كلما غرقت فلسطين بظلام التطبيع أطل نجمٌ جديد ليضيء سماءها بنور الشهادة والمقاومة ورفض الاحتلال، ليعيد المشهد إلى صورته الأولى وهو أن ثمة شعبا فلسطينيا يعيش تحت احتلال صهيوني استعماري استئصالي، وهذا الشعب لا يمكن أن يقبل بهذا الاحتلال ولا أن يعترف به ولو تقاطر العربُ جميعًا في طوابير طويلة نحو التطبيع مع تل أبيب.
خلال الأيام الماضية رفعت قوات الاحتلال علمين لدولتين عربيتين خليجيتين على أسوار مدينة القدس المحتلة إلى جانب العلم الاسرائيلي، فيما لا تزال قوات الاحتلال تعتقل على الفور من يرفع العلم الفلسطيني في القدس أو في المسجد الأقصى.. مشهد تطبيعي بالغ البؤس والشذوذ يدل على حجم ارتماء هؤلاء المطبعين في أحضان الصهاينة وتحالفهم مع الاحتلال الذي أصبح صديقًا لدرجة أنه يرفع أعلامهم جنبًا إلى جنب مع العلم الإسرائيلي.
وبينما يتهافت بعضُ العرب على التطبيع مع الاحتلال، وحتى السلطة الفلسطينية تعود إلى التنسيق الأمني، كان الفلسطينيون على الجانب الآخر ينتفضون في وجه الاحتلال، حيث ارتقى الطفل علي أبو عليا البالغ من العمر 13 عامًا إلى السماء شهيدًا برصاص الاحتلال، ليعيد إلى الذاكرة الطفل الشهيد محمد الدرة الذي أشعل انتفاضة الأقصى في العام 2000 واستمرت بعده لسنوات.
من تشييع الشهيد الطفل علي أبو عليا
المشهد الفلسطيني أصبح أكثر وضوحًا بعد موجة الارتماء العربي في الحضن الصهيوني، وبعد أن تحول اليمين الإسرائيلي إلى صديق حميم لبعض الحكام العرب، وبعد أن أصبحت أعلام البحرين والإمارات وإسرائيل مرفوعة جنبًا إلى جنب على أسوار المسجد الأقصى، بينما من يرفع العلم الفلسطيني يُحال إلى المحاكم العسكرية الإسرائيلية وينتهي به الحال أسيرًا في سجون الاحتلال.
استشهاد الطفل علي أبو عليا في رام الله بعد صلاة الجمعة ليس سوى تذكير جديد بأن الشعب الفلسطيني يرفض الاحتلال ويرفض التطبيع
أصبح المشهدُ اليوم أوضح من أي وقتٍ مضى، فلا القضية الفلسطينية استفادت من الدول العربية المطبعة قبل أن تُعلن تحالفها مع الاحتلال، ولا هي ستخسر شيئًا بتحالف هذه الأنظمة مع الاحتلال الإسرائيلي، والسبب في ذلك أن العامل المؤثر في فلسطين هو الشعبُ الصامد على الأرض، المقاوم للاحتلال، والذي يتأهب لانتفاضة جديدة أصبحت تلوح في الأفق أكثر من أي وقتٍ مضى.
قبل الهرولة الخليجية الأخيرة كان يوجد في العالم أكثر من مئة دولة تعترف بإسرائيل وتقيم علاقات دبلوماسية وسياسية واقتصادية كاملة معها، ومع ذلك فإن كل ذلك لم يغير من حقيقة أن إسرائيل قوة احتلال وأن الشعب الفلسطيني يقاوم وسيظل يقاوم هذا الاحتلال، وهذه الحقيقة ستظل ثابتة ما دام الاحتلال قائمًا، لأنَّ الرهان فقط على الشعب المرابط على أرض فلسطين ممن هم “على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتيَ أمر الله وهم على ذلك”.. وأمرُ الله الثابت هو زوال الاحتلال ولا شيء سوى ذلك.
استشهاد الطفل علي أبو عليا في رام الله بعد صلاة الجمعة ليس سوى تذكير جديد بأن الشعب الفلسطيني يرفض الاحتلال ويرفض التطبيع وما زال لديه القدرة على الانتفاض والمقاومة المدنية، وأنه قادر على الفعل والرفض، وأن الذين يتحالفون مع الاحتلال من العرب أو غيرهم لا يمكن لهم أن يغيروا من الواقع شيئًا، لأن الرهان على الشعب المرابط في الداخل وعلى الأرض وكل ما عدا ذلك فهو مجرد هوامش وتفاصيل.
المصدر: عربي 21