على مدى الأشهر التسعة الماضية، تكرر استخدام مصطلح “عدم اليقين” في الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم. فقد ولّدت جائحة فيروس كورونا المستجد حالة من عدم اليقين في جميع نواحي الحياة اليومية تقريبًا.
لا يعزى ذلك إلى المخاوف المتعلقة بالتعرض لكوفيد-19 والحصول على الرعاية الطبية الضرورية فحسب، بل القلق أيضًا بشأن استقرار الاقتصاد والأمن الوظيفي وتوافر المواد الغذائية واللوازم المنزلية، وحتى متى ينبغي التمتع بعطلة. لقد احتجنا إلى تعديل سلوكياتنا وإعادة النظر فيها باستمرار استجابةً للمخاطر المتغيرة والمبادئ التوجيهية الحكومية.
يركز بحثي على “انعدام القدرة على تحمّل عدم اليقين“، أي عندما يؤدي عدم اليقين إلى معاناتك من مستويات عالية من القلق والاضطراب. أبرزت الأبحاث الحديثة أن انعدام القدرة على تحمل حالة عدم اليقين يؤثر بشكل كبير في صحتنا النفسية أثناء تعاملنا مع الجائحة. وإدراك كيفية استجابتنا لعدم اليقين سيساعدنا على التخفيف من الضغط النفسي الذي تشكله الجائحة.
إن عدم اليقين يُصعّب علينا التنبؤ بالقرارات التي ينبغي اتخاذها وكيف علينا التصرف في بعض الوضعيات. لهذا السبب، من الشائع أن تكون حالة عدم اليقين مثيرة للإحباط والإرباك.
في بعض الأحيان، يجد بعض الناس صعوبة في التعامل مع حالة عدم اليقين، حيث يشعرون بقلق مفرط بشأن ما سيحدث، لذلك يتجنبون المواقف المشكوك فيها. في النهاية، يجعل هذا القلق بعض النتائج الإيجابية غير ممتعة والنتائج السيئة مرهقة أكثر. كما أن انعدام القدرة على تحمل عدم اليقين يؤثر على الكثير من الأشخاص ويخلق لديهم العديد من المشاكل الصحية النفسية المختلفة، مثل الإصابة بالقلق وتقلب المزاج واضطراب ما بعد الصدمة، واضطرابات الأكل والوسواس القهري.
خلق فيروس كوفيد-19 مستويات جديدة من عدم اليقين.
تسببت الجائحة في الوصول إلى مستوى جديد غير متوقع من عدم اليقين في حياتنا كلها. ولعل الجانب السلبي الواضح للجائحة هو أن تفشي حالة عدم اليقين على نطاق واسع من المرجح أن يزيد من حجم معاناة الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية نفسية سابقة. قد يؤدي ذلك أيضًا إلى ظهور حالات جديدة أخرى لدى الأشخاص الضعفاء أو المعرضين لخطر الإصابة بمشاكل نفسية بسبب ظروفهم. وفي الوقت الحالي، يعتمد الناس على خدمات الصحة العقلية أكثر من أي وقت مضى. ومن المحتمل أن يستمر هذا الطلب المتزايد على خدمات الصحة النفسية خلال السنتين المقبلتين على أقل تقدير.
تعلم التأقلم
أتاحت الجائحة فرصة رفع مستوى الوعي بمحنة عدم اليقين وكيفية تعامل عامة الناس معها بشكل مناسب. تشير الأبحاث التجريبية إلى أن الأفراد الذين يعانون من انعدام القدرة على تحمل عدم اليقين المبلغ عنه ذاتيًا قد يستفيدون أكثر من المعلومات المتعلقة بالسلامة، ناهيك عن أنه قد يكون لديهم تجربة أكبر مع حالة عدم اليقين.
من المهم إدراك حقيقة أن عدم اليقين لا يعني دائمًا أن شيئًا سيئًا سيحدث. لذلك، من الممكن تعديل العلاجات النفسية الحالية التي تهدف إلى التخلي عن بعض المعتقدات الأساسية استهداف محنة عدم اليقين.
من هذا المنطلق، لسائل أن يسأل: كيف نطبق هذا البحث على تجاربنا المتعلقة بعدم اليقين أثناء جائحة كوفيد-19 وبعدها؟ على الرغم من أن عدم اليقين مشكلة معقدة قد تنعكس عليك بعدة طرق مختلفة، إلا أن هناك بعض الأمور التي يمكننا القيام بها لإدارتها. في هذا الإطار، اقترح أخصائيو الصحة النفسية عددًا من الخطوات المختلفة التي يمكن أن تساعد على تجاوز هذه المحنة. بادئ ذي بدء، علينا أن ندرك أن عدم اليقين جزء لايتجزأ من الحياة، لذلك علينا أن نأخذ الوقت الكافي لنقر بتأثيره على مشاعرنا.
ثانيًا، يمكننا التفكير فيما إذا كان تخفيف عدم اليقين هدفًا واقعيًا أم مفيدًا. فعلى سبيل المثال، يمكننا تقليل البعض من عدم اليقين المتعلق بالخوف من الإصابة بعدوى كوفيد-19 من خلال اتباع الإرشادات الحكومية والالتزام بها، بيد أنه علينا أن نكون مدركين في الوقت ذاته أن هناك جوانب أخرى خارجة عن نطاق سيطرتنا.
جرب طلب الطعام من مطعم جديد
يمكننا مواجهة مشكلة انعدام القدرة على تحمّل عدم اليقين من خلال توسيع منطقة الراحة الخاصة بنا وفقًا لوتيرتنا الخاصة. فعلى سبيل المثال، يمكنك محاولة طلب الطعام من مطعم جديد أو مشاهدة فيلم جديد. ومن البوادر المشجعة حقيقة أن الجائحة قد حفزت الباحثين والمتخصصين في الصحة النفسية على التعاون معًا للعمل على استكشاف الحلول المحتملة لإدارة محنة عدم اليقين.
في هذه المرحلة، من الصعب قياس تأثير حالة عدم اليقين الدائمة على هذا النطاق العالمي. ومن المحتمل أن ينتهي الأمر بظهور جيل من الأشخاص الذين يمكنهم التعايش مع حالة عدم اليقين على المستوى العالمي، أو جيل كامل يواجه صعوبات في تحمل عدم اليقين.
في الوقت الحالي، يتعين علينا فقط مراقبة الوضع، وتطبيق بعض الاستراتيجيات والاستعداد لعواقب واحتمالات لا حصر لها.