لعلك جربت السفر بواسطة الطائرة في زمن الكورونا، كيف كانت التعليمات والإجراءات في رحلتك؟ بالطبع لم تكن مريحة بل كانت مربكة، اضطررت للتخلي عن حمل حقيبتك الخاصة معك في الطائرة، والتزمت بالتعليمات الصحية الصارمة من وضع للكمامة والقناع البلاستيكي، لا يوجد طعام أو شراب عدا عبوات المياه الصغيرة، توتر نفسي يحيط بكافة المسافرين، إضافةً إلى طاقم الطائرة الخائف، هذا كله في حال سنحت لك فرصة السفر أصلًا.
تجربتك هذه أو تجربة أي مسافر آخر لا تُقارن ربما بما حصل لشركات الطيران هذا العام، هذه الشركات التي أُصيبت في حالة اقتصادية صعبة كما دخلت في حالة عدم يقين واضطراب بالنسبة لموضوع الإغلاق العام الذي أصاب معظم دول العالم بالشلل، طبعًا فسنة 2020 وضعت بصمتها بين السنوات بتسلسل أحداثها الصعبة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
قضى فيروس كورونا على آمال شركات الطيران بالربح الوفير هذا العام، فكانت الخسائر المدوية إحدى أهم العلامات الفارقة التي عصفت بالقطاع، وبمناسبة اليوم العالمي للطيران المدني؛ دعنا نذهب في جولة لنستكشف كيف أبلى قطاع الطيران في 2020.
نصف الأرباح
أشارت تقديرات اتحاد النقل الجوي الدولي الصادرة في شهر يوليو/ تموز الماضي إلى أن “حركة الطيران العالمية لن تعود إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا إلا في حدود العام 2024”.
وبحسب الاتحاد فإن “الضبابية التي تخيم على قرارات الدول بفتح الحدود هي العامل الرئيس في هذه التقديرات”. ويتوقع الاتحاد أن تبلغ أرباح شركات الطيران لهذا العام “419 مليار دولار أي نصف الإيرادات السنوية التي كان يحققها قطاع الطيران التجاري قبل تفشي كورونا”. ويقدر الاتحاد أن انخفاض حركة الطيران في عام 2020 سيكون بنسبة 63%.
وكلف فيروس كورونا المستجد، شركات الطيران الأميركية، خسائر مالية في الربع الثالث من العام الحالي، تقدر بأكثر من 11 مليار دولار.
تلك الأرقام كانت عالمية، أما بالنسبة لمنطقتنا العربية فقد انخفض عدد رحلات النقل الجوي بأكثر من النصف بسبب كورونا وذلك فقط في في الأشهر الستة الأولى من 2020، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. وتوقعت دراسة للأمم المتحدة صدرت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أن ينخفض العدد الإجمالي لركاب الرحلات الجوية من المنطقة العربية وإليها وداخلها في العام الحالي، ليصل الى حوالي 154 مليون مسافر وهو ماكانت عليه قبل 11 عامًا أي في سنة 2009.
قدرت الدراسة الخسائر التي لحقت بشركات الطيران العربية بنحو 38 مليار دولارًا، متوقعةً عدم عودة السفر الجوي الدولي إلى مستويات ما قبل الفيروس قبل العام 2023. وحثت الأمينة التنفيذية لـ لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا رولا دشتي حكومات الدول العربية على اعتماد حزم دعم لقطاع النقل والخدمات اللوجستية، تشمل الدعم المالي والتخفيضات الضريبية والاستثناء من الرسوم والإعفاءات، ودعم أجور العمال وتدريبهم.
قال الاتحاد الدولي للنقل الجوي: “إن شركات الطيران العالمية تخسر 300 ألف دولار في كل دقيقة بالنصف الثاني من العام الحالي”، إلى ذلك برزت عدّة شركات في المنطقة العربية بفداحة خسائرها إثر جائحة كورونا، فمثلًا كانت الشركات الإماراتية في طليعة الشركات التي لجأت إلى التسريح وتقليص الرواتب، وتجاوزت خسائرها الـ4 مليار دولار.
تسريح وإفلاس
تدل إحصائيات نصف العام الأول على أن كثيرًا من شركات الطيران إما أفلست أو أنها في طريقها للإفلاس أو أنها سرحت أعدادًا كبيرة من موظفيها، ففي الولايات المتحدة أعلنت “أميركان إيرلاينز” تسريح 19 ألف موظف، في الوقت الذي سرّحت شركة يونايتد الأمريكية 13 ألفًا آخرين. أما الشركة الألمانية “لوفتهانزا” سيصل عدد المسرحين بها خلال هذا العام إلى 30 ألف موظف.
الخطوط الجوية الفرنسية وضعت خطة لتسريح 3.7 آلاف موظف على الأرض بغضون مطلع 2021. وسرحت شركة “الاتحاد الإماراتية للطيران” مئات العاملين، من بينهم أطقم ضيافة، كما تعتزم الخطوط القطرية تسريح حوالي 20% من فريقها العامل، بسبب تعليق حركات الطيران، والحديث هنا عن النصف الأول من العام، وننتظر إحصائيات العام كاملًا.
في الجهة المقابلة، فقد استطاعت الشركات الصينية للطيران أن تكون أول من يعود للعمل بالإمكانية التي كانت عليها قبل جائحة كورونا، والفضل في ذلك يعود للمسافرين المحليين، كما تنتظر أن تحقق أرباحًا نهاية هذا العام وفقًا لـ “إياتا”، أما في روسيا فازدهرت السوق المحلية، حيث حقق سوق الرحلات الداخلية نموًا أكبر مما حققه خلال الفترة ذاتها من 2019.
صناعة الطيران
بالإضافة لخسائر شركات الطيران فقد كلفت جائحة كورونا صناعة الطيران خسائر كبيرة “لم يعرف العالم مثلها منذ الحرب العالمية الثانية”، وتوقع اتحاد النقل الجوي الدولي أن تكلف جائحة كورونا صناعة الطيران 157 مليار دولار خلال عامي 2020 و2021. في حين ستفقد صناعة الطيران والصناعات التي يدعمها الطيران في الشرق الأوسط 1.7 مليون وظيفة.
وقد أعلنت شركة إيرباص الأوروبية لتصنيع الطائرات عن خسارة صافية قدرها 1.9 مليار يورو في النصف الأول من 2020، حيث استخدمت 12.4 مليار يورو من احتياطها النقدي وخفضت معدلات إنتاجها بنسبة 40%، كما خفضت بوينغ معدلات إنتاجها وتسريح مزيد من الموظفين ووقف إنتاج طائرة “جمبو جيت” 747 الأسطورية في عام 2022، كما خسرت في الربع الثاني من العام 2.4 مليار دولار، وأدت الأزمة المستمرة إلى أن تسرح بوينغ منذ بداية 2020 حوالي 30 ألف موظف حول العالم.
رحلات “لا تذهب إلى مكان” لتعويض الخسائر
بعد الخسائر الفادحة التي تلقتها شركات الطيران بدأت بإجراءات لتعويض بعضًا من خسائرها، فلجأت إلى حلول غريبة وبعضها لا يُصدق، وأعجب تلك الحلول هو إطلاق رحلات إلى “لا مكان”، وهي عبارة عن رحلة في الطائرة بدون وجهة محددة، إنما تُقلع الطائرة وتبقى في السماء لساعات ومن ثم تعود لتهبط بذات المطار الذي صعدت منه.
الفكرة غريبة أليس كذلك؟، نعم ولكن الأغرب هم الأشخاص الذين حجزوا في تلك الرحلات بأسعار تصل إلى 2300 يورو، وهنا إليك بعض الشركات التي انتهجت هذا النوع من الرحلات في زمن كورونا.
باعت شركة “كانتاس”الأسترالية خلال 10 دقائق كل تذاكر رحلة أعلنت عنها من هذا القبيل، واستغرقت الرحلة 7 ساعات حيث انطلقت من مدينة سيدني وعادت للهبوط من مكان انطلاقها، وتراوحت أسعار الرحلة ما بين 500 و2300 يورو، وتتضمن التحليق فوق بعض المواقع السياحية الأسترالية، وقال رئيس الشركة آلان جويس “ربما تكون هذه أسرع عملية بيع في تاريخ كانتاس، لقد افتقد الناس حقًا الطيران، إذا استمر الطلب وبطبيعة الحال سنستمر في برمجة مثل هذا النوع من الرحلات”.
أيضًا، نظمت الخطوط التايلاندية رحلة سياحية، يشاهد فيها الركاب المعالم الدينية البوذية من الطائرة، وتستغرق الرحلة مدة 3 ساعات وتحلق فوق 31 مقاطعة في البلاد لتعاود الهبوط في المكان الذي صعدت منه في العاصمة بانكوك، وكذا أعلنت الخطوط الجوية السنغافورية برنامجًا جديدًا من نوعه حيث أعطت الفرصة لركابها بالقيام بجولة في الطائرات، وتناول الطعام، ومقابلة الطيارين، وبرنامج خاص للأطفال الذي أصبح بإمكانهم لبس زي المضيفين ولعب دورهم.
قواعد وتعليمات جديدة
شهد قطاع الطيران في 2020 تغييرات كبيرة على مستوى التعامل مع الركاب، فقد فرضت جائحة كورونا أصولًا جديدة للتعامل مع صعود الطائرة، ولا يُعرف ما إذا كانت ستنتهي هذه التوجيهات مع انتهاء الوباء، وكانت أولى التغييرات هي تقليل عدد الموظفين للحد من التواصل عند تفتيش الأمتعة وإجراءات الأمن وركوب الطائرة، كما أصبح التسجيل يتم كاملًا عبر الإنترنت.
إضافةً إلى ذلك، فرضت شركات الطيران إجراء تحليل للتأكد من سلامة المسافر من مرض كورونا، إذ أن الراكب لا يستطيع الصعود إلى طائرته بدون إجراء المسحة الخاصة بالفيروس، وعلى الراكب ارتداء القفازات الطبية والكمامة وفي بعض الشركات تم فرض قناع بلاستيكي أيضًا، مع التخفيف من وجبات الطعام والشراب، ودعت وكالة تابعة للأمم المتحدة إلى الحد من استخدام المسافرين جوًّا للمراحيض خلال الرحلات الجوية، كجزء من توصيات السلامة الواسعة النطاق.
الآن وقد أصبحنا على مقربة من تلقي لقاح لفيروس كورونا، كشفت وكالة “بلومبيرغ” أن الاتحاد الدولي للنقل الجوي يعد شروطًا جديدة لإتاحة الطيران والتنقل بين المدن بعد انقشاع جائحة كورونا. وأوضحت “بلومبيرغ” أنه بعد إتاحة لقاحات فيروس كورونا، يجهز الاتحاد تطبيقًا للهواتف المحمولة، لإثبات خلو المسافر من الفيروس، بجانب إثبات تلقيه لقاح كورونا، بعد الموافقة عليه.
ليس كورونا فقط!
بعيدًا عن فيروس كورونا وما سببه، بدأ عام 2020 بكارثة إنسانية تسبب بها الحرس الثوري الإيراني، حيث أسقط طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الأوكرانية كانت متجهة إلى تورنتو في كندا عبر العاصمة الأوكرانية كييف، واعترف الحرس الثوري بإسقاطه الطائرة المدنية، التي قضى فيها 176 شخصًا، “بشكل غير متعمد ظنًا منها أنها طائرة معادية”.
وفي باكستان، تحطمت طائرة مدنية في أيار/ مايو الماضي كانت تقل على متنها 99 راكبًا وطاقمها المكون من 8 أشخاص، وبينما تأكد نجاة شخصين قُتل ما لا يقل عن 97 شخصًا، وليس بعيدًا عن باكستان تحطمت طائرة هندية كان على متنها 190 شخصًا، ما أسفر عن مقتل 17 شخصًا على الأقل. وقال مسؤولو الطيران إن الطائرة “بوينغ 737″، انشطرت إلى نصفين بعد هبوطها في المطار.
إذًا، كان عامًا صعبًا في عالم الطيران بشكل خاص وعلى العالم بشكل عام، بانتظار الأيام القادمة وماتحمله من وقائع جديدة تفرض نفسها على عالم الطيران وصناعته، وفي حال كنت ممن يسافر كثيرًا، فقد تنتظرك قواعد جديدة وتعليمات كثيرة خلال السنوات القادمة، ربما لن تكون مسرورًا بها ولكنها ضرورية لحمايتك مع التمنيات بالسلامة الدائمة.