انتقل موقف حكومة فرانسوا أولاند من الداعي بقوة إلى ضرورة التدخل العسكري في ليبيا عبر خلق حلف دولي يساهم معها في توجيه ضربات عسكرية خاصة للجنوب الليبي الذي يعتقد وزير الدفاع الفرنسي جان إيفل لودريان أنه “وكر أفاع للمتطرفين” إلى موقف يجزئ ليبيا إلى شمال يجب دعم الحل السياسي به والحوار عن طريق دول جوار ليبيا حسب تصريح لودريان الأخير في مقابلة مع مقابلة مع إذاعة أر تي أل الفرنسية التي قال فيها ” إن الحل في ليبيا يجب أن يمر أولا عبر تسوية للموقف السياسي في الشمال، مؤكدا أن الإنذار الذي أطلقته فرنسا “أدى إلى اهتمام بلدان أخرى وإلى تعبئة الاتحاد الإفريقي كما أن الأمم المتحدة بذلت جهدا في الشأن الليبي عبر إرسال مبعوث خاص.
وأشار لودريان إلى وجود برلمانين في ليبيا في طبرق وطرابلس مضيفا: “أحدهما منتخب ديمقراطيا والآخر ما زال قائما ومصدرُ شرعيتِه هو المساهمة في إسقاط القذافي”. مؤكدا أنه يجب أولا العمل على جمع الأطراف بدعم من دول الجوار، متوازياً ذلك مع السلطات الليبية ودول الجوار، لتنفيذ عمليات تستهدف استئصال مصادر الإرهاب في الجنوب.
ويلاحظ على تصريح وزير الدفاع الفرنسي أنه تحدث عن حوار في “شمال ليبيا” وهذا التحديد الجغرافي انطلق من نظرة جان إيفل إلى الجنوب، وكأنه يستشرف ليبيا من منطقة النفوذ التاريخي الاستعماري القديم، حيث كانت فرنسا تحتل جنوب ليبيا بعد الحرب العالمية الثانية، كما أن وزير الدفاع الفرنسي ما زال يصر على محاولة حشد تحالف دولي للتدخل العسكري في جنوب ليبيا.
لا يخف على المتابع للتحركات الفرنسية جنوبي ليبيا أنها تعمل على إنشاء قاعدة عسكرية شمال دولة النيجر تهدف غلى منع متشددين مرتبطين بتنظيم القاعدة من عبور منطقة الساحل والصحراء بين جنوب ليبيا وموريتانيا، وبموجب الخطة الجديدة يعمل حاليًا نحو ثلاثة آلاف جندي فرنسي انطلاقًا من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد وهي دول تمتد عبر حزام الساحل القاحل المترامي الأطراف بهدف دحر الإسلاميين في أنحاء المنطقة. ويقدم ألف جندي آخر الدعم في مجال الإمداد والتموين في الجابون والسنغال. ويعتبر المسؤولون الفرنسيون أن إنشاء القاعدة العسكرية في شمال النيجر لوضع حد لما وصفوه بـ”الصداع الليبي المزعج”
في الخامس عشر من سبتمبر/أيلول الماضي أثناء لقاء له مع قناة سكاي نيوز تراجع وزير الدفاع الفرنسي عن تصريحات سابقة له داعية إلى ضرورة التدخل العسكري إذ قال ” إنه لم يدع إلى تدخل دولي في ليبيا بل حذر من إمكانية تحولها إلى ملاذ للإرهاب، مؤكداً أهمية دول الجوار في المسألة الليبية. مضيفا أن ليبيا بلد يتمتع بالسيادة، لكنه لا يملك حكومة معترفاً بها من الجميع.
هذا التغير والتذبذب في الموقف الرسمي الفرنسي حد التضارب بين تصريحات الخارجية والدفاع ومؤسسة الرئاسة الفرنسية يعبر من وجهة نظر بعض المحللين السياسيين عن عجز إن لم يكن فشل فرنسا في حشد موقف دولي داعم لرؤيتها الخاصة بجنوب ليبيا، خاصة وأن تلك الدعوات جاءت في توقيت كانت الولايات المتحدة الأمريكية تقود حملة لحشد دولي ضد تنظيمي داعش وجبهة النصرة بالعراق وسوريا.
وليس بخاف أيضا على صناع القرار الأوروبي والأمريكي أن الخطر الذي تحاول تسويقه فرنسا بليبيا مبالغ فيه، كونها لها سياسة هادفة إلى الامتداد من الجنوب الليبي إلى العمق الإفريقي، كما أن الجماعات المتشددة المشغولة حاليا بحربها مع قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لا تمثل خطرا على أمن الطاقة الأوروبي الأمريكي، أو تهديدا محتملا وقويا لإسرائيل كتلك الموجودة بسوريا والعراق والتي تحتل مدنا واسعة وتسيطر على حقول بترول.
أيضا من اللافت للنظر أن فرنسا دعت إلى تسوية سياسية بشمال ليبيا، وإلى حرب بجنوبها، مع أن المتابعين والمحللين وشهادات سكان الجنوب تقلل من أهمية الجماعات المتشددة بالجنوب مقارنة بشمال ليبيا حسب النظرة الفرنسية، فتنتشر هذه التنظيمات بشرق ليبيا ببنغازي ودرنة، وسرت، وصبراتة بغرب ليبيا، في حين تواجدها في الجنوب الليبي ينحصر في الشريط الحدودي مع النيجر وتشادن وتمارس مهمة تهريب البضائع والأسلحة والوقود كأي مجموعات تهدف إلى تحقيق الربح والمال.