ترجمة وتحرير: نون بوست
في وقت متأخر من يوم 22 تشرين الثاني/ نوفمبر، رصدت مواقع تتبع الرحلات الجوية طائرة تجارية يستخدمها عادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهي تقوم برحلة مدتها خمس ساعات ذهابا وإيابا من تل أبيب إلى نيوم، المدينة المستقبلية التي تبنيها المملكة العربية السعودية على ساحلها على البحر الأحمر.
في غضون ساعات، ضجّ الشرق الأوسط بالتقارير التي تفيد بأن نتنياهو ورئيس الموساد يوسي كوهين أجريا محادثات سرية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.
وعلى الرغم من أن وزير الخارجية السعودي نفى في تغريدة على تويتر حدوث أي اجتماع بين الطرفين، إلا أن العديد من المصادر السعودية والإسرائيلية أكدت أن الاجتماع التاريخي قد عُقد بالفعل، وأن التطبيع بين “إسرائيل” والسعودية ومواجهة إيران تصدرا جدول الأعمال.
في الواقع، يشكّل هذا الاجتماع تطورا بالغ الأهمية لأسباب متنوعة، ولا سيما الإشارة القوية التي ينوي الطرفان إرسالها إلى إدارة بايدن القادمة حول الدور الحاسم الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في أي جهود تهدف إلى تعزيز الاستقرار في منطقة مضطربة لا تزال تشكل أهمية بالغة لمصالح الولايات المتحدة.
لدى السعوديين الكثير من الأسباب التي تدفعهم لاستمالة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن. وبعيدا عن الدائرة المقربة من الرئيس دونالد ترامب المنتهية ولايته، فإن حلفاء المملكة في واشنطن أصبحوا قليلين ومتباعدين هذه الأيام.
على امتداد السنوات الأربع الماضية، أصبح مشروع قانون لائحة الاتهام التي أعدها الحزبان الجمهوري والديمقراطي ضد محمد بن سلمان أطول من أن يُذكر بالكامل. ومن أبرز الاتهامات الحرب الوحشية في اليمن، واختطاف رئيس الوزراء اللبناني، واعتقال الناشطات في مجال حقوق المرأة وإساءة معاملتهن، وزرع الجواسيس داخل شركات التكنولوجيا العملاقة في الولايات المتحدة، وبالطبع عملية قتل وتقطيع الصحفي المقيم في الولايات المتحدة جمال خاشقجي على يد مجموعة من القتلة السعوديين المأجورين.
يدفع محمد بن سلمان لجماعات الضغط في واشنطن ملايين الدولارات سنويا للحصول على المشورة بشأن كيفية تحسين صورة بلاده
رفض ترامب محاسبة ولي العهد وعمل على حمايته من عقوبات الكونغرس، ويُنظر إلى ذلك على نطاق واسع باعتباره ضوءا أخضر للسعودية لتكرار جرائمها ضد المصالح والقيم الأمريكية.
في الواقع، يبدو أن بايدن يؤيّد هذا الطرح، وقد كان عداؤه المتنامي للسعوديين واضحا خلال حملته الانتخابية، حيث وعد بأن يعيد تقييم العلاقات الأمريكية السعودية. كما هاجم بايدن الرئيس ترامب بسبب منحه لولي العهد السعودي “صلاحيات خطيرة” أساء استخدامها متّبعا سياسات متهورة في الخارج وقمعية في الداخل.
تكررت إهانات بايدن للرياض، فقد وصف المملكة بأنها “منبوذة”، وقال إن “البعد الاجتماعي يكاد يكون غائبا في الحكومة الحالية للمملكة العربية السعودية”، كما اتهم السعوديين بـ”قتل الأطفال” في اليمن. وتعهد بايدن بجعل الرياض “تدفع ثمن” أخطائها الفظيعة، بما في ذلك وقف الدعم للجهود العسكرية للمملكة.
كما أعلن بايدن التزامه بالتخلي عن حملة الضغط القصوى التي يشنها ترامب ضد إيران، أخطر أعداء السعودية. لذلك، من الواضح أن السعوديين يواجهون مشكلة حقيقية. إذا، ما الذي يتعيّن على ولي العهد القيام به عندما تبدأ الإدارة الجديدة في الدولة التي لا تزال تشكل حجر الأساس لأمن واستقرار مملكته، بمراجعة العلاقات بين البلدين؟
إذا كان ولي العهد ذكيا، فعليه القيام بأمرين. أولا، عليه التوقف عن ارتكاب الحماقات التي من المؤكد أنها تزيد الوضع سوءا. ولعلّ أبرز مثال على ذلك إحالة قضية لجين الهذلول، وهي ناشطة بارزة في مجال حقوق المرأة في المملكة العربية السعودية، إلى محكمة خاصة بمكافحة الإرهاب الأسبوع الماضي.
بدت هذه الخطوة استفزازا لبايدن، وقد كتب عشرة أعضاء بارزين في مجلس الشيوخ – تسعة ديمقراطيين وجمهوري – قبل يومين رسالة مشتركة يحثّون فيه الرياض على إطلاق سراح لجين والعديد من السجينات الأخريات.
في الحقيقة، يدفع محمد بن سلمان لجماعات الضغط في واشنطن ملايين الدولارات سنويا للحصول على المشورة بشأن كيفية تحسين صورة بلاده في الولايات المتحدة، ولا بدّ أن يحاول الاستماع إليهم مرة أخرى.
يتعين على السعوديون إظهار حسن نواياهم، وأن يثبتوا أنهم يأخذون تهديدات الولايات المتحدة على محمل الجد. على بن سلمان أن يؤكد التزامه بحماية الشراكة الاستراتيجية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض.
إن التوصل إلى حل سريع لأبرز قضايا حقوق الإنسان هي النقطة الأكثر إلحاحا في هذا الشأن. تحتجز السلطات السعودية منذ سنوات مجموعة من الناشطين والناشطات، من بينهم المدوّن رائف بدوي، وثلاثة سعوديين يحملون الجنسية الأمريكية. تعرض هؤلاء لشتى أنواع الانتهاكات، رغم أنهم لا يشكلون أي تهديد ملموس على الدولة السعودية أو قبضة محمد بن سلمان على السلطة.
في الواقع، يهدد الاستمرار في احتجاز النشطاء مكانة المملكة العربية السعودية مع أهم شركائها الغربيين. وفي هذه المرحلة، سوف يُنظر إلى العفو عن النشطاء على أنه قرار قوي وحكيم، وليس باعتباره دليلا على ضعف محمد بن سلمان ووالده الملك سلمان.
لا شك في أن هذه المبادرة ستحظى بتقدير بايدن الذي عبر عن سعيه للارتقاء بمبادئ حقوق الإنسان واعتبرها من أهم أولويات السياسة الخارجية، وستنظر الولايات المتحدة إلى هذه الخطوة على أنها بادرة حسن نية من الرياض لفتح صفحة جديدة مع الإدارة القادمة.
في المقابل، سيكون التعامل مع المخاوف الأمريكية بشأن الحرب في اليمن أكثر صعوبة، لكنه ليس مستحيلا. يبدو أن المتمردين الحوثيين الموالين لإيران عازمون على الاستمرار في القتال، ومواصلة استهداف المملكة العربية السعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة.
ولكن بات من الواضح في سنة 2020، أن محمد بن سلمان يبحث عن مخرج من المستنقع اليمني. تعهد السعوديون بوقف إطلاق النار من جانب واحد، وفتحوا المجال للتفاوض مع الحوثيين، وقبلوا مؤخرا اقتراحا أمميا لوقف إطلاق النار وتخفيف الحصار الاقتصادي السعودي على اليمن مقابل إقامة حاجز أمني يمتد على طول الحدود السعودية اليمنية.
الرغبة في تحقيق إنجاز تاريخي للسياسة الخارجية الأمريكية والسلام والأمن العالميين، قد يجعل إدارة بايدن تتجه إلى إقامة علاقات جيدة مع السعوديين
لأسباب تتعلق بمصالحها الوطنية، تتطلع المملكة إلى أن تكون جزءا من الحل وليس من المشكلة، عندما يتعلق الأمر بالجهود الرامية لوقف التصعيد في اليمن. ويعد هذا تحولا حاسما في موقف الرياض التي يجب عليها أن تسعى إلى كسب ثقة إدارة بايدن من خلال مواصلة ترجمة أقوالها إلى أفعال.
بما أن المملكة العربية السعودية هي الدولة الإسلامية الأكثر نفوذا في العالم، باعتبارها مهد الإسلام، والمسؤولة عن إدارة الحرمين الشريفين، فهي قادرة على التأثير في العديد من الدول لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، من المغرب إلى باكستان، الأمر الذي من شأنه أن يغير جذريا ميزان القوى في الشرق الأوسط بشكل يصب في صالح الولايات المتحدة.
ومما لا شك فيه، أن الرغبة في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي للسياسة الخارجية الأمريكية والسلام والأمن العالميين، قد يجعل إدارة بايدن تتجه إلى إقامة علاقات جيدة مع السعوديين، أفضل بكثير مما تبدو عليه الأمور حاليا.
ولكن في ضوء تصرفات محمد بن سلمان التي أثارت جدلا واسعا في السنوات الأخيرة، “يود بايدن سماع خطة المملكة العربية السعودية لتغيير نهجها والعمل مع الإدارة الأمريكية بطريقة أكثر مسؤولية”. وهذا لا يجب اعتباره بمثابة تهديد بقدر ماهو دعوة للسعوديين لاتخاذ بعض الخطوات الجادة لتصحيح العلاقة في المستقبل. الواقع أنه من الأفضل لهم أن يقوموا بذلك، ولديهم فرصة قريبة خلال الاجتماع الاستثنائي هذا الشهر على شواطئ البحر الأحمر.
المصدر: فورين بوليسي