اشتهر المصريون القدماء بالبراعة في علوم الفلك والطبيعة ورصد النجوم، ومن هذا المنطلق تمكنوا من تنظيم تقويمهم بحكمة بالغة، لم يكن التقويم القبطي متعلقًا بالقمر مثل التقويم العربي أو متعلقًا بالشمس مثل التقويم الميلادي، لكنه كان مرتبطًا بالدورة الزمنية لنجم “سبدت” والمعروف لدى العرب بنجم الشعرى اليمانية.
يعد نجم “سبدت” من ألمع نجوم السماء وهو أحد نجوم مجموعة كلب الجبار، وقد قسم المصريون القدماء السنة لـ12 شهرًا كل شهر 30 يوم، ثم أضافوا خمسة أيام وأسموها الشهر الصغير لتكتمل أيام السنة 365 يوم.
لكن رغم ذلك اكتشف الكهنة أن السنة القبطية أقصر قليلًا من السنة الشمسية فنجم الشعرى يشرق مبكرًا ليصل الفرق إلى يوم كامل كل أربع سنوات أي ربع يوم كل عام، لذا لتلافي الخلل وحتى لا تتغير أيام الأعياد قرروا إضافة يوم للشهر الصغير كل 4 أعوام ليصبح 6 أيام.
يسمى هذا النظام بالكبس بحيث يصبح طول السنة في 3 سنوات 365 يوم وفي السنة الرابعة 366 وهي السنة الكبيسة، ثم يتكرر الأمر بعد 3 أعوام وهكذا.
ارتبطت الشهور المصرية بمواسم الزراعة فقد كانت أول 4 شهور مرتبطة بالفيضان يليها الأربعة شهور المرتبطة بالزراعة ثم الأربعة شهور الأخيرة المرتبطة بالحصاد.
الشهر الأول: توت
ينسب الشهر إلى “تحوت” إله الحكمة والفنون والاختراعات، ويوافق بداية الشهر يوم 11 سبتمبر/ أيلول وينتهي في 10 أكتوبر/ تشرين الأول، من أشهر الأمثال المرتبطة بهذا الشهر “في توت اروي ولا تفوت” أي اسرع في ريّ الأرض حتى تتمكن من زراعتها، وهناك مثل آخر وهو “توت يقول للحر موت” في إشارة إلى انكسار درجة الحرارة خلال هذا الشهر حيث يوافق 12 توت موعد الاعتدال الخريفي.
الشهر الثاني: بابه
اتخذ الاسم من اسم الإله حابي إله النيل والزرع ويبدأ في 10 أكتوبر / تشرين الأول وينتهي في 9 نوفمبر / تشرين الثاني، من أشهر الأمثال المرتبطة به “إن صح زرع بابه يغلب النهّابة وإن خاب زرع بابه ميجبش ولا لبابه” وهو يعني أن الاهتمام بالزراعة في هذا الشهر ينتج محصولًا وفيرًا حتى لو سُرق منه، أما من يتكاسل عن الزراعة فلن يجد الخبز (واللبابه هي العجين في قلب الخبز في اللهجة المصرية.
هناك مثل آخر مرتبط بهذا الشهر وهو “بابه خش واقفل الدرّابة”، والدرّابة هنا هي النافذة الضيقة التي كانت موجودة في البيوت الريفية قديمًا، والمثل يشير إلى بداية الهواء البارد مما يستوجب إغلاق تلك النوافذ لاتقاء البرد.
الشهر الثالث: هاتور
“حت حر” هو إلهة الخصب والجمال عند القدماء وإليه ينسب شهر هاتور، يبدأ الشهر في 10 نوفمبر / تشرين الثاني وينتهي في 9 ديسمبر / كانون الأول، ومن أشهر الأمثلة المرتبطة به “هاتور أبو الذهب منثور” والمقصود بالذهب هنا القمح وذلك لانتشار زراعته في هذا الشهر
“إن فاتك زرع هاتور اصبر لما السنة تدور” في إشارة إلى آخر فرصة لزراعة القمح هذا العام، والذي لن يتمكن من زراعته، سيتوجب عليه انتظار العام القادم.
الشهر الرابع: كيهك
يكتب هذا الشهر كيهك لكنه يُنطق كياك وهو يبدأ في 10 ديسمبر / كانون الأول وينتهي في 8 يناير / كانون الثاني، وقد سُمي نسبة للإله “كا ها كا” أو عيد “كا حر كا” أي عيد اجتماع الأرواح وهو أحد أعياد مصر القديمة، يقول المثل “كيهك صباحك مساك تقوم من فطورك تحضر عشاك” وذلك لقصر النهار بشكل شديد حيث أن هذا الوقت من العام يصبح النهار أقصر ما يكون ويصبح الليل أطول ليل في العام وهو ما نلاحظه هذه الأيام.
يقول المثل “أمشير أبو الزعابير ياخد العجوزة ويطير” وذلك لكثرة العواصف والرياح فيه.
هناك مثل آخر يقول “البهايم اللي متشبعش في كيهك ادعي عليها بالهلاك”، وذلك لأن هذه الفترة هي الأفضل في تغذية المواشي بالبرسيم فيصبح إنتاجهم غزيرًا من اللبن وهو أفضل وقت لإنتاج أجود أنواع الزبدة والجبنة.
الشهر الخامس: طوبة
يبدأ شهر طوبة يوم 9 يناير / كانون الثاني وينتهي في 7 فبراير / شباط، وهو اسم مشتق من مدينة طيبة ويشير إلى إله نمو الطبيعة، وفي “طوبة تزيد الشمس طوبة” وهو يعني أن الشمس تبدأ في الارتفاع مرة أخرى ويطول النهار يومًا بعد يوم، هناك مثل آخر يقول “طوبة يخلي الصبية كركوبة” وهو كناية عن شدة البرد في هذا الشهر.
الشهر السادس: أمشير
من منا لم يسمع المثل القائل “أمشير أبو الزعابير ياخد العجوزة ويطير” وذلك لكثرة العواصف والرياح في هذا الشهر، يُنسب هذا الشهر للإله مخير إله العواصف والرياح وهو يبدأ في 8 فبراير / شباط وينتهي في 9 مارس / آذار.
هناك مثل آخر يقول “الاسم لطوبة والفعل لأمشير” وذلك لأنه رغم اشتهار طوبة بالبرد الشديد إلا أن الرياح والعواصف في أمشير تزيد من الإحساس بالبرودة حتى أنها تنافس برودة طوبة.
الشهر السابع: برمهات
خصص هذا الشهر للإله مونت إله الحرب وقد اسماه المصريون القدماء أيضًا شهر الشمس أو الحرارة الصغيرة، يبدأ الشهر يوم 10 مارس / آذار وينتهي 8 أبريل / نيسان، في هذا الشهر تنضج الكثير من المحاصيل مثل القمح والعدس والبصل، لذا يقول المثل “برمهات روح الغيط وهات”.
هناك مثل آخر يقول “عاش المسيحي ومات مأكلش جبنة في برمهات” وذلك لأن هذا الوقت عادة ما يوافق الصيام الكبير للمسيحيين والذي يتوقفون فيه عن تناول أي دسم حيواني أو مشتقاته (كل ما له روح).
الشهر الثامن: برمودة
يبدأ هذا الشهر في 9 أبريل / نيسان وينتهي في 8 مايو / آيار، وقد سُمي نسبة للإله رنو أو رنوده وهو إله الحصاد وإله الرياح القارصة أيضًا، يقول المثل في هذا الشهر “برمودة دق العامودة، وهو يعني دق سنابل القمح بعد نضجها.
الشهر التاسع: بشنس
يُنسب الشهر إلى خنسو إله القمر، وهو يبدأ في 9 مايو / آذار وينتهي في 7 يونيه / حزيران في هذا الوقت تبدأ الشمس في الارتفاع في يومًا بعد يوم ونقترب من الصيف لذا يقول المثل “في بشنس خلي بالك من الشمس”.
يأتي هذا الشهر عند الحصاد أيضًا حيث تصبح الأرض خالية تمامًا من أي مزروعات لذا يقولون “بشنس يكنس الغيط كنس”.
الشهر العاشر: بؤونة
يبدأ الشهر في 8 يونيه / حزيران وينتهي في 7 يوليو / تموز، وهو ينسب إلى عيد “با إين إينت” عيد انتقال تمثال آمون من شرق الأقصر لغربها حيث المعابد الجنائزية، وهو مخصص أيضًا للإله خنتي إله المعادن حيث تستوي المعادن والأحجار الكريمة في هذا الوقت من العام.
يشتهر بؤونه بالعديد من الأمثال فهناك “بؤونة يفلق الحجر” و”بؤونة ينشف الميّه من الماعونة” وذلك في إشارة للجفاف الشديد قبل موسم الفيضان وكذلك دلالة الحر الشديد، هناك مثل آخر يقول “بؤونة نقل وتخزين المؤونة” وذلك لأنه وقت نقل المحاصيل وتخزينها للاحتفاظ بها بقية العام حتى لا يفسدها الفيضان القادم.
الشهر الحادي عشر: أبيب
هو الشهر المخصص للإلهة “أبيبي” ومعناه فرح السماء، يبدأ النيل في الفيضان هذا الشهر ويزيد الماء فيقولون “أبيب ميّة النيل فيه تريب”، يبدأ الشهر في 8 يوليو / تموز وينتهي في 6 أغسطس / آب، وهناك مثل آخر يقول “أبيب فيه العنب يطيب” وذلك إشارة إلى موسم نضج العنب.
الشهر الثاني عشر: مسرى
هو الشهر الأخير من الأشهر القبطية ويبدأ في 7 أغسطس / آب وينتهي في 5 سبتمبر / أيلول، ويُسمى نسبة لـ”مسي رع” أي مولد رع إله الشمس، في هذا الوقت يغمر فيضان النيل كل مصر فيقول المثل مسرى تجري فيه كل ترعة عسرة” حيث تجري المياه في الترع الصغيرة التي كانت جافة.
هناك أيضًا مثل آخر يقول “إن فاتك عنب مسرى متلقاش ولا كسرة” وذلك لأن العنب قد نضج وطاب وحان وقت زراعة الذرة.
الشهر الصغير: النسيء
هذا الشهر يكتمل به التقويم ليصبح طول السنة مناسبًا وهو خمسة أيام كل ثلاث سنوات متتالية وفي الرابعة يصبح 6 أيام.
ربما نلاحظ أننا الآن في العام 1737 قبطي، وقد يعتقد البعض أن هذا التقويم حديث رغم أن التقويم القبطي هو أقدم تقويم عرفه التاريخ فهو يعود إلى 4242 قبل الميلاد، يشرح لنا المهندس عصام جودة – رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لعلوم الفلك وعضو الإتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك- السبب حيث يقول أن قدماء المصريين كانوا يبدأون حساب العام وفقًا لكل أسرة ملكية وعندما تنتهي الأسرة يبدأون العدّ من جديد مع بداية الأسرة الجديدة.
لم يبدأ حساب التقويم القبطي سوى عام 284 ميلاديًا، وهو العام الذي تولي فيها الإمبراطور الروماني دقلديانوس الحكم، وقد اشتهر هذا الإمبراطور باضطهاد المسيحيين وهدم كنائسهم حتى أنه قتل منهم 800 ألف مسيحي وهو رقم ضخم في هذا الوقت.
ورغم أن هذا الاضطهاد بدأ عام 303 ميلاديًا إلا أن أقباط مصر أطلقوا على عام 284 الذي بدأ فيه دقلديانوس حكمه بعام الشهداء وبدأو التقويم القبطي حينها، لذا عندما يتحدث أحدهم عن التقويم القبطي فإنه يقول على سبيل المثال عام 1737 للشهداء.