تشهد منطقة عين عيسى بريف الرقة الشمالي، والواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، تصعيد عسكري لا سابق له، منذ توقف معركة نبع السلام، ينذر التصعيد بتطورات جديدة ومفاوضات بين روسيا وتركيا، حيث شهدت الأيام الفائتة قصف مدفعي من قبل الجيش الوطني السوري المدعوم تركياً، واشتباكات متواصلة على خطوط النار بين قسد والجيش الوطني السوري.
ويبدو أن هناك مباحثات بين تركيا وروسيا التي تتخذ عدد من النقاط العسكرية داخل المدينة، وتركيا التي تدفع بقواتها وقوات الجيش الوطني إلى الخطوط الأمامية المطلة على عين عيسى، ويبدو أن المنطقة مرتبطة بالتطورات العسكرية في منطقة جبل الزاوية جنوبي إدلب التي تسيطر عليها القوات التركية كونها تقع على الطريق الدولي ذاته وتشهد قصف مدفعي من قبل روسيا وحليفها قوات النظام السوري.
تعزيزات عسكرية بالتزامن مع تصعيد عسكري
أرسلت تركيا الأحد 30 نوفمبر ـ تشرين الثاني، رتل عسكري ضخم يضم مدافع ودبابات وراجمات صواريخ دخل إلى ولاية شانلي أورفا التركية باتجاه الحدود مع سوريا، وفي وقت سابق تمركزت آليات عسكرية تركية وأسلحة ثقيلة ورادارات ومعدات مراقبة عن بعد في خطوط التماس الأولى مع قسد، محيط طريق الـ M4، الذي يشكل أهمية بالغة لدى روسيا وتركيا.
وتحدثت مصادر محلية عن انسحاب عدد من آليات القوات الروسية من القاعدة المتمركزة عند المدخل الشرقي، لمدينة عين عيسى. بالتزامن مع قصف قوات الجيش الوطني السوري والقوات التركية لتجمعات قوات سوريا الديمقراطية المتمركزة في مدينة عين عيسى بالإضافة إلى شبكة الأنفاق والنقاط والمعسكرات المحيطة بالمدينة، فيما تشهد الخطوط الأمامية اشتباكات عسكرية متقطعة، كما شهدت المنطقة قصفاً معاكساً أيضاً، مصدره قسد، وسط مناوشات متبادلة بين الطرفين منذ أيّام.
مما سبب حركة نزوح من قبل الأهالي إلى القرى الآمنة داخل مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وذكر الجيش الوطني: أن قواته تستهدف النقاط العسكرية الخاصة بقوات سوريا الديمقراطية في المنطقة، فيما ذكرت مصادر محلية سقوط بعض القذائف بين الأحياء السكنية، إلا أن قسد حاولت طمأنة الأهالي عبر مكبرات الصوت وطالبتهم بالبقاء داخل منازلهم وعدم النزوح.
تسعى روسيا إلى الحفاظ على أكبر عدد من المناطق الخارجة عن السيطرة التركية، والحد من تحركات الأتراك في الشمال السوري محاولةً كسب نقاط متقدمة تساعدها خلال المفاوضات بينها وبين تركيا
وأرسلت قوات سوريا الديمقراطية تعزيزات عسكرية إلى مدينة عين عيسى على خلفية التحركات العسكرية التركية على تخوم المدينة الشمالية، حيث شملت التعزيزات أسلحة متوسطة وثقيلة وعناصر بعتادهم الكامل، بحسب مصادر خاصة لموقع “نون بوست”، والتي أكدت: “أن قسد تخشى حصول معارك محتدمة في المنطقة بالتزامن مع التعزيزات التركية التي وصلت منطقة نبع السلام خلال الأيام القليلة الماضية، وتسعى قسد إلى التمسك بالمدينة من خلال وجود الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانبها، وتبدو أنها تحاول السيطرة على الوضع لكي لا تقلل من معنويات عناصرها، وكسب الوقت حتى انتهاء الانتخابات الأمريكية”.
أهمية منطقة عين عيسى
تبعد عين عيسى 55 كيلوا متراً عن مدينة الرقة باتجاه الشمال الغربي، وتحظى بموقع استراتيجي بارز كونها واقعة على عقدة وصل بين المحافظات السورية، فهي تصل غربي الفرات بشرقه عبر طريق الـ M4، الذي تحاول روسيا فتحه منذ عام بدءاً من المناطق التي يمر بها في إدلب وصولاً إلى مناطق شمال وشرق سوريا.
وتتميز منطقة عين عيسى بمكانة سياسية لدى قوات سوريا الديمقراطية، إلى جانب كونها نقطة الوصل بين منبج غربي الفرات ومناطقها شرق الفرات، ولكونها تشكل العاصمة الإدارية والسياسية لها، وفي حال سيطرت عليها قوات الجيش الوطني والقوات التركية فهذا يعني أن مشروع الإدارة الذاتية تعرض للتهديد.
رغبات روسيا في شرق الفرات
تسعى روسيا إلى الحفاظ على أكبر عدد من المناطق الخارجة عن السيطرة التركية، والحد من تحركات الأتراك في الشمال السوري محاولةً كسب نقاط متقدمة تساعدها خلال المفاوضات بينها وبين تركيا، وعلى الرغم من ندرة نجاح المفاوضات التركية الروسية، بخصوص إدلب ومناطق خفض التصعيد سابقاً فإن روسيا ترى أنه مازال أمامها فرصة للتقدم والسيطرة في مناطق أخرى جنوبي إدلب، وتواجدها في الشرق السوري على الرغم من عدم قدرتها على البت في أي أمر بسبب التواجد الأمريكي فإنها تحاول عرقلة أي نشاط عسكري للأتراك.
رغبات تركيا في شرق الفرات
تبدو الرغبات التركية مختلفة عن الروسية فتركيا في البداية لديها أولويات خاصة بها كونها دولة مجاورة للحدود السورية وهي الحفاظ على أمنها القومي، وبالرغم من ذلك أصبح موقفها ضعيف جداً خاصة مع انسحاب قواتها من عدة نقاط عسكرية واقعة تحت سيطرة قوات النظام، في إدلب، وترغب تركيا استكمال عملية نبع السلام ولو كانت محدودة النطاق لتحقيق أهدافها التي بدأت من أجلها قبل عام.
السعي التركي لتوسيع السيطرة في شرق الفرات لا زال مستمراً على الرغم من المعوقات الروسية فتركيا اليوم لا زالت تفاوض روسيا وأمريكا بخصوص توسيع نفوذها في شمال شرق سوريا وإبعاد خطر الأكراد، أو ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية قسد عن أراضيها.
روسيا تعمل على إعادة إنتاج نظام الأسد واحتلال جميع الأراضي السورية واضعاف الدور التركي والقضاء على المعارضة السورية
هل تشهد المنطقة معارك محتدمة في الأيام المقبلة؟
لا يبدو أن نطاق المعركة سيكون واسعاً وإنما هو استكمالاً للعملية العسكرية نبع السلام، حيث ستستهدف تركيا بعض المناطق التي تعد شريان الحياة لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، ومما يرجح إلى وجود عملية عسكرية الاستعدادات التركية في شرق الفرات، وحركة النزوح المستمرة التي تشهدها منطقة عين عيسى إلى جانب انسحاب عدد من آليات القوات الروسية، وقوات النظام.
ومما يعزز هذا الأمر التحذيرات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 24 أكتوبر ـ تشرين الأول، قوله: “إن الجهود جارية لإقامة دولة إرهابية هناك لن تسمح تركيا أبداً بإنشاء مثل هذه الدولة على طول حدودها وسنفعل ما يلزم لتجفيف مستنقع الإرهابيين”.
رئيس المكتب السياسي في فرقة المعتصم التابعة للجيش الوطني مصطفى سيجري قال لـ “نون بوست”: “استئناف المعارك في شرق الفرات واستكمال العمليات العسكرية ضد “قسد” باتت مسألة وقت، وروسيا فشلت في تنفيذ تعهداتها المبرمة مع الجانب التركي، وخياراتها باتت صعبة في ظل عجزها عن تنفيذ ما تعهدت به وهو اخراج المجموعات الارهابية من مناطق شرق الفرات”.
وأضاف: “روسيا تعمل على إعادة إنتاج نظام الأسد واحتلال جميع الأراضي السورية واضعاف الدور التركي والقضاء على المعارضة السورية، بشتى السبل، لكن تركيا لها مكانتها وستحاول الحفاظ على مناطق نفوذها ودعم الجيش الوطني السوري”.
مؤكداً: “أن أي حديث عن مساومات تركية روسية، لمقايضة بين عين عيسى وجبل الزاوية هو كلام بعيد عن الواقع ولا يلامس الحقيقة، لأن تركيا تعمل على حماية الملايين من المدنيين والوصول إلى قرار وقف إطلاق نار كامل، وتطهير شمال سوريا من التنظيمات الإرهابية وتمكين الشعب السوري”.
ويبدو أن الموقف الأمريكي غير واضح نتيجة قرب انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي دولاند ترامب، إذ أمامنا إدارة جديدة ربما لها رأي أخر في المنطقة.
وقد لا يقتصر الأمر على شرق الفرات فإن هناك مصادر عسكرية تتحدث عن تجهيزات عسكرية تجريها قوات الجيش الوطني في إدلب المتمثلة في الجبهة الوطنية للتحرير، وانسحاب القوات التركية من قواعدها الواقعة داخل مناطق سيطرة النظام لن يترك سدى دون مكسب لصالح تركيا، حيث قد تشهد منطقة إدلب تحركات عسكرية ضد قوات النظام، وخاصة أن تركيا تعمل على نشر قواعد عسكرية على خطوط التماس في جبل الزاوية مما يرجح أن أمر المقايضة أو المساومة بين عين عيسى وجبل الزاوية هو أمر مستبعد.