ترجمة وتحرير: نون بوست
عزيزي القرن الثاني والعشرون،
في رسائلي حتى هذه اللحظة، كنت أفترض نوعا ما أنني كنت أكتب لأحفاد بعيدين. سيكون أطفال هذا العقد شيوخ أوائل القرن الحادي والعشرين ذوي الثمانين عاما. معظم سكان القرن القادم هم أجيال لم تولد بعد وقت النشر. وتقريبا جميعنا مجرد أشباح، فقد اندثرنا منذ فترة طويلة وأصبحنا طعاما للديدان وسمادا للإقحوانات، أو ذهبنا في مهب الريح. من الرماد إلى الرماد، أليس كذلك؟
ليس بهذه السرعة. اتضح أن فهم البشرية لعملية الشيخوخة (وكيفية إيقافها) يتقدم بسرعة أكبر مما يتوقعه أي شخص، إلى درجة أن بعض كبار علماء الأحياء على كوكب الأرض يعتقدون أننا قادرين على كبح موجة الشيخوخة، انطلاقا من الآن وبدءا بالأدوية والمكملات الغذائية والأنظمة الغذائية والتمارين، وذلك بمجرد أن تبدأ المؤسسة الطبية في اعتبار الشيخوخة مرضا قابل للعلاج. وهذا يعني أنه من الممكن أن يكون أحد الأشخاص الذين أكتب إليهم في فجر القرن الثاني والعشرين هو أنا. في هذه الحالة، مرحبا بنفسي المستقبلية! سؤالي الأول هو: إلى أي مدى كانت حفلة عيد ميلادنا السابعة والعشرين بعد المئة جامحة؟
قد تتذكر أنه في سنة 2019، بدت فكرة أن يعيش شخص هذا العمر سخيفة وأن يحافظ على صحة جيدة أسخف من ذلك. كنا ما زلنا عالقين في العقلية القائلة إن عمر السبعين الذي أقر به الكتاب المقدس هو ما يشكل حياة طويلة. إذا وصلت إلى السبعينات أو الثمانينات من عمرك بصحتك سليمة، فهذا أفضل ما يمكن أن تتمناه. سيبدأ الانحدار في الظهور بعد ذلك، وسيسرعه أحد الأمراض التي ترتفع إمكانية الإصابة به مع تقدمنا في العمر مثل الزهايمر وأمراض القلب والسرطان.
بمجرد أن تتخطى عمر 120 عاما، تكاد تصبح أسطورة
مع عدم المعاناة من أمراض وراثية واتباع نظام غذائي جيد وحالة مادية ميسورة، يمكنك بلوغ سن التسعين. وإذا كان الحظ حليفك حقا، يمكنك أن تصبح من هؤلاء المعمرين المبتسمين في الأخبار المسائية المحلية، حيث تتواصل معركتك مع ويلات الزمن لمئة سنة ولكنك سعيد لأنك ما زلت موجودا لتناول الكعك وارتداء القبعات، حتى لو كان عليك مغادرة الطاولة في كرسي متحرك لتناول الدواء وأخذ قيلولة بعد الظهر.
بمجرد أن تتخطى عمر 120 عاما، تكاد تصبح أسطورة. في سنة 2019، كانت أكبر معمرة في العالم، اليابانية كاني تاناكا، تبلغ من العمر 116 سنة. ويُذكر أن الرقم القياسي العالمي الحالي سجلته جين كالمينت، التي توفيت سنة 1997 عن عمر يناهز 122 سنة، وعلى الرغم من اتهامات أحد علماء الشيخوخة بأن ابنة كالمينت حلت مكانها سرا خلال فوضى الحرب العالمية الثانية، لا يزال 122 هو ما يعتبره العلماء الحد الأقصى لعمر الإنسان.
لطالما كنت مهووسا برؤية أكبر قدر ممكن من المستقبل. ومع ذلك، فإن الأمنية الأكثر تفاؤلا التي قدمتها لنفسي هي أن أكون محظوظا بدرجة كافية، وأن أكون قادرا على التحكم في ما يكفي من قدراتي العقلية، لأرى كيف أصبح العالم في عيد ميلادي المئة، في سبعينات القرن الواحد والعشرين. ثم في أيلول/ سبتمبر 2019، أخبرني أستاذ علم الوراثة بجامعة هارفارد بما يلي: “بحلول مطلع القرن المقبل، قد يُقال عن شخص يبلغ من العمر 122 سنة يوم وفاته إنه قد عاش حياة كاملة، وإن لم تكن طويلة بشكل خاص. سوف نتحسر على تاريخنا الذي لم يكن فيه الأمر كذلك”.
يقول الأستاذ، الذي يبلغ من العمر 50 سنة حاليا ولكنه يبدو وكأنه في الثلاثينات من العمر، إنه يأمل أن يعيش ليرى 2100 بنفسه، وعندها سيكون عمره 132 سنة. على الفور، جعلني هذا أرغب في منافسته بشكل جنوني: إذا كان بإمكانه القيام بذلك في سن أكثر تقدما، إذا فبإمكاني أنا أيضا ذلك!
عيد الميلاد الستة عشر بعد المئة: كاني تاناكا، أكبر امرأة معمرة في العالم
اسم الأستاذ هو ديفيد سينكلير، وهو عالم حائز على جائزة ومؤلف الكتاب الجديد “العمر المديد: لماذا نتقدم في السن وكيف يمكن ألا نهرم“. سنكلير، الذي أصبح مؤخرا أحد المشاهير الصغار عبر إحدى أحدث طرق الشهرة في ثقافتنا، وهي محادثة لساعتين عبر بودكاست “خبرة جو روغان”، ليس أول معلم طويل العمر في ثقافتنا. أنا كبير في السن بما يكفي لأتذكر سنة 2004، عندما بدأ المخترع ريموند كرزويل في الترويج لفكرة أننا يمكن أن نعيش إلى الأبد إذا صمدنا حتى منتصف عشرينات القرن الواحد والعشرين، حين تتولى التكنولوجيا الحيوية المتقدمة (والوحدانية، وهو مصطلح عمّمه كرزويل ويشير إلى الوقت الذي يصبح فيه الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاء منا) زمام الأمور بطريقة ما.
سرعان ما أصبح كرزويل معروفا في وادي السيليكون بالأكياس العملاقة من الفيتامينات والمكملات الغذائية، والتي كان يتناولها عدة مرات في اليوم على أمل أن يبقى على قيد الحياة ليشهد عملية الوحدانية. أراد أن يقتبس من الباحث في مجال طول العمر، أوبري دي غراي، الذي يدرس مجالا ما زال افتراضيا يسمى الطب التجديدي، والذي أدلى بتصريح جنوني مفاده أنه بحلول سنة 2100، “سيكون متوسط العمر المتوقع في حدود 5000 سنة“.
ليس سنكلير كذلك. في الواقع، هو أسترالي لطيف (وهو أمر نادر بحد ذاته) ويختار كلماته بعناية شديدة، ولا يدعي أنه يمكننا العيش إلى الأبد أو أن نشهد سنة 7100 بل فقط أن عددا كبيرا منا قد يتجاوز حاجز 120 سنة ويدخل منطقة مجهولة، وأن العيش حتى 150 سنة “ليس بالأمر السخيف الذي تحلم به”.
على عكس كرزويل ودي غراي، قام سنكلير بالفعل بالعمل البيولوجي. حصد معظم جوائزه بفضل اكتشاف آلية الشيخوخة في الخميرة، لكنه قام أيضا بإطالة حياة فئران التجارب. في إحدى تجاربه المفضلة، ركض فأر مسن دون توقف لفترة طويلة لدرجة أنه حطم جهاز الجري في المختبر، والذي لم يتم تصميمه ليقطع أكثر من ثلاث كيلومترات – وهو عبارة عن سباق فائق السرعة للقوارض.
لذلك، عندما يقول سنكلير إن “الشيخوخة أسهل من السرطان على مستوى العلاج” – وأنه إذا عالجنا الشيخوخة، فإننا سنقلل من ضرر السرطان – فإن نظريته جديرة بالإهتمام، خاصة أن لديه براهين. في الواقع، الثلث الأول من كتابه عبارة عن دراسة متنوعة للعلوم الوراثية و”نظرية المعلومات الخاصة بالشيخوخة”، والتي تقول أساسا إن خلايانا تتفكك لأنها تصنع نسخا تناظرية منها ضعيفة بشكل متزايد، مثل أشرطة الكاسيت التي تسجل من أشرطة الكاسيت. (أطفال القرن الثاني والعشرين، اسأل أي شخص يزيد عمره عن 110 عن ماهية شريط الكاسيت).
فقدان المعلومات هو ما يسبب لكل شخص منا أمراض القلب والسرطان والألم والضعف والموت
يقع إتلاف الحمض النووي في كل خلية وتضعف جدران الخلايا وتبدأ في الانهيار. كانت جميع خلايانا ذات يوم خلايا جذعية ومن المفترض أنها استقرت في شكل واحد – خلية قلب أو خلية جلدية أو خلية دماغية-. مع تقدمنا في العمر، تبدأ بعض الخلايا في محاولة العودة إلى خلية جذعية مرة أخرى، لكنها لا تستطيع فعل ذلك فتتحول إلى نوع آخر من الخلايا، مثل إبرة تتخطى مشغل أسطوانات ( اسأل أي شخص يزيد عمره عن 120 عن مشغل أسطوانات).
من الممكن أن يتسبب ذلك في حدوث أورام وهبوط الدورة الدموية وغيرها من الأخطاء الخلوية المروعة. يقول سنكلير إن “فقدان المعلومات هو ما يسبب لكل شخص منا أمراض القلب والسرطان والألم والضعف والموت”. لا يمكننا حتى الآن الحصول على خلايانا لإنتاج نسخ رقمية دون خسائر ولكن يجب أن نكون قادرين على معالجة أخطاء النسخ” مثل الخدوش الموجودة على قرص مضغوط”، كما يقول سنكلير، مستكملا ثلاثية من قياسات وسائط التسجيل في القرن العشرين. (يجب أن يتمكن أي شخص يزيد عمره عن 100 عام من إخبارك ما هو القرص المضغوط).
أصبحت الفئران المسنة أصغر سنا: أستاذ علم الوراثة في جامعة هارفارد ديفيد سينكلير مع فأر التجارب الذي ساعده إلى التوصل إلى بحث عن الشيخوخة
كيف نفعل ذلك؟ ما أكده سنكلير من خلال التجارب التي أجراها، هو أن الإنزيمات المسماة “سيتروينز” يمكنها تعزيز قوة الخلايا لدرجة أنها تتوقف عن تخطي الثلم. ويمكنك تنشيط السرتوينات باستخدام “جزيء مساعد” يسمى جزيء نيكوتيناميد أدينين دينوكليوتيد. كان لدى الفأر المسن الكثير من النيكوتيناميد أدينين دينوكليوتيد في نظامه لدرجة أن أوعيته الدموية كانت صحية وشابة، ومليئة بالأكسجين، ومن الواضح أنه شعر وكأنه مستعدا للركض إلى الأبد.
هناك طرق عديدة لإنتاج المزيد من النيكوتيناميد أدينين دينوكليوتيد في الجسم. الكثير من الأدوية والمكملات باهظة الثمن تدعي تحفيزه، لكنني فوجئت باكتشاف أن الجزيء الذي يفضله سنكلير الآن هو أحادي نيوكليوتيد النيكوتيناميد، المتوفر بكثرة بين آلاف المكملات التي يعتبرها الجميع غير مجدية. هذا الجزيء المشتق من فيتامين ب أو ما يسمى النياسين، ليس أرخص مكمل غذائي في العالم، لكنه يعتبر في المتناول تقريبا.
حصلت على إمدادات شهرية بأقل من 20 دولارا. بجرعة 250 ملغ في اليوم. يأخذ سنكلير نفسه غراما كاملا من أحادي نيوكليوتيد النيكوتيناميد كل يوم، ويخلطه مع الزبادي، سأضطر إلى إنفاق 20 دولارًا في الأسبوع إذا اتبعت طريقته. ومع ذلك، يعد هذا استثمارا مهما للحصول على جرعات هائلة من أدوية مكافحة الأمراض المرتبطة بالعمر في المستقبل. بالاضافة إلى ذلك، ما هو الثمن الذي يمكنك أن تدفعه مقابل التمديد في عمرك؟
لا يعتبر أحادي نيوكليوتيد النيكوتيناميد المكمل الوحيد الذي يتناوله أو يوصي به سنكلير
في السنوات القليلة الماضية، أجريت العديد من الأبحاث التي أظهرت أن أحادي نيوكليوتيد النيكوتيناميد قد يكون ينبوع الشباب. لكن ما علق في ذهني هو الحكايات الشخصية. بدأ سنكلير في إعطاء هذا المكمل لوالده عندما كان في السبعين من عمره، متأثرا بوفاة زوجته وكان من المتوقع أن تتدهور صحته. ها هو الآن يبلغ من العمر 80 سنة، ويسافر في مواعيد ورحلات دولية ويمشي لمسافات طويلة جدا. بدأ سنكلير أيضًا في إعطاء أحادي نيوكليوتيد النيكوتيناميد لكلب ينتمي لسلالة “بودل تشارلي” وعمره 10 سنوات، والذي عمل ككلب علاج في المستشفيات، وأصبح الجرو النشط يتمتع الآن بالكثير من الطاقة لخدمة المرضى.
لقد بدأت أشعر بتأثيرات التحصين بمجرد تناول أحادي نيوكليوتيد النيكوتيناميد لمدة أسبوع، وكأنني تناولت جرعة ثلاثية من الإسبريسو، ولكنها تدوم لفترة أطول وأقل سرعة. لطالما عانت زوجتي من التعب المزمن لسنوات، لكن بدأت تتحسن حالتها مع تناول لأحادي نيوكليوتيد النيكوتيناميد. (قد تكون هذه نقطة جيدة للإشارة إلى أن بعض الأشخاص يحصلون على رد فعل خفيف من الغثيان جراء أحادي نيوكليوتيد النيكوتيناميد، ولكن لم يسبب أحادي نيوكليوتيد النيكوتينامي ولا ريبوسيد النيكوتيناميد حالة التهاب الوجه الذي يسببه النياسين الخام).
لا يعتبر أحادي نيوكليوتيد النيكوتيناميد المكمل الوحيد الذي يتناوله أو يوصي به سنكلير، بل هناك أيضا ريسفيراترول، وهو مركب كيميائي يوجد في النبيذ الأحمر. لقد عرفنا منذ عدة سنوات أن الريسفيراترول يخفض ضغط الدم. وتبين أنه يعزز جزيء نيكوتيناميد أدينين دينوكليوتيد على حد سواء. (لوقت طويل كنا نظن أن الريسفيراترول مفيد لأنه مضاد للأكسدة، لكن علماء الأحياء مثل سنكلير بدأوا في استبعاد نظرية الأكسدة للشيخوخة). كما يوجد الميتفورمين أيضا، وهو من بين أكثر أدوية السكري استهلاكا، وثبت أنه يحتوي على خصائص مضادة للشيخوخة.
بيد أن ممارسي مهنة الطب العام في بلادنا لن يصفوه في الوقت الحالي لمقاومة الشيخوخة، وذلك لأنهم لا ينظرون إليها باعتبارها مرضا. كما يعتقد سينكلير أن المكمل سيكون متاحا للجميع في نهاية المطاف، بمجرد تصفية أحدث الدراسات العلمية.
فيروس بنجامين بوتون
هناك عقاقير جديدة قيد الإنجاز، ولا يستطيع سنكلير التحدث عن العديد منها، لكنه يتوقع أنه في غضون العقود القليلة القادمة، سيبدأ الأطباء بحقننا بفيروس حميد مصمم يمكنه حرفيا إعادة برمجة جينومنا لنعود إلى مرحلة الشباب مرة أخرى. ستخضع لمجموعة من الحقن في سن الثلاثين تقريبا، ثم عندما تبدأ في الشعور بآثار الشيخوخة في منتصف الأربعينيات من العمر، ستعمل مجموعة من المضادات الحيوية على إيقاظ الفيروس.
سيؤدي ذلك إلى تشغيل الجينات التي من شأنها أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء في جسمك – إزالة الشيب وإزالة التجاعيد وحتى تجديد الأعضاء. كتب سنكلير: “تماما مثل بنجامين بوتون، ستشعر مجددا وكأنك في سن الخامسة والثلاثين، ثم الثلاثين، ثم الخامسة والعشرين”. في هذه المرحلة، ستأخذ مضادا حيويا ثانيا لإيقاف ينبوع الشباب لكي لا تأخذ العملية منحى عكسيا.
تساءل سنكلير قائلًا: “هل يبدو هذا الأمر مثل الخيال العلمي؟” نعم يبدو كذلك بالنسبة لنا، لكن من المحتمل جدا ألا يكون كذلك بالنسبة لك.
إن محاربة الشيخوخة لا تعتمد على الأدوية والعلاجات المستقبلية فحسب، بل هناك طريقتان إضافيتان تساعدانك على محاربة الشيخوخة يجب على كل شخص في زمني اتباعهما، ألا وهما النظام الغذائي والتمارين الرياضية.
إن ممارسة التمارين الرياضية أسهل مما يعتقده معظم الناس. فمجرد ممارسة نصف ساعة فقط من النشاط الذي يرفع معدل ضربات القلب بشكل منتظم له آثار مفيدة للغاية (ربما أكثر من ممارسة التمارين لمدة ساعة، لأنك تترك طاقة أكبر لحرق المزيد من السعرات الحرارية على الأرجح). يمارس سنكلير نفسه التمارين الرياضية مرة أو مرتين في الأسبوع فقط، ويمارس رياضة الجري وتدريبات رفع الأثقال مع ابنه. كما أنه يمرن جسده من خلال تعريضه لدرجات حرارة شديدة مثل حمامات البخار، والغطس في الماء البارد، والجري بقمصان رياضية في طقس بوسطن المثلج – والتي ثبت أيضًا أنها تزيد من عمر الكائنات في المختبر. يبدو أن أغلب عمليات مكافحة الشيخوخة تتضمن وضع القدر المناسب من الضغط على الكائن الحي، وبالتالي فإن الكائن الحي يعود بقوة أكبر من أي وقت مضى.
أما الطريقة الثانية التي ستعود بالنفع على أغلب الناس في هذا العصر فهي النظام الغذائي. تُبين دراسة تلو دراسة تلو أخرى أن تقييد السعرات الحرارية لا يعزز جودة حياتك فحسب، بل يضمن لك عيش حياة أطول. لا يهم ما إذا كنت تصوم لعدة أيام في الأسبوع، أو لمدة أسبوع واحد في بضعة أشهر، أو تأكل فقط حتى تشعر”بالشبع بنسبة 80 بالمئة” مثل اليابانيين، أو تلتزم بعدم تجاوز 1200 سعرة حرارية في اليوم، أو ببساطة “تنسى” أن تتناول وجبة من وجباتك الثلاث كما يفعل سنكلير.
مهما فعلت، فإن تقييد السعرات الحرارية يقلب مفتاح التجويع الذي يحول خلاياك إلى حصون صغيرة، مما يحمي من جميع أنواع تلف الحمض النووي. لدرجة أنه يُنصح مرضى العلاج الكيميائي الآن بالصيام قدر المستطاع، وشرب الماء فقط إن أمكن. إذا توقفوا عن تناول الطعام، فإن خلاياهم العادية تكون قوية بما يكفي لمقاومة العلاج الكيميائي، الذي يمر بينها ويضرب الخلايا السرطانية.
بعض أشكال تحديد السعرات الحرارية عالية التغذية ستصبح مترسّخة في أعماق المجتمع
لست شجاعا بما فيه الكفاية لتجربة نظام “برولون”، وهو نظام غذائي دقيق للتجويع مدته خمسة أيام بقيمة 250 دولارا تم تطويره في الأصل لمرضى العلاج الكيماوي وهو أمر شائع في وادي السيليكون المهووس بمسألة إمداد العمر هذا العام. عندما تحدثت إلى سنكلير، أصرت زوجتي على كبح جماح عاداتنا الغذائية باتباع حمية “هول 30” كاملة (شهر تأكل فيه البروتين والخضروات والفواكه والمكسرات والبذور فقط، ولكن يمكنك تناول ما تريد). نظرًا لأن الأشياء التي كنت أتناولها كانت بالفعل ذات قيمة غذائية عالية – ولم تجعلني أشعر بالجوع مثل نظامي الغذائي المعتاد الغني بالكربوهيدرات – فقد كان من الأسهل تناول كميات أقل منها.
بعد أن قلبت نفس التحول العقلي الذي اعتمده سنكلير- الذي نصح بـ”علاج الجوع كجزء طبيعي من الحياة” – لم يكن الأمر بالسوء الذي كنت أتوقعه. ولاحظت أنني بدأت التخلص من الوزن الزائد حول خصري. لم أفرض أي قواعد أخرى لشهيتي. لقد اخترت فقط أن أستهلك كميات أصغر وفوجئت بالكميات القليلة التي يحتاجها جسمي ليكون بصحة جيدة.
ذكّرني هذا بأبسط نصائح النظام الغذائي التي سمعتها على الإطلاق، والتي قدّمها عازف البيانو الخاص بالسحرة، الذي فقد 90 رطلا مؤخرا، في إحدى حلقات برنامج “بان أند تالير بولشيت”، قائلا: “توقف عن تناول كميات كبيرة من الطعام”. (تمكّن رئيسه، بين جيليت، من فقدان وزن أكبر في وقت لاحق بطريقة مماثلة، لكنه أضاف خطوة لإعادة ضبط حاسة التذوّق من خلال اتباع نظام غذائي قصير يشمل البطاطس فقط. لم أتمكّن من فعل ذلك أبدا، ولكن قد تكون هذه الطريقة مناسبة بالنسبة للمحبي الأكل المزمنين).
بحلول عصر أكثر استنارة، أتوقع أن بعض أشكال تحديد السعرات الحرارية عالية التغذية ستصبح مترسّخة في أعماق المجتمع. ستصبح هناك طائرات دون طيار خاصة بالوجبات السريعة والتي ستقدّم السلطات في حصص قد تبدو لنا صغيرة الحجم، لكنّ مكوناتها مصممة لتناسب جينومك الفردي. سوف تنظر إلى الوراء، إلى زمن الشراهة واللهفة، وليس فقط لأننا تناولنا الكثير من لحوم الأبقار في عصر ما قبل المستحيل. ستظهر اللوحات الإعلانية والإعلانات التليفزيونية المليئة بصور البيتزا المحشوة والبرغر متعدد الطبقات والمشروبات الغازية العملاقة والحلويات على حقيقتها وهي أنها دعاية قريبة من التعذيب.
بمجرد أن نتغلب على نظامنا الغذائي، ونتبّع نظاما للتمارين الرياضية وحمامات البخار والماء البارد، ونزوّد أنفسنا بعقار نيكوتيناميد أحادي النوكليوتيد وريسفيراترول وميتفورمين والفيروسات الحميدة، ونقلع عن التدخين واستهلاك الكحول، لا يزال هناك عقبة رئيسية واحدة متبقية أمام عيشنا حياة طويلة وصحية وهي إحساسنا بالذنب.
سواء أكان الأمر صعبا أو نتيجة لتوقعات المجتمع، فإننا نميل إلى الشعور بأن الأجيال المتقدمة في السنّ ينبغي ألا تعمّر في الأرض أكثر مما يجب وأن تترك مجالا للأجيال القادمة، وهو ما نتذمر بشأنه سرا، بعيدا عن أعين الأقارب المسنين. أنتم تستهلكون بالفعل الكثير من مخزون الإسكان، مما يصعّب على جيل الألفية شراء المنازل. فهل تريدون التسبب في إفلاس الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية أيضًا؟
خلال الشهر الماضي، أكد ايزكيل إيمانويل، رئيس قسم أخلاقيات الطب بجامعة بنسلفانيا (وكبير المهندسين المعماريين في قانون أوباما كير) أنه متمسك بمقاله المثير للجدل الذي قدّمه سنة 2014: “لماذا أتمنى أن أموت في عمر 75 سنة”. وعلى الرغم من حملة أبحاث مكافحة الشيخوخة، يقول إيمانويل (البالغ اليوم 62 سنة) إن حججه الرئيسية لا تزال صامدة: وهي أن الأشخاص في الثمانينات من عمرهم الذين لا يزالون نشيطين لا يقومون “بأي عمل هادف” وأن المؤلفين الذين تزيد أعمارهم عن 75 سنة لا ينتجون “كتبا جديدة” بل يعيدون ببساطة كتابة الأفكار القديمة.
بغضّ النظر عن حقيقة أن هذا مقياس غريب جدا لتحديد قيمة الحياة، فأنا آسف يا جدتي، أنت لا تقومين بأي عمل هادف و لا تؤلفين أي كتب جديدة! إذ تتجاهل حجة إيمانويل ما يقوله لنا علماء الأحياء على غرار سنكلير. فكلما تقدمنا في السن وحافظنا على صحة جيدة، أصبحنا أكثر فائدة.
كما قد تتوقّع، لم يكن سينكلير ليخالف إيمانويل الرأي أكثر من ذلك. أولا، يقول سينكلير: “لنفترض أنه بدءا من الغد، توقّف الجميع عن الموت لأسباب تتعلق بالعمر. لن يحصل ذلك، حتى في ظل اتباع النظام الأكثر تطرّفا في مكافحة الشيخوخة. ولكن في حال تحقّق ذلك، فهذا يعني بقاء 100 ألف شخص إضافي كلّ يوم. (يموت حوالي 150 ألف شخص كل يوم، حيث ترتبط حالة وفاة ثلثيهم بالعمر).
تعد الشيخوخة أكبر عامل خطر في أي مرض
قارن ذلك بمعدل النمو العالمي الحالي، إذ يولد أكثر من 350 ألف طفل كل 24 ساعة. يتزايد عدد سكان الأرض بسبب حجم الأسرة المتوسطة في العالم النامي، وليس بسبب زيادة عدد الأشخاص الذين يعيشون لفترة أطول. ولتقليص وتيرة هذا النمو تتمثّل الطريقة الرئيسية في تثقيف المزيد من النساء ونقل المزيد من العائلات إلى المدن، حيث ينبغي ألا نلوم الأشخاص المولودين في فترة طفرة المواليد على نقص السكن، بل نحتاج ببساطة إلى بناء مزيد المساكن.
يجب أن يستقر إجمالي عدد السكان في حدود 11 مليارًا تقريبًا مع بداية قرنك، سواء استمر المسنون في الموت أم لا. وفيما يتعلق بتهديد تغير المناخ، ربما سيبدأ الجيل الأكبر سنا في إيلاء المزيد من الاهتمام به، عندما يختبرون تأثيراته بأنفسهم أو عندما يتعين عليهم النظر في أعين أحفاد أحفادهم وشرح سبب تقاعسهم عن اتخاذ بعض الإجراءات.
ثانيًا، من شأن الطفرة الصحية في متوسّط العمر أن تزيل بالفعل عبئا هائلا عن نظام الرعاية الصحية. يمكن أن يساعد تقليل أحد الأسباب القاتلة الرئيسية مثل أمراض القلب، حتى بنسبة 10 بالمئة، على توفير تريليونات الدولارات، التي يمكن إعادة استثمارها بعد ذلك في الأبحاث الطبية أو إعادتها إلى المرضى من خلال تقليل التكاليف. (على سبيل المثال، كتب سنكلير، أن التدخين يزيد خمس مرات من إحتمال الإصابة بسرطان الرئة، لكن مجرد العيش من 20 إلى 70 سنة يزيد من فرص إصابتك بالمرض بآلاف الأضعاف).
يقول سنكلير: “تعد الشيخوخة أكبر عامل خطر في أي مرض”، ولأنه تطوع في دور رعاية المسنين رفقة زوجته، فهو يعي ما يقوله. وأضاف أيضا: “لا تخدع نفسك، فالتقدم في السن والإصابة بالمرض ليسا بالأمر الممتع، سواء لك أو لعائلتك. لذلك علينا الحفاظ على صحتنا لأطول فترة ممكنة”.
في المقابل، ما الذي سيفعله كل هؤلاء المسنّين الأصحاء طوال اليوم، هل سيواصلون العيش طوال فترة تقاعدهم طويلة الأمد بينما تعمل الأجيال الشابة في عديد الوظائف فقط لتوفير أموال شيكات الضمان الاجتماعي الخاصة بهم؟
ستؤدي عمليّة التعلّم هذه إلى إغراق الطلاب في ديون كبيرة بسبب القروض
بدلاً من الشيكات المصرفية، يعتقد سينكلير أنه يجدر بنا إعادة كل تلك الحكمة القديمة، كل تلك الذاكرة المؤسسية في تلك العقول السليمة، إلى العمل، إذ يقترح سلسلة من “المهارات” بدلا من التقاعد. وعلى سبيل المثال، تستطيع أخذ إجازة لبضع سنوات مرة كل عقد، ثمّ تعود إلى القوى العاملة نشطا ومستعدا. وإن لم يكن هناك وظائف كافية، فهناك دائما مجال لمزيد العلماء والباحثين. قد يستغرق الأمر عقدا من الزمن لتعلّم نفسك كيف تكون مفيدا في مجال العلوم، لكنك تملك الوقت الكافي.
في سنة 2019، ستؤدي عمليّة التعلّم هذه إلى إغراق الطلاب في ديون كبيرة بسبب القروض (على الأقل في الولايات المتحدة، بينما نجد أن البلدان الأخرى أكثر استنارة بشأن أهمية الاستثمار في التعليم الجامعي منخفض التكلفة). ولكن مع توفير كل شخص يعيش بصحة أفضل ولفترة أطول تريليونات الدولارات في مجال الرعاية الصحية من قبل كل. نأمل أن تحاول مزيد الولايات اتخاذ القرار الصائب، واتباع مثال نيو مكسيكو، من خلال جعل الكلية مجانية للجميع. يجب أن تسير الحياة الأطول والتعليم مدى الحياة جنبا إلى جنب.
بغضّ النظر عما قد أفعله في العقود الإضافية التي سأعيشها، آمل أن أكون عضوا منتجا في عالم متنام ومتماسك. وأتمنى أن تكون قد تدربت على ثلاث أو أربع وظائف مختلفة، وكتبت عشرات الكتب المعاصرة في الثمانينيات من العمر وما بعده، فقط لإغاظة ايزيكيل إيمانويل. وآمل أن يكون حفل عيد ميلادي السابع والعشرون بعد المئة في تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2100 بمثابة انفجار ليس له مثيل، مع حضور أكبر عدد ممكن من أصدقائنا القدامى وعائلتنا. ربما قد أسمح لنفسي بتناول قطعة صغيرة من الكعكة منخفضة السعرات الحرارية.
مع تمنياتي لكم بصحة جيدة.
2019
المصدر: ماشابل