ترجمة وتحرير: نون بوست
وفقا لتقرير صدر الأسبوع الماضي عن المفتش العام لوزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) لعمليات مكافحة الإرهاب في أفريقيا، يبدو أن الإمارات العربية المتحدة تساعد في تمويل مرتزقة مجموعة فاغنر الروسيّة في ليبيا، ومن المرجّح أن يؤثر ذلك على علاقة الولايات المتحدة الوثيقة مع الدولة الخليجية.
لطالما اشتبه الخبراء في أن الإمارات العربية المتحدة تستخدم مرتزقة من روسيا لصرف الأنظار عن تورطها في الصراع الليبي، ويُعتبر هذا التقرير أول تقييم رسمي عن طبيعة هذا الدور. كان المسؤولون العسكريون واضحين جدا في تقييمهم لدور مجموعة فاغنر في زعزعة الاستقرار في ليبيا، وسط مخاوف من أن الكرملين قد يستغل النزاع الليبي لترسيخ قدمه عسكريا جنوب أوروبا.
في تموز/يوليو، اتهمت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا مجموعة فاغنر بزرع ألغام أرضية عشوائية حول العاصمة طرابلس وتعريض حياة المدنيين للخطر. لكن الإعلان عن أن هؤلاء المرتزقة الروس ربما تموّلهم الإمارات أحد أقرب حلفاء الولايات المتّحدة في الشرق الأوسط، قد يزيد من تعقيد المشهد ويعرقل خطط واشنطن.
ويأتي ذلك في الوقت الذي يشنّ فيه الديمقراطيون في الكونغرس حملة قوية لوقف صفقة بيع طائرات مقاتلة أمريكية من طراز “إف-35” إلى الإمارات بقيمة 23 مليار دولار.
ويقول فريدريك ويري، الباحث في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في هذا السياق: “يبدو الآن أنه سيكون هناك حضور روسي دائم في خاصرة الناتو، ساهم فيه حليف للولايات المتحدة”.
قدّمت تسع دول الدعم العسكري للفصائل المتنازعة في ليبيا، وشارك قرابة 10 آلاف من المرتزقة والمقاتلين الأجانب في دعم مختلف الأطراف. دعمت تركيا حكومة الوفاق الوطني في طرابلس والتي تعترف بها الأمم المتحدة، بينما تقدّم روسيا دعما كبيرا للجنرال المتمرّد خليفة حفتر، الذي يسيطر على مساحات شاسعة شرق البلاد.
ساد الاعتقاد قبل فترة أن المسؤول عن تمويل فاغنر هو حليف بوتين يفغيني بريغوزين
ورغم أن المجموعات العسكرية الخاصة محظورة داخل روسيا، فقد كانت مجموعة فاغنر في طليعة الجهود القتالية الروسية في أوكرانيا وليبيا والسودان. ويعتمد الكرملين بشكل متزايد على هذه المجموعة رغم إنكاره المتكرر لعلاقته بها، وهناك علاقات قوية بين فاغنر والمؤسسة العسكرية والاستخباراتية الروسية، وقد وصفتها وزارة الخارجية الأمريكية بأنها “ذراع لوزارة الدفاع الروسية”.
ساد الاعتقاد قبل فترة أن المسؤول عن تمويل فاغنر هو حليف بوتين يفغيني بريغوزين، وقد استطاعت الشركة أن تبرم عقودا في سوريا والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، واختلطت الأمور إلى حد ما بين أهداف موسكو السياسية والدوافع الربحية. وتقول أستاذة العلوم السياسية في كلية بارنارد، كيمبرلي مارتن: “كان انطباعي العام لفترة طويلة هو أن فاغنر تُموَّل بالكامل من خلال العقود الأجنبية”.
لكن الإمارات ورغم الدعم العسكري الذي توفره لخليفة حفتر ضمن جهودها لمحاربة الإسلام السياسي في المنطقة، فإن دورها في الصراع الليبي خضع للتدقيق أقل بكثير من تدخل روسيا.
ويعزو الخبراء ذلك إلى الضغوط الهائلة التي تمارسها الإمارات في واشنطن، ودورها كحليف لواشنطن في ملفات أخرى، مثل حملة “الضغط القصوى” على إيران واتفاقيّة السلام مع إسرائيل، التي حظيت بكثير من الإشادة باعتبارها أحد أهم إنجازات إدارة ترامب الخارجية.
ويقول عماد الدين بادي، الباحث في برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي: “لم تحظ (الإمارات) باهتمام كبير لأنك عندما تذكرها للمسؤولين الأمريكيين، يقولون حسنا، لدينا مصالح أخرى مع الإمارات العربية المتحدة”.
تعتبر الإمارات العربية المتحدة الحليف الأقرب لروسيا في الخليج، وبينما اشتبه الخبراء منذ فترة طويلة في أن البلدين يتعاونان بشكل وثيق في ليبيا، فإن اعتماد الإمارات على المرتزقة الروس على الأرض مكّنهم من إخفاء تورطهم. في هذا الإطار، تقول آنا بورشيفسكايا، الباحثة في معهد واشنطن: “إنه أمر قابل للإنكار وأفضل من التدخل المباشر”.
ولعل الصيغة الحذرة في التقرير، والذي جاء فيه أن “وكالة استخبارات الدفاع تعتقد أنه من المحتمل أن الإمارات العربية المتحدة توفر بعض التمويل لعمليات المجموعة”، تكشف جانبا من الحذر السياسي الأمريكي في التعاطي مع التورط الإماراتي.
ولطالما كانت إدارة ترامب مترددة في انتقاد شركائها الخليجيين، بما في ذلك الإمارات، رغم كل التقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن. وقد ذهب ترامب إلى حد القول بأن الولايات المتحدة ليس لديها مصالح في ليبيا.
يقول دوغلاس وايز، الذي شغل منصب نائب مدير وكالة استخبارات الدفاع في الفترة ما بين 2014 و2016: “أتصور أن وكالة استخبارات الدفاع تملك بعض المعلومات المهمة عن دعم الإمارات العربية المتحدة لفاغنر”. وأضاف أن “تقرير وكالة استخبارات الدفاع سيكون طريقة أسهل وأقل وإحراجًا لتوبيخ الإمارات، من إرسال مذكرة دبلوماسية أو إصدار بيان صحفي من وزارة الدفاع أو البيت الأبيض. وهذا ما سيجعل دولة الإمارات العربية المتحدة تعرف أننا على علم بتحركاتها”.
نقطة التحول المحتملة التي جعلت الجيش الأمريكي ينتقد الدوري الإماراتي، هو نشر عشرات الطائرات المقاتلة الروسية من الجيل الرابع التي تديرها شركة فاغنر
طوال سنة 2020، لاحظ الخبراء الذين يتابعون الصراع في ليبيا أدلة توثق العلاقات بين الإمارات وروسيا. خلال شهر كانون الثاني /يناير، بعد أن وافق البرلمان التركي على السماح لقواته بالقتال في ليبيا، كانت هناك زيادة كبيرة في طائرات الشحن الروسية والإماراتية – التي من المرجح أنها محملة بالأسلحة والذخيرة – المتجهة إلى الشرق ليبيا وغرب مصر. على غرار روسيا، تدعم الإمارات المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا الذي كان في السابق أحد عملاء وكالة المخابرات المركزية وعاش لسنوات في ضواحي العاصمة واشنطن.
تزامن الحضور الروسي المتنامي في ليبيا مع الانسحاب الإماراتي، وهو الأمر الذي أدى إلى تزايد الشكوك. مع ارتفاع شحنات البضائع ودخول المزيد من القوات التركية إلى البلاد، سحبت الإمارات العربية المتحدة معداتها من قاعدة الخادم الجوية بالقرب من بنغازي وسمحت للقوات الروسية بالسيطرة على المنشأة.
ويرى جلال حرشاوي، الباحث في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، ومقرها باريس، أن نقطة التحول المحتملة التي جعلت الجيش الأمريكي ينتقد الدوري الإماراتي، هو نشر عشرات الطائرات المقاتلة الروسية من الجيل الرابع التي تديرها شركة فاغنر في شهر مايو / أيار، والتي كانت جزءًا من مساعي حفتر لمنع القوات المدعومة من تركيا من التقدم.
ويضيف حرشاوي: “أثارت ذلك غضب الكثيرين داخل وزارة الدفاع، لكن الجهة الوحيدة التي تحركت حينها كانت أفريكوم، والتي كشفت خطط روسيا بشكل علني. الأمر الآخر هو أن الأمريكيين كانوا يدركون أن جزءًا من جهود فاغنر في ليبيا دفعت تكاليفها أبو ظبي”.
عندما كان موعد الانتخابات الأمريكية بعيدا واكتشف البنتاغون لأول مرة وجود مقاتلين روس في ليبيا، لم يكن قادر على كشف هذه المعطيات، لكن بعد رحيل إدارة ترامب بات من السهل التحدث علنا عن ذلك. ويقول الحرشاوي في هذا السياق: “كان التلميح إلى ذلك في شهر أيار/مايو أصعب بكثير”.
في سياق متصل، أفاد فريق خبراء الأمم المتحدة، الذي يقدم تقارير عن أنشطة محتملة خاضعة للعقوبات الأممية في مناطق النزاع، أن الإمارات انتهكت مرارًا الحظر الذي تفرضه المنظمة الدولية على عمليات نقل الأسلحة إلى ليبيا. ويقول فريدريك ويري من معهد كارنيغي: “لقد علمنا أن هناك تنسيقًا ميدانيًا في ساحة المعركة بين الإمارات ومجموعة فاغنر”. ويضيف: “لكن التمويل ليس سوى دليل إدانة يكشف تعاون الإمارات مع هذه المجموعة”.
المصدر: فورين بوليسي