كلما يُضيّق الغرب وخاصةً أوروبا الخناق على سلع المستوطنات الإسرائيلية لاعتبارات أخلاقية وقانونية، تُسارع بعض الأنظمة العربية إلى حفر جدار الحصار لخلق متنفس للاحتلال من أجل تسويق بضائعه وإنعاش سوقه على حساب الحق الفلسطيني والقضية المركزية للعرب.
فرغم أنّ قرار مجلس الأمن الدولي 2334 الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2016 كان واضح النص والمقصد بتأكيده على أن “المستوطنات الإسرائيلية المقامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، غير شرعية بموجب القانون الدولي وتشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق حل الدولتين وسلام عادل ودائم وشامل”، وأنّ “على جميع الدول عدم تقديم أي مساعدة لإسرائيل، تستخدم خصيصًا في النشاطات الاستيطانية”، تعمل بعض الدول الخليجية على رأسها الدول التي أعلنت تطبيعها الكامل على خرق القرارات الأممية، ومنها البحرين التي أثار قرارها الأخير تنديدًا فلسطينيًا واسعًا.
اعتراف البحرين
بعد تطبيعها الكامل مع الاحتلال الصهيوني، أعلن وزير التجارة البحريني زايد بن راشد الزياني، أنّ واردات بلاده من “إسرائيل” لن تميز بين المنتجات المصنعة داخل الكيان وتلك المنتجة في مستوطنات الأراضي المحتلة، مؤكّدًا في تصريحات إعلامية أثناء زيارة لتل أبيب على رأس وفد بحريني، أن بلاده ستعامل المنتجات الاحتلال باعتبارها منتجات إسرائيلية بغض النظر عن مصدرها.
من جانبها، احتفت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” وموقع “وللا” الإخباري بالقرار البحريني ونقلتا عن وزير الصناعة والتجارة قوله ” لا أرى بصراحة ما يستدعي التمييز بين البضائع الإسرائيلية على أساس الجزء، المدينة أو المنطقة التي صنعت فيها أو كانت مصدرها”، و “أن بلاده لن تقوم بـوضع علامات لتمييز البضائع التي تنتجها في المستوطنات المقامة في الضفة الغربية والجولان السوري المحتل”.
“We will recognize them as Israeli products… I don’t see, frankly, a distinction which part or which city or which region it was manufactured or sourced from.” https://t.co/eBcecvku2B
— Raphael Ahren (@RaphaelAhren) December 3, 2020
في ذات الإطار، لم يسبق أن أعلنت دولة عربية تعاملها مع المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة على أنها بضائع إسرائيلية، غير أن تقارير إعلامية تابعة للاحتلال أكّدت أن الإمارات كانت أيضًا سباقة في ربط علاقات اقتصادية وتوقيع اتفاقات لاستيراد بضائع ومنتجات من المستوطنات الإسرائيلية.
موقع القناة السابعة وموقع 4040 اليميني الاستيطاني، كشفا في وقت سابق أنّ وفدًا من قادة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية أجرى جولات ماراثونية من لقاءات العمل مع نحو 20 من رجال الأعمال في الإمارات، ونقلتا عن رئيس مجلس المستوطنات يوسي داغان قوله:” “توجد هنا فرصة للطرفين للكسب من فرص التعاون الذي قد ينتج عن تطبيع مع جارة استراتيجية مهمة للغاية، الإمارات هي دولة متطورة في مجال التطوير والاستثمارات ويشرفني أن أقيم معهم علاقات تجارية وصناعية”.
وكانت أبوظبي قد مهّدت الطريق القانوني لاستيراد البضائع الإسرائيلية بهدف استهلاكها في السوق المحلية أو لتنتقل من أراضيها إلى بلدان أخرى (ترانزيت)، من خلال إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل الصادر عام 1972.
ويمكن فهم خطوة المنامة من خلال العامل الكرونولوجي، فزيارة الوزير عبد الله الزياني إلى الاحتلال الإسرائيلي تزامنت مع وصول وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى تل أبيب ضمن جولة شملت 6 دول، كما أنّ قرار البحرين بالاعتراف ببضائع المستوطنات يأتي عقب تصريحات بومبيو التي أعلن خلالها أنّ الولايات المتحدة ستطلب تسويق السلع المنتجة في الأماكن التي “تمارس فيها إسرائيل السيادة” بعلامة “صنع في إسرائيل” أو “إنتاج إسرائيل”، وعقب تحركات إماراتية في هذا السياق.
تنديد فلسطيني
الفلسطينيون لم يتأخروا في الرد على خطوة البحرين، حيث ندّد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف بتصريحات الزياني، وقال إنها تتناقض مع قرارات الأمم المتحدة والقرارات الدولية، ودعا الدول العربية على عدم استيراد المنتجات حتى من “إسرائيل” من أجل منعها من التمدد داخل الأسواق العربية وتعزيز اقتصادها.
من جانبه، علّق الناطق باسم حركة حماس بغزة، حازم قاسم، على إعلان وزير التجارة البحريني، استيراد بضائع المستوطنات، قائلا عبر حسابه على موقع تويتر: إن “إعلان وزير التجارة البحريني أن بلاده ستستورد بضائع المستوطنات الصهيونية، يشكل دعم حقيقي لسياسة الاحلال والتهجير التي يمارسها الاحتلال ضد شعبنا الفلسطيني”، وأنّ القرار “يشكل انتهاك للقرارات الدولية وقرارات للجامعة العربية ومخالفة لأبجديات معاني الانتماء القومي للأمة العربية”.
بدوره قال القيادي في حركة حماس، سامي أبو زهري، في تغريدة عبر تويتر: “تصريحات وزير التجارة البحريني بأن بلاده ستتعامل مع منتجات المستوطنات تمثل انتهاكا للقانون الدولي، ومؤشرا على حالة السقوط والاصطفاف مع الاحتلال ضد فلسطين”، داعيًا “الشعب البحريني إلى الضغط على حكومته للتراجع عن هذه المواقف الذليلة والمعادية للشعب الفلسطيني”.
تصريحات وزير التجارة البحريني بأن بلاده ستتتعامل مع منتجات المستوطنات؛ تمثل انتهاكاً للقانون الدولي ومؤشراً على حالة السقوط والاصطفاف مع الاحتلال ضد #فلسطين .
ندعو الشعب البحريني الى الضغط على حكومته للتراجع عن هذه المواقف الذليلة والمعادية للشعب الفلسطيني.#التطبيع_خيانة
— DR. SAMI ABU ZUHRI (@SamiZuhri) December 3, 2020
رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، طالب من جانبه المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات جدية لمقاطعة شاملة للاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، وأكّد خلال مشاركته في اجتماع للدول المانحة لفلسطين عبر الإنترنت، على ضرورة “اتخاذ إجراءات جدية نحو مقاطعة الاستيطان وعدم الاكتفاء بوسم منتجات المستوطنات”، فيما كشف مراقبون إن “فلسطين تنتظر موقفًا دوليًا نحو مقاطعة شاملة، وأنّ هذه الخطوة يمكنها وقف الاستيطان الإسرائيلي على أراضي فلسطين”.
جريمة حرب
في تعقيبها على قرار البحرين، اعتبرت حركة مقاطعة “إسرائيل” وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها “BDS”، أن الاعتراف بمنتجات المستوطنات، مشاركة في جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال.
“BDS” تعتبر اعتراف البحرين بمنتجات المستوطنات جريمة حربhttps://t.co/X38BsLZEnp pic.twitter.com/5y9wxb6Zbf
— alsiasi (@alsiasi) December 3, 2020
وقال المنسق العام لحركة مقاطعة “إسرائيل”، محمود النواجعة: “إن صح هذا الخبر، فذلك يعد خروجا سافرا على الموقع العربي والإسلامي عموما، ويجعل النظام البحريني ضالعا في جرائم حرب وفق القانون الدولي”، مضيفًا أن “المستعمرات المقامة في الأراضي المحتلة منذ عام 1967 تعتبر جريمة حرب”، وأن “هذه الخطوة ستجعل النظام البحريني مشاركا بدوره في جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني، وتشير إلى عمق تبعية النظام البحريني إلى أهواء الإدارة الأمريكية الحالية وحكومة بنيامين نتنياهو”.
حركة المقاطعة التي تهدف لإنهاء الدعم الدولي لقمع إسرائيل للفلسطينيين، كما تدعو للضغط على تل أبيب للامتثال للقانون الدولي، وصفت في وقت سابق إعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو السماح بدخول البضائع المُنتجة في المستوطنات الإسرائيلية باعتبارها “صُنعت في إسرائيل”، ووصفها بـ”المعادية للسامية”، بحركة جديدة من إدارة دونالد ترامب لإضفاء مزيد من الشرعية على المستوطنات التي يعتبرها القانون الدولي غير شرعية.
The U.S. is committed to countering the Global BDS Campaign as a manifestation of anti-Semitism. I am directing U.S. Special Envoy @USEAntiSemitism to identify organizations engaged in politically motivated actions intended to penalize or limit commercial relations with Israel.
— Secretary Pompeo (@SecPompeo) November 19, 2020
منظمة الـ”ـBDS” أكّدت أن تصريح بوميبو يهدف إلى “قمع وإسكات الدعوات والتحركات المناصرة للحقوق الفلسطينية بموجب القانون الدولي”، مشيرةً إلى أنّ “تحالف (ترامب-نتنياهو) المتطرف في عنصريته وعدائه للشعب الفلسطيني، يخلط عمدًا بين رفض نظام الاحتلال والاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي ضدّ الفلسطينيين”.
صمت الجامعة العربية
الجامعة العربية لم تصدر إلى حد كتابة هذه الأسطر أي بيان أو تعليق على الخطوة البحرينية المنتظرة، والمفارقة أنّ هذه المؤسسة اعتبرت في وقت سابق، على لسان الأمين العام المساعد لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة، سعيد أبو علي، وسم الولايات المتحدة لمنتجات المستوطنات غير الشرعية على أنها “منتجات إسرائيلية” بالسياسة العدائية وغير القانونية.
كما أوضح الأمين العام المساعد، أن هذه الخطوة تستدعي تحركاً فوريًا على الصعيد الدولي ويجب رفضها ومواجهتها بكل الوسائل والسبل القانونية المتاحة، داعيا إلى مقاطعة أي مؤسسة أو شركة تعمل في المستوطنات الإسرائيلية ومقاطعة بضائع المستوطنات ومنع دخول المستوطنين طبقا لقرارات مجالس الجامعة العربية، مشيدًا بالقرار الأخير لمحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي القاضي بوجوب وسم منتجات البضائع الصادرة من المستوطنات الإسرائيلية.
الأمين العالم لجامعة العربية أحمد أبو الغيط، استنكر بدوره زيارة وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” لمستوطنات إسرائيلية في الضفة الغربية وهضبة الجولان المحتلتين، معتبرًا أن “هذا العمل يناقض الشرعية الدولية بشكل واضح ويشجع الحكومة اليمينية في إسرائيل على المضي قدماً في مشاريعها الاستيطانية غير القانونية، والتي تشكل العقبة الأكبر في طريق إحلال سلام يقوم على حل الدولتين”.
الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، يدين قيام وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بزيارة مستوطنات في الضفة الغربية والجولان المحتلتين.
– صحيفة البلاد https://t.co/aa0kVywsa7 pic.twitter.com/CkoUornF0Y
— صحيفة البلاد (@albiladdaily) November 19, 2020
في هذا السياق، يبدو أنّ أمر الجامعة العربية في غير يديها وأن مواقفها لا تعدو أن تكون مجرد بيانات فضفاضة غايتها رفع الحرج لا أكثر، وهي تعرف أن تعليقاتها على البيت الأبيض أو جهات أخرى غير عربية لن يحملها أي مسؤولية أخلاقية ولن يكلفها تبريرات أو خطوات عملية، لذلك فهي تتجنب الرد على سياسة بعض الدول العربية وخاصة الإمارات التي بات لديها اليد العليا داخل الجامعة بعد أن تخلت مصر عن دورها الريادي بوصول السيسي المدعوم خليجيًا إلى الحكم.
مقابل موقف الجامعة المهتز، ترفض كثير من دول العالم من ضمنها دول الاتحاد الأوروبي، معاملة البضائع المنتجة في المستوطنات، على أنها منتجات إسرائيلية، وتقوم بوسمها، كي يكون واضحاً أمام المستهلك، مكان تصنيعها، وهي خطوة دعمها تقرير مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الذي تضمن قاعدة بيانات القائمة السوداء الخاصة بالشركات العالمية والإسرائيلية التي تعمل بمشاريع المستعمرات وتقدم خدمات للمستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي العربية المحتلة (الضفة الغربية والجولان العربي السوري).
يبدو أن قدر الفلسطينيين الاستنجاد بلاعبين دوليين وإقليميين في ظل تراجع أهمية القضية وفقدانها لمركزيتها بالنسبة للأمة، ومحاولات توظيف معاناتهم من قبل “الإخوة العرب” واستثمارها بما يخدم مصالحهم الخاصة، فليس أمامهم سوى التوحد أوانتظار إعادة تشكّل وعي وهوية جديدة تعمل على تحجيم النفوذ الإسرائيلي وتمنع اختراق جدار التضامن العربي.