تتجه الأوضاع في لبنان إلى مزيد التأزم، خاصة مع توجّه السلطات هناك إلى مراجعة سياسة الدعم المخصّصة للمواد الاستهلاكية والمحروقات والدواء، في بلد يعيش على وقع أزمة اقتصادية خانقة، وانهيار مالي واجتماعي.
رفع منتظر للدعم
تستعدّ السلطات اللبنانية لرفع الدعم عن المواد الاستهلاكية والمحروقات والدواء، حيث أكّد حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، في أكثر من مناسبة أنه لا يمكنه استخدام الاحتياطي من النقد الأجنبي لتمويل التجارة، بمجرد بلوغ هذا الاحتياطي الحد الأدنى، وهو ما معناه ألا دعم للمواد الأساسية بعد الآن.
وجاء في تصريح لرياض سلامة الأسبوع الماضي أن “دعم بعض المواد الأساسية لا يمكن أن يستمر بعد الشهرين المقبلين”. ودأب البنك المركزي على توفير العملة الصعبة بأسعار تفضيلية لمستوردي السلع الأساسية، مثل الدقيق والوقود، مع استمرار تدهور قيمة العملة اللبنانية.
في هذا السياق، عقد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني حسان دياب، أمس الإثنين، اجتماعا ضم وزراء وحاكم مصرف (البنك المركزي) لبنان رياض سلامة، بحث خطط الوزارات لتنظيم كلفة الاستيراد والدعم”، وعرض سلامة خلاله كلفة استيراد السلع للعامين 2019 و2020.
وسبق أن ترأس الرئيس ميشال عون، في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، اجتماعا بمشاركة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، وحاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، خصص لبحث الرصيد الاحتياطي لدى المركزي، لتحديد فترة الدعم المتبقية.
نتيجة ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء بات من الصعب على المصرف المركزي تأمين الدولار بالسعر الرسمي
ويرجع، توجّه السلطات اللبنانية إلى رفع الدعم على بعض المواد والسلع الغذائية الأساسية إلى عدم قدرة مصرف لبنان على الاستمرار في هذا الدعم بسبب وصول الاحتياطي الإلزامي إلى الخط الأحمر، وفق ما تؤكّده عديد الجهات الرسمية.
ونعني بالاحتياطي الإلزامي، تلك المبالغ التي تمثل نسبة معينة من ودائع العملاء لدى البنوك، وتكون عادة مخصصة لدى المصرف المركزي، ولا يتم استخدامها إلا في الحالات الطارئة، وبعد استنفاد رزمة من الخيارات الأخرى لتوفير السيولة، وتبلغ نسبة الاحتياطي الإلزامي في لبنان، 15 بالمئة من إجمالي الودائع.
نتيجة ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء (حالياً في حدود 8 آلاف ليرة) بات من الصعب على المصرف المركزي تأمين الدولار بالسعر الرسمي أي 1515 ليرة لبنانية، ما اضطرّه إلى القيام بتأمين فاتورة استيراد الدواء والمحروقات والقمح على أساس السعر الرسمي من احتياطاته بالعملة الأجنبية، الأمر الذي أدّى إلى تآكل احتياط العملة الأجنبية.
يذكر أن لائحة المواد الغذائية التي تدعمها السلطات اللبنانية تتضمّن أساسا الطحين، القمح، السكر، الرز، الحليب البودرة، العلف، الأسمدة، زيت خام، فول، حمص، فاصولياء، عدس وبرغل، وأنواعاً أخرى من الحبوب وغيرها، إلى جانب البنزين وبعض الأدوية.
ارتفاع جنوني في الأسعار
ينتظر اللبنانيون بفارغ الصبر نتائج الاجتماع الوزاري الذي يرأسه رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، لمعرفة قرار الحكومة الأخير في مسألة وقف دعم المواد الأساسية أو مواصلة العمل به إلى وقت قادم.
في حال قرّرت الحكومة رفع الدعم، ستشهد العديد من الأسعار ارتفاعا كبيرا، في هذا البلد الذي يعاني أصلا من تداعيات تفشي جائحة “كوفيد-19” والانفجار المدمر الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب الماضي.
أبرز السلع التي ستشهد ارتفاع، هو الطحين الذي يعتمد عليه اللبنانيون يوميا ولا سبيل للتخلي عنه، ويبلغ سعر رغيف بحجم كبير 2000 ليرة لبنانية، وتوقّفت المطاحن منذ يوم الجمعة الماضي عن تسليم أصحاب الأفران الطحين غير المخصص للخبز العربي، مشترطة الدفع بالدولار، بعد قرار وزارة الاقتصاد دعم طحين الخبز اللبناني فقط.
كما سيرتفع سعر المحروقات في حال رُفع الدعم عنها، ويتوقّع أن يصل سعر صفيحة البنزين إلى حوالي 70 ألف ليرة لبنانية بعد أن كانت 24600 ليرة، الأمر الذي سيؤدّي إلى ارتفاع العديد من الأسعار الأخرى كونها مرتبطة بسعر المحروقات.
تنفق الحكومة اللبنانية بين 1.5 و2 مليار دولار سنويا على دعم قطاع الكهرباء في لبنان
وتعرف أسعار العديد من البضائع في لبنان في الفترة الأخيرة قفزات متسارعة، حتى قبل رفع الدعم عنها، حيث قفز تضخم أسعار المستهلك في لبنان بنسبة 136.8 بالمئة على أساس سنوي، خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تحت ضغوط ضعف سعر الليرة أمام الدولار في السوق المحلية.
وذكرت إدارة الإحصاء المركزي في رئاسة مجلس الوزراء، الأربعاء الماضي، أن مؤشر أسعار المستهلك صعد بنسبة 3.89 بالمئة على أساس شهري، مقارنة مع سبتمبر/ أيلول الماضي، ويقيس مؤشر أسعار المستهلك في البلاد، التغيرات في أسعار مجموعة من السلع والخدمات التي تستهلكها الأسر المحلية، والتي تؤثر على القدرة الشرائية.
وتنفق الحكومة اللبنانية بين 1.5 و2 مليار دولار سنويا على دعم قطاع الكهرباء في لبنان، فيما يصل دعم القمح والقطاعات الإنتاجية الأخرى إلى 30 مليار دولار سنويا، فيما قُدرت كلفة الدعم الإجمالية هذه بنحو 4 مليارات دولار أميركي، في سنة 2020.
أزمة اجتماعية مرتقبة
في حال رفعت الحكومة الدعم، سيشهد لبنان أزمة اجتماعية خانقة وفق ما أكّده عديد اللبنانيين وأيضا منظمات محلية ودولية، حيث قال ممثل اليونيسيف في لبنان والمديرة الإقليمية لمنظمة العمل الدولية في مقال صحفي إن “أثر إلغاء دعم الأسعار على العائلات الأضعف حالا سيكون هائلا، وعلى الرغم من هذا لا توجد إجراءات معمول بها تقريبا لتخفيف وطأة الأمر”.
أضاف البيان، “من الضروري إدراك أن قفز لبنان من على جرف آخر الآن، دون إرساء نظام شامل من الضمانات الاجتماعية أولا، سيؤدي إلى كارثة اجتماعية على الأشخاص الأضعف حالا في البلد، بما يُضحي بمستقبلهم ومستقبل البلد ككل، لعدة أعوام مقبلة”.
بالتزامن مع تواصل اجتماع الحكومة المخصص للنظر في مسألة الدعم، بدأت التحركات الاحتجاجية في شوارع لبنان، حيث نفذ معتصمون اعتصاما في ساحة رياض الصلح تنديدا بخطوة رفع الدعم عن مواد غذائية وسلع أساسية تعدّ من حاجات المواطن اليومية.
ويتوقّع أن تشهد البلاد أزمة اجتماعية كبيرة، في ظلّ عدم وجود حلول للخروج من الواقع الاقتصادي المرير الذي تعاني منه البلاد، نتيجة تدهور سعر صرف العملة مقابل الدولار الأميركي، وتفشّي الفساد في مؤسسات الدولة، إلى جانب تداعيات كورونا وانفجار مرفأ بيروت.
كلّ هذه المؤشرات، تؤكّد أن الشعب اللبناني سيكون قريبا أمام أبواب مجاعة حقيقية –هي الأسوأ منذ الحرب الأهلية- قد تهدد طبقة كاملة من المجتمع، في حال لم يتم السيطرة على الوضع ووضع حلول عاجلة لتفادي الكارثة المنتظرة.