ترجمة وتحرير: نون بوست
هناك أدلة كثيرة تشير إلى أن الآراء السياسية ترتبط إلى حد ما بالسمات الشخصية (سيبلي وآخرون. دراسة نُشرت في 2012). ومن بين أكثر النتائج منطقية في الدراسة، أن المحافظين أقل انفتاحا على التجربة مقارنة بالليبراليين، وهي سمة مرتبطة بتجربة الفرد وثراء زاده المعرفي.
أدت مناقشة اختلافات السمات الفردية على أساس الآراء السياسية إلى نتائج مثيرة، بما في ذلك أن المحافظين أكثر تشددًا ودوغمائية في التفكير مقارنة بالليبراليين، وأن مقاييس الانفتاح على التجربة تعكس ببساطة التحيز الليبرالي.
ومع ذلك، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الحقيقة أكثر تعقيدًا من هذين الاستنتاجين. على سبيل المثال، توصلت إحدى الدراسات إلى أن التعمّق في المسائل السياسية يزيد من الاختلافات بين الليبراليين والمحافظين حول الانفتاح على التجربة، على الرغم من أن هذا ينطبق على الجوانب العملية أكثر من الجوانب الفكرية (أوزبورن وآخرون، 2017). وعلى هذا الأساس، فإن عدم انفتاح المحافظين على التجربة مثل الليبراليين يعكس على الأرجح تفضيلا للمألوف، أكثر مما يعكس تفكيرا ساذجا أو افتقارا إلى الذكاء.
في مجال علم النفس الاجتماعي، كان هناك اعتقاد راسخ بأن الليبراليين أنضج فكريا من المحافظين، وهو ما يتجلى في الاختلافات في مقاييس النزعة الدوغمائية، والحاجة إلى الانغلاق، والتعقيد التكاملي، وحتى الانفتاح على التجربة (كونواي وآخرون، 2016).
ومع ذلك، أظهر كونواي وآخرون (2016) أنه في حين كان المحافظون أكثر دوغمائية بشأن بعض القضايا (الدين على سبيل المثال)، فإن الليبراليين كانوا أكثر دوغمائية بشأن مسائل (مثل حماية البيئة). وتم تعريف الدوغمائية أنها اليقين التام بفكرة ما، والاعتقاد بأن رأيا محددا لا يمكن أن يختلف معه إلا الحمقى.
خلص المؤلفون إلى أن المحافظين ليسوا أقل نضجا معرفيا، لكن الاختلافات بينهم وبين الليبراليين تعتمد على القضية المطروحة
بالإضافة إلى ذلك، أجرى كونواي وآخرون دراسة أخرى لتقييم التعقيد التكاملي، وطُلب من المشاركين إكمال الأسئلة التي تتعلق في الغالب بالقضايا السياسية والاجتماعية (على سبيل المثال “عقوبة الإعدام” و”الإجهاض” و”الدين المنظم”).
صُنّفت إجاباتهم ضمن مقياس التعقيد التكاملي من قبل مجموعة مبرمجين لم يكونوا على دراية بالتوجه السياسي للكاتب. أظهرت النتائج أن المحافظين كانوا أفضل ضمن هذا المقياس في بعض القضايا (على سبيل المثال، عقوبة الإعدام، والاشتراكية)، بينما تميّز الليبراليون فيما يتعلّق بقضايا أخرى (مثل الرقابة، وممارسة الجنس قبل الزواج).
خلص المؤلفون إلى أن المحافظين ليسوا أقل نضجا معرفيا، لكن الاختلافات بينهم وبين الليبراليين تعتمد على القضية المطروحة. بالإضافة إلى ذلك، وجدوا أن الأشخاص الذين لديهم مشاعر قوية تجاه مواضيع معينة يميلون إلى أن يكونوا أكثر دوغمائية.
مثلما تبدو الاختلافات بين الليبراليين والمحافظين دقيقة على هذا المستوى، يجدر بنا أن نأخذ بعين الاعتبار أن الاختلافات بينهما في بعض السمات الشخصية مثل الانفتاح على التجربة قد تكون دقيقة أيضا. في الواقع، يعدّ الانفتاح على التجربة سمة معقدة تشمل مجموعة واسعة من الخصائص المتعلقة بالحياة العقلية للفرد، على سبيل المثال، الاهتمام بالأفكار المجردة والإبداع وتقدير الجمال والعمق العاطفي وثراء التصوّر والخيال وتفضيل التجديد.
كانت المقاييس البديلة للانفتاح على التجربة التي لا تتضمن محتوى سياسيا متاحة منذ سنوات عديدة
طُوّرت طرق مختلفة لقياس السمات الشخصية، ومن بين الطرق الأكثر شهرة تلك المستخدمة في “تحليل شخصية “NEO” المنقحة” (كوستا وماكراي، 2008)، والتي اقترحت أن العامل واسع النطاق للانفتاح على التجربة يتألف من ستة جوانب ضيقة من الأفكار والمشاعر وعلم الجمال والخيال والقيم والعمل. وثبت أن جانب القيم مثير للجدل لأنه يقوم على تصريحات تعكس بوضوح وجهات نظر محافظة أو ليبرالية.
على سبيل المثال، إذا قال أحدهم “أعتقد أنه يجب علينا أن نعود إلى السلطات الدينية لاتخاذ قرارات بشأن القضايا الأخلاقية”، وهو موقف محافظ، قد يشير ذلك إلى القليل من الانفتاح. أدى ذلك إلى اعتبار العلاقة بين الانفتاح على التجربة والليبرالية حلقة مفرغة لا معنى لها، أي أن الليبراليين يسجلون دائما درجات أعلى في مقاييس الانفتاح على التجربة لأن التدابير المستخدمة تتضمن محتوى سياسيا واضحا (تشارني، 2015؛ كونيكوفا، 2016).
ومع ذلك، كانت المقاييس البديلة للانفتاح على التجربة التي لا تتضمن محتوى سياسيا متاحة منذ سنوات عديدة، ولا تزال الدراسات التي تعتمد هذه المقاييس تجد علاقة قوية بين هذه السمة والآراء السياسية الليبرالية مقارنة بالآراء السياسية المحافظة (على سبيل المثال، أوزبورن وآخرون، 2017؛ أوزبورن وسيبلي، 2015).
على سبيل المثال، في مقياس السمات الشخصية، حيث يُنظر إلى كل سمة من السمات الخمس الكبرى على أنها تتكون من جانبين محددين، فإن الانفتاح على التجربة يتضمن “الفكر” (الذي يتعلق بالحدة الذهنية والمشاركة المعرفية) و”الانفتاح” (الذي يتعلق بالميزات التجريبية والإدراكية للسمة مثل الخيال والتقدير الجمالي). العناصر المستخدمة لقياس هذين الجانبين موضحة في الجدول أدناه. يظهر بوضوح أن الجانبين لا يتضمنان أي محتوى سياسي صريح.
جادل أوزبورن وآخرون (2017) بأنه من المرجح أن يختلف الليبراليون والمحافظون في جانب الانفتاح بدلا من الجانب الفكري للانفتاح على التجربة، وذلك لأن السمة الأساسية للفكر المحافظ هي تفضيل الوضع الراهن، في حين يرتبط الانفتاح بتفضيل الحداثة والتغيير، وهو ما لا يتوافق مع القيم المحافظة.
بالإضافة إلى ذلك، أكد الباحثون أن الاختلافات بين المحافظين والليبراليين في هذه السمة تزداد وضوحا لدى الأشخاص ذوي الحنكة السياسية الأكبر، وذلك لأن الأشخاص الأكثر دراية بالسياسة يستطيعون اتخاذ قرارات مستنيرة حول وجهات النظر السياسية التي تتوافق مع ميولاتهم الشخصية.
استخدم أوزبورن وآخرون مقياس السمات الشخصية الخمسة ضمن دراسة أجريت في نيوزيلندا، وقد أكمل المشاركون استبيانا لتقييم معرفتهم بالأحداث السياسية الحالية، بالإضافة إلى الإشارة إلى توجههم السياسي، من أقصى التوجه الليبرالي إلى أقصى التوجه المحافظ. كما هو متوقع، وجدوا أن جانب الانفتاح كان مرتبطا بشكل أكبر بالليبرالية، بينما لم تكن هناك اختلافات كبيرة بين المحافظين والليبراليين في الجانب الفكري.
علاوة على ذلك، وجدوا أن الاختلافات بين المحافظين والليبراليين في جانب الانفتاح كانت أكثر وضوحا لدى أولئك الذين يتمتعون بمستوى عال من الوعي السياسي. تتماشى هذه النتيجة مع البحث السابق الذي يُظهر أن زيادة المعرفة والتعليم تستقطب الناس للإدلاء بآرائهم بشأن القضايا المثيرة للجدل (دراموند وفيشوف 2017)، ربما لأن الأشخاص الأكثر تعليما يشعرون بمزيد من الثقة في الدفاع عن آرائهم.
باختصار، من غير المرجح أن تكون الاختلافات بين المحافظين والليبراليين في الانفتاح على التجربة نتاجا لإجراءات متحيزة، لأنها لا تزال موجودة حتى عند القيام باختبارات خالية من المحتوى السياسي. من ناحية أخرى، من غير المرجح أن تعكس مثل هذه الاختلافات البساطة في التفكير بين المحافظين، لأن الاختلافات تتزايد بسبب النضج الفكري.
يبدو أن هذه الاختلافات تظهر في الجوانب التجريبية والإدراكية للانفتاح على التجربة أكثر مما تظهر في الذكاء والقدرة على التفكير المجرد. ومن ثم، قد يكون من المعقول استنتاج أن الليبراليين أكثر إبداعا من المحافظين، ولكن ليس بالضرورة أكثر قدرة على التعامل مع المعلومات المعقدة. قد يعتمد الأمر أساسا على مقدار الأهمية الشخصية التي يوليها المرء لهذه الميزة.
المصدر: سايكولوجي توداي