قضية تطبيق مسلم برو: البعد العنصري لرأسمالية المراقبة

ترجمة وتحرير نون بوست
كشف تقرير نشره موقع “مذربورد-فايس” المتخصص بالتقنية، صدر الشهر الماضي، أن الجيش الأمريكي يجمع بيانات الحركة الدقيقة للأشخاص في جميع أنحاء العالم من خلال شرائها من التطبيقات التابعة للجهات الخارجية، بما في ذلك تطبيق “مسلم برو” – وهو تطبيق يعتمد على الموقع يُذكّر المسلمين بأوقات الصلاة واتجاه القبلة تم تنزيله أكثر من 98 مليون مرة.
على الرغم من أن ما كشفه هذا التقرير قد صدم الكثيرين إلا أن ما يحدث لا يمكن اعتباره مفاجئا على الإطلاق، وهو يفضح الأنماط التي تعتمدها الحكومة الأمريكية منذ سنوات لمراقبة واستهداف المجتمعات السوداء والبنية في البلاد وأماكن أخرى من العالم.
لكن هذه القصة سلّطت الضوء على بعد جديد لأجهزة مراقبة الدولة، التي تشكّل عادة همزة وصل بين المجمع الصناعي العسكري ورأس المال النيوليبرالي و”الحرب على الإرهاب”: على وجه التحديد التكنولوجيا الذكية.
تاريخ مقلق
تأتي هذه الفضيحة في وقت تستعد فيه البلاد للانتقال إلى إدارة جو بايدن، الذي شهدت الفترة التي شغل فيها منصب نائب الرئيس خلال إدارة أوباما ازدهارا في المراقبة المحلية وحرب الطائرات المسيّرة العالمية، التي استهدفت المسلمين بشكل خاص. ويبدو تجاهل الخسائر المدنية المترتبة عن حرب الطائرات المسيّرة على وجه الخصوص واضحًا في مذكرات أوباما الأخيرة، الذي غض الطرف دون اكتراث عن العواقب الكارثية لسياساته.
بالنظر إلى هذا التاريخ المقلق، فإن وصول الجيش الأمريكي إلى بيانات الصلاة الخاصة بحوالي 100 مليون مسلم من جميع أنحاء العالم أمر مثير للقلق. لكن كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟
خطاب الوداع الذي ألقاه سنة 1961، صاغ الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور – الذي كان جنرالا برتبة خمس نجوم وبالكاد ناشطا مناهضا للحرب – مصطلح “المجمع الصناعي العسكري” حيث حذر من “ضرورة الاحتراس من النفوذ غير المُبرر… “للمجمع الصناعي العسكري”، مشيرا إلى أن “احتمالات التنامي الكارثي للسلطة التي في غير محلها لا تزال قائمة ومستمرة”. ألقى أيزنهاور هذا الخطاب خلال حرب الفيتنام وعلى خلفية تنامي المشاعر المناهضة للشيوعية وحركة الحقوق المدنية (حيث ألقى مارتن لوثر كينغ جونيور آنذاك أحد أشهر خطاباته ضد الحرب).
بعد ذلك، كان من المتوقع أن تؤدي الخصخصة الاقتصادية السريعة للنيوليبرالية الريغانية والحرب على الإرهاب التي اندلعت في أعقاب أحداث 11 أيلول/ سبتمبر على وجه التحديد إلى النتائج المشؤومة التي تنبأ بها أيزنهاور.
في ظل تنامي رفع القيود التنظيمية في مجال تصنيع الأسلحة وبيعها، فضلا عن الحرب على الإرهاب، انبثقت تبريرات لا حصر لها للحروب الأمريكية الأبدية. وفي الوقت الراهن، وبعد عقدين من القرن الحادي والعشرين، أصبحت التكنولوجيا الذكية تُستخدم بخُبث لتوسيع نطاق الحرب من خلال شركات التكنولوجيا القوية.
السياسات التمييزية
لماذا يريد الجيش الأمريكي بيانات صلاة 100 مليون مسلم؟ لأن المنطق العنصري والتمييزي الذي يجعل ممارسة الشعائر الدينية والميل إلى العنف في نفس الكفة قد دفع منذ فترة طويلة الدولة إلى التشكيك في المسلمين، على الصعيد المحلي والخارجي.
لنأخذ على سبيل المثال إدارة شرطة نيويورك، التي أصدرت سنة 2007 تقريرا بعنوان “التطرف في الغرب: التهديد المحلي” ادعت فيه أنها تحدد الأنماط الاجتماعية والسلوكية في صفوف المسلمين التي يمكن أن تتنبأ بأعمال الإرهاب. وشملت تلك الأنماط ارتداء الملابس التي تميز الدين “الإسلامي”، وارتياد المساجد بانتظام، والامتناع عن تعاطي المخدرات والكحول، التي تعتبر كلها من الممارسات الدينية الإسلامية اليومية.
صورة لسيارة شرطة نيويورك في بروكلين بنيويورك، في السادس من شهر كانون الأول/ ديسمبر.
على الرغم من دحض التقرير وإلغائه في وقت لاحق من خلال دعوى قضائية (كنت طرفا فيها)، إلا أن المنطق القائم عليه لا يزال يدعم الجهود المحلية والوطنية لمكافحة الإرهاب من خلال سياسات “مكافحة التطرف العنيف“، كجزء من نظام بيئي هيكلي أكبر يُطلق عليه العالم (عزيز) جنيد رنا اسم “مجمع الإرهاب الصناعي”.
في عالم ما بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، نشهد استعانة الدولة بمصادر خارجية وكيانات خاصة لتوسيع نطاق المراقبة من خلال سياسات مكافحة التطرف العنيف والاعتماد على خدمات الشركات والمقاولين وحتى الأفراد.
في حين أن أساليب مكافحة التطرف العنيف الخاصة بمراقبة المسلمين من قبل مستشاري الصحة العقلية والمعلمين تسعى إلى تغيير السلوك من خلال تدخلات شخصية، فإن أساليب رأسمالية المراقبة تهدف إلى فعل الشيء نفسه من خلال تطبيقات التكنولوجيا.
حسب الباحثة شوشانا زوبوف، فإن “رأسمالية المراقبة” هي المرحلة المقبلة من التطور الرأسمالي، حيث أنه بدلاً من السيطرة على الموارد الطبيعية وتسخيرها من أجل نمو السوق، يصبح الإنسان هو البضاعة. في هذه الحالة، يتم جمع البيانات الأولية المتعلقة بخياراتنا اليومية من التطبيقات الرئيسية، ثم بيعها إلى أعلى مزايد – الذي غالبًا ما تكون الدولة. ويتم بعد ذلك التلاعب بهذه البيانات المجمعة للتأثير على الأنماط السلوكية وتعديلها في خدمة الربح، من خلال ما تسميه زوبوف “القوة الآلية”.
الحقائق المادية في القرن الحادي والعشرين
إذا ما اُعتبر دين الإسلام وقوته، الذي يمثل مصدرا للتضامن العالمي، تهديدًا من قبل الإمبراطورية الأمريكية، فلا يجب أن يكون الأمر مفاجئا عندما يكون الهدف النهائي للسياسة هو تتبع حركات المسلمين وإعادة تشكيل سلوكياتهم من خلال التدخلات التمييزية.
لرأسمالية المراقبة بُعد عنصري تماما مثل الرأسمالية الصناعية، الأمر الذي يجعل المجتمعات الملونة عرضة للاستهداف بشكل خاص. وحسب رنا، يجب أن ننتبه إلى “الأنظمة الأكثر توسعا في العنف الهيكلي التي تروج لمفاهيم مثل العرق والحرب الدائمة التي تخلق مرونة غير مسبوقة في عمل الهيمنة الاجتماعية وتراكم رأس المال”.
بالنظر إلى أن مركزية رأس المال هي المحرك الذي يسير العالم، فإن أي نقد للإسلاموفوبيا لا يكتمل إلا بنقد الحداثة الرأسمالية وهياكل العنف المصاحبة لها. ولا تعد رأسمالية المراقبة سوى أحدث سلاح لها.
لابد من تقديم تحليل للإسلاموفوبيا والحرب على الإرهاب المتجذرة تاريخيا، التي تأخذ بعين الاعتبار الحقائق المادية للقرن الحادي والعشرين. لا تعد الشركات التقنية الكبرى مثل فيسبوك وتويتر وتطبيقات مثل مسلم برو قنوات محايدة لجمع البيانات ونقلها، بل هي من صنع بشر يتخذون قرارات واعية بشأن ما يجب أن يراقب وما يتم بيعه للمؤسسة العسكرية. وسواء كان الأمر يتعلق بالتحريض على الإبادة الجماعية ضد المسلمين أو نشر حملات كراهية ضدهم، فإن هناك قرارات تُتخذ يوميًا بشأن ما إذا كان يجب أن يتم تنفيذ هذه الأعمال أم لا.
إعادة النظر في علاقتنا بالتكنولوجيا
إن شركات التكنولوجيا التي تروج لهذا العنف يجب أن تخضع للمساءلة من خلال آليات الشفافية والرقابة – المنبثقة عن إطار أكبر للحقوق الرقمية الجماعية والفردية – التي يتم إنتاجها من خلال أساليب ديمقراطية قائمة على الإجماع تُدار من قبل المعنيين من المواطنين والمشرعين.
منذ أن توسع مسرح الحرب على الإرهاب ليشمل المجال الرقمي، بات ضروريا أن تعمل الحركة المناهضة للحرب في القرن الحادي والعشرين على حماية حقوق المستهدفين في هذا المجال.
من بين أكثر الصفات المخيفة في الرأسمالية هي كيفية تلاعبها والتهامها وتشكيلها لكل شيء يأتي في طريقها – بما في ذلك المقدسات – على حساب كرامة الإنسان. وعندما تكون الرأسمالية متشابكة مع هياكل العنف العنصري التي تعمل كأداة للحرب، فإن العواقب تكون أكثر تدميرًا على المهمشين ونقصد بذلك المسلمين في هذه الحالة.
لكن البُنى الفكرية التي تستوطننا هي من صُنع الجهود البشرية ويمكن التخلص منها وإعادة تشكيلها من خلال المساعي البشرية. وبما أنه لا يمكن أن نطلب من الجميع التخلص من هذه البنى الفكرية، فإن تطوير استراتيجيات لحماية البيانات أمر بالغ الأهمية على المدى القصير. أما على المدى الطويل، يجب أن نعيد النظر في علاقتنا مع التكنولوجيا ورأس المال، حتى نتمكن من الازدهار بحرية في عالم يتزايد فيه الطابع الرقمي.
المصدر: ميدل إيست آي