عادت قضية النساء والأطفال المغاربة العالقين في بؤر التوتر، وتحديدا في سوريا والعراق إلى الواجهة مجدّدا، مع اقتراب انعقاد أولى اجتماعات اللجنة البرلمانية التي ستقوم بمهمة استطلاعية في موضوع هؤلاء، فهل ستتوجه السلطات المغربية لاسترجاع العالقين وإنقاذهم من المصير المجهول الذي ينتظرهم؟.
بداية عمل اللجنة
أولى اجتماعات اللجنة الاستطلاعية التي ستقف على أوضاع المغاربة “في بؤر التوتر، بكل من سوريا والعراق”، ستعقد الإثنين المقبل، لوضع برنامج عملها، والاتفاق حول آلية الاشتغال، وفق ما تناقلته وسائل إعلام محلية ودولية.
رئاسة اللجنة الاستطلاعية، أسندت إلى البرلماني عبد اللطيف وهبي، أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة (أكبر أحزاب المعارضة)”، ومن المنتظر أن تدرس هذه اللجنة أوضاع الأطفال والنساء غير الضالعات في العمليات القتالية في بؤر التوتر، أما باقي النساء والرجال المشاركين في العمليات، فسيترك ملفهم للسلطة الأمنية للنظر في قضاياهم، وفق تصريح للبرلماني عبد اللطيف وهبي لـ “نون بوست”.
وكان مجلس النواب المغربي، قد أعلن بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الموافقة على الطلب الذي كان قد توصل به من لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين بالخارج، والمتعلق بـ”المهمة الاستطلاعية المؤقتة للوقوف على حقيقة ما يعانيه العديد من الأطفال والنساء والمواطنين المغاربة العالقين ببعض بؤر التوتر كسوريا والعراق”.
توجدُ مئاتُ المغربياتِ مع أبنائِهنَّ، في مخيمات أقيمت في صحاري بعيدا عن المدن أشهرها مخيم “الهول” و “الروج”
سبق للنائب البرلماني والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة المعارض، عبد اللطيف وهبي، أن وجه في يناير/كانون الثاني الماضي، طلبا إلى رئيس مجلس النواب الحبيب المالكي بتشكيل لجنة للقيام بمهمة استطلاعية حول المغاربة العالقين بسوريا والعراق.
وأشار ضمن طلبه ذاك إلى أن تقارير تؤكد أن “العديد من الأطفال الذين ولدوا أثناء الحرب وفي ظلها فوق الأراضي العراقية أو السورية، إلى جانب الذين انتقلوا من المغرب إلى مناطق التوتر مصحوبين بذويهم، أصبحوا اليوم إما يتامى لوفاة عائلاتهم جراء الحرب، أو فقط تائهين أو محتجزين لوجودهم في بؤر التوتر واللااستقرار”.
معاناة كبيرة
النائب البرلماني وهبي، قال في حديثه لـ “نون بوست”، إن هؤلاء العالقين من الأطفال والنساء غير المشاركين في الحرب، يعانون أوضاع صعبة، لذلك سيتمّ النظر في وضعيتهم القانونية والنفسية والأمنية، حتى تُحسن الدولة التعامل معهم.
إذ يعاني هؤلاء الأشخاص، وفق عبد اللطيف وهبي، من أزمة كبيرة – نفسية واقتصادية- خاصة مع بداية فصل الشتاء، فهم مشتتون بين المخيمات في هذا البرد القارص دون أدنى رعاية طبية لهم، ما يجعلهم معرضين للإصابة بعديد من الأمراض.
ويؤكّد الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة المغربي، أن هؤلاء الأطفال والنساء أصبحوا مهددين في حياتهم وأجسادهم، كما أنهم أصبحوا عرضة لعصابات الاتجار في الأعضاء البشرية، بسبب حجم الفوضى والتقتيل والاغتصاب الذي تعيشه تلك المناطق.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، دعت هيئة مغربية تهتم بعائلات المغاربة بتنظيم “داعش”، السلطات المغربية للتدخل بعد تقارير تفيد باختطاف وبيع أطفال هذه العائلات اليتامى لدولة الإمارات العربية المتحدة. وتعهدت المنظمة بـ”تسليم أدلة وملفات تدين جرائم قادة الإدارة الذاتية الكردية وتنظيم قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردي وعلاقتهم المشبوهة مع منظمة الهلال الأحمر الإماراتي ودورهم في عمليات خطف الأطفال والاتجار بالبشر وبيعهم للإمارات”.
يذكر أنه عقب هزيمة تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، اعتقلت قوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف عربي كردي مدعوم من واشنطن، آلاف المنتمين إلى التنظيم المتطرف، وبينهم عدد كبير من الأجانب، كما نقلت الآلاف من زوجات وأطفال مقاتلي التنظيم إلى مخيمات خاصة، وهي تطالب دولهم –من بينهم المغرب- باستعادتهم.
توجد مئات المغربيات مع أبنائهن، في مخيمات أقيمت في صحاري بعيدة عن المدن أشهرها مخيم “الهول” و “الروج”، وتشير المعطيات الرسميةُ إلى أن 280 مغربية، رفقة أكثر من 390 طفلاً، يتواجدون في بؤر التوتر في الشّرق الأوسط.
ووفقا للمديرية العامة للأمن الوطني، فإن 1659 مغربيا انتقلوا إلى ساحات القتال في العراق، وسوريا، منهم 1060 مقاتلا في صفوف “داعش”، مضيفا أن 742 مغربيا قتل في ساحات القتال، و87 منهم قتلوا في ساحة الحرب في سوريا، والباقون في العراق، بالإضافة إلى أن 260 مغربي عائد من بؤر القتال في الشرق الأوسط تم تقديمهم للعدالة.
وتوقف السلطات الأمنية المغربية، عادة العائدين من القتال في صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وسوريا، الذين يواجهون عقوبات تتراوح ما بين 10 و15 سنة سجنا بمقتضى قانون تم إقراره سنة 2015.
إنقاذهم من المعاناة
يقول وهبي، إن هؤلاء النساء والأطفال هم أبناء الوطن ولا بد للمغرب من أن يحميهم وينقذهم من المعاناة التي يعيشونها منذ سنوات، ويضيف ” هم أبناء المملكة ولا يمكن التخلي عنهم مهما حصل”.
يؤكّد وهبي وجود عمل كبير للضغط على السلطات المغربية لإرجاع الأطفال والنساء، ونقلهم من السجون والمعتقلات السورية والعراقية إلى أرض الوطن، باعتبار أن الدولة مسؤولة بالكامل على أمنهم وإعادة تأهيلهم وإدماجهم في التعليم الوطني.
يرى محدّثنا أيضًا ضرورة القيام بعدد من الإجراءات والخطوات داخل وخارج المغرب، حتى يتمّ استقدام الأمهات والنساء المعتقلات أو الموجودات بمناطق النزاع إلى المغرب، باعتبارهنّ مواطنات مغربيات وقع التغرير بهن للتوجه إلى سوريا والعراق.
عودة النساء والأطفال العالقين في بؤر التوتر إلى المملكة المغربية، تقتضي على سلطات البلاد التحضير والتأهب لذلك
كما يرى العديد من الحقوقيين، أن مئات المغاربة ممن التحقوا بصفوف داعش الإرهابي أجبروا زوجاتهم وأبنائهم على الذهاب معهم إلى هناك دون أن يكون للنساء علم بما يحصل في تلك المناطق، لذلك لا وجود لداعي أو جرم ارتكبوه يمكن أن يعاقبوا عليه.
وسبق أن أعلن مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية (مكتب مكافحة الإرهاب) في المغرب، عبد الحق الخيام، عن “إستراتيجية لإعادة النساء والأطفال المغاربة من بؤر التوتر”، لكن لم يتم تفعيلها إلى الآن.
بالتزامن مع ذلك، أسست مجموعة من عائلات المعتقلين والعالقين والمحتجزين بسوريا والعراق، تنسيقية وطنية أطلق عليها إسم “التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين المغاربة بسوريا والعراق”، وناشدت التنسيقية، الملك محمد السادس بالتدخل في قضية النساء والأطفال العالقين والمحتجزين والمعتقلين بكل من سوريا والعراق، وارجاعهم إلى المملكة.
هل تأبه المغرب لعودتهم؟
وضع المغرب، مقاربة أمنية لمجابهة العائدين المورطين في الحرب، فالتشريعات الجديدة التي تمّ إقرارها سنة 2015 تسمح بالقيام بعمليات استباقية وتتيح لمصالح الشرطة توقيف العائدين وإخضاعهم للاستجوابات قبل إحالتهم على العدالة.
لكن هذه المقاربة الأمنية لم توازيها مقاربة اجتماعية لرعاية العائدين غير المتورطين في الأعمال القتالية، فإلى الآن من غير المعروف كيف ستتعامل الدولة مع الأطفال الذين ولدوا هناك دون ذنب أو النساء اللاتي التحقن بأزواجهن بعد أن غرّر بهن.
عودة النساء والأطفال العالقين في بؤر التوتر إلى المملكة المغربية، تقتضي على سلطات البلاد التحضير والتأهب لذلك، من خلال تأسيس وحدة للتأهيل والعلاج النفسي والاجتماعي وإعادة إدماج هؤلاء في المجتمع حتى لا يشكّلوا مصدر خطر في المستقبل.