تتواصل الاشتباكات بين تنظيم “داعش” ومجموعات كردية، في ناحية عين العرب “كوباني”، الواقعة شمال شرقي محافظة حلب المتاخمة للحدود التركية السورية.
ومع استمرار سماع أصوات أسلحة بشكل متكرر قادمة من المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية من عين العرب، ساهمت الغارات الجوية للتحالف الدولي أمس الثلاثاء في إيقاف تقدم التنظيم بشكل جزئي.
وكانت طائرات قوات التحالف قد شنت غارات جديدة على أهداف للتنظيم في عين العرب، استهدفت فيها عناصر وعربات مسلحة تابعة له، حيث سقط أحد الصواريخ خلف بناء مؤلف من 4 طوابق رفع التنظيم سابقًا علمه فوقه، وسمع صوت انفجاره سكان قضاء سوروج بولاية شانلي أورفة المتاخم للحدود مع سوريا.
مدينة عين العرب (كوباني) والتي يحاصرها تنظيم “داعش” منذ ثلاثة أسابيع، في أقصى ريف حلب الشمالي الشرقي، على بعد 140 كيلو مترًا شمال شرق مدينة حلب، وتسكنها في الأساس غالبية كردية، إلا أن عشرات الآلاف من النازحين، وصلوا إلى المنطقة في الأشهر الأخيرة من مناطق ريف حلب الشرقي، خصوصًا مناطق الرقة والسفيرة ومنبج وجرابلس.
في الوقت ذاته أعلنت مجموعات تابعة للجيش السوري الحر أنها تقاتل في منطقة كوباني إلى جانب قوات الحماية الشعبية، التابعة لحزب لاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، لعل أشهرها لواء “ثوار الرقة”، و”شمس الشمال”، و”سرايا جرابلس”، التي ينتسب مقاتلوها إلى مناطق الرقة، وريف منبج، وصرين، وجرابلس، في ريف حلب الشرقي، وقد اضطرت منذ أشهر إلى الانسحاب من مناطق تواجدها إلى أماكن أخرى، بعد استيلاء تنظيم داعش عليها.
“أبو عيسى” قائد لواء ثوار الرقة أكد لوكالة الأناضول وجود عدة فصائل تابعة للجيش الحر تقاتل في عين العرب “كوباني”، كاشفًا أن هذه الكتائب شكّلت غرفة عمليات مشتركة مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)، لقتال تنظيم “داعش” وقوات النظام السوري.
ولفت أبو عيسى إلى أنّ فصيل “ثوار الرقة”، الذي يقاتل في عين العرب، هو “العمود الفقري لبقية الفصائل التي تقاتل هناك، ومنها لواء “شمس الشمال”، ولواء “جيش الغطاس” من دير الزور، و”سرايا جرابلس”، وهي تشكيل صغير مؤلف من عناصر من الجيش الحر من أبناء مدينة جرابلس الواقعة غربَ مدينة عين العرب، وأوضح أن هذه الألوية خرجت من محافظاتها ومدنها بعد احتلال تنظيم “داعش” لها، واضطرت إلى التراجع بعد الحصار الذي فرضه داعش على تلك القرى والمدن.
وأكّد قائد لواء ثوار الرقة وجود تنسيق بين مقاتلي الجيش السوري الحر من جهة، وقوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) من جهة أخرى، وقال: “بعد أن شكّلنا غرفة عمليات “بركان الفرات”، حددنا أهدافنا بمقاتلة داعش والنظام، واتفقنا على هذه النقطة مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي”.
إلا أن تصريحات أبو عيسى تبقى محل نقاش كبير، حيث إن قوات الـ PYD هي الفرع السوري، لحزب العمال الكردستاني PKK والذي ينشط في المناطق الجنوبية من تركيا، والمصنف على لوائح الإرهاب في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا وإيران وسوريا وأستراليا، ويتزعمه “عبد الله أوجلان” المسجون حاليًا في تركيا حيث تجري عملية للسلام ما بين حزبه وتركيا.
في الوقت ذاته فإن قوات الـ PYD بقيت طوال الفترة الماضية مدعومة من النظام السوري وإيران، هذه الأخيرة التي تدعم الـ PKK كذلك، الأمر الذي يزيد موضوع “كوباني” تعقيدًا، حيث إن الجيش السوري الحر عليه أن يقاتل داعش التي تحاربه وتحارب الأكراد والنظام السوري، إلى جانب الأكراد المتحالفين سابقًا مع الأسد ضد داعش، ومعلنين العداودة لتركيا التي تساند الجيش السوري الحر والقضية السورية!
السياسي الكردي “صالح مسلم محمد” زعيم “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي PYD قال في ذلك تصريح لصحيفة السفير “لا نفهم، موقف الأتراك ولا دوافعهم، وقلنا لهم إن أمن الحدود يهمنا، وإذا كانوا يلوموننا على علاقتنا بحزب العمال الكردستاني فهم يفاوضونه، وأبلغناهم أن مسار السلام في تركيا لا علاقة له بالمشكلة الكردية في سوريا، حيث نعمل على نيل حقوقنا ضمن سوريا موحدة ديمقراطية تعددية، لا تنال من المصالح التركية”.
إلا أن حزب الشعوب الديمقراطي التركي الكردي ربط استمرار عملية السلام الداخلي في تركيا، بدعم الحكومة التركية للمجموعات الكردية التي تواجه تنظيم داعش في كوباني.
وقالت اللجنة التنفيذية المركزية للحزب في بيان صادر عنها في وقت سابق: “لا يمكن الفصل بين عملية السلام وما يدور في كوباني، إن الطريق إلى السلام يمر عبر كوباني، وإذا ما سقط أحدهما سقط الآخر”، وأضاف البيان أن سيطرة تنظيم داعش على عين العرب (كوباني)، سيؤدي إلى إحتمالية انكسار لا يمكن الحؤول دونه، والانجراف إلى كارثة حقيقية.
ومن الجدير ذكره بأن عملية السلام التي تحدث عنها حزب الشعوب انطلقت قبل عام ونصف في تركيا، وذلك من خلال مفاوضات غير مباشرة بين الحكومة التركية و”عبد الله أوجلان” – زعيم منظمة PKK – بوساطة حزب السلام والديمقراطية (حزب غالبية أعضائه من الأكراد)، وبحضور ممثل عن جهاز الاستخبارات التركي.
وشملت المرحلة الأولى من العملية وقف عمليات منظمة “PKK”، وانسحاب عناصرها خارج الحدود التركية، وقد قطعت هذه المرحلة أشواطًا كبيرة، فيما تتضمن المرحلة الثانية عددًا من الخطوات الرامية لتعزيز الديمقراطية في البلاد، وصولاً إلى مرحلة التطبيع التي يجري فيها مساعدة أعضاء المنظمة الراغبين بالعودة إلى البلاد، والذين لم يتورطوا في جرائم ملموسة؛ على العودة والانخراط في المجتمع.
وكان موقع “العربي الجديد” قد ذكر معلومات حول مفاوضات قائمة بين جهاز الاستخبارات التركية “إم أي تي” برئاسة المستشار هاكان فيدان، وحزب الاتحاد الديمقراطي PYD برئاسة صالح مسلم.
وحسب ما سرب حول المفاوضات، حثّت الاستخبارات التركية مسلم على اتخاذ موقف واضح معادٍ للنظام السوري وإنهاء التعاون والتنسيق معه، والانضواء تحت قيادة أركان الجيش السوري الحر وبإلغاء الإدارة الذاتية التي أعلن عنها “الاتحاد الديمقراطي” في كل من القامشلي وعفرين وكوباني من طرف واحد، لحين التشاور مع باقي أطراف المعارضة.
ومن جهته طالب مسلم الاستخبارات التركية بعدم منع وصول مساعدات الأسلحة لقوات الحماية الشعبية التابعة لحزبه، والتوقف عن ممارسة الضغوط على الدول الأوروربية والولايات المتحدة التي رفضت دعم قواته بالسلاح بسبب الضغوط التركية، وعدم منع تدفق المقاتلين الأكراد الراغبين بالدفاع عن عين العرب، والسماح لقوات “العمال الكردستاني” بتقديم الدعم العسكري لقوات الحماية الشعبية عبر الأراضي التركية.
ورأى الموقع أن الطلب التركي يعتبر مستحيلاً بالنسبة لحزب الاتحاد الديمقراطي، لأن إعلان الحزب العداء للنظام السوري، يعني دخوله في اشتباكات مع قوات النظام التي ما زالت موجودة بشكل قوي في كل من مدينة الحسكة والقامشلي وعفرين، أي في اثنين من كانتونات الإدارة الذاتية التي أعلن عنها الحزب، بينما يتهاوى ثالثهما تحت ضربات تنظيم داعش.
وكذلك تعتبر مطالب مسلم من تركيا مستحيلة لأن الحكومة التركية غير قادرة على تسهيل التحركات العسكرية لحزب العمال الكردستاني المصنف في تركيا كمنظمة إرهابية حاربت لعقود الجيش التركي ونفذت مئات العمليات الإرهابية ضد الجنود والمواطنين الأتراك.
ودون وجود إحصائيات دقيقة لأعداد الجيش السوري الحر الذي يقاتل في كوباني، يقدر عدد قوات الحماية الشعبية الكردية بما لا يقل عن 5000 مقاتل في المنطقة، ومع ذلك لم تتمكن من صدّ هجمات كبيرة عدة لتنظيم “داعش”، بالنظر إلى اقتصار تسليحها على الأسلحة الخفيفة والرشاشات المتوسطة وعدد قليل من الرشاشات الثقيلة، في مقابل امتلاك “داعش” لأعداد أكبر من المقاتلين، مزودين بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، بالإضافة إلى امتلاكهم أسلحة ثقيلة من دبابات وراجمات صواريخ وغيرها.
وكان وحدات الجيش التركي المرابطة على الحدود من جهة كوباني قد شهدت حالة من التأهب، كما كثفت القوات الأمنية والجيش التركي وجودهما على طول الحدود التركية السورية، في ولاية شانلي أورفا، ونشر الجيش التركي مزيدًا من دباباته قرب الحدود، ومنع المواطنين والصحفيين الاقتراب من المنطقة.
واتخذ فوج المدفعية (أطمجا)، في لواء المدرعات العشرين بالقوات المسلحة التركية، المنتشر في ولاية شانلي أورفة جنوبي تركيا، كافة احتياطاته على خط الحدود ضد أي تهديد محتمل.
وأتم الجنود المنتشرون في النقاط الحدودية بقضاء “سوروج”، في شانلي أورفة، التابعة لقيادة كتيبة الحدود الثالثة في لواء المدرعات العشرين، كافة استعداداتهم ضد أي هجمات محتملة من المجموعات من داخل سوريا.
وتنتظر العديد من الدبابات التركية على أهبة الاستعداد، على مدار 24 ساعة، بالتلال المطلة على ناحية عين العرب “كوباني” شمالي شرقي محافظة حلب السورية، التي تشهد اشتباكات عنيفة بين مجموعات كردية وتنظيم داعش، في محاولة الأخير للتمدد نحو كوباني.