تقول السلطات المغربية إنها حقّقت اختراقًا تاريخيًا ونجاحًا دبلوماسيًا كبيرًا فيما يخصّ قضية الصحراء الغربية – المحدّد الأول لسياستها الخارجية – بعد الاعتراف الأمريكي الأخير بسيادة المملكة على هذه المنطقة المتنازع عليها، لكن السؤال المطروح الآن هل يعجل الاعتراف الأمريكي بحل النزاع في الصحراء الغربية أم يزيد في تعقيده؟
احتفاء مغربي بالاعتراف الأمريكي
بالتزامن مع إعلان التطبيع من جهته، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن “المغرب اعترف بالولايات المتّحدة عام 1777 ومن المناسب أن نعترف بسيادته على الصحراء الغربية” المتنازع عليها مع جبهة “البوليساريو”، ودعم حل الحكم الذاتي في العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة.
هذا الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية التي يطالب بها منذ عقود، مقابل تطبيعه العلاقات مع “إسرائيل” لاقى ترحيبًا واحتفاء مغربيًا كبيرًا – على مستوى السلطة على الأقل – حيث اعتبر وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في تصريحات إعلامية أن الاعتراف بـ”مغربية الصحراء” هو “اختراق دبلوماسي تاريخي.”
ترى المغرب أن الاعتراف الأمريكي الأخير بسيادتها على الصحراء الغربية سيمكّنها من بسط نفوذها هناك وينهي الأزمة المتواصلة منذ عقود عدّة مع جبهة البوليساريو
وفق وزير الخارجية المغربي، فإنه في نهاية “سنوات عدة من العمل والتواصل النشط”، توّجت الجهود الدبلوماسية المغربية في ما يتعلق بقضية الصحراء “باعتراف الولايات المتحدة، القوة العظمى لمجلس الأمن واللاعب المؤثر على الساحة الدولية”.
نتيجة هذا الإعلان، من المنتظر أن تفتح الولايات المتحدة قنصلية في الداخلة، الميناء الكبير للصحراء الغربية، لتكون بذلك لولايات المتحدة أول دولة غربية تفتح قنصلية لها في الصحراء وتنظم إلى حوالي 17 دولة عربية وإفريقية لها بالفعل بعثات دبلوماسية في الصحراء الغربية.
وتسعى السلطات المغربية إلى الترويج داخليًا وخارجيًا أنها حقّقت إنجازًا تاريخية سيخلّده الأجيال حتى وإن كان الثمن “بيع” القضية الفلسطينية والاعتراف بكيان الاحتلال، فالصحراء لديهم بما تحتويه من ثروات أهم من كلّ قضية أخرى.
لا تغيير في الواقع
لكن ما لم يقله النظام لرعيته، أن الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية لا يعني اعترافًا أمميًا بذلك، فهذا الاعتراف لا يخص إلا الإدارة الأمريكية فقط، صحيح أنه يمكن أن يساعد المغرب في الترويج لرؤيته القائمة على منح المنطقة الحكم الذاتي لكن لن يغير من الوضع القائم شيء خاصة في ظل دعم روسيا والصين للجزائر، الحليف الأبرز للبوليساريو.
هذا الأمر أكّدته الأمم المتحدة، حيث أعلنت أن القرار الأميركي لا يغيّر موقفها حيال الصحراء الغربية التي تعتبرها من “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي”. وأكّد الناطق باسم الأمين العام لأمم المتحدة الخميس أن موقف أنطونيو غوتيريش لم يتغير حيال الصحراء الغربية.
وقال ستيفان دوجاريك خلال مؤتمره الصحافي اليومي إن “غوتيريش “يرى (..) أنه لا يزال بالإمكان التوصل إلى حل على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي”.
وتعتبر الصحراء الغربية الواقعة على الساحل الأطلسي، وفق الأمم المتحدة، أرضًا متنازعًا عليها بين المغرب والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو).
تشكل المنطقة الواقعة تحت سيطرة جبهة البوليساريو 20% من مساحة الصحراء الغربية، فيما يسيطر المغرب على 80% من هذه المستعمرة الإسبانية السابقة التي تغطي منطقة صحراوية شاسعة تبلغ مساحتها 266 ألف كيلومتر مربع، ويديرها بصفتها الأقاليم الجنوبية، وذلك منذ إعلان الملك الحسن الثاني عن “المسيرة الخضراء” في 16 من أكتوبر/تشرين الأول 1975 التي أسفرت عن تحرير ولايات الجنوب.
تطالب البوليساريو، التي سبق لها أن أعلنت قيام “جمهورية عربية ديمقراطية”، باستفتاء لتقرير مصير المنطقة، فيما تقترح الرباط منذ 2007، منح الصحراء الغربية حكمًا ذاتيًا تحت سيادتها من أجل التوصل إلى حل للأزمة باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من أراضيه.
هذا الاعتراف الأمريكي من الصعب أن يتحوّل إلى اعتراف أممي بسيادة المغرب على الصحراء، خاصة وأن الحليف الأبرز للجزائر وهو روسيا ترفض هذا الأمر، حيث ندّدت موسكو بقرار واشنطن، معتبرة أنه يتعارض مع القانون الدولي.
وكالات الأنباء الروسية نقلت عن نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف قوله “هذا انتهاك للقانون الدولي”. وأضاف أن هذا القرار لا يحترم “قرارات مجلس الأمن الدولي التي وافق عليها الأمريكيون أنفسهم”، يذكر أن روسيا عضو دائم في مجلس الأمن متمتعة بحق الفيتو أي أن القرارات هناك لا تمرّ إلا بموافقتها عليها.
حتى الصين، رغم أنها لم تبد موقفها بعد من القرار الأمريكي الأخير، فمن الصعب أن تسانده وتخسر حليفها الأبرز في شمال إفريقيا “الجزائر”، فالعلاقات بين الطرفين قوية جدًا حتى أن بيكين ترى في الجزائر بوابتها نحو دول القارة الإفريقية السمراء.
الأهم من كلّ هذا أن قرار ترامب الأخير بخصوص الصحراء الغربية، يعد في الوقت الراهن مجرد بيان يمكن للرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن أن يقول بسهولة بشأنه إن إدارته لا توافق عليه، وتؤيد تسوية تتفاوض عليها الأمم المتحدة.
ماذا عن موقف البوليساريو؟
الطرف الثاني في نزاع الصحراء وهو جبهة البوليساريو أدان “بأشد عبارات الإدانة إقدام الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب على الاعتراف للمغرب بما لا يملك لمن لا يستحق”. وأوضحت الجبهة في بيان لها أن “قرار ترامب لا يغير في أي شيء من الطبيعة القانونية للقضية الصحراوية حيث إن المجتمع الدولي لا يعترف للمغرب بالسيادة على الصحراء الغربية، لأنها تبقى ملكًا حصريًا للشعب الصحراوي”.
ورأت جبهة البوليساريو التي أعلنت جمهورية مستقلة في الأرض الصحراوية في السبعينيات وخاضت حرب عصابات مع المغرب – أن “الموقف المعلن عنه من طرف ترامب يشكل خرقًا سافرًا لميثاق الأمم المتحدة (…) ويعرقل مجهودات المجتمع الدولي الرامية لإيجاد حل سلمي للنزاع الدائر بين الجمهورية الصحراوية والمملكة المغربية”.
عقب الإعلان الأمريكي الأخير، بدأت البوليساريو فعليا في الترويج لخطاب المظلومية وبدأت في شحذ همم أبناء الصحراء
بدوره قال عبد القادر طالب عمر، سفير البوليساريو في الجزائر إن صفقة ترامب مع الرباط وتل أبيب “باطلة” و”فاقدة للشرعية و خارجة عن قرارات الأمم المتحدة”، وشدد السفير الصحراوي، في تصريحه لوكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، على أن هذه الصفقة “لن تؤثر على عزيمة الصحراويين في كفاحهم من أجل قضيتهم”، وأضاف قائلًا إن شركاء الصفقة “يمتهنون البيع والشراء، باغتصاب حقوق الشعوب، والتجارة بدماء الشعبين الفلسطيني والصحراوي”، مؤكدا أن هذا الأمر “لن ينجح أبدًا”، لاسيما، برأيه، في ظل اقتراب موعد رحيل الرئيس ترامب عن البيت الأبيض.
تصعيد للأزمة
ترى المغرب أن الاعتراف الأمريكي الأخير بسيادتها على الصحراء الغربية سيمكّنها من بسط نفوذها هناك وينهي الأزمة المتواصلة منذ عقود عدّة مع جبهة البوليساريو التي تأبى التسليم في تلك الأراضي للرباط مهما كلّفها الأمر، لكن هل حقّا ستنتهي الأزمة أم سيزداد تعقيدها؟
جبهة البوليساريو أكّدت مواصلة القتال في الصحراء الغربية “حتى الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال المغربية”، وفق ما يعرف عندهم بـ “وزير خارجية الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية محمد سالم ولد السالك.
ومن المنتظر أن يتزايد التصعيد في المنطقة، خاصة وأن البوليساريو تبلغ عن تبادل يومي لإطلاق النار على طول الجدار الرملي الذي يفصل بين المعسكرين منذ بدأ العملية السكرية المغربية في منطقة الكركرات في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، واعتبار البوليساريو ذلك بمثابة خرق لاتفاق وقف إطلاق النار بعد أن ظل سارياً منذ العام 1991.
عقب الإعلان الأمريكي الأخير، بدأت البوليساريو فعليًا في الترويج لخطاب المظلومية وبدأت في شحذ همم أبناء الصحراء، للاستعداد لماهو قادم، لا سيما أن كلا الطرفين لن يتنازل بسهولة عن هدفه.
الخطير، أنه إذا تجدّدت الحرب في الصحراء الغربية سيكون لذلك أثر كبير على المنطقة، حيث من الممكن أن تتدخّل الجزائر، “الراعي التاريخي” لجبهة البوليساريو إلى جانب حليفها، ونصبح حينها أمام حرب بين أكبر جيشين في المغرب العربي.
ليس هذا فحسب، فهذه الحرب سيكون لها تداعيات أمنية كبيرة على منطقة الساحل والصحراء الإفريقية، حيث يمكن أن تستغلّ عديد الجماعات الإرهابية وجماعات الاتجار بالبشر الحرب في الصحراء الغربية لزعزعة المنطقة وضرب استقرارها، ويمكن أيضًا أن نشهد ظهور بؤرة توتر جديدة في منطقة الساحل والصحراء المضطربة أصلًا.