الإخوة الأعداء
يزرع الصراع بشأن الصحراء الغربية انقسامًا وحساسيةً شديدةً بين دول المغرب العربي، خصوصًا بين المغرب والجزائر، حيث تعتبر هذه الأخيرة الداعم الأساسي لجبهة البوليساريو، مما زرع عداوة كبيرة بين المغرب والجزائر، أما موريتانيا فتحاول أن تتخذ مسافة من الصراع بتبنيها الحياد الإيجابي تجاه الطرفين، ولعل المغرب وموريتانيا مسؤولان مباشران في النزاع، حيث سلمت لهما الصحراء الغربية لتقاسمها بعد انسحاب إسبانيا، بموجب اتفاقية مدريد الموقعة في 14 من نوفمبر/تشرين الثاني 1975 دون أن تكون لهما سيادة عليها.
وشكل خروج إسبانيا من الصحراء الغربية فرصةً للمغرب وموريتانيا للاستحواذ على الصحراء والقيام بتسوية لتقسيمها، ما دفع جبهة البوليساريو إلى شن حرب على الطرفين عبر حرب العصابات، الأمر الذي جعل موريتانيا توقع على اتفاقية للانسحاب من وادي الذهب وتسليم المنطقة لجبهة البوليساريو، لتزداد مخاوف عاهل المغرب الراحل الحسن الثاني من قيام دولة صحراوية ستعطي الشرعية لجبهة البوليساريو، ما جعله يسارع لضم وادي الذهب بعد الانسحاب الموريتاني.
الأمم المتحدة وعملية السلام في الصحراء الغربية
لعبت الأمم المتحدة دورًا مهمًا في إحلال السلم بالمنطقة، ومحاولة إيجاد حل سلمي ونهائي للقضية بمعية الأطراف المتنازعة، فالأمم المتحدة طالبت سنة 1965 إسبانيا بإنهاء احتلال الصحراء الغربية، غير أن الأزمة بدأت فعليًا مع انسحاب إسبانيا سنة 1975 بتوقيع اتفاقية مدريد مع المغرب وموريتانيا، حيث اقتسما الصحراء بينهما، ما دفع الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب للدخول في حرب مع هذه الأطراف، وبعد انسحاب موريتانيا تصاعدت حدة الحرب بين المغرب والبوليساريو.
أقرت محكمة العدل الدولية في لاهاي عام 1975 وجود روابط بين الصحراء الغربية في أثناء خضوعها للاستعمار مع المغرب وموريتانيا، لكن المحكمة اعتبرت هذه الروابط غير وثيقة ولا تصل إلى السيادة.
وبعد 16 سنة من الحرب بين المغرب والبوليساريو بالصحراء الغربية توصل الطرفان تحث إشراف الأمم المتحدة لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ سنة 1991، وكان المغرب آنذاك مسيطرًا على 80% من أراضي الصحراء الغربية.
وتعتبر الصحراء الغربية المنطقة الوحيدة في إفريقيا التي لم يحسم بعد مصيرها خلال الفترة ما بعد الاستعمارية. وأصدرت الأمم المتحدة قرارًا يحث على تنظيم استفتاء لتقرير مصير الصحراء الغربية، وعلى أساسه تم البدء في تحديد هوية الصحراويين المعنيين بالاستفتاء، غير أن المغرب أصبح يتهرب من استفتاء تقرير المصير، ولم ينشر هذا البند الموجود على رأس بنود العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي صادق عليه بالجريدة الرسمية، معتبرًا من جانبه أن منح الحكم الذاتي مقترحه الممكن كحل للقضية، لكن البوليساريو متمسكة بالاستفتاء وحق تقرير المصير لقيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، كما تعتبر الأمم المتحدة الصحراء الغربية إقليمًا غير متمتع بالحكم الذاتي.
الكركرات أزمة جديدة تشعل فتيل الحرب بالمنطقة
انفجرت أزمة معبر الكركرات مؤخرًا، بعد إقدام مدنيين محسوبين على جبهة البوليساريو بغلق المعبر الذي يربط المغرب بموريتانيا، هذا المعبر الموجود بمنطقة عازلة، وتعتبره البوليساريو ثغرة غير شرعية تخترق الجدار العازل ولا يدخل ضمن المعابر الأربع المتفق عليها عقب اتفاق وقف إطلاق النار، ويشكل المعبر نقطة حدودية إستراتيجية بالنسبة للمغرب وموريتانيا حيث يمكن من التبادل التجاري ويسهل تنقل المدنيين المسافرين بين البلدين.
بدأت شرارة أزمة الكركرات حين أقدم مدنيون صحراويين تابعون للبوليساريو على غلق الطريق الرابط بين المعبر وموريتانيا في 21 من أكتوبر/تشرين الثاني 2020، الوضع الذي تسبب في توقف عملية التنقل التجاري والمدني بين البلدين، الأمر الذي انعكس سلبًا على سائقي الشاحنات العالقة بالمعبر وكذلك على أسعار المواد الحيوية بموريتانيا.
استمر إغلاق معبر الكركرات من طرف النشطاء الصحراويين 22 يومًا، أمام ترقب وقلق مغربي، دفع هذا الأخير لشن عملية عسكرية يوم 13 من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 لتطهير المنطقة من الذين يعرقلون السير العادي للمعبر، لتتهم جبهة البوليساريو المغرب بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، ما ترتب عليه تبادل إطلاق النار على مستوى العديد من النقاط الحدودية المنتشرة على طول الجدار العازل.
عواقب اندلاع حرب بالصحراء الغربية
تتعالى أصوات منادية للحرب من كلا الطرفين (المغرب والبوليساريو)، ويذكي الإعلام نار هذه الحرب، حيث شكل مجالًا خصبًا للأخبار الزائفة وخطاب الكراهية، وسخر المغرب والجزائر وكذلك البوليساريو صحفهم وقنواتهم لتبني خطاب العداء والتهديد بالحرب عبر حرب إعلامية، غير أن الحرب الحقيقية على أرض الواقع لم تصل بعد إلى مستوى حرب مباشرة، رغم تبادل إطلاق النار بين الفينة والأخرى.
تعتبر أزمة الصحراء الغربية قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، غير أن هذه الحرب التي يظهر أنها باتت وشيكة، ستكون – في حال اندلاعها – مدمرة وستشمل أطرافًا عديدةً بالمنطقة، بالأخص الجزائر والمغرب، حيث يتقاسمان عداءً تاريخيًا ويخوضان تنافسًا محمومًا بشأن السباق نحو التسلح، بالإضافة إلى موريتانيا التي تتقاسم حدودها مع هذه البلدان، غير أن جبهة البوليساريو التي أعلنت الدخول في حرب مع المغرب تؤكد تمسكها باستقلال الصحراء الغربية، ويرى المغرب أن الصحراء جزء من وحدته الترابية التي لن يقبل المساس بها ويعلن استعداده للرد على أي عدوان.
ويشكل اندلاع حرب بالصحراء الغربية في هذا التوقيت العصيب، لا سيما مع تأثيرات جائحة كورونا على اقتصادات هذه الدول عبئًا ثقيلًا سيستنزف الأطراف المتنازعة، علمًا بأن حرب الصحراء استمرت 16 سنة دون حسم الصراع، لتضع أوزارها بعد أن أثقلت كاهل الجانبين، لذلك فالأمم المتحدة تدعو لضرورة ضبط النفس وإيجاد حل سلمي لهذا الصراع عبر طاولة المفاوضات.
خلاصة
يعتبر الصراع بشأن الصحراء الغربية أحد أطول الصراعات التي شهدها العالم وما زالت تعاني منه إفريقيا، وأهم عائق يحول دون وحدة دول المغرب العربي، ومعادلة معقدة يصعب حلها، لذلك لا تزال المنطقة تعيش توترات متصاعدة، تكاد تعيد سيناريو الحرب الذي لم يجن منه الطرفان إلا الخسارة.
ويظل الصراع قائمًا ما لم يحل في ظل تعنت الطرفين وعدم قبولهم بحل وسط، خصوصًا أن الصحراويين ما زالوا يستحضرون تخلي المغرب عن دعم مقاومتهم المسلحة للإسبان كما يتذكرون “سنوات الجمر والرصاص”، لكن هناك مغاربة تقدمييين يدعون المغرب إلى الحسم في تبني المسار الديمقراطي وخيار حقوق الإنسان والتوزيع العادل للثروات كمدخل لكسب الصحراويين في حضن المغرب، وتحويل الصحراء إلى قطب اقتصادي تنموي.