يواصل آلاف المزارعين الهنود الاحتشاد في ضواحي العاصمة نيودلهي لليوم السادس على التوالي للاحتجاج ضد سياسات حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي الزراعية، التي يقولون إنها معادية لهم ومؤيدة لكبرى الشركات التجارية.
نيودلهي تحت الحصار
احتجاجات جعلت نيودلهي تحت الحصار، حيث تم إغلاق مداخلها لمنع دخول الفلاحين الغاضبين، نتيجة ذلك، تم توقيف آلاف الجرارات والسيارات والحافلات التي كانت تقل مئات آلاف الفلاحين القادمين من 6 ولايات متاخمة للعاصمة عند حواجز أقامتها الشرطة على كل الطرق.
المئات من رجال الشرطة والقوات شبه العسكرية، تمركزوا على مشارف العاصمة، مستخدمين العصي والغازات المسيلة للدموع ومضخات المياه، لمنع تقدم المتظاهرين الذين قرروا أن يعسكروا على مداخل نيودلهي رغم انخفاض درجات الحرارة خلال ليالي الشتاء الباردة.
كانت الخطة الأصلية للمزارعين هي السير في وسط نيودلهي – مقر السلطة – لممارسة حقهم الديمقراطي في الاحتجاج، لكن منعوا من ذلك، ما أصابهم بالإحباط وقرروا غلق جميع الطرقات المؤدية إلى العاصمة للضغط على الحكومة حتى تستجيب لمطالبهم.
تعهد المحتجون بمواصلة الاحتجاج مهما طال الوقت الذي ستستغرقه حكومة الهند بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، لعكس السياسات الزراعية المؤيدة للسوق
تمتد قافلات الجرارات والشاحنات المكدسة بأكوام من الأرز والعدس والثوم الطازج والتوابل الأخرى على مد البصر، في احتجاج يهدد بغلق العاصمة، حيث تم تحويل الطريق السريع إلى مخيم مؤقت، وقد تم تعليق الغسيل على حبال الملابس بين مرايا الجرارات، ويخمر المزارعون الشاي الحلو ويطهون الطعام على نيران الحطب.
يطالب المزارعون بإلغاء القوانين الجديدة ويستعدون لمواجهة مطولة مع الحكومة، ويرفع المحتجون في احتجاجاتهم لافتات ملونة لنقابات المزارعين مرفوعة على أعمدة خشبية طويلة، كأنهم يستعدون لحرب في العصور الوسطى.
قبل التحول إلى العاصمة احتج المزارعون في مدنهم، وكانت الاحتجاجات أكثر حدة في ولايتي البنجاب وهاريانا الشماليتين، اللتين يطلق عليهما “أوعية الحبوب في الهند”، حيث تعتبران المركزين الرئيسيين للتجارة الزراعية.
إغلاق الأسواق الزراعية الحكومية تدريجيًا
بداية الاحتجاجات، كانت في سبتمبر/أيلول الماضي، حيث بدأ المزارعون من ولايتي البنجاب وهاريانا المنتجتين للحبوب، حملتهم بعد أن دفعت حكومة مودي بثلاثة مشاريع قوانين لتحرير القطاع الزراعي، متجاوزة مطالب شركاء التحالف وأحزاب المعارضة بمزيد من التدقيق في التشريع.
حزب باراتيا جاناتا الحاكم في جمهورية الهند، أقر مؤخرًا ثلاثة “إصلاحات” لقانون الزراعة يقول إنها ستحرر الأسواق الزراعية وستتيح للمزارعين حرية تسويق منتجاتهم، فيما يقول المعارضون إن الإصلاحات تسمح للشركات الزراعية الكبيرة بالوصول إلى السوق، مما قد يخنق صغار المزارعين.
ويخشى المزارعون المحتجون من أن يستغلهم لاعبو القطاع الخاص الذين يشترون محاصيلهم بأسعار رخيصة، حيث اعتبروا القوانين الجديدة جزءًا من محاولة لتسليم أراضيهم التي حصلوا عليها من آبائهم إلى الشركات الكبرى وأصدقاء قيادة الحزب الحاكم في البلاد.
وتقول جمعيات المزارعين في الهند إن التشريعات الجديدة لا تحمي وصول صغار المزارعين إلى ما يسمى بأقل سعر للدعم، الذي تحدده حكومة الهند لضمان بيع المحصول بأقل سعر، فهي تسمح فقط للشركات الكبيرة بشراء المزروعات من صغار الفلاحين بأقل من قيمتها.
بموجب هذه القوانين، يمكن للمزارعين بيع منتجاتهم مباشرة إلى المشترين من القطاع الخاص بدلًا من ساحات السوق التي تسيطر عليها الحكومة، الأمر الذي سيجعل السوق أكثر فاعلية وفق الداعمين للتحويرات الجديدة، إلا أن الفلاحين يرون عكس ذلك، فهم يعتقدون أن هذه القوانين سيكون لها تأثير مدمر على سبل معيشتهم المحفوفة بالمخاطر بالفعل.
بموجب قانون لجنة تسويق المنتجات الزراعية الذي تم تمريره عام 1964، كان إلزاميًا على المزارعين بيع منتجاتهم في الأسواق التي تنظمها الحكومة، وتقول الحكومة إن احتكار هذه الأسواق سينتهي لكنها لن تغلق، ويحمي هذا القانون المنتجين الزراعيين من أي انخفاض حاد في أسعار المنتجات من خلال الإعلان عن حد أدنى لسعر الشراء في بداية موسم البذر، مع مراعاة تكلفة الإنتاج.
يخشى المزارعون الذين يمتلكون حيازات صغيرة من الأراضي، من أن القوانين الجديدة ستؤدي إلى نهاية العمل بالحد الأدنى لسعر الدعم – الذي يضمن سعرًا ثابتًا لبعض المحاصيل خاصة القمح والأرز – وتفتح الباب أمام الشركات الكبيرة لتحديد الأسعار، ما يخلق سوقًا موازية تتحكم فيه الشركات الكبرى.
هذا الأمر إن حدث سيؤدي إلى إغلاق الأسواق الزراعية الحكومية تدريجيًا، مما يعني أن الأسواق الخاصة ستبقى وحدها بعد سنوات قليلة في الميدان، ويرى الفلاحون أن هذا التغيير سيؤدي إلى سيطرة الشركات الكبرى على الأسواق الزراعية وفرض أسعار هابطة على الفلاحين.
ويتعرض رئيس الحكومة الهندية – الذي فاز في الانتخابات التشريعية السابقة على وعد بمضاعفة الدخل الزراعي للمزارعين – لضغوطات كبيرة لجلب استثمارات خاصة إلى القطاع الزراعي الذي يعاني من الركود الشديد.
لا للتطمينات الشفاهية
يصر رئيس الحكومة الهندية الهندي ناريندرا مودي والداعمون للقوانين الجديدة على أن هذه القوانين ستفيد المزارعين عبر السماح لهم بكسب أرباح أعلى من خلال التعامل مع عدد أكبر من المشترين المحتملين لبضائعهم.
ففي خطابه الإذاعي الشهري يوم الأحد، قال رئيس الوزراء: “الإصلاحات الجديدة لم تنه الكثير من الروابط والأغلال المفروضة على المزارعين فحسب، بل أعطتهم أيضًا حقوقًا وفرصًا جديدة”، وقد سبق أن قال للمزارعين إن الحكومة ليس لديها نية لوقف أو تخفيف الحد الأدنى لسعر الدعم لمختلف المحاصيل أو شراء المحاصيل الرئيسية من الوكالات الحكومية.
يثمن المزارعون ذلك لكنهم يريدون أن تكون تلك التأكيدات الصادرة عن رئيس الحكومة جزءًا من القانون الجديد، الذي تم إقراره الأحد الماضي بعد نقاش حاد، وألا تبقى مجرد كلام لطمأنتهم فقط.
يتبين من هنا أن المزارعين ليسوا على استعداد لقبول أي تأكيدات حكومية غير البنود التشريعية التي تتضمنها القوانين حتى يتم العمل بها وإلا فإنهم سيخسرون عملهم ومصدر رزقهم لصالح أصدقاء الحكومة.
يخشى مزارعو الهند من أن تبتلعهم الشركات العملاقة مثل شركات موكيش دي أمباني، أغنى رجل في الهند
ما زاد من خوف الفلاحين أن القوانين الجديدة تم تقديمها عن طريق المراسيم على عجل دون أن يتم استشارة المزارعين ودون الاستجابة للمطالبة المعقولة من المعارضة بإحالة مشاريع القوانين إلى اللجنة البرلمانية الدائمة للفحص والتدقيق.
تعهد المحتجون بمواصلة الاحتجاج مهما طال الوقت الذي ستستغرقه حكومة الهند بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، لعكس السياسات الزراعية المؤيدة للسوق التي تم إقرارها مؤخرًا، لكن يبدو أن الحكومة لن تستجيب بسهولة، فهذه القوانين تتنزل ضمن سعيها لخصخصة القطاع الزراعي في إطار سياسة مودي الرامية إلى خصخصة قطاعات كثيرة تدريجيًا.
يساهم قطاع الزراعة بما يقرب من 15% من اقتصاد الهند البالغ 2.9 تريليون دولار، فيما يعتمد ثلثا سكان البلاد البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة على الزراعة، ويرى هؤلاء المزارعون أن أراضيهم هي الأصل الوحيد الذي يضمن للأجيال القادمة أن تكسب لقمة العيش.
تاريخ غير مطمئن
هذه الاحتجاجات ليس الأولى من نوعها، ففي سنة 2018 أصبحت الضائقة الريفية قضية وطنية، ففي تلك السنة علق المزارعون المحتجون جماجم حول أعناقهم لتسليط الضوء على ارتفاع عدد حالات الانتحار.
وتظهر أخبار من وقت لآخر عن انتحار فلاحين، لثلاثة أسباب رئيسية هي: فشل مواسم زراعية وتدني قيمة محاصيل زراعية معينة في بعض المواسم بسبب كثرة الإنتاج وعجز الفلاحين عن دفع ديونهم التي يأخذونها من مرابين محليين بنسب عالية جدًا، بينما تحجم البنوك العادية عن إقراض صغار الفلاحين.
تقول أرقام السجل القومي الهندي للجرائم إن أكثر من 296 ألف فلاح انتحروا منذ سنة 1995، وفي ولاية ماهاراشترا وحدها انتحر 60 ألفًا خلال سنة 2014، أي بمعدل 160 انتحارًا كل يوم، بسبب تدني قيمة محاصيلهم وفشلهم في تسديد ديونهم للمرابين.
المشكل أن تاريخ الاحتجاجات الزراعية في الهند، يظهر أن فوائد مثل هذه الاحتجاجات لم يتم جنيها دائمًا، فقد ظلت غير فعالة إلى حد كبير للدخول في تغييرات سياسية ذات مغزى، وهو ما يزيد من مخاوف الفلاحين.
يخشى مزارعو الهند من أن تبتلعهم الشركات العملاقة مثل شركات موكيش دي أمباني، أغنى رجل في الهند، وغوتام أداني، وكلاهما معروف بأنه قريب من رئيس الوزراء، إلا أن الحكومة تنفي ذلك مؤكدة أنها تعمل لصالح المزارعين، ما يجعل الأزمة بين الطرفين مفتوحة على فرضيات كبرى.