ساعات ويتوجه الناخبون الكويتيون لصناديق الاقتراع لاختيار أعضاء مجلس الأمة الجدد (البرلمان) في الانتخابات المقرر لها أن تجري في الـ5 في ديسمبر/كانون الأول الحاليّ، ويتنافس عليها 395 مرشحًا، بينهم 33 سيدةً، على 50 مقعدًا برلمانيًا في خمس دوائر انتخابية، بحسب وكالة “كونا” الرسمية.
ومع اقتراب انطلاق هذا الماراثون الانتخابي يشهد الشارع السياسي الكويتي جدلًا متواصلًا في ظل حزمة من الإشكاليات التي يحذر البعض من تقويضها للعملية الانتخابية ونزاهتها وقدرتها على التعبير عن رأي المواطنين الكويتيين، في الوقت الذي شهدت فيه الانتخابات موجة انسحابات غير مسبوقة، إذ انسحب ما يقرب من نصف عدد المرشحين.
المتغيرات التي شهدتها الساحة الإقليمية والدولية على المستويات، السياسية والاقتصادية والأمنية، تضع العديد من المهام الإضافية أمام مجلس الأمة بتشكيلته الجديدة، وهو ما أضفى مزيدًا من الاهتمام والترقب لما ستسفر عنه هذه الجولة التي طالما تتميز بالإثارة والتشويق.
ويبلغ عدد من يحق لهم الانتخاب في الكويت 567 ألف ناخب وناخبة، مقسمين على خمس دوائر، 84 ألفًا في الدائرة الأولى، فيما يبلغ عدد الناخبين في الدائرة الثانية 64 ألفًا، وقرابة 101 ألف في الدائرة الثالثة، و150 ألف في الرابعة، وفي الدائرة الخامسة 166 ألفًا، وفق الأرقام الصادرة عن وزارة الداخلية الكويتية.
جدلية التباين الانتخابي
الإشكالية الأولى التي أثارت جدلًا حيال الانتخابات الراهنة تتعلق بالتباين العددي في الدوائر الانتخابية، فكما هو معروف فإن هناك 10 دوائر فقط في جميع أنحاء البلاد، كل دائرة لها 5 مقاعد برلمانية، بصرف النظر عن حجم الدائرة وعدد سكانها ومساحتها الجغرافية.
وعليه قد تجد دائرة صغيرة المساحة وقليلة العدد لكن لها نفس عدد المقاعد المخصص لدائرة أخرى ربما تبلغ مساحتها وعدد من لهم حق التصويت بها أضعاف الدائرة الأولى، وهو ما يشكك في موضوعية ونزاهة العملية الانتخابية بما يجعلها لا تعبر عن إرادة الناخب الكويتي.
من الملفات الجدلية التي تتصدر المشهد السياسي مع انطلاق الماراثون الانتخابي “قانون الصوت الواحد” الذي يشير إلى حق كل ناخب أن يدلي بصوت واحد فقط في دائرته الانتخابية رغم أن عدد المقاعد في كل دائرة 10 مقاعد
خبراء استشهدوا ببعض النتائج التي كانت عليها انتخابات مجلس الأمة في 2016، وهي آخر انتخابات جرت في البلاد، للتأكيد على حجم الإشكالية وكيف أنها مجافية للموضوعية بشكل كبير، إذ أشاروا إلى أن صاحب المركز الـ23 في الدائرة الخامسة في الانتخابات حصل على عدد أصوات أكثر من صاحب المركز العاشر في الدائرة الثانية، علمًا بأن الأخير بات عضوًا في البرلمان فيما استبعد الأول رغم حصوله على عدد أصوات أكبر.
البعض أرجع تلك المعضلة إلى أن العملية الانتخابية في الكويت لم تكن عملية سياسية بالمعنى التقليدي، وإنما عملية يغلب عليها الطابع الاجتماعي في المقام الأول، إذ إن الأشخاص ينتخبون بناء على خلفياتهم الاجتماعية لا بناءً على برامجهم السياسية، وهي الأزمة التي يعاني منها مثلث “السلطة والشعب والسياسيين”.
قانون الصوت الواحد
من الملفات الجدلية التي تتصدر المشهد السياسي مع انطلاق الماراثون الانتخابي “قانون الصوت الواحد” الذي يشير إلى حق كل ناخب أن يدلي بصوت واحد فقط في دائرته الانتخابية رغم أن عدد المقاعد في كل دائرة 10 مقاعد، وهو ما يتعارض مع أسس العملية الديمقراطية كما يشير سياسيون.
وقد لاقى هذا القانون الذي تم إقراره حكوميًا عام 2012 رفضًا قاطعًا من المؤيدين والمعارضين على حد سواء، إذ تتهمه الكتل السياسية بأنه يزيد من فردية العمل السياسي ويشجع على انتشار المال السياسي وشراء الأصوات ويعزز من الطائفية، الأمر الذي يهدد المشهد برمته، فكثير ممن يظفرون بالمقعد غير مؤهلين للعمل السياسي وهو ما يعرض مصالح البلد والشعب للخطر.
المعارضون لهذا القانون يشيرون إلى أن وضعه تم بمعزل عن مجلس الأمة، وكان الهدف منه التحكم في مخرجات العملية الانتخابية، كاشفين أنه يختلف كثيرًا عن قانون الصوت الواحد المعروف للجميع والقائم على اختيار النائب لمرشح واحد فقط يمثل الدائرة كلها، أما القانون الحاليّ فهو مجزوء في مضمونه، إذ “يقوم على اختيار الناخب لمرشح واحد من بين عشرة مقاعد تمثل الدائرة الانتخابية، فهو صوت واحد ولكنه مجزوء وليس كاملًا”.
رغم تواضع عدد المرشحات على مقاعد البرلمان في الانتخابات المقبلة (33 سيدةً فقط من إجمالي 395 مرشحًا)، فإن الآمال المعقودة عليها في البرلمان القادم تفوق هذا الرقم بكثير
آخرون ذهبوا إلى أن الدافع الأبرز وراء إصرار الحكومة على تمرير هذا القانون رغم الرفض الشعبي والسياسي له يتمثل في إقصاء المعارضة وحرمانها من تشكيل الأغلبية الرقابية داخل البرلمان، بخلاف الهيمنة على مقدرات اللعبة السياسية لضمان بقاء الحكومة أقوى لاعب في الساحة دون منافس.
وأمام هذا الرفض تم الطعن في مشروعية القانون إلا أن المحكمة الدستورية الكويتية (أعلى سلطة دستورية) أقرت في يونيو/حزيران عام 2013، تحصين قانون “الصوت الواحد” في حكم وصف بـ”التاريخي”، مؤكدة دستوريته، وقالت في حكمها: “مرسوم الضرورة جاء لمعالجة سلبيات وعيوب تهدّد وحدة الوطن ونسيجه الاجتماعي”، لافتة إلى أن قرار التحصين جاء لـ”تحقيق المصلحة الوطنية التي تعلو فوق كل اعتبار”.
المرأة.. آمال وطموحات
رغم تواضع عدد المرشحات على مقاعد البرلمان في الانتخابات المقبلة (33 سيدةً فقط من إجمالي 395 مرشحًا)، فإن الآمال المعقودة عليها في البرلمان القادم تفوق هذا الرقم بكثير، فالإهمال الواضح لقضايا المرأة من أعضاء البرلمان السابق كان دافعًا للضغط من أجل أن تكون الدورة القادمة مختلفة.
مجموعات الضغط النسوية في الكويت كثفت من نشاطها خلال الآونة الأخيرة من أجل دعم حقوق المرأة المشروعة وتسليط الضوء على التحديات التي تواجهها وعلى رأسها قانون حقوق المرأة السياسية الذي تم إقراره عام 2005 ولم يتغير حتى اليوم رغم المستجدات التي تتطلب إعادة النظر في كثير من بنوده.
ومن أبرز المطالب التي رفعتها المطالبات بالحقوق النسوية في الانتخابات حق المرأة الكويتية في إعطاء الجنسية لأبنائها، وهو القانون الذي طالما طالبت به المرأة إلا أن العديد من العراقيل البيروقراطية والسياسية حالت دون خروجه للنور، بجانب الضغوط المجتمعية التي منعت إقراره بدعوى الحفاظ على التركيبة السكانية، مع الوضع في الاعتبار أن عدد الكويتيات المتزوجات من غير كويتي بلغن 20 ألف امرأة وعدد الأبناء 60 ألفًا.
كما طالبت تلك الحملات بزيادة نسبة المرأة في المناصب القيادية والتنفيذية، إيمانًا وتقديرًا لدورها الوطني في دفع عجلة التنمية، ففي الوقت الذي تحتل فيه المرأة 55% من إجمالي وظائف الدولة إلا أن نسبتها في المناصب القيادية لا تتجاوز 15%، وهو رقم ضئيل قياسًا بحجم تمثيلها الفعلي.
علاوة على قوانين الرعاية السكنية والاجتماعية التي تسيطر عليها النزعة الذكورية وفق بعض الناشطات الكويتيات، حيث طالبن بإعادة النظر في كثير من بنودها بما يحفظ للمرأة حقوقها ويحميها من سلطة الرجل ونظرة المجتمع الظالمة في كثير من أحيانها.
وفي المجمل، ورغم علامات الاستفهام التي تحيط بالعملية الانتخابية وما يثار بشأن سيطرة المال السياسي في كثير من الدوائر، الأمر الذي يثير شكوك البعض في نزاهة مخرجات الانتخابات، إلا أن المجلس القادم والدور المنوط به في ظل المستجدات الأخيرة وضع تفاصيل الاقتراع تحت مجهر العناية والترقب من الشعب الطامع في تشكيل يمثله ويلبي طموحاته.