أثار تعيين تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” زعيمًا جديدًا له خلفًا لقائده الروحي عبد المالك دروكدال الملقب بـ”أبو مصعب عبد الودود” المحكوم عليه بالإعدام غيابيًا، الذي قضى على يد القوات الفرنسية في شمال مالي في يونيو/حزيران الماضي، مخاوف أمنية من عودة هذا التنظيم إلى الواجهة في الجزائر بعد انحساره في السنوات الأخيرة بسبب الضربات الموجعة التي وجهها له الجيش الجزائري بالتنسيق مع مختلف المصالح الأمنية الجزائرية.
قبل مقتله في يونيو/حزيران الماضي، وجد عبد المالك دروكدال في الساحل الإفريقي أرضيةً خصبةً للاستقرار رفقة أتباعه، بعد الضربات القاصمة التي تلقاها في قواعده الخلفية التي تشكل مراكز لقيادات التنظيم الإرهابي على غرار المنطقة الجبلية الممتدة من منطقة القبائل (تيزي وزو والبويرة وبجاية) وصولًا إلى محافظة برج بوعريريج شرقي العاصمة الجزائرية، إضافة إلى المنطقة الغابية المنتشرة في المحافظات الغربية على غرار عين الدفلى والمدية التي كانت تشكل في تسعينيات القرن الماضي أحد المعاقل الرئيسية للتنظيم.
انحسار
تراجع نشاط تنظيم القاعدة في الجزائر بشكل لافت في السنوات الأخيرة بسبب عمليات تفكيك شبكات الدعم والإسناد وشل عمليات التموين بالأسلحة والذخيرة وقطع الرؤوس الكبيرة سنة 2018، دون أن ننسى الانشقاق الذي برز في صفوفه بعد إعلان ميلاد فرع “جند الخلافة” في البلاد الذي بايع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، إضافة إلى نجاح السياسية الأمنية التي انتهجتها قيادة الجيش الجزائري منذ إطلاقها سنة 2016، وتتعلق بعرض قدمته القيادة للإرهابيين وعائلاتهم بتسليم أنفسهم مقابل الاستفادة من تدابير العفو الواردة في قانون السلم والمصالحة الوطنية، وأفرز هذا العرض استسلام عشرات الإرهابيين رفقة ذويهم وهو ما سبب نزيفًا حادًا في صفوف هذا التنظيم.
شهدت ساحات وشوارع الجزائر، في السنوات الثلاثة الماضية، هدوءًا تامًا
ووفق حصيلة سنوية للجيش الجزائري، صدرت مطلع 2020 فإنه تم خلال 2019 تحييد 74 إرهابيًا وتوقيف 245 عنصر دعم للجماعات الإرهابية، بينما تم تحييد 189 إرهابيًا خلال سنة 2018 يتوزعون بين القضاء على 32 إرهابيًا وتوقيف 25 بينما سلم 132 أنفسهم للسلطات العسكرية.
وشهدت ساحات وشوارع الجزائر، في السنوات الثلاثة الماضية، هدوءًا تامًا، فللعام الثالث على التوالي أي منذ 2017 لم تشهد البلاد أي هجمات إرهابية، باستثناء بعض المواجهات في الجبال والغابات حيث يتحصن بقايا تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
وكانت آخر عملية إرهابية قد شنها التنظيم في نهاية أغسطس/آب 2017، عندما باغت انتحاري مركزًا للشرطة في محافظة تيارت، وأسفرت العملية عن مقتل شرطيين، وقبل هذه العملية اغتال ثلاثة إرهابيين تابعين لتنظيم “داعش” شرطيًا وسط مدينة قسنطينة شرفي الجزائر.
قلق أمني
غير أن تعيين أبو عبيدة العنابي كأمير جديد للتنظيم، أثار مخاوف بشأن إمكانية عودة التنظيم إلى الواجهة وتصاعد النشاط الإرهابي خاصة أن القائد الجديد للتنظيم له سجل حافل بمختلف أنواع الجرائم وأبشعها، التحق بأولى المجموعات الإرهابية التي برزت في الجزائر في بداية التسعينيات رفقة الإرهابي عبد المالك دروكدال، وتلقى تدريباته في أفغانستان، وكان عضوًا قياديًا بارزًا في مجلس أعيان التنظيم المسلح الذي كان يسمى “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” التي ارتكبت جرائم إرهابية بشعة ضد مدنيين في مناطق متفرقة من الوطن، ويقف وراء محاولة اغتيال الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، بهجوم انتحاري استهدف حشدًا شعبيًا كان في انتظاره بمحافظة باتنة، وأسفرت العملية عن مقتل 20 شخصًا.
وكان أبو عبيدة العنابي من أبرز الوجوه الإرهابية التي شاركت في تنفيذ الهجوم على المنشأة الغازية “تيقنتورين” الواقعة بـ”عين أميناس” جنوب البلاد، في 16 من يناير/كانون الثاني 2013، ويعتبر من بين الإرهابيين الذين أدرجتهم الخارجية الأمريكية على قائمتها السوداء للإرهاب ووصفته بـ”الإرهابي العالمي المصنف بشكل خاص”.
يقول الخبير في الشؤون الأمنية والسياسية، علي زاوي، في تصريح لـ”نون بوست” إن الهدف من وراء تعيين أبو عبيدة يوسف العنابي على رأس تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي هو جر الجزائر نحو مستنقع الفوضى خاصة أنه من جنسية جزائرية ومن بين مؤسسي التنظيم في الجزائر.
وأظهر الإرهابي الجزائري أبو عبيدة الذي يتولى رئاسة ما يسمى “مجلس الأعيان” للتنظيم الإرهابي، اهتمامه بالشأن الداخلي الجزائري في الفترة الأخيرة، حيث ظهر في تسجيلات صوتية خلال فترة الحراك الشعبي الذي انطلق في 22 من فبراير/شباط الماضي، قال فيها: “يحارب النظام الجزائري مثل المتظاهرين”، ووصف نظام الجزائر بـ”العدو المشترك” واعتبر أن “التظاهرات الشعبية في الجزائر والسودان خطوة للخلاص من الحكم الجبري”.
تلك التفجيرات تم تمويلها وتجهيز معداتها من فدية ضخمة دفعتها دول غربية لصالح مجموعة مختار بلمختار الملقب بالأعور
وكشف علي زاوي أن التنظيم يسعى للعودة إلى الواجهة من خلال محاولة استحداث خلايا في الوسط والشرق الجزائري غير أن جميع محاولاته باءت بالفشل لحد الآن، ويعتقد علي زاوي أن التنظيم سيستغل الصفقة الأخيرة التي أبرمت مع فرنسا وأسفرت عن إطلاق سراح أكثر من إرهابي وصفقة مالية تفوق 9 ملايين يورو، وقد توجه هذه الأموال لشراء الأسلحة والمتفجرات لإعادة التنظيم إلى الواجهة.
وسبق أن شهدت الجزائر سيناريو مماثلًا، حيث كشفت تحقيقات أمنية جزائرية أجريت سنة 2007 عن الهجمات الانتحارية التي استهدفت مواقع حساسة خلال هذه الفترة بينها مقرات الأمم المتحدة والمجلس الدستوري إضافة إلى قصر الحكومة، أن تلك التفجيرات تم تمويلها وتجهيز معداتها من فدية ضخمة دفعتها دول غربية لصالح مجموعة مختار بلمختار الملقب بـ”الأعور”، قائد فرع “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” بالصحراء الجزائرية في عملية خطف استهدفت 33 سائحًا غربيًا في الصحراء الجزائرية في فبراير/شباط 2003.
ضرب للمصالح الحيوية
لكن قراءات أخرى ترى أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أصبح ضعيفًا ولا أثر له في الميدان حتى إنه لم يعد قادرًا على إعادة بعث نفسه من جديد بسبب النزيف الحاد الذي لحق بصفوفه ومحاصرة نشاطه من طرف الجيش الجزائري، ويقول الخبير الباحث في الشؤون السياسية والأمنية في منطقة الساحل، مبروك كاهي، لـ”نون بوست”: “التنظيم انتهى بالقضاء على الزعامات الصلبة المشكلة للنواة الحقيقة من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وغيرها من التي كانت تشكل تهديدًا للأمن والسلم الدوليين”.
ويشير المتحدث إلى أن اندثار هذه النواة الصلبة أثر بشكل مباشر على التنظيمات الفرعية التابعة لها، ومنها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ويعتقد مبروك كاهي أن هذا التنظيم انتقل من التهديد الدولي إلى الإقليمي من خلال المساس بالمصالح الحيوية لبعض الدول.
ويؤكد الخبير في الشؤون السياسية والأمنية في منطقة الساحل أن هناك من يستخدمها كتبرير للوجود في المنطقة والتعامل بمبرر “العسكرة” وتعطيل بعض المشاريع الحيوية كأنبوب الغاز النيجري الجزائري الذي كان محل مشاورات بين وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم ونظيره النيجيري منذ أيام، إضافة إلى محاولات منع أي تقارب بين شمال القارة وغربها ومواصلة المشروع التدميري من الخليج إلى المحيط.