ترجمة وتحرير: نون بوست
في إطار جهود اللحظات الأخيرة لإعادة توحيد الخليج ضد إيران، أجرى وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الرئيس لشؤون الشرق الأوسط وصهره جاريد كوشنر زيارة للمنطقة، في آخر أيام هذه الإدارة الأمريكية. ولكن رغم أن السعودية وقطر تمت إعادتهما إلى طاولة المفاوضات، بفضل وساطة كويتية، فإنه تم إحراز تقدم ضئيل في حل الخلاف القائم منذ ثلاث سنوات، والذي بدأ بحظر للتجارة والسفر مع قطر من طرف أربعة دول، هي السعودية والإمارات والبحرين ومصر، ولم يتم رفعه لحد الآن. وقد جرت محادثات بين السعوديين والقطريين، وأرسل وزير الخارجية السعودي رسالة افتراضية ودية، مفادها أن الاتفاق بين الجانبين بات في المتناول. ولكن رغم كل هذه الإشارات فإن المتابعين يظلون متشككين في حدوث انفراج في الخلاف الخليجي.
إذ أن مخرجات المحادثات التي طال انتظارها من أجل إنهاء حصار قطر، جاءت بعيدة عن الانتظارات. كما أنها كانت مخيبة للولايات المتحدة، التي تسعى دائما لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة، بما أن هذا الخلاف يدور بين حلفائها المقربين. فعلى سبيل المثال، بينما كان ترامب يمارس سياسات الضغط القصوى على إيران لخنقها اقتصاديا، اضطرت الخطوط القطرية بفعل الحصار الجوي إلى استخدام سماء طهران، وهو ما يعني دفعها لرسوم ضخمة تساعد الاقتصاد الإيراني. وبشكل عام فإن المنطقة بأكملها تأثرت بهذه الخصومة، خاصة وأن قطر والإمارات تدعمان أطرافا مختلفة في العديد من الصراعات الدائرة.
ويقول أندرياس كريغ، الأستاذ المحاضر في كلية كينجز لندن والمحلل لشؤون الخليج، “إنه لحد الآن اتفق الجانبان على تخفيف اللهجة المستخدمة في الحملات الإعلامية ضد بعضهما، كخطوة لبناء الثقة. أما في الخطوة الثانية، يمكن أن تفتح السعودية أجوائها وحدودها البرية كإعلان لحسن النوايا. بعض هذه الإجراءات التي تهدف لإذابة الجليد بين الجانبين يمكن الإعلان عنها في قمة مجلس التعاون الخليجي في وقت لاحق من هذا الشهر، إلا أن الخلافات الجوهرية التي كانت في قلب هذا الانقسام الخليجي لا تزال مستعصية.”
إحدى الموضوعات التي كانت في قلب هذه الأزمة هي علاقات قطر مع إيران، ومزاعم دعمها لجماعات إسلامية، وبشكل خاص الإسلام السياسي المتمثل في الإخوان المسلمين، إلى جانب استخدامها المزعوم لقناة الجزيرة لنشر رسائل الإخوان، والتحريض على الثورات الشعبية. ولهذا فقد تضمنت لائحة المطالب الثلاثة عشر التي قدمتها السعودية لقطر، في مقابل فك الحصار، قطع العلاقات مع إيران والإسلاميين، إلى جانب غلق قناة الجزيرة، في رسالة كانت أشبه بوالدين غاضبين يقومان بتوبيخ ابنهما المراهق الضال. وفي الواقع ربما تكون هي تلك فعلا الطريقة التي ينظر بها أمراء السعودية والإمارات إلى أبناء عمومتهم القطريين، الذين يرفضون الانصياع للأوامر.
حجر الأساس في السياسة الخارجية القطرية يتمثل في لعب دور المحور الدبلوماسي
ومن الممكن أن تتخلص قطر من بعض قادة الإخوان المسلمين، كما فعلت في 2014 عندما قام السعوديون والإماراتيون بقطع العلاقات الدبلوماسية معها لنفس الأسباب، إلا أن الدوحة في كل الأحوال ليست مستعدة للتخلي عن سياسة ترك قنوات الاتصال مفتوحة مع كل الأطراف في قضايا الشرق الأوسط. وهي عوضا عن ذلك تسعى لتقديم نفسها كوسيط مفيد للغرب، في هذه المنطقة المقسمة بين مختلف التيارات الإسلامية وتعصف بها الصراعات المسلحة.
ويعتبر المحللون المقربون من قطر، أن علاقتها المميزة مع طهران وواشنطن تجعلها وسيطا محتملا عندما يرغب الرئيس المنتخب جو بايدن في إحياء الاتفاق النووي وإقناع طهران على العودة إليه. كما يرجحون أن علاقة قطر مع تركيا وتأثيرها على الثوار في سوريا والقوات الحكومية في ليبيا يمكن الاستفادة منها لإنهاء هذه الصراعات التي طال أمدها. وهنالك علامات متزايدة على أنه، خاصة منذ لعبها دور الوساطة بين الولايات المتحدة وطالبان في أفغانستان، باتت قطر تتمنى أخذ مكانة سلطنة عمان كأبرز مفاوض في الشرق الأوسط.
وتقول نهى عبد الوهاب الباحثة في مركز بروكنجز الدوحة، أن “حجر الأساس في السياسة الخارجية القطرية يتمثل في لعب دور المحور الدبلوماسي. هذا الأمر يتضمن محادثات رسمية وغير رسمية بين مجموعات مثل حزب الله والحكومة اللبنانية في 2008، وطالبان والحكومة الأفغانية، ومؤخرا في 2020 بين حماس وفتح، والمجموعات المتمردة في دارفور والحكومة السودانية في 2009. ولذلك فإن قطع العلاقات نهائيا مع بلد آخر لم يكن أبدا ضمن سياسات السياسة الخارجية القطرية، ولا أتصور أن هذا الأمر سيتغير حتى في الظروف الحالية.”
يشار إلى أن قطر التي تمتلك ثالث أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، تمكنت من التعامل بشكل ناجح مع الحصار. إلا أنها رغم ذلك ترغب في أن تشهد نهاية لهذا الحظر المفروض عليها، حتى تتمكن من توفير الأموال التي تنفقها لإيجاد طرق جوية وبحرية وبرية بديلة، وتوظف تلك المبالغ في التحضير لكأس العالم 2022.
إلا أن قطر تنظر إلى قطع العلاقات مع إيران على أنه أمر غير وارد، والسبب ليس فقط هو أن البلدين يشتركان في حقل غاز ضخم. إذ أن من المفارقات الغريبة أن هذا الحصار زاد من اعتماد قطر على إيران، بعد أن هدد الحظر التجاري مصادر التزود بالمواد الأساسية، وكانت إيران حينها أول من أرسل هذه المواد مثل الخضر، وفتحت موانئها البحرية والجوية أمام الدوحة. وحتى إذا تم رفع الحصار، لا توجد أي ضمانات على أنه لن يتم فرضه مجددا، ولذلك من مصلحة قطر أن تترك الباب مع طهران مواربا.
أما إيران من جهتها فهي ينظر إليها على أنها تهديد للسعودية منذ الثورة الإسلامية في 1979، عندما برزت كنموذج ملهم لطيف واسع من مجموعات المقاومة المنتشرة في الشرق الأوسط. وتخشى السعودية أيضا من أن خصمها الشيعي يمكن أن يطور سلاحا نوويا، وأن الاتفاق النووي قد يكون غير كافيا لمنع هذا الاحتمال.
السلطنة نجحت في دورها كوسيط بين واشنطن وطهران، عندما تم للمرة الأولى تنشيط قنوات الاتصال الخلفية لمناقشة الاتفاق النووي
إلا أن التعامل مع الإخوان المسلمين بات هو المسألة الملحة، بعد النجاحات التي حققتها هذه الجماعة إثر الربيع العربي. فقد شعرت الأنظمة الملكية في الخليج بالرعب، من أن الصعود السريع للإخوان يمكن أن يخلق الظروف المواتية لاندلاع اضطرابات في بلدانهم، وأن مصير هؤلاء الحكام قد يكون نفس مصير المستبدين على غرار الرئيس المصري حسني مبارك. إذ أنه إلى حدود بداية الربيع العربي، كان يتم التسامح مع الفروع المحلية للإخوان المسلمين، إلا أن الأمور تغيرت. فقد قامت الرياض وأبوظبي والقاهرة والمنامة بتصنيف الإخوان المسلمين على أنهم تنظيم إرهابي.
لذلك فإن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عندما أقام صداقة مع كوشنر ووجد في ترامب حليفا مرسلا من السماء، سعى إلى مجابهة هذه التهديدات من خلال الضغط على قطر. ولكن بينما يستعد بايدن لتسلم السلطة، وهو الذي وبخ السعودية بشكل علني وعبر عن موقف أكثر لينا تجاه إيران، فإن قطر تشعر بأنها باتت في موقع أفضل للمقايضة، ولذلك فهي تأمل أن تستعيد صورتها كصانع للسلام.
إذ أنه بعد أيام قليلة من اغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، خلال هجوم بطائرة مسيرة أمريكية، وفي ذروة المخاوف من اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران، سافر أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني إلى طهران. ويرى بعض المحللين أن تلك الزيارة هي دليل على أهمية قطر بالنسبة للولايات المتحدة.
وبحسب أندرياس كريغ، فإن زيارة الأمير جاءت بإلحاح من واشنطن، حتى يحث الإيرانيين على ضبط النفس. إذ أن الأمير طلبت منه الولايات المتحدة الذهاب إلى هنالك والقيام بوساطة لتجنب تصعيد التوترات في الخليج. وفي نفس الإطار تضيف نهى عبد الوهاب أن وزير الخارجية القطري سافر إلى العراق في تلك الفترة حاملا نفس الرسالة. “من المهم تذكر أنه عندما قتلت طائرة مسيرة الجنرال قاسم سليماني في كانون الثاني/ يناير 2020، ذهب وزير الخارجية القطري إلى العراق في محاولة لنزع فتيل التوتر. وبهذا فإن المقاربة القطرية عندما يتعلق الأمر بالتوترات مع إيران، هي السعي إلى التهدئة عوضا عن فرض العزلة.”
ومن الممكن أن قطر تأمل في التفوق على عمان، ولكن حظوظها في النجاح تبقى ضئيلة، لأن السلطنة نجحت في دورها كوسيط بين واشنطن وطهران، عندما تم للمرة الأولى تنشيط قنوات الاتصال الخلفية لمناقشة الاتفاق النووي. ولا يوجد سبب وجيه يجعل بايدن يعوض عمان بقطر، إذا كانت هنالك حاجة للوساطة. إضافة إلى ذلك فإن قطر تبقى خيارا أقل جاذبية بسبب علاقاتها المعقدة مع السعودية والإمارات، اللتين تطالبان باستشارتها هذه المرة قبل إطلاق المفاوضات حول الاتفاق.
شيوخ السعودية والإمارات وقطر كلهم ينحدرون من نفس الأسلاف، وهي قبائل البدو الرحل في شبه الجزيرة العربية
ربما يكون عدو قطر الأكبر من محمد بن سلمان هو ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد. إذ أنه هو الذي كان يقوم بمساع من وراء الستار، ويعد العقل المدبر لسياسات مثل معاقبة قطر وتحسين العلاقات مع بشار الأسد والانفتاح على “إسرائيل”. وكان محمد بن زايد قلقا من تأثير الإخوان المسلمين وباقي الجماعات الإسلامية على أمن المنطقة، وعلى ديمومة الأنظمة الملكية في دول مثل الإمارات، أكثر من قلقه من إيران. وهو لا يشعر بالثقة تجاه الدوحة، وليس مستعدا بعد ليغفر لها ما يعتبره هو خطايا، ناهيك عن السماح لها بالصعود لتلعب دور الوسيط بين واشنطن وطهران.
ولذلك فإن عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية الإماراتي المتقاعد، ينظر لهذه المحادثات على أنها سابقة لأوانها ولن تفضي لأي نتيجة، واعتبر أن قطر لم تغير سلوكها وبقيت “موالية للإرهابيين”، قائلا: “إن الدوحة لا تريد الاعتراف بمخاوف جيرانها، وليكن الأمر كذلك”. ويتفق عبد الخالق مع العديد من المتابعين للانقسام السياسي في الخليج، على أنه يمكن أن تجري محادثات بين الرياض والدوحة، ولكن لن يكون هنالك اتفاق مع أبوظبي.
وفي نفس السياق يقول كريستيان كوتس أولريشين، الباحث في معهد بايكر للسياسات العامة في تكساس: “في الوقت الحالي لا أرى أن الإمارات منخرطة في هذه الاتصالات، وقد يكون من الصعب على السعوديين إقناع أبوظبي بالتوقيع على اتفاق نهائي أو حتى اتفاق تمهيدي.’ وفي نفس السياق يرى عبد الخالق أن “القطريين يريدون أن يلعبوا دورا أكبر وأوسع يزعج السعودية ويغطي عليها. إن السعوديين يطلبون من القطريين أن يتصرفوا مثل الإماراتيين حتى تكون العلاقات بينهم طيبة، إلا أن قطر تنسق مع إيران وتركيا وأطراف أخرى لا يعلمها إلا الله.”
يشار إلى أن شيوخ السعودية والإمارات وقطر كلهم ينحدرون من نفس الأسلاف، وهي قبائل البدو الرحل في شبه الجزيرة العربية. كما أنهم ينتمون إلى نفس الديانة، وحافظوا على أنظمتهم الملكية لأنهم كانوا محظوظين بوجود الغاز والنفط تحت الرمال. إلا أن خلافاتهم في المقابل قديمة وتعود إلى ما قبل ظهور هذه الثروات، ولا أحد يشعر بأنه يمكن تجاوزها. وبينما يأمل ترامب في تسجيل انتصار ديبلوماسي أخير قبل مغادرة البيت الأبيض، فإن مواقف الأطراف المعنية في هذا الخلاف تؤكد أن أي حل يتم التوصل إليه سيكون فقط مؤقتا، وسيكون على جو بايدن تجميع الحلفاء الخليجيين وراء سياسة موحدة تجاه إيران.
المصدر: فورين بوليسي