على مدار السنوات الماضية، اتسمت العلاقات السعودية الإماراتية بتوتر في أوقات كثيرة، وبتعاون تكتيكي في بعض الأوقات، لكن الفتور كان السمة الأساسية للعلاقات بين الرياض وأبوظبي.
بدأ الخلاف مع محاولة الشيخ زايد آل نهيان إبان تأسيس دولة الإمارات ضمّ إمارتي قطر والبحرين للاتحاد الإماراتي (لتكون تسع إمارات وليست سبعًا كما هو الحال الآن).
بعد العديد من المناورات بين البلدين وقعت السعودية والإمارات اتفاقية حدودية عام 1974، عُرفت باتفاقية جدة، والتي نصت على امتلاك السعودية الساحل الذي يفصل بين قطر والإمارات، وضمنت عدم قيام تحالف بين البلدين قد يعتبر تحالفًا قويًّا يبسط سيطرته معها على منطقة الخليج.
ظلت الأمور محايدة حتى وفاة الشيخ زايد، ومع تولي ولي العهد خليفة بن زايد بعد وفاة أبيه أثار هذه الاتفاقية بين البلدين خلال أول زيارة للرياض في ديسمبر2004؛ حيث تعتبر الإمارات هذه الاتفاقية ظالمة لها؛ حيث تقول إنها وقعتها في ظروف استثنائية، بينما تعتبر السعودية أن الاتفاقية جارية وأن من حقها منطقة العيديد.
لاحقا، وبعد الربيع العربي، اتفق الإماراتيون والسعوديون على أهمية إجهاض الثورات العربية. لكن السعودية التي ساهم موقفها في تعقيد الأزمة في عدد من الدول بينها مصر وسوريا، لم تستطع الحفاظ على الدعم الإماراتي لسياساتها طويلا، وهو ما أوصل الإمارات إلى التقارب مع إيران في مشهد أقلق الرياض.
ففي ديسمبر من العام الماضي سربت مصادر لبنانية أن مسؤولين إماراتيين أجروا اتصالات مع النظام السوري، حيث أكدوا أن بلادهم غير مسؤولة عما تفعله السعودية في سوريا، وأنها تختلف معها جذريا في حل الأزمة.
التقارب الإيراني الإماراتي لم يكن العلامة الوحيدة على نهح الإمارات في تبني سياسة مضادة للسعودية، بل إنها في بعض الأحيان أبرزت بدائل واضحة للشرعية التي يعتمد عليها النظام السعودي.
ففي يوليو الماضي أعلنت الإمارات عن إنشاء “مجلس حكماء المسلمين” الذي يناهض الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. الخطوة الإماراتية كانت شديدة الاستفزاز بالنسبة للسعودية، فقد جمعت أبوظبي ثلة من رجال الدين الأزهريين والصوفيين الموالين لها وأعلنت بأن المرجعية الدينية للامة هي الازهر، وليست هيئة كبار العلماء الموجودة في السعودية، والتي تحاول الرياض تكريسها كمرجعية عليا لأهل السنة في العالم.
ظهرت العديد من الاشارات التي تدل على الغضب الإماراتي من السعودية والخلافات التي تتصاعد وتيرتها، حيث هاجم الشيخ أحمد الكبيسي المقرب من أبوظبي دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقال “إنها صنيعة يهودية”.
لكن آخر الخطوات التي قد تشير إلى استهداف السعودية من قبل الإمارات، هو الموقف الإماراتي من تعيين طيارة مقاتلة “مريم المنصوري” على رأس القوة الجوية التي استهدفت مقرات الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ومجموعات مسلحة أخرى من بينها جبهة النصرة وكتائب خراسان ومدنيين.
فعلى الرغم من أن النساء في الإمارات يعانين من أوضاع سيئة في المجمل، إلا أن الرسالة التي يمكن للإمارات أن توصلها لحلفائها الغربيين هي أنها قوة معتدلة، في مقابل القوى الرجعية التي تحكم المملكة العربية السعودية.
الإمارات تضطهد المرأة، والقوانين الإماراتية تسمح بضرب الزوجة، كما أن أكثر من نصف الإماراتيات لن يبلغن في حالة تعرضهن للاغتصاب لاعتقادهن أن الشرطة ستجعل منهن ملومات، لكن على الرغم من ذلك، تظل الإمارات متقدمة في هذا المجال عن جارتها السعودية، التي لا تستطيع النساء فيها قيادة السيارات أو السفر أو حتى الزواج من غير سعوديين بدون موافقات رسمية.
الصحافة الغربية احتفت بشدة بالطيارة المقاتلة مريم المنصوري، وكانت المقارنة الأشهر في العديد من وسائل الإعلام الأمريكية بين المزايا التي تتمتع بها المرأة الإماراتية مقابل القمع الذي تعانيه السعوديات.
ففي فيديو انتشر بشكل واسع من قناة فوكس نيوز، قالت المذيعة كيمبرلي غيلفويل إنها “متحمسة جدا” بخصوص إنجازات المنصوري، لتضيف “كنت أتمنى لو كانت مريم طيارة أمريكية، ربما كان ذلك ليكون أقسى وقعا على داعش، ففي بعض الدول العربية لا تستطيع النساء أن تقود السيارة حتى!”
قضية منع السعودية قيادة المرأة للسيارة استخدمها الإماراتيون سابقا لإقناع الغرب، لا سيما الأمريكيون، بأن أبوظبي هي الحليف الأكثر أهمية في المنطقة.
ففي وثيقة نشرها موقع ويكيليكس وحصلت عليها عدة مصادر عربية وتم نشرها في أبريل الماضي، عقد ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان اجتماعاً يوم 16 أبريل 2008 مع قائد العمليات البحرية الأمريكية، ودار بين الرجلين مباحثات في قضايا مختلفة، وقال بن زايد للمسؤول الأمريكي: “العالم تغير، والامارات ستظل متفائلة على الرغم من وجودها في منطقة يغلب عليها التخلف، وضرب مثلاً على التخلف بجارته السعودية التي لا يستطيع 52% من سكانها قيادة السيارة”.
وتكشف وثيقة أخرى يعود تاريخها الى 25 يونيو 2008 أن وزير الخارجية عبد الله بن زايد كان يحاول تحريض الأمريكيين أيضاً ضد نظام الحكم في السعودية، وأن موقفه من الملك عبد الله بن عبد العزيز بالغ السلبية، حيث قال لمسؤول أمريكي في أبوظبي: “على الرغم من نوايا الملك عبد الله الصادقة في محاربة الاسلام الراديكالي، الا أن رجلاً في السادسة والثمانين لا يمكن أن يكون راعياً للتغيير”.
وفي وثيقة أخرى، يعود تاريخها الى 21 يوليو 2006 تنقل السفارة الأمريكية في أبوظبي الى واشنطن وجهة نظر ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد بشأن السعودية، حيث قال إن “الامارات وقطر خاضتا حروباً ضد السعوديين، وإن الامارات خاضت 57 معركة ضد السعودية خلال الـ250 سنة الماضية”، وتابع بن زايد: “السعوديون ليسوا أصدقائي الأعزاء وانما نحتاج لأن نتفاهم معهم فقط”.