استغرقت أذربيجان 44 يومًا لهزيمة القوات الأرمنية في ناغورنو كاراباخ وجعل تركيا أحد اللاعبين الأساسيين في القوقاز. واليوم، لا يمكن أن تكون قوة تركيا في المنطقة أكثر وضوحًا مما عليه الآن.
دخول الجيش العثماني في القوقاز إلى باكو في 15 أيلول/ سبتمبر 1918.
كان شكر أنقرة من أولى الكلمات التي نطق بها رئيس أذربيجان إلهام علييف عندما أعلن بفرح عن وقف إطلاق النار على شاشة التلفزيون الشهر الماضي. وردًا على هذا الخبر، تدفق الناس إلى الشوارع حاملين أعلام كلا البلدين وهم يهتفون بعبارات تمجّد أنقرة.
بعد يومين، وجه بعض الأعضاء البارزين في المعارضة الأذرية رسالة مفتوحة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان – متجاهلين علييف – يدعون فيها تركيا إلى نشر قوات دائمة في مدينة شوشا (شوشي بالأرمينية) في ناغورنو كاراباخ، التي استولت عليها باكو مؤخرًا، وذلك لحماية المنطقة من التهديد الروسي المحتمل.
ويوم الخميس، وقف أردوغان إلى جانب علييف خلال عرض عسكري احتفالا بالنصر في صراع عسكري شابته انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان من الجانبين. بعد مئة عام من سيطرة الجيش العثماني على باكو، عادت تركيا إلى أذربيجان. لا يمكن اعتبار ذلك نابعا من تدفق المشاعر الأخوية، لكنه يمثل دون شك تغييرًا صارخًا ومفاجئًا في البلاد.
“أذربيجان طلبت المساعدة”
قبل عشر سنوات، استخدم علييف عبارات من قبيل “كاذبين وغشاشين وخونة” لوصف المسؤولين الأتراك على خلفية سعي أنقرة إلى تطبيع العلاقات مع أرمينيا. وقد حدث هذا التهجم على حكومة أردوغان خلال اجتماعات مع كبار المسؤولين الأمريكيين، وذلك وفقًا لبرقيات دبلوماسية نشرها موقع “ويكيليكس”. في غضون ذلك، انتقدت الاحتجاجات في باكو أنقرة لسعيها إلى التطبيع مع يريفان دون تقديم أي ضمانات لأذربيجان فيما يتعلق بناغورنو كاراباخ.
وفي الوقت الراهن، لا يمكن أن تكون الأمور أكثر اختلافًا، حيث لا يُفوّت علييف يوما دون أن يصف أردوغان بأخيه الأمين؛ فيما يحث الأذربيجانيون من مختلف الأطياف السياسية تركيا على إنشاء قواعد عسكرية على أراضيها.
لكن السؤال الذي يطرحه الدبلوماسيون الأجانب مرارًا وتكرارًا أثناء محاولتهم فك رموز هذا الموقف هو: “لماذا الآن؟” الإجابة على هذا السؤال تأتي من مسؤول تركي مرموق تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، الذي قال: “لأن أذربيجان طلبت المساعدة. الأمر بهذه السهولة. لا توجد مؤامرة”.
الجدول الزمني لتاريخ العلاقات التركية الأذرية:
كيف تحولت العلاقات بين تركيا وأذربيجان من الفتور إلى الأخوية خلال 10 سنوات:
– نيسان/ أبريل 2009: الإعلان عن اتفاق مؤقت لتطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا.
– أيار/ مايو 2009: الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف يقاطع اجتماعا دوليا استضافته إسطنبول.
– تشرين الأول/ أكتوبر 2009: تركيا وأرمينيا توقعان بروتوكولات زيورخ لتطبيع العلاقات بينهما. المسؤولون في أذربيجان يدينونه لأنه يتعارض مع مصالحهم الوطنية.
– تشرين الثاني/ نوفمبر 2009: تركيا تتراجع وتقول إنها لن تطبّع العلاقات مع أرمينيا حتى تنسحب يريفان من ناغورنو كاراباخ.
– كانون الثاني/ يناير 2010: وافقت المحكمة الدستورية في أرمينيا على البروتوكولات لكنها تقيد بشكل فعال السلطة المخولة للجنة الفرعية المخطط لها للنظر في دعاوى الإبادة الجماعية للأرمن.
– آب/ أغسطس 2010: تركيا وأذربيجان توقعان اتفاقية تعاون استراتيجي وعسكري، وهي نقطة انطلاق للتدريبات السنوية بين البلدين.
– تشرين الأول/ أكتوبر 2011: عقد أول مجلس للتعاون الإستراتيجي التركي الأذربيجاني في إزمير.
– كانون الأول/ ديسمبر 2011: تركيا وأذربيجان توقعان صفقة خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول (تاناب) بعد أن قامت أنقرة بتهدئة المصالحة الأرمينية.
– حزيران/ يونيو 2012: تركيا وأذربيجان وجورجيا تنشئ آلية دبلوماسية ثلاثية لتعميق التعاون.
– أيار/ مايو 2013: بدأت شركة النفط الحكومية الأذربيجانية في بناء مصفاة ستار النفطية في تركيا، بكلفة 4 مليارات دولار.
– تشرين الثاني/ نوفمبر 2013: تسمح باكو لرجال الأعمال الأتراك بالسفر دون تأشيرة.
– نيسان/ أبريل 2016: تحولت اشتباكات أذربيجان وأرمينيا إلى صراع واسع النطاق. تزعم وسائل الإعلام الأرمينية المقربة من الحكومة أن المستشارين العسكريين الأتراك يدعمون الجيش الأذربيجاني عن كثب.
– تشرين الأول/ أكتوبر 2017: اكتمال خط سكة حديد باكو – تبليسي – كارس.
– حزيران/ يونيو 2018: اكتمال خط أنابيب الغاز عبر الأناضول.
– أيلول/ سبتمبر 2018: شركة أذربيجانية قريبة من علييف تؤسس قناة “الخبر العالمي” الإخبارية في تركيا.
تحتل القوات الأرمينية ناغورنو كاراباخ وسبع مناطق مجاورة لها منذ سنة 1994، على الرغم من قرارات مجلس الأمن المتعددة التي حكمت بأن المنطقة تنتمي إلى باكو، علما بأن الشعبين الأرمني والأذربيجاني يمتلكان جذورا تاريخية وثقافية عريقة في هذه المنطقة الجبلية.
اندلعت اشتباكات متفرقة منذ تسعينيات القرن الماضي، كان آخرها في تموز/ يوليو 2016، بينما ظلت ناغورنو كاراباخ صراعًا مجمّدًا إلى أن قررت أنقرة التدخل. وفي مقابلات مختلفة مع موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، أكد مسؤولون أتراك أن عملية السلام التي تديرها “مجموعة مينسك” الدولية برئاسة فرنسا وروسيا والولايات المتحدة، لم تكن مجدية على مدار الثلاثين عامًا الماضية، مشيرين إلى أن الوقت قد حان لاتباع نهج جديد.
تتمتع تركيا وأذربيجان بقواسم مشتركة وروابط ثقافية قوية حيث يتحدثان نفس اللغة تقريبًا ويشتركان في تاريخ واحد. ولعل هذا ما أكده أحد المسؤولين الأتراك بقوله: “هل محاولة مساعدة إخواننا أمر غير مألوف؟” .
الفراغ الدبلوماسي
يرى المسؤولون الأتراك أنه على الرغم من أن الصراع مفيد لأنقرة وباكو، إلا أن أرمينيا هي التي أشعلت الحرب الأخيرة. ففي تموز/ يوليو، هاجمت القوات الأرمنية منطقة كانجا جاب الإستراتيجية في شمال أذربيجان، مما أسفر عن مقتل جنرال ومعاونيه، تلقوا تدريبهم في تركيا. وفي ذلك الوقت، قالت وزارة الدفاع الأرمنية إن الاشتباكات بدأت بعد أن حاولت القوات الأذربيجانية عبور الحدود بشكل غير قانوني.
يقول ماثيو بريزا، السفير الأمريكي السابق لدى أذربيجان، إن الهجوم خلّف فراغًا دبلوماسيًا في الصراع الأذربيجاني الأرمني، مما يشير إلى أن يريفان كانت أكثر ميلا لابتاع نهج أكثر عدوانية. وفي تصريح له لموقع “ميدل إيست آي”، أشار بريزا إلى أنه “كان من الواضح أنه لن تلعب الولايات المتحدة ولا فرنسا أي دور وساطة في هذا التصعيد في العنف، بينما وقفت روسيا مع الجانب الأرمني، وأصبحت تركيا في صف أذربيجان”.
في سياق متصل، أضاف بريزا أنه في شهر آب/ أغسطس، بدأ رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان “في حركة فجائية وخرقاء” الحديث عن معاهدة سيفر، التي تم توقيعها سنة 1920 وتقضي بالتنازل عن شرق تركيا لأرمينيا. ويعتقد بريزا أن ذلك “أزعج الرئيس أردوغان وبعض الجهات الفاعلة الأخرى على رأس القيادة التركية. وبناء على ذلك، كان اتباع نهج الدفاع عن النفس بمثابة رد استراتيجي من قبل تركيا”. في المقابل، يرى آخرون أن باشينيان كان يسعى لتصعيد التوترات في المنطقة منذ بداية هذه السنة.
قال جيهون أسيروف، وهو صحفي أذربيجاني مستقل وخبير في شؤون القوقاز، إن “باشينيان صرح بأن إقليم ناغورنو كاراباخ تابع لأرمينيا ونفى الحاجة إلى إجراء المزيد من المحادثات. لهذا السبب، شعر الناس بالإهانة لأن باشينيان واصل تشجيع الاستيطان غير القانوني للأرمن في الأراضي الأذرية المحتلة”.
أضاف أسيروف إن الهجوم الذي وقع في شهر تموز/ يوليو على مدينة غانجا كان مقلقا للغاية بالنسبة لأذربيجان وتركيا على حد سواء، إذ “هاجمت القوات الأرمينية المنطقة التي يوجد بها ممر للطاقة وخط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان، وخط أنابيب الغاز عبر الأناضول، وخط سكة حديد باكو – تبليسي – كارس. وهي تعتبر شريان الحياة بالنسبة لباكو وأهم خطة للطاقة والتجارة بالنسبة لتركيا”.
دفع الهجوم المحتجين إلى النزول إلى شوارع باكو بأعداد غفيرة والمطالبة بالثأر، حتى أن بعضهم اقتحم البرلمان، كما رُفعت الأعلام التركية في ساحات المدينة. وأضاف أسيروف أن “الناس طلبوا علنا مساعدة تركيا خلال الاحتجاجات”.
التغلب على الخلافات
قال قباد إبادوغلو، زعيم حزب الحركة من أجل الديمقراطية والازدهار المعارض والأستاذ في جامعة روتجرز، إن الهجوم كشف عن نقاط الضعف في أذربيجان، “وأظهر للجميع أننا بحاجة إلى تركيا لمواجهة التهديد الأرمني”.
لطالما تمكنت تركيا وأذربيجان على مر السنين من تجاوز خلافاتهما. أولا، أحبطت الحكومة التركية عملية التطبيع مع أرمينيا بعد تدخل حازم من قبل الرئيس إلهام علييف، الذي أرسل نوابا من أذربيجان إلى أنقرة في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2009 للضغط على تركيا للتخلي عن المصالحة.
بعد ذلك، تطوّرت العلاقة بين أردوغان وعلييف، بفضل بناء خط أنابيب الغاز عبر الأناضول، الذي عزز دور تركيا باعتبارها مركزا للطاقة في المنطقة من خلال نقل الغاز إلى أوروبا.
في الوقت نفسه، تستحوذ شركة النفط الحكومية لجمهورية أذربيجان “سوكار” على قرابة 20 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة في تركيا، حيث اشترت أصولا استراتيجية مثل شركة “بتكيم للبتروكيماويات القابضة”، كما أنشأت مصفاة “ستار” لتكرير النفط. كما أطلقت شركة إعلامية أذربيجانية لها علاقات وثيقة مع علييف قناة “الخبر العالمي” الإخبارية في تركيا في سنة 2018.
صرح العالم السياسي وضابط المخابرات الأذربيجاني السابق، أراستون أوروغلو، إن علييف غيّر مسار سياسته الخارجية، مشيرًا إلى أن “الغرب قد ابتعد بمرور الوقت عن أذربيجان بسبب سياساتها الداخلية القمعية. لذلك، كان ينبغي على علييف أن يقوم بتصحيح المسار في سنة 2015. فقد كان يوازن بين روسيا والدعم الغربي، وهو الآن بحاجة إلى تركيا للقيام بذلك”.
أرض خصبة
يقول المسؤولون الأتراك إنه بحلول الوقت الذي اندلعت فيه الاشتباكات بين أذربيجان وأرمينيا في شهر تموز/ يوليو الماضي، كانت الاستعدادات لإجراء مناورات عسكرية سنوية مشتركة مع باكو جارية بالفعل. ويصرح أحد المسؤولين: “لقد نشرنا بالفعل مقاتلات إف-16 في البلاد، ثم أجري تدريب عسكري بري بالدبابات وكل شيء آخر”.
أفاد مسؤول تركي ثان بأن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة خلقت أرضًا خصبة لأنقرة لصياغة خطة لاستيلاء باكو على هذه الأراضي. وبينما كانت واشنطن وبقية العالم منشغلة بالانتخابات، كان لدى أذربيجان المزيد من الوقت والمساحة لتنفيذ خططها.
أضاف مسؤول تركي ثالث: “لقد عرضنا عليهم شراء طائرات مسيرة مسلحة منذ السنة الماضية. لكن نظرائنا الأذربيجانيين رفضوا ذلك. لقد كان لديهم اعتبارات مع القوى الغربية وربما كان الأمر متعلقا بإسرائيل، فهم لم يرغبوا في الإضرار بعلاقاتهم. لكنهم الآن في حاجة إلى مساعدتنا بسبب الظروف الحالية، وقد يكونون مجبرين على ذلك”.
خمس مقاتلات تركية من طراز إف-16 تشارك في التدريبات العسكرية “نسر تورز” في مدينة غانجا في 31 تموز/ يوليو.
كان لدى تركيا العديد من الامتيازات لتقديمها: مجموعة من الطائرات المُسيّرة المسلحة القادرة على تدمير جبهة القتال المحصنة بشدة، واستراتيجية تم صياغتها من قبل كبار القادة المخضرمين الذين قاتلوا في سوريا وليبيا، وأسلحة متطورة مثل الصواريخ الموجهة بدقة، والمرتزقة السوريين لدعم الجنود في ساحة المعركة.
بالنسبة لكل شخص في أنقرة، كان من الطبيعي تقريبا أن تفعل تركيا شيئًا من أجل أذربيجان. فمنذ سقوط الاتحاد السوفيتي، كانت تركيا ترغب دائما في توسيع دورها في القوقاز وآسيا الوسطى، حيث نشأت العديد من الجمهوريات التركية.
وفقًا للصحفي أسيروف فإن تركيا مستبعدة من القوقاز منذ العهد العثماني. وأضاف السفير السابق بريزا أنه “لطالما كانت تركيا جزءا من مجموعة “مينسك”، لكن روسيا وأرمينيا كانتا تعيقان دائما جهود تركيا للحصول على أي دور مؤثر. ولطالما كانت تركيا تطمح إلى الوصول إلى أذربيجان وإلى بحر قزوين”، بيد أنها كانت تواجه بعض العقبات أيضا.
وفقا للعديد من الخبراء الأذربيجانيين، كان لدى المسؤولين الأتراك شكوك قوية بشأن النفوذ الروسي في أذربيجان وجيشها، الذي تربطه بموسكو علاقات عميقة طويلة الأمد. كما يشكون في أن الأطراف الموالية لروسيا في الجيش الأذربيجاني قد نقلت معلومات إلى أرمينيا قبل شن الهجوم في شهر تموز/ يوليو على مدينة غانجا، بما في ذلك معلومات استخباراتية حول الموقع المحدد لضباط الجيش الأذري رفيعي المستوى.
يقول جوباد إيباد أوغلو إن “حرب سنة 2016 كشفت عن وجود فصائل موالية لروسيا داخل الجيش الأذربيجاني، وعن مكانة النفوذ الروسي في القضاء والجيش والشرطة. ويعتبر رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الأذربيجانية، نجم الدين صادقوف، من بين المؤيدين لروسيا.
تم الإعراب علنا عن الشكوك بشأن تلقي أرمينيا معلومات استخباراتية من روسيا. واتهم مقال نشره موقع إلكتروني تابع لخلية تفكير بقيادة المستشار العسكري المقرب لأردوغان عدنان تانريفيردي في تشرين الأول/ أكتوبر، صادقوف بتسريب معلومات بشأن موقع الضباط الأذربيجانيين في غانجا.
منذ الصيف الماضي، توارى صادقوف عن الأنظار بعد أن كان القائد الأذربيجاني الأعلى لمدة 27 سنة، وتشير الشائعات إلى أنه أقيل بشكل غير رسمي من منصبه. ويقول أوغلو إن مسؤولا آخر رفيع المستوى يدعى بايلار أيوبوف – وهو رئيس جهاز الأمن الوطني في البلاد – قد اختفى أيضََا. وتزعم عدة تقارير أنه اتُهم سابقًا بمساعدة بعض أعضاء حزب العمال الكردستاني، الذي شن تمردا منذ عقود في تركيا.
بوابة إلى آسيا الوسطى
بمجرد انطلاق الحملة العسكرية ضد أرمينيا في 27 أيلول/ سبتمبر، تقدم الجيش الأذري المدعوم من تركيا شيئا فشيئا من الجنوب محققا مكاسب ملموسة. لكن هذا النسق لم يكن كافيا في نظر المسؤولين في أنقرة، حيث شكك كثيرون منهم في تكوين وفاعلية الجيش الأذري.
بالنسبة لتركيا، كان هناك مصدر قلق آخر وهو روسيا. فقد أصبح معروفًا أن القيادة التركية كانت تعلم أن المقاومة الروسية لعملية أذربيجان يمكن أن تحبط الهجوم بأكمله.
في تشرين الأول/ أكتوبر، زار وفد تركي موسكو وأدرك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يعارض أهداف تركيا. ووصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مدينة شوشا بأنها “مدينة أذربيجانية”، وقام فقط بانتقاد انتشار المرتزقة السوريين – وذلك حسب مسؤولين أتراك.
مع اقتراب القوات الأذرية من مدينة ستيباناكيرت، عاصمة ناغورنو كاراباخ المعروفة باسم خانكيندي في أذربيجان، وافقت أرمينيا على وقف إطلاق النار بوساطة روسية وبدعم من تركيا. ومن جهته، قال المسؤول التركي الأول: “لم نكن ضمن المفاوضات في الوقت الذي تمت فيه صياغة الاتفاق، لكن وقع استشارتنا”.
من أحد شروط التوقيع على اتفاق 10 تشرين الثاني/ نوفمبر هو فتح ممر بين ناخيتشيفان وأذربيجان يمر عبر أرمينيا، ويعمل كهمزة وصل بين أنقرة وباكو. وقد صرّح المسؤول التركي الأول بأن”الجميع يعتقدون أن هذا انتصار استراتيجي لتركيا، وكأننا أردنا ذلك”، وتابع قائلا “لم نكن نعرف أي شيء عن الاتفاق حتى رأينا النسخة النهائية من الصفقة ومع ذلك، نحن سعداء”.
مع ذلك، كان هناك شرط آخر أثار جدلًا كبيرًا في أذربيجان وهو نشر قوات حفظ السلام الروسية في إقليم ناغورنو كاراباخ. قال أوروغلو: “لم تشهد أذربيجان تدخلا روسيا منذ سقوط الاتحاد السوفيتي. هذه ليست مجرد مهمة لوقف إطلاق النار. لديهم أسلحة ثقيلة، وهم بصدد بناء قواعد عسكرية دائمة بها طائرات مسيّرة وكل شيء. وسيكون النفوذ الروسي في المنطقة وأذربيجان ملموسا بشكل مباشر”.
يرى السياسي الأذربيجاني أوغلو أن ما يسمى “بممر ناخيتشيفان” سيخدم أيضًا المصالح الروسية ذلك أن”موسكو تحاول الوصول مباشرة إلى إيران بينما تحاول بسط نفوذها باتجاه الجنوب”.
يلقي العديد من حلفاء تركيا في الناتو باللوم على أنقرة لتسهيلها فوز روسيا. وهناك شبه اتفاق عام في أذربيجان على أن الوجود العسكري التركي الدائم في البلاد بالقرب من ناغورني كاراباغ ضروري لموازنة النفوذ الروسي المتزايد.
يبدو أن أنقرة لا تكترث للوجود الروسي في المنطقة، خاصة بعد أن توصلت كل منهما في وقت سابق من هذا الشهر إلى اتفاق لإنشاء مركز مشترك في منطقة ناغورني كاراباغ لمراقبة مدى الالتزام بوقف إطلاق النار. لكن شروط هذا الاتفاق ظلت سرية، حيث قال المسؤول التركي الأول: “إنها مهمة مراقبة وقف إطلاق النار فقط، ولا شيء أكثر من ذلك”.
على الرغم من أن هذا الإنفاق سيساعد روسيا في الحصول على “موطئ قدم” لها في أذربيجان، إلا أن الكثير من الأتراك والغرب يعتقدون أن الصراع عزز قوة تركيا ودورها في المنطقة.
يرى ماثيو بريزا، السفير الأمريكي السابق أن “هذا بمثابة تحول جيوسياسي ضخم لصالح تركيا، وأود أن أقول أنني سأكون في خدمة حلف الناتو” مشيرا إلى أن “تدخل تركيا في القوقاز على المستوى السياسي والعسكري هو أمر جيد لها ولحلف الناتو بلا شك”.
ويشاركه أوروغلو الرأي موضحا أن “تركيا أعطت مثالاً للدول التركية المجاورة بأنها كانت قوية ومؤثرة، ويود الشعب الأذربيجاني أن يرى الجنود الأتراك على أراضيهم. ليصبح لتركيا بوابة إلى آسيا الوسطى”.
المصدر: ميدل إيست آي