عندما تبذل من وقتك وجهدك دون مقابل، فهذا العمل يُعد تطوعًا، هذا العمل له عدة شروط: يجب أن يكون في المصلحة عامة أو مصلحة اجتماعية محددة، يجب أن يكون عملًا غير ربحي، ولا يمكن أن يحل محل العمل المأجور.
في عام 1985 دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى اعتبار يوم 5 ديسمبر يومًا عالميًا للتطوع من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحثت الحكومات على اتخاذ التدابير اللازمة لزيادة الوعي بأهمية الخدمة التطوعية وإسهاماتها، وبذلك تحفز المزيد من الناس على التطوع في جميع مناحي الحياة داخل بلدانهم أو خارجها.
لماذا نتطوع؟
كشف البحث الذي أجراه برنامج الأمم المتحدة للمتطوعين عن وجود أكثر من مليار متطوع حول العالم بما يعادل 109 مليون موظف بدوام كامل، 30% من هؤلاء المتطوعين يعلمون بشكل رسمي في المنظمات الخيرية، بينما يعمل 70% منهم بشكل غير رسمي في خدمات مجتمعية محلية، وتشكل النساء النسبة الأكبر من المتطوعين حيث تبلغ نسبتهم حوالي 57% ناهيك عن دورهن في رعاية كبار السن والذي لا يحصلون فيه على أجر.
وجدت العديد من الدراسات أن معدلات الوفيات بين المتطوعين أقل من غير المتطوعين خاصة كبار السن.
للتطوع فوائد كثيرة على المستوى المحلي والدولي، لكن فوائدها لا تتوقف عند هذا الحد، فالمتطوع يستفيد أيضًا من تطوعه على المستوى النفسي والمادي، إليكم بعض هذه الفوائد:
التواصل مع الآخرين
يسمح التطوع بالتواصل الجيد مع المجتمع وإحداث فرق حقيقي في حياة الأشخاص والحيوانات والمنظمات الخيرية، كما يساعد المتطوعين في تكوين صداقات جديدة وتعزيز المهارات الاجتماعية حيث تلتقي بأشخاص تشترك معهم في نفس الاهتمامات أو بعضها.
فوائد صحية ونفسية
أثبتت الدراسات أن العمل التطوعي ومساعدة الآخرين يحسن الحالة المزاجية ويقلل التوتر والقلق ويكافح الاكتئاب ويمنحك سعادة أكبر عند قياس الباحثون لنشاط الدماغ، كما يمنحك التطوع شعورًا بالفخر والإنجاز وزيادة الثقة بالنفس، مما يعني أن تتحسن نظرتك للمستقبل.
تحسن الحالة النفسية يساهم بدوره في تحسن الحالة الجسدية حيث تتمكن من النوم بشكل أفضل وتمرض بشكل أقل كما يقل خطر الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم، وجدت العديد من الدراسات أن معدلات الوفيات بين المتطوعين أقل من غير المتطوعين خاصة كبار السن، ويفسر الباحثون ذلك بأن التطوع يصرف انتباهك نحو الآخرين ويضع الضغوط في منظورها الصحيح ويشعرنا بالمزيد من الامتنان في حياتنا اليومية.
بناء المجتمع
يساعد التطوع المجتمعي في بناء المجتمع وتطويره وإحداث فرق حقيقي في حياة الأشخاص الذين تقدم لهم الخدمة، من بين تلك الخدمات: رعاية كبار السن وتحسين المدارس وحماية الحيوانات ودعم الشباب وتجميل المجتمع، يربط العمل التطوعي أفراد المجتمع بقيم مشتركة ويساهم في رفاهيته ويخلق احساسًا بالانتماء بين أفراد المجتمع.
اكتساب المهارات
يوفر لك العمل التطوعي تجارب جديدة لم تتوقعها أو تمر بها من قبل ويبرز شخصيتك، ويمنحك فهمًا أفضل للقضايا التي تعمل عليها، هذه الخبرات تساعدك في سيرتك الذاتية للعمل، فالتجارب التطوعية تجذب أصحاب العمل بشكل كبير، حيث أثبتت الدراسات أن المتطوعين لديهم فرص عمل أفضل بنسبة 27% عن غيرهم ممن لم يتطوعوا على الإطلاق.
يتحدث مارك غرانوفيتز عالم الاجتماع في جامعة جونز هوبكنز عن أهمية العلاقات التي تقع خارج الشبكة الاجتماعية للفرد لأنها توفر له الوصول إلى المعلومات والفرص الجديدة، يوفر لك التطوع مثل هذا النوع من الروابط التي تحسن من فرصك الوظيفية وكسب المال.
اكتساب المعرفة وفهم الحياة
يأخذك العمل التطوعي إلى عالم جديد لم تزره من قبل فتطلع على رؤى وآفاق جديدة وتتعلم من الآخرين وتفهم معنى الاختلاف وكيف تحترم من يختلفون عنك، يعمل ذلك على زيادة مرونتك الاجتماعية وزيادة وعيك وبالتالي اكتساب المزيد من الخبرة في الحياة.
تغيير العالم
يقول غاندي “كن أنت التغيير الذي تود أن تراه في العالم”، قد تبدو هذه الجملة مثالية بالنسبة للكثيرين وغير واقعية، لكن في الحقيقة تساعد الإجراءات الصغيرة دائما على إحداث تغيير كبير، فعمل بسيط للغاية يؤدي إلى سلسلة من ردود الأفعال التي تساهم في مساعدة الآخرين وتحقيق إنجازات عظيمة.
لذا لا تقلل من شأن إمكاناتك مهما كان دورك صغيرا وتأكد أنه سيشكل فارقًا كبيرًا في المنظومة ككل، اخرج من منطقة راحتك وفكر جيدًا كيف يمكنك أن تساعد في تغيير العالم واشعر بالفخر بما تقدمه.
كيف أتطوع؟
إذا لم تكن قد تطوعت من قبل فينبغي أن تعلم أن هناك العديد من مجالات التطوع، حيث يمكنك التطوع في مساعدة المشردين أو إنقاذ الحيوانات أو مساعدة كبار السن أو التطوع في المكتبات المحلية أو التطوع ضمن مؤسسة خيرية.
لا تتردد في طرح كافة الأسئلة التي تساعدك على فهم متطلبات الوظيفة ومدى احتياجك لأي تدريبات مساعدة.
قبل أن تبدأ عملك التطوعي هناك أسئلة يجب أن تسألها لنفسك: هل تحب العمل مع البالغين أم الأطفال أم الحيوانات أم العمل عن بعد؟ هل تفضل العمل وحدك أم ضمن فريق؟ هل تحب العمل وراء الكواليس أم تحب الأدوار الواضحة؟ وأخيرًا لماذا تتطوع؟
أشياء يجب أن تضعها في اعتبارك:
الوقت: فكر في مقدار الوقت الذي تستطيع أن تمنحه للتطوع حتى تختار المكان والعمل المناسبين، ومن الجيد أن تبدأ بالتطوع لفترة قصيرة حتى تتأكد من رغبتك في الاستمرار، وعند العمل مع فريق تأكد أنه بإمكانك الالتزام بالوقت الذي تحدده معهم حتى لا يتعطل العمل، فالعمل التطوعي لا يعني أن تعمل حسب حالتك المزاجية، بل ينبغي أن تلتزم به تمامًا وأنت تعمل بجدية ومهنية عالية كما لو أنك تحصل على راتب في نهاية الشهر.
قدراتك الجسدية ومهاراتك واهتماماتك: هناك بعض الأعمال التطوعية التي تحتاج قوة عضلية كبيرة أو تتطلب الكثير من الحركة، لذا إذا كنت تعاني من ضعف البنية أو لديك بعض الأمراض المزمنة فتأكد من أن هذا العمل التطوعي لن يؤثر على صحتك.
إضافة إلى ذلك يجب أن تكون واضحًا بشأن المهارات التي تمتلكها والمجالات التي تفضل العمل فيها والفئة العمرية كذلك، ومن الأفضل أن تتطوع في مجال مقارب لمجال عملك أو شيء تتقنه وتحبه حتى تتمكن من إنجازه بشكل متقن دون إضاعة لوقتك أو وقتهم.
للحصول على أقصى استفادة من هذا التطوع يجب أن تتأكد من أن الوظيفة مناسبة لك، لذا لا تتردد في طرح كافة الأسئلة التي تساعدك على فهم متطلبات الوظيفة ومدى احتياجك لأي تدريبات مساعدة.
الالتزام في العمل التطوعي لا يعني أن تستمر في عمل وجدت أنك لا تستطيع الإنجاز فيه بشكل جيد وتقديم أفضل ما لديك، لذا عند حدوث ذلك تحدث مع الشخص المسؤول لمناقشة إمكانية تغيير مهمتك أو التعديل عليها بما يناسب المكان ويناسبك.
استمتع بتطوعك فالعطاء يمنحك السعادة والشعور بالمعنى والهدف، كما أنه يثري حياتك وحياة الآخرين، هناك أشخاص تتوقف حياتهم على الأعمال التطوعية، لذا لا تنس دائمًا أنك تساهم في تحقيق مجتمع وعالم أفضل مهما كان عملك صغيرًا أو تظن أنه غير ذي أثر.