تتجه اليوم أنظار العالم نحو العاصمة البلجيكية بروكسل، لمعرفة نتيجة عشاء العمل الذي يجمع الليلة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في محاولة أخيرة لتجنب صفقة صاخبة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في غضون ثلاثة أسابيع من تاريخ اليوم.
تفاؤل جونسون
يبدو أن رئيس الوزراء البريطاني الذي توجه إلى بروكسل، في محاولة أخيرة لكسر الجمود في المفاوضات الخاصة بمرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، متفائلا هذه المرة، لكن تفاؤل جونسون، لا يعني بالضرورة التوصل إلى اتفاق بين بلاده والاتحاد الأوروبي لتنظيم إجراءات التجارة بينهما ما بعد خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي “بريكست”، حيث أكد أمس أن التوصل إلى اتفاق “يبدو صعباً جداً في الوقت الحالي”.
وقبل ذلك، قال جونسون: “سنبذل قصارى جهدنا، ولكنني أود أن أقول للجميع، ابتهجوا، فهناك خيارات رائعة في انتظار بلادنا… ولكن الشيء الأساسي، هو أنه سيكون هناك تغيير في الأول من كانون الثاني/يناير، مهما حدث”. وأضاف: “سنرى إلى أين سنصل خلال اليومين المقبلين، ولكنني أعتقد أن موقف حكومة المملكة المتحدة هو أننا مستعدون للمشاركة على كافة المستويات، سواء كانت سياسية أو غير ذلك، فنحن مستعدون لتجربة أي شيء”.
من المنتظر أن يواجه الاقتصاد الأوروبي تكلفة اقتصادية باهظة في حال خرجت بريطانيا دون اتفاق
يأتي هذا الاجتماع المرتقب الليلة، كمحاولة لحل خلافات كبيرة في محادثات بريكست بشأن المنافسة المتكافئة والحوكمة والصيد البحري بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، بعدما انتهت الجولة الأخيرة من المفاوضات الإثنين بدون التوصل لاتفاق. جدير بالذكر أن هذا الاجتماع، يعتبر بادرة حسن نية بين الطرفين، خاصة في ظل تراجع جونسون عن تشدده ومحاولته التقرب من بروكسل بعد أن تم الإعلان عن اتفاق مع الاتحاد الأوروبي بشأن التجارة مع أيرلندا الشمالية بعد بريكست.
وبعد أن بدأ الضوء خافت بنهاية نفق بريكست نتيجة عدم تحقيق أي تقدم فعلي في محادثات التجارة، يبدو أن جونسون ونظرائه الأوروبيين يسعون لتقريب وجهات النظر لتجنب أي أزمة قادمة بينهما بعد البريكست.
في هذا السياق قال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، إن بلاده ستواصل التفاوض مع الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاق للتجارة بعد الانفصال ما دام الجانبان لديهما وقت متاح. ولفت المتحدث للصحفيين، إلى أن “الوقت قصير جدا، لكننا مستعدون لمواصلة التفاوض.”
صعوبة التوصل لحل
من المتوقع ألا يصل الطرفان لحل بينهما، إذ تبدو الأمور صعبة للغاية، ما يجعل المفاوضات القادمة في عداد المفاوضات المقبورة مع بقاء ثلاثة أسابيع فقط على مغادرة بريطانيا للسوق الأوروبية المشتركة.
في هذا السياق أبلغ المفاوض الأوروبي ميشال بارنييه أعضاء البرلمان الأوروبي أن الأربعاء هو المهلة النهائية للتوصل لحل، وذلك بعد تعثر المفاوضات أول أمس الاثنين. وسبق أن طالب الاتحاد الأوروبي لندن بتقديم تنازلات بشأن المفاوضات التجارية بشأن مرحلة ما بعد “بريكست” وهو ما رفضه رئيس الوزراء البريطاني مطالبا الأوروبيين بإحداث تغيير جوهري في النهج المتبع في المفاوضات.
ترى بروكسل أنه ينبغي التوصل إلى تسوية حول اتفاق تبادل حرّ محتمل، للتمكن من تنفيذها في كانون الثاني/يناير المقبل لكن يبدو ذلك صعب المنال. وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، فسيتم البدأ بتطبيق مفاجئ لنظام الحصص والرسوم الجمركية بين التكتل والمملكة المتحدة، ومنع وصول الصيادين الأوروبيين إلى المياه البريطانية.
وكان المفاوض الأوروبي ميشال بارنييه قد عقد مع نظيره البريطاني ديفيد فروست مباحثات استمرت ثمانية أشهر لكن دون التوصل لاتفاق، إذ لا تزال النقاط العالقة نفسها: حق وصول الأوروبيين إلى المياه البريطانية الغنية بالأسماك والضمانات المطلوبة من لندن بشأن المنافسة وطريقة حلّ الخلافات في مرحلة ما بعد خروج بريطانيا من السوق الأوروبية الموحدة في 31 ديسمبر/ كانون الأول الحالي.
زيادة الضغط على الاقتصاد الأوروبي
من شأن عدم التوصل لاتفاق بين بروكسل ولندن زيادة الضغط على الاقتصاد الأوروبي المتضرر أصلاً نتيجة لتواصل تفشي وباء كورونا في العالم، فهذا الفشل سيصدم الأسواق المالية ويزرع الفوضى فيها. ومن المنتظر أن يواجه الاقتصاد الأوروبي تكلفة اقتصادية باهظة في حال خرجت بريطانيا دون اتفاق، خاصة وأن هذه الأخيرة تعتبر ثاني قوة اقتصادية في القارة العجوز بعد ألمانيا، وإحدى القوى العسكرية العظمى التي تملك السلاح النووي، إلى جانب فرنسا.
يخشى العديد من البريطانيين خاصة أرباب العمل والنقابات، عدم التوصل إلى اتفاق مع الأوروبيين
منذ خروجها الرسمي من الاتحاد الأوروبي في 31 كانون الثاني/يناير الماضي، لا تزال بريطانيا تطبق القواعد الأوروبية. إلا أن خروجها من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي سيُصبح فعلياً في نهاية الفترة الانتقالية في 31 كانون الأول/ديسمبر الحالي.
وشهد الاقتصاد الأوروبي في الربع الثاني من العام الحالي هبوطًا قويًا، ومن المتوقع أن يتواصل الانكماش الحاصل في ظلّ تواصل اجراءات الوقاية من فيروس كورونا، إذ أجبرت كورونا كثيراً من الشركات العاملة بقطاع الخدمات المهيمن على التكتل على إغلاق أبوابها مؤقتا.
بريطانيا تحت الصدمة
أثر البريكست لن يكون على الأوروبيين فقط، بل على البريطانيين أيضا، فإن توصلوا إلى اتفاق أم لا، سيتأثر الاقتصاد البريطاني بشدّة، خاصة وهو يعاني أصلا من أزمات كبيرة نتيجة تواصل إجراءات العزل الناجمة عن فيروس كورونا.
ستغادر بريطانيا بعد أيام قليلة السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي اللذين استفادت منهما شركات بريطانية كثيرة على مدى عقود، ما يعني أنها ستتوجه لفرض رسوم جمركية وتدابير رقابية على الحدود، ما سيؤثر على تدفق السلع إليها وعلى خروجها من بريطانيا أيضا.
بحسب التقديرات حكومية سابقة، سيتسبب الانفصال “دون اتفاق” بتراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7,6% على مدى 15 عاما، أما في حال تم التوصل إلى اتفاق، فسينخفض بنسبة 4,9%، وهو تأثير كبير إلى حد ما.
ويخشى العديد من البريطانيين خاصة أرباب العمل والنقابات، عدم التوصل إلى اتفاق مع الأوروبيين، ذلك يعني إعادة فرض قواعد منظمة التجارة العالمية مع رسوم جمركية تكون أحياناً باهظة على مجموعة كبير من المنتجات، بدءاً بقطع السيارات وصولاً إلى اللحوم.
هذا الأمر سيؤدّي إلى تضرر عديد الشركات، وأيضا المواطنين فمعدّل الأسعار سيتضاعف خصوصاً في مجال الأغذية والمنتجات الطازجة، التي يتمّ استيراد قسم كبير منها من الاتحاد الأوروبي. وقد يفاقم هذا الواقع انهيار الجنيه الاسترليني، ما سيزيد أسعار السلع المستوردة.