لا يشك أحد في أنّ تونس نجحت نسبيًا رغم العقبات المختلفة والهنات المتعددة في إنجاح أكثر من استحقاق انتخابي سواء كان تشريعيًا أو رئاسيًا، وأرست نظامًا برلمانيًا معدلًا لا يزال تتحسس طريقًا نحو إرساء نموذج ديمقراطي تعددي يمنح النور لأول التجارب الديمقراطية العربية، ويُضيء دروب الثورات الأخرى التي عرفت انتكاسًا بعودتها إلى مربع الدكتاتورية.
عقد مرّ على سقوط نظام ابن علي، واجهت خلاله القوى الثورية في مهد الربيع العربي جيوش الثورة المضادة سواء من الخارج المتمثلة في الدول المناهضة لرياح التغيير أو من الداخل من قبل الوريث الشرعي للنظام الاستبدادي الذي عمل على ترذيل مكتسبات 17 ديسمبر في أكثر من مناسبة، في مقابل ذلك يبدو أن الحراك الشعبي الذي تعرفه تونس يعطي أكثر من رسالة بأنّ اللحظة التاريخية لم تحن، وأن ثوار تونس لم يهرموا بعد، بخلاف مقولة صاحب شعار “هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية” لصاحبها الذي اشتهر زمن الثورة الشيخ “أحمد الحفناوي”.
تاريخ وثورة
في هذا التاريخ من كل عام (17 ديسمبر)، يعود الجدل بين التونسيين على جرد حسابات ثورتهم ومكتسباتها التي تحققت على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فمنهم من يرى أنها رغم المطبات والعقبات حققت الحد الأدنى مما يصبو إليه الشعب من حرية وديمقراطية وكرامة وهو أمر يدعو للاحتفال بها كل عام، مشيدين بالقوانين التي سنّت في هذا المجال والتي فتحت أبوابًا كانت موصدة في عهد بن علي كحرية الإعلام والتعبير والتظاهر، فيما يعتبرها آخرون حلقة دائرية أعادت البلاد إلى النقطة صفر باعتبار أنّها لم تُحقق الشعارات والمطالب وهي بالأساس اجتماعية اقتصادية كالتشغيل والتنمية، مؤكدين على أنّها كانت ثورة لكنها قُبرت أو غُدرت في مهدها الأول.
الاختلاف في تقييم التجربة التونسية، يعود بالأساس إلى خلاف جذري بين التونسيين في تحديد التاريخ الثوري الذي يجب إحياء ذكراه كل عام، فجزء منهم يرى أن 17 ديسمبر يوم أحرق محمد البوعزيزي نفسه وانطلقت الاحتجاجات في سيدي بوزيد هو تاريخ الثورة الذي يجب تصحيحه، فيما يصر الباقي على أن 14 يناير تاريخ فرار ابن علي إلى السعودية هو أصل الثورة.
من هذه الزاوية، من الضروري تحديد تاريخ الثورة لأسباب موضوعية قد تساهم في فهم التجربة التونسية، فربط تاريخ ميلاد الثورة بيوم هروب بن علي، أي يوم 14 كانون ثاني (يناير) 2011 بدل من 17 كانون أول (ديسمبر) 2010، يُعد تزويرًا يحمل أبعادًا جهوية مقيتة ويُدلل على تهميش واحتقار متعمد لهذه المناطق، لذلك فإن حرمانها من حقها التاريخي والثقافي يُعد بحسب المراقبين أولى معالم النكوص الثوري وبداية العودة لنظام المركز والهامش.
من جهة أخرى، فإن تسمية الثورة هي الأخرى كانت محل جدل بين التونسيين، فبعض يطلق عليها ثورة الياسمين (الزهرة البيضاء يكثر تداولها في الصيف)، فيما يُلصق بها آخرون تهكمًا اسم “البرويطة” (عربة البوعزيزي)، غير أن الكلمة أصبحت علامة مسجلة يفخر بها من يستعملها مريدو الثورة في أقوالهم ولقاءاتهم.
جرد حساب
في تقييم موضوعي للثورة التونسية، يُمكن القول إن مهد الربيع العربي نجح نسبيًا في المحافظة على استقرار البلاد التي عرفت مطبات كادت أن تعصف بانتقالها السياسي كالاغتيالات السياسية التي طالت محمد البراهمي وشكري بلعيد والعمليات الإرهابية وكذلك التوترات الإقليمية (ليبيا)، كما نجحت تونس في إرساء نظام ديمقراطي يقوم على التداول السلمي للسلطة وعلى رعاية الحقوق الأساسية للمواطنين، حيث تصدرت البلدان العربية في مؤشر الحريات للعام الخامس على التوالي حسب منظمة “فريدم هاوس” الدولية.
كما حلّت تونس في المرتبة الأولى عربيًا في مؤشر الديمقراطية في تصنيف مؤسسة “إيكونوميست” البريطانية، وتقدّمت على بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في حرية الصحافة وفق تقرير “مراسلون بلا حدود”.
في مقابل ذلك، ورغم تحقيق ثورة الياسمين لمكتسبات مهمة متمثلة في الحريات بأبعادها الثقافية والاجتماعية، إلا أنّها هي الأخرى أصبحت اليوم مهددة، خاصة في ظل عودة المنظومة القديمة للبروز في الساحة من خلال شبكة من المؤثرين التي تعمل في الغرف المغلقة ومن خلف الستار، وتجلى نفوذهم المالي والسياسي في السلطة والأحزاب ومفاصل الدولة بمؤسساتها الأمنية والقضائية والإدارية.
تنتهج بعض الأحزاب الوظيفية التي تعمل بالوكالة لصالح الدول المناهضة للربيع العربي، تمرير خطاب معادي للثورة ومنجزاتها في محاولة لاستنساخ التجربة المصرية
تونس التي تخلصت من نظام بن علي قبل عشر سنوات، لم تقطع مع المنظومة القديمة القائمة على تغول لوبيات وجماعات الضغط المالي والسياسي التي عملت على عرقلة الإصلاحات الهيكلية والأساسية في عملية إعادة البناء كإصلاح النظام القضائي والجهاز الأمني والإداري، وحالت دون إرساء محاسبة شاملة وعادلة.
لذلك، فإن غياب المحاسبة في مرحلة أولى والمصالحة في مرحلة ثانية ساهم بما لا يدع مجالًا للشك في تعقيد عملية التطوّر الطبيعي للثورة التونسية التي غاب عنها التأصيل القانوني والاجتماعي، ما فسح المجال إلى ظهور ديكتاتوريات صغيرة متمثلة في القطاعات التي تغوّلت على الدولة وأصبحت أقوى منها، فنقابات الأمن مثلًا التي تشكلت بعد العام 2011 باتت أدوات للضغط السياسي مع تدخلات قوية في بعض الأحيان في المحاكم لمنع أي ملاحقات خاصة عندما بدأت المحاكم المتخصصة في 2018 بمحاكمات تتعلق بجرائم القتل والاغتصاب والتعذيب التي ارتكبت بين العامين 1955 و2013.
الأمر ذاته ينطبق على القضاء التونسي الذي تم استغلاله إلى حد كبير لخدمة مصالح النظام السابق، ورغم رياح التغيير التي هبت على هذا المرفق كتركيز المجلس الأعلى للقضاء ورفع يد الدولة، إلاّ أنّ العصا الغليظة للسلطة التنفيذية (تفقدية وزارة العدل)، ومحاولة الأحزاب استمالة بعض القضاة واستعمالهم، يبدو أنّها مازالت تعرقل أداء القضاء، فوفقًا للخبير في الشؤون السياسية سليم خراط فإن “الأمر يتطلب شجاعة سياسية تكاد تكون انتحارية لإصلاح قطاعي الشرطة والقضاء اللذين لديهما روابط سياسية عميقة”.
الأحزاب والثورة
عشر سنوات من الثورة، تشكّلت خلالها ثماني حكومات فشلت في إنجاح التجربة التونسية وتجنيبها مخاطر الانزلاق نحو الفوضى، فيما أفرزت أحدث انتخابات تشريعية (أكتوبر/ تشرين أول 2019) خارطة برلمانية مشتتة عجزت الأحزاب المتناحرة عن تشكيل أغلبية مستقرة، مما ساهم في تعقيد المشهد السياسي في تونس خاصة بعد التجاذبات الأخيرة التي وصلت حد تبادل الأحزاب الاتهامات بالفساد وبالمسؤولية عن ما آلت إليه أوضاع البلاد.
الأزمة السياسية للديمقراطية التونسية تمثلت في تجاذبات حادة داخل الأطراف الفاعلة في المجتمع السياسي وظهر ذلك بشكل كبير في البرلمان، حيث تنتهج بعض الأحزاب الوظيفية التي تعمل بالوكالة لصالح الدول المناهضة للربيع العربي، تمرير خطاب معادي للثورة ومنجزاتها في محاولة لاستنساخ التجربة المصرية، فهي تركز على المعارك الجانبية كاستهداف الإسلام السياسي وإقصاء الإسلاميين وتُقدّم نفسها كبديل منقذ، والحال أنها مطالبة بوضع برامج حكم مقنعة توفر بدائل سياسية تلبي الطموح الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين.
من هذا الجانب، يمكن إرجاع الأزمة السياسية في تونس إلى عدة عوامل، أهمها أن الأحزاب ما بعد الثورة عجزت عن تشكيل تحالفات قوية على قاعدة البرامج الإصلاحية الكبرى والحلول الجذرية للتحديات التي تواجهها البلاد، وفشلها في تغليب المصلحة الوطنية على المكاسب الحزبية الضيقة القائمة على تحشيد الناخبين وضرب الخصوم.
فتجربة الترويكا الأولى وحتى التوافق بين حركة النهضة ونداء تونس لم يكن التنافس فيها على البرامج الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بفرض بدائل قادرة على تغيير الوضع، بل كانت في مجملها معارك كسر عظام وتطاحن، فيما عملت الأحزاب الوظيفية على زعزعة الحد الأدنى من الاستقرار.
ورغم أن النظام السياسي والانتخابي الذي أرسى دعائمه دستور 2014 يتضمن علل متعددة واخلالات كبرى منها تفتت الدولة والحكم، إلاّ أنّ الخطاب الشعبوي المتصاعد يعد أهم تهديد للمسار الانتقالي في تونس خاصة بعد دفعه بأطروحات فوضوية تقدم على أساس البديل والحل لمعضلة الحكم، والحال أنّها ليست حلًا ولا تعدو أن تكون سوى إنهاكًا للديمقراطية الفتية وتصفيتها.
يرى التونسيون أن النخب سواء التي كانت في السلطة أو المعارضة منذ 2011، ساهمت في تعقيد الأوضاع وتعطل مسار الانتقال السياسي والاقتصادي في البلاد، لانخراطها في سجال دغمائي فوضوي أعطى رؤية سلبية للمواطن، فقطعها وعود انتخابية ذات سقف مرتفع يصعب تجسيدها في الواقع كشف زيف دعواتهم وأحدث نوع من الخيبة والإحباط لدى الناس وصل حد النخبة التي ساندت الثورة وآمنت بها.
من جهة أخرى، ما يُعاب على النخب التونسية وخاصة الأحزاب السياسية سواء التي في الحكم أم في البرلمان، هو تغييبها للرابطة الوطنية وهي أساس البناء الجمهوري ودولة المؤسسات الراعية للحريات العامة والشخصية، وانخراطها في لعبة المحاور الإقليمية على أساس إيديولوجي أو نفعي لا تخدم تونس في شيء.
جراء العطب السياسي المزمن الذي تشهده تونس، لا يلوح في الأفق بوادر حل للأزمة السياسية المستمرة منذ 10 سنوات، ففي ظل الخلافات والتجاذبات التي ضربت هرم السلطة (رئاسة برلمان وحكومة)، إضافة إلى غياب المحكمة الدستورية التي تعد أهم مرجع تعديلي في النظام السياسي، واتساع الفجوة بين الأحزاب السياسية، وتراجع سلطة الدولة وهيبتها في المحافظات التي تشهد احتجاجات ودعوات للعصيان المدني، تتعدد سيناريوهات تطور الأوضاع في الأيام القادمة والأسئلة حول مصير الديمقراطية الناشئة.
رغم كل ذلك، تبقى التجربة الديمقراطية في تونس على هشاشتها ناجحة لسبب وحيد وهو أنّها التجربة الأولى عربيًا التي تحققت ودامت لفترة تعتبر طويلة بالنظر نظيراتها في مصر واليمن وسوريا والجارة ليبيا التي انحرفت مساراتها لأسباب كثيرة ومعقدة.
الاقتصاد.. عجلة الدفع الغائبة
لا أحد يُنكر أن تونس بعد الثورة بذلت جهودًا كبيرة لإنجاح المسار الانتقالي، حيث عملت كل الأطياف السياسية كالأحزاب والمنظمات المختلفة كاتحاد الشغل (الرباعي الراعي للحوار) على تحقيق نوع من الاستقرار السياسي المبني على التوافق لدعم الديمقراطية الوليدة وذلك رغم الانقسامات الشديدة والمعارك الإيديولوجية المعقدة، وهو مسار أثمر قاعدة صلبة عززت الحريات وقطعت مع الاستبداد، لكنه في المقابل أهمل إحدى ركائز الثورة وهي التنمية والاستقرار الاقتصادي.
بعد مرور 10 أعوام على الثورة، ما يزال اقتصاد التونسي يتخبط دوامة عدم الاستقرار ويُكافح لمجابهة مخاطر الانزلاق إلى الهاوية، حيث أظهرت المؤشرات تراجعًا في أكثر من قطاع، وبحسب أرقام البنك الدولي ارتفعت البطالة من 12% قبل الثورة إلى 15% حاليًا على الصعيد الوطني، وهي أسوأ بكثير في المناطق الداخلية الفقيرة في تونس، حيث تجاوزت 30% في بعض البلدات، أما الدين العام فقد ازداد بنسبة 95% بين عامي 2010 و2019.
عانى الاقتصاد الوطني خلال السنوات الأخيرة من نقص وتباطؤ في الإنتاجية العامة وركود حاد وانخفاض مستمر في نسبة النمو الاقتصادي الذي بلغ 1.04% سنة 2019 بعد ان كانت 3.51% سنة 2010، كما سجل التضخم المالي نسبة مرتفعة ومهولة 7.3% سنة 2018 بعد أن كان منخفضًا بكثير قبل الثورة وفي حدود نسبة 3.33 % سنة 2010، ووفقًا لتقرير أفاق الاقتصاد العالمي لشهر أكتوبر 2020 توقع صندوق النقد الدولي انكماش نمو الاقتصاد التونسي خلال سنة 2020 بـ7% وأن تبلغ نسبة العجز 8.3 %.
إجمالًا، فإن المعارك السياسية المتتالية لم تمكن الحكومات المتعاقبة من إيجاد توازنات اقتصادية وإقرار منوال تنموي شامل يقطع مع تنفذ الأوليغارشية المالية، ما دفع الأوضاع الاجتماعية إلى التدهور في بعض الجهات، ومع الاحتقان الشعبي المستمر في المدن الداخلية، تعمقت الفوضى وتعطل إنتاج مصادر الطاقة خاصة في منجم فوسفات قفصة وإنتاج الغاز والنفط، وبقيت الأوضاع الاقتصادية تتجه إلى الأسوأ وهي على حافة الهاوية مع أواخر سنة 2020 نظرًا للأزمة الصحية التي تمر بها البلاد بسبب فيروس كورونا وتضرر القطاع السياحي والصناعي وتعطل المبادلات التجارية والمعاملات المالية.
الأزمة تعود أيضًا إلى فشل الحكومات التونسية ما بعد الثورة، في توفير مناخ مشجع على الاستثمار، فعلى عكس مؤشر الحريات والديمقراطية، احتلت تونس رتبة متأخرة عربيًا (المرتبة التاسعة) وعالميًا (المرتبة 87)، في مؤشر التنافسية العالمية لعام 2019 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
فيما يخص الإصلاح الاقتصادي، إن عنصرًا أساسيًا في المشكلة يتمثل بـ”رأسمالية المحسوبيات” التي تنتهجها الدولة و”تكتلات عائلية” تسيطر على أجزاء من الاقتصاد، فالأزمات ما زالت متراكمة ومتتالية نتيجة لاتساع ثغرة الهشاشة الهيكلية في صلب المؤسسات الاقتصادية التونسية التي يسهل التسرب إليها من طرف الفاسدين ولوبيات المال والأثرياء الجدد.
تحركات ومآلات
تاريخيًا، شهر ديسمبر يعرف بأنّه دافئ يُحرك الجماهير ويحفز تحركاتهم الشعبية المطالبة بتحقيق شعارات الثورة واستحقاقاتها الاجتماعية والاقتصادية، ولكن أيضًا يمثل صقيعًا على الحكومات التي تنتظر في توجس انتهائه، فكل سيناريوهات المرعبة تُثار حول مصير الديمقراطية الناشئة في ظل مأزق الطبقة السياسية ودخول الاحتجاجات منحى غير مسبوق.
فبخلاف سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية، تنتشر مشاعر خيبة أمل من حكومات ما بعد الثورة، في مناطق أخرى، مثل محافظات القصرين وقفصة وجندوبة وسليانة، وبقدر ما شكلت هذه المناطق بؤرة للاحتجاجات التي أدت إلى سقوط نظام بن علي، فقد باتت اليوم مناطق خصبة للاحتجاجات والاعتصامات يستثمر فيها خصوم حكومات ما بعد الثورة، بكل ألوانهم وعلى رأسهم أنصار النظام القديم (حر الدستوري).
حكومة المشيشي الحالية تعيش مأزقًا لم تشهده الحكومات السابقة، فالإضافة إلى الاحتجاجات داخل المحافظات التي تشكو من التهميش وغياب العدالة في توزيع الثروة الوطنية التي بلغت حد غلق المنشآت الحيوية في البلاد، تواجه القصبة موجة من الإضرابات القطاعية على غرار إضراب القضاة وإضراب المحامين والأطباء والصحفيين.
ويعدّ ظهور أشكال جديدة لتنظيم الاحتجاجات – يطلق عليها التنسيقيات المحلية وتضم نشطاء وعناصر من خارج التمثيل المؤسساتي والحزبي وحتى النقابي – من أهم ملامح المشهد الاجتماعي والسياسي في تونس التي تحمل معها نُذر تحدٍّ كبير للمنظومة السياسية في البلاد، ما دفع بعديد الأطراف إلى الدعوة لعقد حوار وطني من جديد يجمع ممثلين عن الأحزاب والكتل البرلمانية والمنظمات الوطنية، لبحث الحلول والآليات التي تُخرج تونس من أزماتها.
السؤال الأكثر إلحاحًا في الوقت الراهن يتلخص في ماذا يمكن أن يحدث في تونس في المرحلة القادمة، فحتى فكرة الإضرابات والاحتجاج في الشوارع على الأحوال الاجتماعية والاقتصادية السيئة قد لا تكون كافية لفهم المشهد الذي يبدو أكثر سريالية مما تعرضه التقارير، فتونس تعرف سلسلة من الأزمات غير المسبوقة كفشل المنوال الاقتصادي والاضطراب السياسي والاجتماعي، وكذلك هجرة العقول والأدمغة المتمثلة في الكوادر الطبية والأساتذة وزبدة المجتمع وأخرى تمثلها السواعد والطاقات الشابة التي لم تلق حظها بعد الثورة والتي خيّرت المجازفة لركوب ألواح متهالكة في المتوسط نحو أوروبا (12 ألف تونسي في 2020).
بالنهاية، يُمكن القول إنّ الطاقة الثورية الكامنة في نفوس التونسيين والغاضبة من فشل الأحزاب السياسية ومن البرنامج الغامض والضبابي لمن أصبحوا اليوم في السلطة (الرئيس قيس سعيد)، يُمكنها في أي لحظة الانفجار لاستبدال ضيق الأفق والتخلص من التركات الثقيلة لنظام الاستبداد ومن قيود قوى الثورة مضادة، فصوت الجماهير الجائعة في تونس لم تعد في حاجة إلى النظر في سماء السياسيين لأن تمطر عليهم تنمية وعدالة اجتماعية أو خبزًا وماء.