أثار الكيان السياسي الجديد الذي تمّ إحداثه أمس الخميس تحت مسمى “مجلس شركاء الفترة الانتقالية” في الخرطوم، حفيظة العديد من السودانيين، وفي مقدمتهم تجمع المهنيين السودانيين، الذي اعتبروا هذا المجلس مطية جديدة للالتفاف على الثورة وعلى آليات مراقبة وتوجيه الفترة الانتقالية.
مجلس سياسي جديد
يضم المجلس الجديد، فضلًا عن رئيسه الفريق أول عبد الفتاح البرهان (رئيس مجلس السيادة الانتقالي)، 27 عضوًا آخرين: ممثلين عن التحالف قوى إعلان الحرية والتغيير (13 عضو)، وممثلون عن الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام بجوبا مع الحكومة الانتقالية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي (8 أعضاء)، إلى جانب جميع أعضاء مجلس السيادة العسكريين وعددهم 5، إضافة إلى الفريق عبد الرحيم دقلو -قائد الدعم السريع- نائب ثاني.
ومن أبرز أعضاء التركيبة المعلنة للمجلس الجديد، رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بحكم منصبه، والقيادي في تجمع المهنيين محمد ناجي الأصم، ورئيس حركة تحرير السودان مني مناوي، ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، ومريم الصادق المهدي نائبة رئيس حزب الأمة.
يختص عمل المجلس، وفق مرسوم صادر عن عبد الفتاح البرهان في “توجيه الفترة الانتقالية بما يخدم المصالح العليا للسودان، وحل التباينات في وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، وحشد الدعم اللازم لإنجاح الفترة الانتقالية، وتنفيذ مهامها الواردة في الوثيقة الدستورية واتفاق سلام جوبا لسنة 2020”.
تجمع المهنيين السودانيين، أعلن رفضه بشكل قاطع تشكيل ما يسمى مجلس شركاء الفترة الانتقالية
يذكر أن السودان، قد بدأ في 21 أغسطس/ آب 2019، مرحلة انتقالية تستمر 53 شهرًا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم السلطة خلالها كل من الجيش وائتلاف قوى إعلان الحرية والتغيير الذي قاد احتجاجات شعبية على تردي الأوضاع الاقتصادية، ما أجبر قيادة الجيش، في 11 أبريل/ نيسان 2019، على عزل عمر البشير من الرئاسة.
وفي 2 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، اعتمد مجلسا السيادة والوزراء بالسودان، تعديلات للوثيقة الدستورية، باسم “الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية (تعديل) لسنة 2020”. وينشأ ضمن التعديلات مجلس يسمى “مجلس شركاء الفترة الانتقالية”، تمثل فيه أطراف الاتفاق السياسي في الوثيقة الدستورية.
وصاية على مكونات الحكم
تشكيل هذا المجلس بهذا الشكل، أثار أزمة جديدة بين شركاء الحكم أي الحكومة والمجلس السيادي، لاسيما بشأن الصلاحيات الممنوحة له، والتي قوبلت بتخظ كبير من قبل مجلس الوزراء الذي يرى في الصلاحيات الممنوحة لهذا المجلس تقليصًا لصلاحيات الحكومة.
وتخشى عديد القوى المدنية من تغوّل “مجلس شركاء الفترة الانتقالية” على صلاحيات التحالف الحاكم والحكومة المدنية برئاسة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي جددت فيه قوى إعلان الحرية والتغيير الثقة أمس الأربعاء للاستمرار في منصبه.
نتيجة ذلك، أعلن مجلس الوزراء السوداني، اليوم الجمعة، رفضه تكوين مجلس “شركاء الفترة الانتقالية”، داعيا جميع الأطراف لمراجعة قرار التشكيل والاختصاصات على ضوء الوثيقة الدستورية الحاكمة.
وزير الإعلام والثقافة السوداني فيصل محمد صالح، قال في بيان: “ما تم نقاشه في الاجتماع المشترك بين مجلسي السيادة والوزراء وتمت الموافقة عليه من جانبنا حول دور مجلس الشركاء، كان قاصرًا فقط على أنه جسم تنسيقي لحل النزاعات والخلافات”.
خامسا: إن سلطة الرقابة والمتابعة والمحاسبة وتوجيه الفترة الانتقالية هي سلطة حصرية للمجلس التشريعي بما يقتضي الإسراع في تشكيله بصورة موسعة وممثلة لكل قوى الثورة ولجان المقاومة والمجتمع المدني.
— مكتب رئيس الوزراء – السودان (@SudanPMO) December 4, 2020
ترى الحكومة السودانية أن قرار تشكيل هذا الكيان السياسي الجديد لم يأخذ في الاعتبار ملاحظات رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، التي أبداها في الاجتماع مع ممثلي الحرية والتغيير قبل يومين، وفق فيصل محمد صالح. في السياق ذاته، قال مصدر حكومي رفيع إن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك قد تحفظ على المشاركة في مجلس شركاء الفترة الانتقالية.
ترى الحكومة أيضًا أن هذا الكيان سيكون وصيًا على باقي أجهزة الحكم، حيث يقول وزير الإعلام والثقافة السوداني إن “الاختصاصات الواردة في قرار التشكيل، خاصة الفقرة التي تنص على منح المجلس أي سلطات أخرى لازمة لتنفيذ اختصاصاته وممارسة سلطاته، تعطي الانطباع بأن المجلس سيكون وصيًا على الأجهزة المختلفة”.
ويؤكّد صالح أن “سلطة الرقابة والمتابعة والمحاسبة وتوجيه الفترة الانتقالية هي سلطة حصرية للمجلس التشريعي”، داعيًا “جميع الأطراف لمراجعة قرار التشكيل، والاختصاصات على ضوء الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية، والتي تحدد مهام كل مستويات الحكم وتضمن عبور البلاد لبر الأمان”.
وتضم هياكل السلطة في المرحلة الانتقالية 3 مجالس، هي: مجلسا السيادة والوزراء، إضافة إلى المجلس التشريعي الذي حددت الوثيقة الدستورية تكوينه بعد 3 أشهر من بدء المرحلة الانتقالية، لكن تأخر تشكيل المجلس التشريعي، بعد أن كان مقررا أن يتم ذلك في يناير/كانون الثاني 2020، حسب جدول زمني لتشكيل هياكل السلطة الانتقالية.
إقصاء قوى الحرية والتغيير
ترى العديد من المكونات السودانية أن الهدف من هذا الكيان الجديد، إقصاء قوى الحرية والتغيير من المشهد السياسي السوداني وفسح الطريق أمام العسكر و”الجبهة الثورية” للتحكم في مقاليد الحكم في البلاد وإحكام سيطرتهم على الوضع العام هناك.
وفي الأول من يناير/كانون الثاني 2019 وقع تجمع المهنيين السودانيين على “إعلان الحرية والتغيير” مع تحالفات سياسية ومسلحة شملت قوى الإجماع الوطني وتحالف أحزاب وحركات مسلحة في “قوى نداء السودان”، والتجمع الاتحادي المعارض، ومنظمات مجتمع مدني.
#مجلس_شركاء_المرحلة_الانتقالية في #السودان ليس من مؤسسات الحكم في الدولة السودانية وليس له سند دستوري ويجب إلغاؤه بالمحكمة الدستورية إذا اتضح إدعاء أعضاءه ذلك (اي انه سيعمل ضمن أجهزة الحكم في السودان)..#تشكيل_المجلس_التشريعى
— Musaad Abdullah (@musaadabdullah2) December 4, 2020
تشير عديد التقارير إلى وجود تماهٍ بين العسكر و”الجبهة الثورية”، وهي تحالف حركات مسلحة وأحزاب مدنية، من أجل خلق حاضنة سياسية جديدة بعيداً عن قوى “الحرية والتغيير”، وجاء تشكيل “مجلس شركاء الفترة الانتقالية” باقتراح من “الجبهة الثورية”.
التفاف على أهداف الثورة
تحفظات السودانيين على المجلس الجديد لم تقتصر على مسألة الصلاحيات فقط، فقد اعتبر العديد منهم، وفي مقدمتهم تجمع المهنيين السودانيين، ما جرى التفافًا جديدا على الثورة التي أطاحت بنظام عمر البشير وعلى آليات مراقبة وتوجيه الفترة الانتقالية.
تجمع المهنيين السودانيين، أعلن رفضه بشكل قاطع تشكيل ما يسمى مجلس شركاء الفترة الانتقالية، قائلًا إن “تكوين مجلس الشركاء، يأتي استمرارًا لمنهج فرض ترتيبات منافية لروح ثورة ديسمبر وأهداف الفترة الانتقالية”. وتصدّر تجمع المهنيين تنظيم الاحتجاجات الشعبية في كانون الأول/ ديسمبر 2018، التي تواصلت حتى الإطاحة بحكم الرئيس عمر البشير في نيسان/ أبريل 2019.
يخشى العديد من السودانيين من انقلاب جنرالات الذي يمثلون المجلس السيادي على تعهداتهم وألا يسلموا الحكم لسلطة مدنية
رأى تجمع المهنيين في بيان له أن هذه الخطوة تشكل “التفافًا جديدًا على آليات مراقبة الفترة الانتقالية وتوجيهها، التي يمثلها المجلس التشريعي، الذي يجب أن يتم تكوينه بمعايير تعكس وزن القوى الثورية وتنوعها”.
وسجّل التجمع تحفّظه على الحرص على تشكيل المجلس الجديد مقابل التلكؤ في تشكيل المجلس التشريعي، حيث قال “ننظر بعين الريبة للهمة والحرص وراء تكوين هذا المجلس، مقابل التقاعس والتسويف في تشكيل المجلس التشريعي، والتجاهل التام لتكوين المفوضيات المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية”.
تجمع المهنيين السودانيين #بيان في مواصلة لمنهج فرض ترتيبات منافية لروح ثورة ديسمبر وأهداف الفترة الانتقالية، جاء…
Publiée par تجمع المهنيين السودانيين sur Vendredi 4 décembre 2020
سبق أن سحب تجمع المهنيين السودانيين اعترافه بكل الهياكل القائمة لتحالف “قوى إعلان الحرية والتغيير”، المشارك في الحكومة الانتقالية، وذلك اعتراضًا على أداء الحكومة وقوى الحرية التي اتسم أداءها بالارتباك، وتغليب المصالح الضيقة، وتقديم الاعتبارات التكتيكية على المصالح الإستراتيجية الكبرى.
ويخشى العديد من السودانيين من انقلاب جنرالات الذي يمثلون المجلس السيادي على تعهداتهم وألا يسلموا الحكم لسلطة مدنية وأن ينتهجوا سياسة المماطلة لكسب المزيد من الوقت حتى يستعيدوا السيطرة على الأوضاع.
#مجلس_شركاء_الفترة_الإنتقالية هو محاولة مستميتة للانقلاب علي الثورة وتسليم الحكم للعسكر من تاني والسيطرة علي موارد الدولة وتسليمها لاعداء السودان مقابل الهروب من المحاسبة. #الحل_في_البل و #الشارع_بس
19 ديسمبر 2020
— Jamal Hamad (@SudansEye) December 4, 2020
يشكك هؤلاء في تعهدات العسكر نظرًا لتاريخهم معهم، ويتذكر السودانيون مجزرة القيادة العامة، ففي الوقت الذي كان فيه عبد الفتاح البرهان ورفاقه يؤكدون دعمهم الكامل للثوار كان نائبه حميدتي وقواته يخططون لفض الاعتصام بالقوة، وهو الأمر الذي لم ولن ينساه السودانيون.