التطبيع المغربي يعمّق الشرخ بين الرباط والجزائر

تمثّل خطوة المغرب الانضمام لجوقة “المطبعين” مع “إسرائيل” بعد الإمارات والبحرين، آخر مسمار يدث في نعش العلاقات مع الجزائر التي ترفض جملةً وتفصيلًا الاعتراف بدولة الاحتلال.
ولم يحدث تطبيع المغرب للعلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي أي مُفاجأة في الجزائر، لأن كل المُؤشرات كانت توحي بوضوح إلى هذه التطورات وهو ما ورد في فيديو للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ظهر فيه مخاطبًا الجزائريين من مقر إقامته في ألمانيا حيث يواصل فترة نقاهته بعد فترة من الغياب، حيث قال: “كنا نتوقع ما يجري في المنطقة”.
مؤامرة
وقبلها بساعات قليلة، خرج رئيس الوزراء الجزائري عن صمته إزاء القرار الأمريكي القاضي بالاعتراف بـ”مغربية الصحراء” وإعلان واشنطن إقامة علاقة دبلوماسية بين المغرب و”إسرائيل”، محذرًا مما أسماه “عمليات أجنبية” تهدف إلى زعزعة استقرارها، مشيرا تحديدًا إلى “إسرائيل”.
وقال جراد، خلال مؤتمر لإحياء الذكرى الستين للتظاهرات الوطنية خلال حرب الاستقلال (1954_1962)، السبت، إن “الجزائر مستهدفة بالذات”، وهناك “تحديات تحيط بالبلاد”، لافتا إلى وجود “إرادة حقيقية” لضرب الجزائر، وهو ما يبرزه، كما قال “وصول الكيان الصهيوني قرب الحدود”، وأشار جراد إلى وجود عمليات أجنبية “الهدف منها ضرب استقرار البلاد”، وتحدث عن “دلائل” مرتبطة بما “يحدث على كل حدودنا” دون أن يكشف عنها.
جبهة التحرير: بينما يرزح الشعبان الفلسطيني والصحراوي تحت نير الاحتلال والقمع والدوس على حقوق الإنسان، يحتفل المغرب بإقامة علاقات كاملة مع الكيان الصهيوني من جهة، والحصول على سيادة وهمية على أراضي الصحراء الغربية
وقرأت الطبقة السياسية قرارات إقامة علاقة دبلوماسية بين الرباط وتل أبيب وفتح قنصلية أمريكية في الداخلة إضافة إلى اعتراف الرئيس الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء، على أنها مقايضة للقضية الفلسطينية بالصحراء الغربية، واستنكرت جبهة التحرير الوطني التي تحوز على الأغلبية النيابية في البرلمان الجزائري، في بيان لها “إعلان المملكة المغربية إقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني الغاضب في مقابل اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسيادة مزعومة للمغرب على الصحراء الغربية”.
ووصف البيان الإعلان بأنه “صفقة ذل وعار وبيع شرف الأمة”، موضحًا أنه “بينما يرزح الشعبان الفلسطيني والصحراوي تحت نير الاحتلال والقمع والدوس على حقوق الإنسان، يحتفل المغرب بإقامة علاقات كاملة مع الكيان الصهيوني من جهة، والحصول على سيادة وهمية على أراضي الصحراء الغربية”.
بينما أشارت حركة مجتمع السلم الجزائرية (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد)، في بيان لها، إلى أن “انكشاف السياسة التطبيعية المغربية الرسمية وخروجها للعلن ضمن الموجة التي دشنتها دولة الإمارات قد تؤدّي إلى الانخراط التام للنظام المغربي في محور التآمر على وحدة الأمّة”، ما يفرض حسبها علينا في الجزائر، في حالة عدم التراجع والتصحيح، “تهديدًا من الدرجة القصوى يجب الاحتراز منه”.
وقال رئيسها عبد الرزاق مقري، في تدوينة نشرها على “فيسبوك” إن “النظام المغربي لم يطبع من اليوم، لا يجهل مشتغل بالقضية الفلسطينية مسارات التطبيع الخفية والعلنية القديمة بين المغرب والكيان الصهيوني، كما أنه لا تخفى على المطلع مجهودات الشعب المغربي في رفض التطبيع عبر مسيراته المليونية ومجهوداته المتنوعة في هذا الشأن، ولن يخيب الظن بحول الله”، وفي إشارة تضامن مع حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة المغربية، قال مقري إن “المبتلَى في هذه القضية هو حزب العدالة والتنمية ما الذي سيفعله، ونسأل الله أن يوفقهم للسداد ويعينهم عليه”. وكان هذا قبل إعلان حزب العدالة والتنمية المغربي الحاكم تأييده لخطوة التطبيع من غير أن يذكرها.
كذلك انتقد رئيس حركة البناء الوطني (حزب إسلامي) عبد القادر بن قرينة، بشدة الخطوة المغربية، قائلًا: في بيان “نحن إذ ندين كل مسار صفقة القرن القبيحة لبيع حق الشعب الفلسطيني عبر سماسرة الشرق الأوسط، فإننا نتأسف لتطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني، ونربأ بالشعب المغربي ونخبه الحية أن تقبل ببيع الحق الفلسطيني في أي ظرف من الظروف ومن أية حكومة أو سلطة كانت”.
تتجه العلاقات بين المغرب والدول المغاربية بالأخص الجزائر نحو التعقيد في المرحلة القادمة
المسمار الأخير
والتقت تعليقات محللين سياسيين على أن المغرب قد دق آخر مسمار في نعش علاقاته مع الجزائر وحتى في نعش الاتحاد المغاربي، فالحديث عن تطبيع جزائري مغربي مستقبلًا أصبح ضرب من الخيال، إذ قال المحلل في الشؤون الأمنية والسياسية، مبروك كاهي، في حديث لـ”نون بوست” إن العلاقات المغربية الجزائرية لم تصل بعد إلى المرحلة الطبيعية منذ حرب الرمال التي اندلعت بين البلدين عام 1963 بسبب مشاكل حدودية، استمرت لأيام معدودة غير أنها انتهت بوساطة الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية، إضافة إلى الاجتياح المغربي للصحراء الغربية.
ورغم عودة الحديث عن العلاقات الجزائرية المغربية وإمكانية إصلاحها بعد انتخابات 12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي بعد سنوات طويلة من الجفاء، غير أن العلاقات بين البلدين ظلت تراوح مكانها بل ازدادت تعقيدا بعد التطورات الأخيرة التي تشهدها منطقة “الكركرات” بين القوات المغربية ونظيرتها الصحراوية، لأن ملف الصحراء الغربية يمثل الخلاف الأساسي بين المغرب والجزائر.
ويرى مبروك كاهي أن الخطوة التي أقدم عليها المغرب ستخلق جوًا من عدم الثقة بين الجارتين وسيكون لها انعكاس على مسار بعث المشروع المغاربي، بل يمكن القول إنها المسمار الأخير الذي دُقّ في نعش الاتحاد المغاربي، وعليه يجب أن تتحلى الدول المنخرطة فيه بالشجاعة للإعلان عن فشله والتفكير في مشروع آخر تكاملي جديد يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات والمستجدات الطارئة بعيدا عن الشعبوية الزائفة.
ويُؤكدُ المحلل السياسي والأستاذ في القانون الدولي إسماعيل خلف الله، في مداخلة مع “نون بوست” أن العلاقات الجزائرية المغربية مشحونة منذ مدة، وقد ارتفع منسوب الاحتقان بعد الأحداث الأخيرة بين المغرب وجبهة البوليساريو، ليكون قرار التطبيع مع الكيان الصهيوني القطرة التي ستفيض الكأس مستقبلًا، أما فيما يتعلق بعلاقاتها بالاتحاد المغاربي، فيقول محدثي إنها لن تكون أحسن من العلاقات الجزائرية المغربية، خاصة إذا نظرنا إلى هذه المؤسسة التي ولدت ميتة وبقيت مجرد حبر على ورق ولم يكن لها أي دور فعلي وفعال في حل الأزمات التي ضربت المنطقة المغاربية على رأسها الأزمة الليبية وأزمة الصحراء الغربية والأزمات الأمنية التي تهدد منطقة الساحل الإفريقي.
ولا يستبعد الخبير في الشؤون الاقتصادية عبد القادر بريش، أن تتجه العلاقات بين المغرب والدول المغاربية بالأخص الجزائر نحو التعقيد في المرحلة القادمة، والسبب في ذلك أن محاولات إحياء الاتحاد، بعيدا عن الخلافات السياسة، بالتركيز على إنشاء منطقة تجارية حرة، وتفعيل اتفاقيات التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء، لم يعد بعد الآن ممكنا أو سهلا، لأن المغرب سيفتح أسواقه للمنتجات الإسرائيلية والمستثمرين الإسرائيليين وهو ما كشفه وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد المغربي حفيظ العلمي، منذ يومين، حيث قال إن الوزارة ستبدأ اتصالاتها بالمستثمرين الإسرائيليين خاصة من الأصول المغربية والذين أبدوا رغبة في الاستثمار في الصحراء