كانت سنة ثقيلة ومؤلمة، لعلنا نتفق على ذلك، فسواء على صعيد محلي أو عالمي، أو على مستوى الحكومات والمؤسسات والشركات والأفراد، لا تكاد تجد ناجيًا من فواجع 2020، إلا بضعة أثرياء ازدادوا ثراءً، بل إنك لتجد دولًا مستقرة سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا لم تصمد أمام ما جرى، فكيف بسوريا – موضوع تقريرنا هذا – البلد الذي مزقته الحرب وشردت الملايين من أهله ودمرت بنيته التحتية وعوامل صموده.
سقوط معرة النعمان
البداية من مدينة معرة النعمان، التي سقطت تحت سيطرة نظام الأسد، وكانت المدينة – وهي أكبر مدن محافظة إدلب – تخضع لسيطرة المعارضة السورية منذ تشرين أول/ أكتوبر عام 2012، وأسفرت حرب الأسد على المدينة ومحيطها عن تهجير نحو 300 ألف مدني.
الأحداث العسكرية التي سبقت سقوط معرة النعمان، أدت إلى سقوط قرى وبلدات ومدن عديدة بيد النظام السوري وداعميه روسيا وإيران، ما يعد خرقًا واضحًا للاتفاقيات بين الضامنين روسيا وتركيا، كما أدت تلك المعارك إلى تهجير مئات الآلاف ومقتل المئات أو ربما آلاف بين مدنيين وعسكريين، بالإضافة لحالة إنسانية مزرية رافقت العمليات العسكرية، وتواردت الصور التي تدل على حالة نزوح شبيهة بتلك التي رافقت النكبة الفلسطينية عام 1948.
لم تكتف روسيا والنظام بالسيطرة على معرة النعمان، فأكملوا حربهم حتى سيطروا على العديد من المدن المهمة، الأمر الذي دفع بتركيا أن تعلن بدء عملياتها العسكرية لردع النظام عن التقدم أكثر فأكثر، أعلنت تركيا في بداية شهر مارس/ آذار عن عملية عسكرية في محافظة إدلب بمرافقة فصائل المعارضة السورية المسلحة تحت شعار “درع الربيع”.
درع الربيع
حملت عمليات درع الربيع أخبارًا سارة للسوريين في إدلب، حيث انتشرت مقاطع الطائرات المسيرة التركية “بيرقدار” وهي تضرب تجمعات النظام السوري ثأرًا لمقتل عشرات الجنود الأتراك في إدلب على يد النظام السوري، وحصدت طائرات بيرقدار الكثير من عناصر وعتاد جيش النظام، بالإضافة إلى إسقاط طائرات حربية ومروحية.
برزت في هذه المعارك، حرب الكر والفر التي حصلت من أجل مدينة سراقب، حيث كانت المدينة ساحة لقتال عنيف وميدانًا للضغط في المفاوضات التركية الروسية، إلا أن الحال استقر بسيطرة النظام على هذه المنطقة لتكون نقطة بالسيطرة على طريق الـ m4 بالكامل، وتبرز أهمية المدينة بأنها بوابة لمدينة حلب التي يسيطر عليها النظام، أو لمدينة إدلب في الغرب التي تسيطر عليها المعارضة.
إثر العمليات العسكرية العنيفة، اجتمع الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين لمحاولة وقف إطلاق النار، في هذا الاجتماع تراجعت تركيا عن مطالبها بتراجع جيش النظام السوري إلى النقاط المتفق عليها في مؤتمر سوتشي 2018، وتم الاتفاق على تسيير دوريات عسكرية مشتركة بين أنقرة وموسكو في محيط طريق m4، توصل الطرفان إلى اتفاق لوقف جميع الأعمال القتالية على طول خط التماس. ويعتبر تاريخ الاجتماع هذا في 5 آذار/ مارس نهاية لوقف العمليات العسكرية الذي ما زال مستمرًا حتى يومنا هذا.
اغتيالات
استمر مسلسل اغتيال القادة العسكريين والشخصيات البارزة في 2020 ولكن بوتيرة أكبر، يصف المحللون الاغتيالات بأنها “غامضة”، خاصة أنها شملت ضباطًا كبارًا في نظام الأسد لهم يد طولى في المجازر التي حصلت خلال السنوات الماضية في سوريا، كما هو الحال مع العميد فضل الدين علي ميكائيل، أحد ضباط الأسد المشاركين بالمجازر في حماة وإدلب، ففي الوقت الذي قالت فيه حسابات موالية للنظام إنه توفي نتيجة المرض قالت حسابات المعارضة إنه قتل بظروف غامضة.
إلى ذلك، لم تقتصر عمليات التصفية على ضباط النظام، فقد شملت أيضًا قادة لهم وزنهم في المعارضة المسلحة، ومنهم أدهم الكراد أحد أهم القيادات في جنوبي سوريا، حيث اغتيل بعد انفجار استهدف سيارته على طريق درعا دمشق، وكان برفقة الكراد 4 قياديين آخرين، يذكر أن الكراد كان -يوم اغتياله- يمضي يومه في العاصمة دمشق للمطالبة بجثامين المقاتلين الذين لقوا حتفهم في معركة الكتيبة المهجورة في ريف درعا قبل سنوات.
مقاتلون على جبهات متعددة
حدثٌ بارز شهده هذا العام أيضًا، تمثّل بخروج دفعات من المقاتلين السوريين إلى جبهات متعددة من دول مختلفة، ولم يقتصر الأمر على طرف دون آخر، فقد استقبلت جبهات في ليبيا وأذربيجان وغيرها مقاتلين من طرفي الصراع السوري، وكل ذلك كان يتم عن طريق شركات أمنية لتجنيد الشباب السوري وإرسالهم للقتال بالوكالة، ففي ليبيا مثلًا قاتل البعض من منتسبي الفصائل السورية المعارضة إلى جانب قوات حكومة الوفاق في العاصمة الليبية طرابلس، قيل إن تركيا جندتهم للقتال هناك.
في الطرف المقابل كانت روسيا ترسل بدفعات المقاتلين المنتسبين لجيش النظام أو الشبان الذي يقطنون في مناطق السيطرة الحكومية إلى القتال إلى جانب قوات الضابط المتقاعد خليفة حفتر ضد قوات حكومة الوفاق، وكان الشبان أو المقاتلون يخرجون تلقاء مبالغ مادية وهو الأمر الذي كان يخرج من أجله مقاتلي المعارضة أيضًا، ولم يقتصر الأمر على ليبيا فقد كان لأذربيجان نصيب من الدم السوري وأيضًا لدى طرفي الصراع.
أطلق الكثير من السوريين على هؤلاء الذين يقاتلون خارج حدودهم وصف “المرتزقة” خاصة وأنهم ذهبوا للقتال من أجل المال.
كورونا
ظل النظام السوري ينكر وجود مرض كورونا في البلاد حتى يوم 22 مارس/ آذار حيث أعلن عن أول إصابة بالفيروس، وبحسب أرقام النظام السوري فإن الإصابات في أماكن سيطرته لم تتجاوز الـ 10 آلاف حتى الآن شفي منهم نصفهم مع وجود 512 حالة وفاة، هذا في مناطق النظام أما بالنسبة للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة في شمالي البلاد فقد تجاوز عدد الإصابات بجائحة كورونا 18 ألفًا توفي منهم ما يقرب من 260 شخصًا، وبلغت الإصابات في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” 7500 حالة منها 234 حالة وفاة.
قانون قيصر
في يونيو/ حزيران 2020 دخل قانون قيصر حيز التنفيذ، وكان وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أواخر 2019 على قانون قيصر الذي يفرض حزم عقوبات متتالية على النظام السوري وداعميه، وأطلق لقب “قيصر” على أحد سجاني الأمن السوري الذي كانت مهمته منذ اندلاع الثورة السورية، تصوير جثث المعتقلين الذين يموتون تحت التعذيب في سجون النظام السوري، إلا أنه انشق عن النظام وهرب من البلاد مسرّبًا معه عشرات الآلاف من الصور التي التقطها للضحايا، في شهر تموز/ يوليو عام 2014 تمكن “سيزر” من الوصول إلى الكونغرس، ليدلي بشهادته أمام أعضائه ويعرض جزءاً من الصور التي بحوزته والبالغ عددها 55 ألف صورة.
بعد مصادقة مجلس الشيوخ الأمريكي وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على التشريع من ضمن حزمة مشروع ميزانية الدفاع الأمريكية، وفي سياق متصل دأب الرئيس الأمريكي على معاقبة نظام الأسد إذ أنه وفي مايو/ أيار 2019 مدد نظام حالة الطوارئ ضد دمشق، مؤكدًا أن “وحشية النظام وأعماله القمعية بحق الشعب السوري، لا تمثل خطرًا بالنسبة إلى السوريين وحدهم، وإنما تولد عدم الاستقرار في كل المنطقة”. يفرض هذا المشروع عقوبات على المصانع السورية المتعلقة بالبنى التحتية والصيانة العسكرية وقطاع الطاقة، ويلوح بفرض عقوبات على روسيا وإيران لدعمها الأسد، وبحسب القانون ستُفرض عقوبات شديدة على النظام السوري.
مظاهرات السويداء
شهدت محافظة السويداء في شهر يونيو/ حزيران عدّة مظاهرات احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية المتردية، كما ردد المتظاهرون شعارات تنادي بإسقاط النظام وتندد بالتدخل الروسي والإيراني في البلاد، يذكر أن هذه المظاهرات تعتبر الأولى في تلك المدينة منذ 2011 لناحية حجمها، واستمرت هذه المظاهرات لأيام قبل أن تتوقف.
انهيار الليرة
كان شهر يونيو/ حزيران قاسيًا على سوريا، إذ انهارت الليرة السورية أمام الدولار إلى مستويات غير مسبوقة، وتجاوزت حاجز 2000 ليرة مقابل الدولار، لأول مرة في تاريخ العملة السورية، وبدأت في الهبوط حتى وصلت إلى 2600 ليرة مقابل الدولار الواحد، أدى ذلك الأمر إلى إغلاق المحال التجارية وفحش في غلاء الأسعار وأزمات متتالية في كافة المواد والسلع الرئيسية.
طوابير
تعيش مناطق النظام في سوريا نقصًا في كافة المواد، إلا أن موادًا مثل الخبز والمحروقات أصبح من الصعب الحصول عليها إلا عبر الوقوف في طوابير، ولعلّ عام 2020 شهد أطول الطوابير على أماكن شراء هذه المواد، وساهمت هذه الطوابير بشكل كبير في انتشار مرض كورونا في البلاد، ولم يعمل النظام السوري إلى الآن لحل هذه الأزمات المتلاحقة.
حرائق
حمل شهر تشرين الأول/ أكتوبر الرماد لسوريا، حيث اندلعت النيران في محافظات حمص وطرطوس واللاذقية، والتهمت الحرائق غابات المناطق ومناطق جبلية، كما انتشرت في جبلة ومشتى الحلو وصافيتا وتلكلخ وبلوران وصولًا إلى وجبال منطقة القرداحة، وتسببت الحرائق في وفاة أربعة أشخاص على الأقل وإصابة العشرات بالجروح وحالات الاختناق نتيجة، ألحقت الحرائق أضرارًا بالبساتين والحقول كما تسببت في هدم أبنية ومصانع، وتخلل عمليات الإنقاذ وإخماد الحرائق صعوبات عديدة بسبب وعورة التضاريس والرياح القوية.
مؤتمر العودة
استضاف النظام السوري في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر “مؤتمر اللاجئين السوريين”، في دمشق، بمبادرة روسية، من أجل “دعم جميع السوريين الراغبين في العودة إلى بلادهم”، وحضر المؤتمر كل من الصين وروسيا وإيران ولبنان والإمارات وباكستان وعًمان، وغابت الدول الكبرى والفاعلة عن المؤتمر الأمر الذي أفقده أهميته. وقال مسؤول أوروبي إن “الأولوية في الوقت الحاضر هي للتحرك الفعلي لتهيئة الظروف للعودة الآمنة، والطوعية، والكريمة، والمستدامة للاجئين والنازحين لمواطنهم الأصلية، بما يتماشى مع معايير عودة النازحين بسوريا، التي أصدرتها الأمم المتحدة، ومن هذا المنطلق، فإن المؤتمر سابق لأوانه”.
وفيات
شهد هذا العام وفاة عدد من الشخصيات السوريّة من طرفي النظام والمعارضة. ولعلّ من أهمها عبد الحليم خدام، النائب السابق للرئيس السوري حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار، عن عمر ناهز 88 عاما إثر إصابته بأزمة قلبية، وعمل خدام لمدة 30 عامًا في أعلى دوائر الدولة السورية في عهد الأسدين.
بالإضافة لخدام، توفي وليد المعلم وزير خارجية النظام السوري في دمشق عن عمر يناهز الـ 79 عامًا، قضى جزءًا كبيرًا منها في أروقة الدبلوماسية السوريّة، وعاصر المعلم حكم حافظ الأسد وابنه بشار الذي عينه وزيرًا للخارجية. ونعت حكومة النظام المعلم، بعد عمل استمر نحو 56 عامًا في الوزارة، ولم تذكر الحكومة أي تفاصيل عن سبب وفاة المعلم.
في الطرف المقابل توفي سفير الائتلاف الوطني السوري المعارض في قطر، نزار حسن الحراكي، في أحد مستشفيات إسطنبول، بعد إصابته بفيروس كورونا. وقال مدير المكتب الإعلامي في السفارة، إن الحراكي أصيب بالفيروس خلال زيارة قام بها للداخل السوري الأسبوع الماضي، حيث نُقل للعلاج في تركيا، ووُضع في العناية المركزة قبل أن تعلن وفاته مساء اليوم.
قد يختلف السوريون أو يتفقون في تفسير مشاعرهم من الأحداث في بلدهم، ما هو سار أو حزين، طبقًا لانتماءاتهم واصطفافاتهم وتصوراتهم السياسية والآيديولوجية، لكن علامات الحزن واضحة على ملامح 2020 بالنسبة لعموم السوريين، فلعل 2021 يحمل بشرى لهم جميعًا تبتهج لها أرواحهم وأرضهم، رحيل الطاغية والشروع بانتقال سياسي فعلي إلى بلد آمنة ومستقرة وحرة.