أعلنت إيران عن ترحيبها بمبادرة الجزائر للحوار والمقرر عقدها بالعاصمة الجزائر في العشرية الثانية من شهر أكتوبر/تشرين الأول، في استضافة أطراف الأزمة الليبية، عبر المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية “مرضية افخم” بحسب ما نقلت عنها وكالة الأنباء الإيرانية.
العلاقات الليبية الإيرانية بعد ثورة فبراير 2011 اتسمت بالتوتر والقلق والتوجس من نوايا إيران تجاه ليبيا، فرغم تأييد الخارجية الإيرانية للثورة الليبية، إلا أن حسابات أخرى لا تتعلق بالحرية والديمقراطية كانت وراء هذا الدعم بحسب خبراء ليبيين بالشأن الإيراني.
إذ لم تنس إيران لنظام القذافي أنه من قام باستدعاء الإمام موسى الصدر مؤسس حركة أمل الشيعية بجنوب لبنان في الخامس والعشرين من أغسطس/آب 1978 إلى ليبيا، ومن ثم قام بإخفائه وقتله هو ورفيقيه محمد يعقوب والصحفي عباس بدر الدين.
إلا أن التحركات الإيرانية بالعاصمة طرابلس وبالشرق الليبي أثارت تحفظات كثيرين حيال الدعوات التي وجهتها طهران لشيوخ قبائل بشرق ليبيا لزيارتها، ومنحهم عطايا وهدايا ولقاءهم بمسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى، كذلك اتهام إيران بدعم كتيبة السويحلي من مصراتة والمتواجدة بالعاصمة الليبية طرابلس. وهذا ما دعا الشيخ الصادق الغرياني مفتي عام ليبيا إلى في يونيو/حزيران من عام 2012 غلى إطلاق صيحات تحذير مما وصفه بمحاولة الإيرانيين من التدخل في الشأن الليبي الداخلي، من خلال محاولة طهران لنشر التشيع في البلاد. داعيا خطباء المساجد في ليبيا لتحذير الليبيين من خطورة ما تقوم به إيران حالياً من نشرها للتشيع في ليبيا، داعين أولى الأمر والأسر الليبية إلى التصدي لهذه الألاعيب الإيرانية، ومن التدخل في الشأن الليبي الداخلي ونشر الفتنة بين أبنائه.
وقال مفتي عام ليبيا إنه تم ملاحظة نشاطات مشبوهة ومشينة من قبل إيران والإيرانيين داخل ليبيا، حيث يقومون بنشر الكتب والكتيبات- وإقامة المعارض ودعوات مستمرة للتشيع، مشيراً إلى أن الإيرانيين يستدرجون الشباب وعامة الناس، لدعوات مجانية لزيارة طهران- ومنحهم إقامات في فنادق فخمة بزعم إن إيران تساعد ليبيا.
وأضاف الغرياني- في خطبته- أن التشيع يقوم على إقامة الأحقاد والكراهية وسب أصحاب الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، موضحاً أن ذلك سوف يدخل البلاد في دوامة عنف وقتل لا تنتهي، وستؤدي أيضاً إلى طرق معقدة لدرجة أن الدعاة سيستحيل عليهم هداية عامة الناس إلى الصواب.
وبسبب موقف إيران الداعم لنظام بشار الأسد حاول متظاهرون ليبيون في فبراير/شباط 2012 اقتحام السفارة الإيرانية والمطالبة بإغلاقها وطرد السفير الإيراني بالعاصمة طرابلس “حسين اكبالي”.
وطلبت حكومة عبد الرحيم الكيب من السفير الإيراني مغادرة العاصمة طرابلس، بسبب تحركاته المشبوهة واجتماعاته بقادة كتائب وشيوخ قبائل، مما حذا بالسفير الإيراني تهديد الحكومة الليبية بأنه سيعمل من خلال سفارة بلاده بدولة تشاد على حدود ليبيا الجنوبية وإثارة القلاقل.
إيران التي خسرت رصيدها بالمشرق العربي بعد دعمها لنظام الأسد، وتدخلها السافر في العراق، واتهام مملكة البحرين لها بدعم شيعة البحرين وإثارة القلاقل ، والحوثين في اليمن، وتوتر علاقاتها مع دول الخليج العربي وخاصة السعودية والإمارات، اتجهت إلى المغرب العربي بدبلوماسية نشطة تحاول خلق موطئ قدم لها. إذ عرض وزير الخارجية الإيراني الأسبق كمال خرزاي ورئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية على تونس شراء النفط بسعر التكلفة.
وبحسب محللين سياسيين فإن إيران تواجه في ليبيا وعن طريق مبادرة الجزائر الحلف الإماراتي السعودي المصري، الذي يدعم التدخل العسكري في ليبيا، وتحاول الدبلوماسية الإيرانية إبعاد تأثير ونفوذ السعوديين والإماراتيين عن ليبيا بدعم مبادرة الجزائر، لضرب عصفورين بحجر واحد؛ الأول الاصطفاف مع الجزائر ضد النفوذ المصري الإماراتي السعودي بشمال إفريقيا وتقوية علاقاتها الدبلوماسية والاستراتيجية مع الجزائر أكبر دولة في الشمال الإفريقي، وثانيا إعادة الثقة التي انهارت كثيرا بينها وبين ليبيا بسبب اتهامها بمحاولة نشر المذهب الشيعي في ليبيا.
ويعتقد المراقبون أن لإيران حسابات مختلفة مع الدول ذات الغالبية السنية، مستدلين بأن دعمها لحركة المقاومة الإسلامية بفلسطين “حماس” هو من ضمن استراتجية تخفيف الضغط على حزب الله الشيعي بجنوب لبنان، الحليف الاستراتيجي والعقائدي والمذهبي لإيران.
ويحذر سياسيون ليبيون من التدخل الإيراني في الشأن الليبي، ومحاولتها استقطاب تيارات سياسية أو كتائب مسلحها ضمن مشروعها الكبير بالتدخل في شؤون الدول العربية ذات الغالبية السنية، خاصة بعد تصريح نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، الجنرال حسين سلامي الذي قال فيه “إن نفوذ إيران امتد جغرافيا ليصل إلى مناطق شرق البحر الأبيض المتوسط”.