أخذت الاحتجاجات في تونس في الأيام الأخيرة منحى تصاعديًا، حيث شنت العديد من جهات البلاد إضرابات عامة للمطالبة بالتنمية، فيما تواصل بعض الفئات الشعبية الاعتصام في العديد من المؤسسات والشركات الصناعية الحيوية في اقتصاد البلاد ما أدى إلى نقص في التزويد ببعض المواد الأساسية.
هذا الوضع الحساس، دفع الحكومة إلى تأكيد نيتها بسط سلطة القانون والتدخل لفتح الطرقات وإعادة تشغيل، لكن السؤال المطروح الآن: لماذا تأخر هذا القرار؟ والأهم من ذلك؛ هل تستطيع حكومة هشام المشيشي تنفيذ مثل هذه القرارات؟
عنوان جديد للاحتجاج
في الفترة الأخيرة، أصبح تعطيل عمل قطاعات حيوية في البلاد كالبترول والغاز والفوسفات عنوانًا جديدًا للاحتجاج في تونس، وهو السبيل للضغط على الحكومة، خاصة بعد نجاح معتصمي الكامور بتطاوين في فرض شروطهم على الحكومة وتحقيق مطالبهم عقب إغلاقهم لمحطة ضخ البترول لأكثر من 3 أشهر.
نجاح معتصمو الكامور في انتزاع اتفاق مع الحكومة يقضى بتوفير أكثر من 1500 فرصة عمل، دفع بقية الجهات إلى السير على المنوال ذاته، إذ بدأت الاحتجاجات في العديد من المناطق داخل البلاد للمطالبة بنصيب جهاتهم من التنمية والثروة.
يقول المحلل السياسي سليم الهمامي لـ”نون بوست”: “بعد التزام الحكومة بتنفيذ ما ورد في اتفاق الكامور الموقع من رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد، أضحى الاحتجاج بغلق مناطق الإنتاج والمناطق الحيوية جاذبًا للمحتجين، حيث يعتبرون أن ذلك من شأنه جعل صوتهم مسموعًا وطلباتهم مستجابة”.
هذه التطورات الميدانية، دفعت رئيس الحكومة هشام مشيشي إلى الإذن بضرورة التحرك الفوري “لبسط سلطة القانون”
ففي قابس جنوب البلاد، يواصل المحتجون غلق المجمع الكيميائي بالمنطقة الذي يؤمن ما يزيد على نصف الإنتاج اليومي من قوارير الغاز المعد للاستعمال المنزلي الموجه لمناطق الجنوب التونسي، وهو ما عطل عملية التزود بالغاز المعد للطبخ والتدفئة.
ويطالب المحتجون في قابس بتنفيذ اتفاقات سابقة تعهدت بمقتضاها الحكومة بتوفير مواطن شغل للعاطلين عن العمل صلب الشركات الناشطة في المنطقة الصناعية بالمحافظة، وباتخاذ إجراءات لمكافحة التلوث في المحافظة.
أما في معتمدية سبيطلة بمحافظة القصرين الواقعة وسط غرب البلاد، فيواصل المحتجون غلق مضخة بترول في حقل يعرف بحقل الدولاب، ويحتج الأهالي هناك مطالبين الحكومة بتنفيذ تعهداتها السابقة في هذه المنطقة التي يعاني أهلها من فقر مدقع.
وفي منطقة الحوض المنجمي التي تشمل الرديف والمتلوي وأم العرايس والمظيلة جنوب البلاد، يتواصل وقف إنتاج الفوسفات رفضًا لما أقره اجتماع مجلس وزاري بشأن التنمية في محافظة قفصة، ونتيجة التوقف المستمر لإنتاج الفوسفات تحولت تونس في الفترة الأخيرة من منتج عالمي إلى مستورد لهذه المادة.
بسط القانون؟
هذه التطورات الميدانية، دفعت رئيس الحكومة هشام مشيشي إلى الإذن بضرورة التحرك الفوري لبسط سلطة القانون، وفق بيان ورد في الصفحة الرسمية لرئاسة الحكومة عقب لقاء جمع مشيشي بوزير الدفاع الوطني إبراهيم البرتاجي ووزير العدل محمد بوستة ووزير الداخلية توفيق شرف الدين.
وأوضح البيان أن الاجتماع تم “لتدارس الوضع الأمني بالبلاد، حيث أذن بضرورة التحرك الفوري لبسط سلطة القانون والتدخل بالتنسيق مع النيابة العمومية لفتح الطرقات وإعادة تشغيل مواقع الإنتاج التي أدى غلقها إلى صعوبات في التزود بالمواد الأساسية لدى عموم التونسيين والإضرار بمصالحهم الحيوية وأمنهم العام وأمن البلاد القومي”.
بعد بيان الحكومة البارحة بشأن نيتها تطبيق القانون في علاقة بالاعتصامات والحراك الاجتماعي، يبقى السؤال المطروح مدى قدرتها على القيام بذلك، خاصة في ظل بروز بيانات صادرة عن نقابات الأمن والقضاء ترفض التفاعل مع قرارات الحكومة وهو ما يشكل ضربة تحت الحزام للمشيشي، وفق المحلل السياسي سعيد عطية.
نقابة القضاة التونسيين، أكدت أمس الأربعاء في بيان لها أنه ليس من صلاحيات النيابة العمومية إعطاء الإذن بفض الاعتصامات والتظاهرات أو الوجود على عين المكان لإعطاء غطاء قضائي شرعي لأي تجاوزات قد تحدث.
واستغربت نقابة القضاة إعطاء رئيس الحكومة تعليماته للتنسيق مع النيابة العمومية لفض الاعتصامات، مشددة على أنه ليس من صلاحيات النيابة العمومية التنسيق لفض الاعتصامات، وأن النيابة العمومية في كل محاكم الجمهورية منخرطة في إضراب للأسبوع الثالث، وفق نص البلاغ.
ويرى عطية في تصريح لـ”نون بوست”، أن الحكومة لم توفر الظروف الموضوعية لتطبيق قرارها الأخير، حيث تركت الجميع يفعل ما يشاء، كما أن تبني الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) مكرهًا لكل الاعتصامات سيزيد من تعميق المشكلة.
كل المؤشرات والوقائع تبرز أن شتاء حكومة هشام المشيشي لن يكون باردًا وأن أيامها أخذت في التقلص
يضيف المحلل السياسي التونسي “لا أتخيل لرئيس الحكومة هشام المشيشي القدرة على مواجهة المنظمة النقابية الأكبر في تونس، والأهم من ذلك -وفق سعيد عطية- عدم امتلاك الحكومة لإستراتيجية واضحة في علاقة بمسألتي التشغيل والتنمية الجهوية”.
حكومة تسير اليومي دون خطة واضحة
يؤكد سليم الهمامي أن الحكومة التونسية أضحت تسير اليومي دون خطة معلنة واضحة لتكون بذلك غير فاعلة ولا فعالة، خاصة في ظل هذا الوضع الاقتصادي والاجتماعي الحرج الذي خلفه تواصل انتشار فيروس كورونا في البلاد وتعطل الإنتاج في أغلب المؤسسات الحيوية.
في حديثه لنون بوست، يرى الهمامي أن حكومة هشام المشيشي، أصبحت تتعامل برد الفعل تجاه ما يقع ويظهر من احتجاجات وهذه الأخيرة توسعت رقعتها إلى ولايات قفصة وباجة التي شهدت مؤخرًا إضرابًا عامًا.
يضيف “هناك مطالب متعددة ومتنوعة وحكومة المشيشي لا تملك القدرة ولا الإمكانية لتحقيقها، والأهم أنها لا تملك رؤى وبرامج تنموية وإستراتيجية لتحقيق ذلك، فتحاول إعطاء وعود لن تكون قادرة على الإيفاء بها، وأيضًا هناك أطراف سياسية تسعى لتعميم الوضع على أمل أن تكون لها حصة في تسويات قادمة لاحت في أفق العام الجديد”.
“لئن نجحت الحكومة الحاليّة في فض اعتصام الكامور بالاستجابة إلى مطالب المحتجين، فإنها فتحت دون وعي منها الباب على مصراعيه لتنسيقيات أخرى لانتزاع مطالبها عبر التهديد بغلق حقول الإنتاج، ما أفضى إلى حل أزمة بتعميق أخرى”، يقول سليم الهمامي.
خلال مناقشة مشروع قانون الميزانيتين (التكميلية و2021)، يقول الهمامي: “اتضحت ملامح أزمة اقتصادية عميقة وميزان اقتصادي عاجز ونمو سلبي، ما وضع تعهدات الحكومة ووعودها للمحتجين على محك التصديق من عدمه وخلق أزمة ثقة في وعود الحكومة للمحتجين الذين يطلبون بالتنفيذ الفوري للطلبات على غرار ما وقع بعد المجلس الوزاري المخصص لولاية قفصة”.
كل المؤشرات والوقائع تبرز أن شتاء حكومة هشام المشيشي لن يكون باردًا، وأن أيامها أخذت في التقلص خصوصًا بعد بداية تفكك الحزام السياسي المساند لها بانسحاب ائتلاف الكرامة منه وتذمر قيادات كبرى من النهضة، فهل يصمد المشيشي أكثر ويحقق آمال التونسيين؟