شهدت المملكة العربية السعودية خلال 2020 حزمة من الأحداث والتطورات إزاء بعض الملفات كان لها أثرها البالغ في تشكيل الخريطة السياسية والاقتصادية بالمملكة، هذا بخلاف تداعياتها على رجل الشارع العادي الذي دفع ثمن الكثير من السياسات الداخلية والخارجية التي ألقت بظلالها على حياته المعيشية اليومية.
ولم تكن جائحة كورونا وحدها هي التحدي الأبرز الذي واجه الرياض – كمعظم دول العالم -، لكن هناك بعض المستجدات التي أثرت بشكل كبير على تماسك المجتمع السعودي داخليًا وصورة المملكة خارجيًا، وهو الأمر الذي دفع السلطات الحاكمة للتعاطي معها بشكل تجاوز في كثير من الأحيان الخطوط المتوقعة.
ولعل السمة الأبرز التي شهدها هذا العام قيادة المملكة لقطار التطبيع مع دولة الاحتلال، وهو الملف الشائك الذي وضع سمعة الدولة العربية الإسلامية على المحك، على الأقل أمام ملايين المسلمين الذين كانوا ينظرون للسعودية على أنها عصية وبصورة كبيرة على الانخراط في هذا المستنقع، سواء كان بصورة مباشرة وعلنية أم خفية مستترة.
في هذا التقرير الذي يندرج تحت ملف “حصاد 2020” نلقي الضوء على أبرز الأحداث التي شهدتها المملكة خلال العام الحاليّ وتداعيات ذلك على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية للشعب السعودي الذي عانى خلال السنوات القليلة الماضية ما لم يعانيه منذ عقود طويلة.
استمرار الأزمة الاقتصادية
للعام الخامس على التوالي تواجه الموازنة السعودية عجزًا حادًا، حيث أعلنت المملكة منتصف الشهر الحاليّ عن ارتفاع العجز في موازنة 2020 لأكثر من 79 مليار دولار بنهاية العام، متجاوزة توقعها قبل عام بقرابة 29 مليار دولار حيث كان التوقع حينها أن يبلغ العجز 50 مليار دولار.
ودفع الانهيار الكبير في أسواق النفط وتهاوي سعر المادة الخام بجانب تداعيات انتشار فيروس كورونا إلى تعميق الأزمة الاقتصادية، ورغم تقليص النفقات والتخلي عن العديد من حزم الإنفاق التقليدية، فإن العجز يواصل تفاقمه بصورة دفعت المؤسسات المالية لإعادة النظرة لمستقبل الاقتصاد السعودي.
وفي ضوء تلك المعطيات توقعت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، ارتفاع عجز ميزانية المملكة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 12%، بقيمة 80 مليار دولار، خلال العام الحاليّ، مشيرة في تقريرها السنوي إلى أن هبوط أسعار النفط وتبعات تفشي كورونا سيقودون ارتفاعًا جديدًا في الموازنة قدره 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام مقارنة بالعام الماضي.
وفي تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني كشف أن المملكة تعرضت لموجة خسائر كبيرة خلال السنوات الأخيرة، لافتًا إلى أن تلك الخسائر منذ 2016 وحتى 2020 تجاوزت 250 مليار دولار، هذا بخلاف حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي الذي تراجع من 700 مليار دولار قبل 4 سنوات إلى 448.6 مليار دولار هذا العام، فضلًا عن فقدانه خلال الفترة من مارس/آذار وأبريل/نيسان الماضي نحو 48.6 مليار دولار، وهو التراجع الأكبر في تاريخ الاحتياطي الأجنبي السعودي.
رغم الإدانات المتكررة من المنظمات الحقوقية الدولية، فإن ولي العهد الشاب لم يتوان عن الإطاحة بأي شخص يعترض طريقه نحو خلافة والده، تساوى في ذلك من يحمل تهديدًا مباشرًا ومن يتأرجح في هذا المسار ولو من بعيد
قمة العشرين.. مساحيق التجميل العاجلة
استضافت المملكة لأول مرة في تاريخها قمة دول العشرين الافتراضية خلال الفترة من 21-22 من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 وذلك بعد توليها رئاسة المجموعة في ديسمبر/كانون الأول 2019، وجاءت تحت عنوان “اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع” وشارك فيها العديد من قادة الاقتصاد والسياسة في العالم فيما امتنع آخرون عن المشاركة.
انقسمت محاور القمة إلى 3 محاور: الأول (تمكين الناس: من خلال تهيئة الظروف التي يتمكن فيها الجميع، خاصة النساء والشباب، من العيش والعمل وتحقيق الازدهار)، الثاني (حماية الكوكب: من خلال تعزيز الجهود المشتركة لحماية الموارد العالمية) أما المحور الثالث (تشكيل حدود جديدة: من خلال تبني إستراتيجيات جريئة وطويلة المدى لمشاركة منافع الابتكار والتقدم التكنولوجي).
كثيرون رأوا أن استضافة تلك القمة كانت فرصة للمملكة لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي بعد الانتقادات الكبيرة التي تعرضت لها خلال الآونة الأخيرة بسبب الانتهاكات المرتكبة سواء في الداخل ضد المعارضين والنشطاء أم في الخارج لا سيما الحرب في اليمن التي شهدت انتهاكات ترتقي لدرجة جرائم ضد الإنسانية.
العديد من الحملات الحقوقية استغلت فرصة انعقاد هذا الحدث للضغط على السلطات السعودية بهدف تحسين الوضع الحقوقي والإفراج عن معتقلي الرأي، لا سيما أن أحد محاور القمة تمكين المرأة والشباب في الوقت الذي يقبع فيه داخل السجون السعودية عشرات المعتقلين من النساء والشباب ورجال الدين والمفكرين، ليس بسبب أي تهم ملموسة سوى آرائهم الشخصية التي عبروا عنها بصورة أو بأخرى.
وقد أسفرت تلك الحملات عن تراجع الكثير من الاقتصاديين والأكاديميين والسياسيين عن المشاركة، رغم الإغراءات المقدمة والدعاية غير المسبوقة التي قامت بها المملكة للترويج لهذه القمة التي كان يأمل ولي العهد محمد بن سلمان في أن تكون “مسحوق تجميل” يخفي عيوب سياساته ويداري شروخات ثوب بلاده الحقوقي.
ميني ريتز.. حملة تطهير جديدة
رغم الإدانات المتكررة من المنظمات الحقوقية الدولية، فإن ولي العهد الشاب لم يتوان عن الإطاحة بأي شخص يعترض طريقه نحو خلافة والده، تساوى في ذلك من يحمل تهديدًا مباشرًا ومن يتأرجح في هذا المسار ولو من بعيد، وهو ما دفعه للقيام بين الحين والآخر بحملات اعتقالات من باب إظهار “العين الحمراء” للجميع.
وقبل أن يلملم هذا العام أوراقه شنت سلطات المملكة حملة اعتقالات جديدة تحت اسم “ميني ريتز” في إشارة إلى حملة التطهير الأكبر في تاريخ البلاد التي كانت في 2017 تلك التي أطاح فيها بالعشرات من الرموز السياسية والاقتصادية للمملكة، حين اعتقلهم داخل فندق “ريتز كارلتون” بالرياض، بزعم “محاربة الفساد”.
الأيام الماضية تكرر المشهد لكن بصورة أخف وطأة، حيث استهدفت الحملة الجديدة مسؤولين عسكريين وموظفين عموميين ورجال أعمال، وعلى رأسها رئيس هيئة الترفيه، المستشار تركي آل الشيخ، الذراع اليمنى لولي العهد، رغم نفيه لتلك الأنباء على صفحته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي.
الحملة أسفرت عن مصادرة مبالغ مالية كبيرة، بعضها كان في مخابئ تحت الأرض وأخرى داخل مساجد، بجانب “حالات تلبس” لوقائع رشوة، هذا بخلاف التحقيق مع مسؤولين ثبت تورطهم في تعاملات مالية مشبوهة أكسبتهم أكثر من 1.2 مليار ريال.
وبعيدًا عن الدوافع الكامنة وراء هذه الخطوة التي يلمح البعض إلى بعدها الاقتصادي، حيث مساعي إنعاش خزائن البلاد بعشرات الملايين من الموقوفين لسد العجز الذي تواجهه المملكة، كما حدث مع معتقلي الريتز كارلتون في 2017، إلا أن مثل تلك التحركات تزيد من تشويه صورة السعودية خارجيًا وتضع الخريطة الاستثمارية لها محل تشكيك وقلق لدى أصحاب رؤوس الأموال في العالم.
شهد هذا العام ولأول مرة منذ أكثر من 3 سنوات أجواءً إيجابيةً بشأن الأزمة الخليجية، وذلك في أعقاب تصريحات وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر الصباح، التي قال فيها إن مباحثات “مثمرة” جرت خلال الفترة الماضية لحل الأزمة
جائحة كورونا.. احتواء الوباء
يعد ملف كورونا الأبرز حضورًا في إستراتيجية تعامل السلطات السعودية مع الملفات الحاليّة، حيث نجحت وزارة الصحة في التعاطي معه بصورة ساهمت بشكل كبير في تخفيف حدته، وهو ما عزز مستوى الرضا الشعبي حيال هذا الملف مقارنة بحالة الاحتقان حيال المسائل الأخرى، لا سيما الحقوقية والاقتصادية كما أشرنا سابقًا.
بالأمس أعلنت وزارة الصحة السعودية تسجيل 158 إصابة جديدة بالفيروس، بعدما تجاوز في بعض الأحيان حاجز الـ3 آلاف إصابة يوميًا، كما في يونيو الماضي، ليبلغ إجمالي الإصابات بكورونا في السعودية 360,848، فيما بلغ عدد الوفيات جراء هذا الوباء 6.112 ، بينما بلغت حالات التعافي من الفيروس 451.722 وذلك حتى الجمعة 19 من ديسمبر/كانون الأول 2020.
كما سارعت المملكة للحصول على لقاح “فايزر” حيث وصلت دفعتان من اللقاح حتى اليوم، فيما أعلنت الوزارة بدء التسجيل للحصول عليه لجميع المواطنين والمقيمين عبر تطبيق “صحتي”، علمًا بأن التطعيم سيكون على 3 مراحل بحسب بروتوكول الوزارة، الأولى: للمواطنين والمقيمين فوق 65 عامًا وأصحاب المهن الأكثر عرضة للعدوى، الثانية: للمواطنين والمقيمين ممن تجاوزوا 50 عامًا ومن لديهم أحد الأمراض المزمنة، أما الفئة الثالثة فجميع المواطنين والمقيمين الراغبين في أخذ اللقاح.
الأزمة الخليجية.. انفراجة وشيكة
شهد هذا العام ولأول مرة منذ أكثر من 3 سنوات أجواءً إيجابيةً بشأن الأزمة الخليجية، وذلك في أعقاب تصريحات وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر الصباح، التي قال فيها إن مباحثات “مثمرة” جرت خلال الفترة الماضية لحل الأزمة المستمرة منذ يونيو/حزيران 2017.
الصباح في كلمته المتلفزة التي بثها تليفزيون الدولة أوضح أن تلك المباحثات “أكد فيها جميع الأطراف حرصهم على التضامن والاستقرار الخليجي والعربي، وعلى الوصول إلى اتفاق نهائي يحقق ما تصبو إليه من تضامن دائم بين دولهم، وتحقيق ما فيه خير شعوبهم”.
جاءت تلك الانفراجة تزامنًا مع الزيارة التي قام بها صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره جاريد كوشنر لكل من الرياض والدوحة، التي كان لها دور محوري في الوصول إلى تلك المرحلة، فيما وجه أمير الكويت الشكر لكل الأطراف التي ساعدت في تلك الانفراجة المبدأية.
ومن المؤشرات الإيجابية التي حملها البيان الكويتي، الترحيب السعودي القطري به، وهو سابقة لأول مرة منذ اندلاع الأزمة، حيث أعرب وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان عن تقديره لدور الكويت، مشيرًا إلى أنه “تم إحراز تقدم ملحوظ بشأن الأزمة الخليجية بفضل الجهود الكويتية والأمريكية، ويحدونا الأمل أن يفضي هذا التطور إلى اتفاق أخير”، وتابع “طبعًا متفائل لأننا نقترب من وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق بين جميع الدول الخليجية لنصل إلى حل مرض للجميع”.
وعلى الجانب القطري وصف نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، البيان الكويتي بأنه “خطوة مهمة نحو حل الأزمة الخليجية”، مضيفًا في تغريدة له “نشكر للكويت الشقيقة وساطتها منذ بداية الأزمة، كما نقدر الجهود الأمريكية المبذولة في هذا الصدد، ونؤكد أن أولويتنا كانت وستظل مصلحة وأمن شعوب الخليج والمنطقة”.
ورغم أن البيان لا يحمل أي تفاصيل بشأن الخطة الزمنية والحدثية لإنهاء الخلاف في ظل غياب الأطراف الآخرين (الإمارات ومصر والبحرين)، فإنه تطور نوعي في هذا الملف المثير للجدل، فيما تذهب المؤشرات إلى احتمالية التحرك الفعلي في هذا الاتجاه مع قدوم الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن.
رغم أن الرياض لم تنضم رسميًا لحظيرة التطبيع عبر اتفاقيات مبرمة بالفعل، فإن الدول الموقعة ما كان لها أن تقدم على هذه الخطوة دون الحصول على ضوء أخضر سعودي
التطبيع.. السعودية تقود القطار
الملف الأبرز هذا العام كان قيادة السعودية لقاطرة التطبيع بالريموت كونترول، حتى إن لم تركب إحدى عرباته بصورة رسمية، إذ كانت الدافع الأول لتوقيع الإمارات والبحرين والمغرب وقريبًا السودان لاتفاقيات تطبيع مع دولة الاحتلال، هذا بجانب دول أخرى ربما تنضم لاحقًا أبرزها سلطنة عمان.
ورغم أن الرياض لم تنضم رسميًا لحظيرة التطبيع عبر اتفاقيات مبرمة بالفعل، فإن الدول الموقعة ما كان لها أن تقدم على هذه الخطوة دون الحصول على ضوء أخضر سعودي، وهي النقطة التي دفعت العديد من الخبراء إلى ترجيح احتمالية الانضمام الرسمي خلال المرحلة المقبلة.
دوافع المملكة من التقارب مع “إسرائيل” متعددة، فبجانب التمحور ضد النفوذ الإيراني، وهو المبرر المعلن رسميًا وإعلاميًا، هناك دوافع سياسية وعسكرية أخرى تسعى الرياض لضمانها حال تخلي الحليف الأمريكي عنها، هذا بخلاف استمالة ابن سلمان لتل أبيب كوسيط يضمن له المباركة الأمريكية حال وصوله للحكم.
إلا أن إبرام اتفاقيات رسمية بين السعودية و”إسرائيل” كما فعلت الدول الأخرى مسألة تحكمها العديد من المحددات والتحديات في نفس الوقت، فالازدواجية الواضحة بين تصريحات تغازل تل أبيب وأخرى تربط بين التقارب مع الكيان المحتل وحقوق الشعب الفلسطيني، تعكس حرص المملكة على الحفاظ على محاور مناورة تسمح لها في ظروف معينة بالتراجع إلى الوراء أو بالسير إلى الأمام وفق المستجدات التي تشهدها المنطقة.
الهلال… يواصل التألق
وعلى المستوى الرياضي، عانت الساحة من توقفات متكررة بسبب كورونا كبقية دول العالم، الأمر الذي أفقد البطولات المحلية بريقها، ورغم ذلك استطاع نادي الهلال تحطيم الأرقام القياسية محليًا ليحكم قبضته على مسابقة الدوري وكأس خادم الحرمين الشريفين، وذلك على حساب غريمه التقليدي النصر.
الهلال بهاتين البطولتين يؤكد ريادته لكرة القدم السعودية، حيث حصد اللقب السادس عشر في تاريخه فيما يتعلق بالدوري المحلي، أما الكأس فهي البطولة التاسعة له، ليغرد الأزرق على ألحان القمة بعيدًا عن أقرب منافسيه، علمًا بأن النشاط الرياضي توقف في المملكة قرابة 5 أشهر، من مارس/آذار وحتى أغسطس/آب الماضيين.
وعلى مستوى المنتخبات، نجح المنتخب الأولمبي تحت 23 عامًا في الوصول إلى أولمبياد طوكيو القادمة التي كان مقررًا لها هذا العام إلا أنها تأجلت إلى 2021 بسبب كورونا، فيما جاء تأهل الأخضر السعودي بعد حصوله على مركز الوصيف في البطولة الآسيوية المؤهلة للأولمبياد بعد خسارته أمام منتخب كوريا الجنوبية بهدف دون رد.
وهكذا وبينما يلملم عام 2020 أوراقه معلنًا الرحيل، فإن آثاره قد تمتد للعام الجديد الذي من المتوقع أن يشهد العديد من المستجدات التي سيكون لها تداعياتها على المسارين، السياسي والاقتصادي، للمملكة، هذا بجانب تأثير ذلك على السياسة الخارجية المرجح أن تشهد بعض التغيرات خلال المرحلة المقبلة تماشيًا مع المستجدات الإقليمية والدولية.