حالة من الجدل أثارها تعليق الإمارات لتأشيرات دخول مواطني 13 دولة إلى أراضيها، معظمها ذات أغلبية عربية ومسلمة، اعتبارًا من 18 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري وحتى إشعار آخر، دون إبداء تفاصيل بشأن دوافع إصدار هذا القرار.
ولم تتطرق الوثيقة الصادرة بهذا الشأن إلى أي تفاصيل بخصوص القرار المفاجئ، وإن أرجعه مصدر إلى “اعتبارات أمنية” بحسب “رويترز” التي اطلعت على مضمون ونص الوثيقة، دون أن يحدد ذلك المصدر ماطبيعة تلك الاعتبارات التي على أساسها لجأت أبو ظبي لهذه الخطوة المثيرة للريبة.
القرار أثار حفيظة بعض السياسيين والبرلمانيين في الدول التي شملهم قرار الحظر، ما دفع البعضهم إلى المطالبة بسحب السفير الإماراتي والتقدم باستنكار شديد اللهجة حيال هذا التحرك الأحادي دون الرجوع إلى حكومات تلك الدول، فيما نادى آخرون بمنع دخول الإماراتيين لتلك الدول من باب “المعاملة بالمثل”.
اللافت للنظر في هذا الإجراء أنه جاء بعد أيام قليلة من اجتماع مجلس الوزراء الإماراتي، برئاسة محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس البلاد، والذي تمخض عن 7 اتفاقيات لتعزيز التعاون بين الإمارات و”إسرائيل”، كان من بينها اتفاقية بشأن الإعفاء المتبادل لمواطني البلدين من متطلبات تأشيرة الدخول.
وكانت الإمارات في 25 فبراير الجاري أوقفت إصدار تأشيرات مواطني كل من سورية ولبنان والعراق وتونس والجزائر وليبيا واليمن والصومال، إضافة إلى إيران وتركيا وأفغانستان وكينيا وباكستان وفقا لوثيقة أصدرها مجمع أعمال حكومي، دون ذكر تفاصيل، ما فتح الباب لكثير من التكهنات.
ازدواجية تثير الجدل
ازدواجية الإمارات في التعامل مع أزمة التأشيرات أثارت كثيرًا من علامات الاستفهام، لاسيما وأن بعض الأصوات أرجعت في قراءتها لهذا القرار الأمر إلى فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) مع العلم أن “إسرائيل” من أكثر الدول التي تعاني من الموجة الثانية للوباء وهو ما توثقه الأرقام الصادرة يوميًا بشأن معدلات الإصابة.
وبات من الواضح أن فتح الأبواب على مصراعيها أمام الإسرائيليين أصبح توجهًا جديدًا أقرته أبو ظبي منذ إعلان تطبيع العلاقات مع تل أبيب قبل نحو شهر ونصف شهر، إذ تم توقيع عشرات الاتفاقيات بين شركات من الجانبين منذ 15 سبتمبر/أيلول الماضي وحتى اليوم في مختلف المجالات.
القرار أثار حفيظة واستنكار بعض الدول منها باكستان، التي طلبت في بيان رسمي لها من الإمارات إبداء الأسباب الحقيقية وراء تعليق التأشيرات، معربة عن اعتقادها أن هذه الخطوة لها علاقة بجائحة كورونا، مطالبة بإيجاد حل لتلك الأزمة التي من المرجح أن يتأثر بها الكثيرون.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تفرض فيها الإمارات قيودًا على مواطني بعض الدول لدخول أراضيها، فقبل عامين تقريبًا قررت أبوظبي منع النساء التونسيات من السفر على متن الخطوط الإماراتية
وأبلغ وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي وزيرة الدولة الإماراتية لشؤون التعاون الدولي ريم الهاشمي، خلال لقاء جمعهم على هامش اجتماع مجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في النيجر، مؤخرًا، أن ما يقرب من 1.5 مليون باكستاني يعيشون في الإمارات بات مستقبلهم الوظيفي على المحك عقب هذا القرار.
وقبل عشرة أيام تقريبًا كشفت صحيفة لبنانية عن مضايقات يتعرض لها اللبنانيون الذين يقيمون في الإمارات أو أولئك الذين يرغبون بالسفر إليها، ورغم عدم وجود قرار رسمي – آنذاك- بشأن حظر مواطني لبنان من الحصول على التأشيرة الإماراتية فإن شهادات الكثير من اللبنانيين بشأن العراقيل التي تواجههم في سفرهم لأبو ظبي سواء سياحة أو اعمل تكشف التوجه الإماراتي في هذا الشأن.
الصحيفة نقلت عن مصادر دبلوماسية بأن التضييق على اللبنانيين شمل “التشدد في منح تأشيرة دخول لكل لبناني لم يبلغ الستين من عمره، ولا يحمل بطاقة إقامة في واحدة من دول مجلس التعاون الخليجي، أو في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وأستراليا، ودول شرق آسيا”.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تفرض فيها الإمارات قيودًا على مواطني بعض الدول لدخول أراضيها، فقبل عامين تقريبًا قررت أبوظبي منع النساء التونسيات من السفر على متن الخطوط الإماراتية، ما استفز الجانب التونسي الذي أصدر هو الآخر قرارًا بتعليق رحلات الخطوط الجوية الإماراتية من تونس وإليها، وطالب الإماراتيين بالاعتذار فوراً عن هذا الإجراء.
المعاملة بالمثل
رأي آخر ذهب إلى أن المبررات التي تم الترويج لها لتبرير هذا القرار غير مقنعة، وتفتقد للموضوعية والواقعية، فيما طالب أنصار هذا الرأي بضرورة المعاملة بالمثل وأن يتم منع حصول الإماراتيين على تأشيرة الدخول للدول الـ 13 التي شملتها الوثيقة.
الخارجية العراقية في بيان لها قالت إنها تتابع الأمر عبر القنوات الدبلوماسية، لاسيما وأن الجانب الإماراتي لم يبلغه بقراره الذي أثار الجدل لدى الشارع العراقي، فيما استنكر عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان عامر الفايز، مزاعم الإمارات بشأن وقوف وباء كورونا خلف هذا التحرك المستفز.
وأضاف أن القارئ الجيد لأسماء الدول التي شملها قرار الحظر، يجد أن معظمها يدعم القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في الحصول على كامل حقوقه، ويتخذ موقفا سلبيًا إزاء مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني، مرجحًا أن يكون هذا هو السبب الحقيقي.
طالب القيادي في تحالف الفتح (ثاني أكبر كتلة برلمانية 48 مقعدا) كريم عليوي باستدعاء السفير الإماراتي لدى بغداد؛ وتسليمه مذكرة احتجاج رسمية بشأن تلك الخطوة التي يراها انتهاكًا صارخًا للسيادة العراقية
وفي تصريحات صحفية له طالب البرلماني العراقي حكومة بلاده باتخاذ موقف رسمي يحفظ للعراقيين كرامتهم لاسيما وأنه بات من الواضح أن القرار “يندرج في إطار التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاشم”، وكأن أبو ظبي تعاقب الدول التي لا تتماشى وقافلة التطبيع التي تقودها مع البحرين والسعودية.
الرأي ذاته ذهب إليه النائب عن ائتلاف دولة القانون (26 من أصل 329 مقعدا) منصور البعيجي، الذي اعتبر قرار الإمارات “استهداف لسيادة العراق ومواطنيه، ولا يوجد سبب يدفعها إلى ذلك” مناشدًا الحكومة العراقية باتخاذ موقف حازم وأن “تتعامل بالمثل معها وترد بتعليق منح تأشيرة الدخول إلى أراضيها مع قطع العلاقات الدبلوماسية بأسرع وقت”.
وفي السياق ذاته طالب القيادي في تحالف الفتح (ثاني أكبر كتلة برلمانية 48 مقعدا) كريم عليوي باستدعاء السفير الإماراتي لدى بغداد؛ وتسليمه مذكرة احتجاج رسمية بشأن تلك الخطوة التي يراها انتهاكًا صارخًا للسيادة العراقية والتجاوز على الأعراف الدولية، في التعامل مع العراقيين.
الازدواجية الإماراتية في التعامل مع العرب والمسلمين مقارنة بالإسرائيليين تفتح باب الشكوك بشأن الهرولة غير المسبوقة نحو التقارب مع دولة الاحتلال ومعاداة الكيانات التي لا تقف مع التوجه الإماراتي الجديد في خندق واحد، الأمر الذي يكشف الكثير من المخفي داخل أجندات أبو ظبي حيال العديد من الملفات الإقليمية والدولية.