“النموذج الإيراني” .. هل هو مثال يُحتذى لدول الربيع؟

2014105111046227734_20

ترجمة وتحرير نون بوست

منذ اندلاع الربيع العربي، تحدث المدافعون عن النظام الإيراني بشكل مستمر عن مزايا تصدير “النموذج الإيراني”.

يأتي هؤلاء بالعديد من وجهات النظر المتناقضة والتي تخص أسباب الربيع، لكنهم عادة ما يتفقون على تبسيط الحقائق المعقدة لكل دولة عربية على حدة باعتبار أن جميع الثورات كانت أساسًا مستوحاة من التجربة الإيرانية.

كان هذا الحديث يماثل ما قاله هؤلاء عن المسيرات الضخمة التي خرجت في طهران عقب الانتخابات الرئاسية عام 2009، لقد حاولوا تأطير تلك الاحتجاجات وتصويرها على أنها محاولة خارجية للتأثير على السياسات الداخلية في إيران، واغتنموا الفرصة لسرد “مزايا وأهداف النموذج الإيراني”.

التفسيرات الإيرانية للأحداث المتسارعة في المنطقة الغربية تتغير تماشيًا مع المصالح الإيرانية، فعلى سبيل المثال، كان هناك التباس شديد حول كيفية تفسير الثورة السورية، أو فهم الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المصري محمد مرسي، وأن يبقى ذلك الفهم متسقًا مع الشعارات الكبرى للثورة الإسلامية في إيران.

مقدمة لصحوة إسلامية؟
في البداية، تعاملت إيران مع الثورات العربية باعتبارها أحد العوامل التي من شأنها أن تؤثر في مستقبل المنطقة بأسرها، كان ذلك سبب لأن تلعب إيران دورًا في تطورات تلك الثورات، مستفيدة من الربيع العربي، سعت إيران إلى إعادة تعريف مفهوم الديمقراطية الدينية لدى الشعوب المسلمة، على غرار النظريات السياسية لآية الله روح الله خميني، بهدف سد الفراغ القيادي في المنطقة، الخميني روج لأفكاره عبر النموذج الثوري الإيراني الذي دعا لإنشاء نظام حكومي ديني شعبي.

كانت الانتفاضة العربية يُنظر لها من قبل النخب الحاكمة الإيرانية على أنها تمهيد للصحوة الإسلامية التي تحمل روح الثورة الإسلامية الإيرانية.

وبينما كانت ترحب بالثورات العربية واحدة تلو الأخرى، ظلت الحكومة الإيرانية مستمرة في الاقتناع بسيادة نموذجها، دون الاعتراف بأن التطور السياسي لأي دولة يرتبط بشكل أساسي بالظروف الجغرافية والتاريخية والسياسية والثقافية الخاصة بها.

إلا أن الرد الذي جاء من الإسلاميين في مصر وتونس وبلدان أخرى، لا يرضي الداعون المخلصون لاتباع النموذج الإيراني، ففي النهاية، انتقد زعيم حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، النموذج الإيراني وأوجه القصور فيه بشكل علني بعد أن فشل في تلبية احتياجات الأمة العربية، وشاطره هذا الرأي العديد من المحللين وقادة الحركات الإسلامية في جميع أنحاء العالم العربي.

الثورة السورية

الانتفاضة السورية التي بدأت كحركة سلمية، شكلت معضلة أخلاقية كبيرة للنموذج الإيراني، فالربيع العربي الذي مدحته طهران باعتباره بذرة التغيير التي نبتت كمعجزة، تحول فجأة إلى “مؤامرة غربية” مع وابل من التجريح عبر الدعايا الإيرانية المضادة والمستمرة.

اعتمد النظام الإيراني على تبني الادعاء ذاته الذي اعتمده حلفاء النظام السوري في وصف الثورة السورية باعتبارها ناقصة الشرعية وبأنها تخدم المصالح الأجنبية.

استخدم مؤيدو النظام الإيراني مصطلحات مماثلة لتلك المستخدمة لوصف الاحتجاجات الإيرانية (التي عُرفت باسم الثورة الخضراء) بعد الانتخابات الرئاسية عام 2009، كانت الكلمة المستخدمة حينها هي كلمة “الفتنة”، وهي الكلمة التي استخدمتها الحكومة الإيرانية لوصم قادة المعارضة مير حسين موسوي ومهدي كروبي، اللذين مازالا محتجزين قيد الإقامة الجبرية، حتى وعود الرئيس روحاني فشلت في إنهاء معاناتهم، حتى وإن أراد، فهو لا يمتلك أي سلطة قضائية.

أي نموذج يتم الترويج له من قبل أنصاره، يجب أن يضمن تنوع الآراء وحق مواطنيه في انتقاده، وكذلك حماية حقوق الأقليات وإقامة انتخابات نزيهة، فهل تنطبق تلك الشروط على النموذج الإيراني؟

الزعيم الإصلاحي والرئيس السابق “محمد خاتمي” صرح بأن الانتخابات الإيرانية على مدار السنوات لم تستوف المعايير القانونية للجمهورية الإسلامية وأصبحت “مصدر اشمئزاز” للإيرانيين.

في النموذج الإيراني، روحاني هو المرشح الوحيد الذي أثار قضية الحريات، وأشار إلى الخطر الذي تشكله محاكم العدالة الأمنية والتي تخنق حياة الإيرانيين العاديين.

خلال واحدة من المناظرات الانتخابية الرئاسية، تناطح “روحاني” مع منافسه “محمد باقر قليباف” بخصوص طلاب جامعة طهران الذين تعرضوا لهجوم عام 2003، كان روحاني حينها يشغل منصب سكرتير مجلس الأمن القومي الإيراني، بينما كان منافسه قليباف قائدًا للشرطة.

تحدث روحاني عن “حقوق المواطنة” وتعهد بتخفيف القيود السياسية وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وقد صرح حينها عن اعتقاده بأن الإقامة الجبرية المفروضة على كروبي وموسوي غير قانونية ويجب رفعها، لكنه أخفق في الوفاء بوعوده بسبب قوة القبضة الأمنية.

وصفة سحرية؟
في هذا النموذج، الذي تسعى إيران لتصديره باعتباره وصفة سحرية لمشكلات العالم العربي، فشل رفيق آية الله خميني، وشريكه في الثورة، آية الله هاشمي رفسنجاني، في الطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، واتهم رفسنجاني حينها المنظمة الأمنية الإيرانية بالتدخل لمنع ترشحه.

وضمن نفس النموذج، يواجه خاتمي المنع من السفر، كما مُنع من الظهور في وسائل الإعلام الرسمية.

في مجال السياسة الداخلية، فقد تعالت الأصوات منادية بالحاجة إلى صياغة وثيقة لـ “حقوق المواطنة”، وطوال السنوات القليلة الماضية، تجاهلت السياسات الداخلية الإيرانية بشكل دائم مسألة التنوع العرقي واللغوي في إيران.

تعهد روحاني بإحراز تقدم بشأن قضايا حقوق الإنسان في إيران، كما وعد بحماية حرية التعبير والحق في التجمع السلمي، لكن الرجل الذي وعد بتقديم المزيد، أثار موجة من السخرية والنقد اللاذع عندما نفى في الآونة الأخيرة وجود أي صحفي سجين في إيران.

أما في السياسة الخارجية فقد تعرض النظام إلى انتقادات شديدة لاعتماده سياسة “الشعارات الخادعة”، وقد أدت هذه السياسة إلى خلافات مع الدول العربية وتدمير العلاقات الإيرانية العربية.

خلاصة القول، ليس هناك شك في أن المنطقة العربية تشهد تطورات خطيرة، لكن لا يمكن حل تلك المشكلات من خلال “النموذج الإيراني”.

المصدر: الجزيرة الإنجليزية