النقاش بخصوص تدريس “الهولوكوست” للمغاربة ليس جديدًا اليوم، خاصة بعد إعلان الرباط تطبيع العلاقات مع تل أبيب، لكنه عاد إلى الواجهة بعد قرار وزارة التربية الوطنية إدراج الثقافة اليهودية في البرامج الدراسية بدءًا من الموسم الدراسي المقبل.
ربما يؤكد ذلك حقيقة مزاعم الصحافة العبرية، قبل سنتين، حين تمت الإشارة إلى أن المغرب سيدمج “الهولوكوست” في مناهج التدريس، بناءً على تعليمات مباشرة من العاهل المغربي محمد السادس.
اليهودية ضمن الهوية المغربية
أكد وزير التربية سعيد أمزازي أن إدماج الرافد اليهودي في المناهج الدراسية للمنظومة التعليمية، جاء من أجل ملاءمتها مع مقتضيات الدستور الذي يعتمد الثقافة العبرية كواحدة من مقومات الهوية الوطنية، وأفادت وزارة التربية الوطنية أن أولى الحصص الدراسية باللغة العبرية ستعطى اعتبارًا من الموسم الدراسي المقبل في السنة الأخيرة من المرحلة الابتدائية حيث يبلغ عمر التلاميذ نحو 11 عامًا.
يظهر “الرافد اليهودي” للثقافة المغربية في فنون العمارة والطبخ والموسيقى وبات موجودًا في المناهج الجديدة للتربية المدنية في المرحلة الابتدائية ضمن فصل مكرس للسلطان سيد محمد بن عبد الله الملقب بمحمد الثالث (القرن الثامن عشر).
لقيت هذه الخطوة ترحيبًا من الطائفة اليهودية في المغرب، حيث أشاد بها رئيس الطائفة اليهودية بالدار البيضاء سيرج بيرديغو، ووصفها بـ”المهمة والتاريخية”، وسيكون لتدريس الثقافة اليهودية في مناهج التعليم تأثير مستقبلي على ثقافة ووعي الأجيال الصاعدة، ليس فقط باتجاه التذكير بحقائق تاريخية يتميز بها المغرب، بل أيضًا بالمساهمة في ترسيخ قيم التسامح ومكافحة معادة السامية ونبذ الصور السلبية والنمطية عن اليهود في المجتمع.
عاهل المغرب ووزير التربية الوطنية
تأتي هذه الخطوة بعد تدشين “بيت الذاكرة اليهودية” بمدينة الصويرة الذي أُقيم عبر ترميم معبد يهودي قديم، وكل زائر لهذا المتحف اليهودي يجد في استقباله عبارة “سلام لكولام، شالوم عليكم” التي هي مزيج من العربية والعبرية، تعبيرًا عن التعايش بين اليهود والمسلمين في هذه المدينة المطلة على الساحل الأطلسي، هذا ويعرض “بيت الذاكرة” وثائق ومتعلقات تعود لعائلات يهودية محلية بالإضافة إلى كنيس ومركز للأبحاث، كما يسمح باكتشاف مسارات متميزة لشخصيات يهودية منحدرة من الصويرة.
حماية الذاكرة
كان وزير التعليم ضمن المشاركين في ندوة دولية عن دمج “الهولوكوست” في مناهج التدريس، ضمن فعاليات مؤتمر دولي عقد في ديسمبر/كانون الأول 2018 بمراكش (وسط المغرب)، واعتبر آنذاك مناهضو التطبيع أن فتح الباب لاعتماد المحرقة في مناهج التدريس ما هي إلا محاولة لتدنيس أرض المغرب خدمةً للدعاية الصهيونية، وعلى العكس من ذلك، حري بالسلطات المغربية أن تنظم مؤتمرًا عالميًا لتدريس “الهولوكوستات” الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، فهي جرائم يشهدها العالم يوميًا، حسب مناهضي التطبيع الذين يرون أنه من الواجب تدريس جرائم الصهاينة حمايةً للذاكرة من التزييف.
هذا المؤتمر الدولي حضره أيضًا المستشار الملكي أندري أزولاي أو “عراب اليهود المغاربة في كل مكان”، وقال المنظمون آنذاك إنه يهدف إلى ربط الصلة بين البلدان التي ساعدت اليهود إبان “المحرقة النازية” واستعراض الروابط العميقة التي تجمع اليهود بالمسلمين في منطقة شمال إفريقيا، لكن المناهضين يعتبرون “الهولوكوست” ما هي إلا صك غفران لكيان الاحتلال من أجل الاستمرار في جرائمه ضد الفلسطينيين العزل.
في المغرب.. أول نصب تذكاري للمحرقة
لكن لا يجب أن ننسى أنه قبل شهرين من انعقاد هذا المؤتمر، بدأ تدشين نصب تذكاري لـ”الهولوكوست”، بقرية تبعد 26 كيلومترًا عن مراكش، المحتضنة للمؤتمر المذكور، وظل هذا المشروع طي الكتمان إلى أن تسرب عبر الصحافة الإسرائيلية، في أغسطس/آب 2019، وقامت الدنيا ولم تقعد لما اعتبر اختراق واحتلال مبطن من طرف الصهيونية أو الماسونية على وجه الخصوص التي كانت وراء هذا النصب التذكاري.
انطلق في #المغرب بناء اكبر نصب تذكاري في العالم للمحرقة التي اودت بحياة 6 ملايين يهودي ،مستخدما التكنولوجيا المتقدمة في محاكاة بعض من مشاهد الترهيب التي عاشها اليهود داخل معكسرات ألمانيا النازية في عهد هتلر. درس للإنسانية جمعاء. https://t.co/mBV8hIWFrz pic.twitter.com/LMmo4IgBF5
— إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) August 25, 2019
كان ذلك أول نصب تذكاري في شمال إفريقيا، يستحضر أرواح ضحايا “الهولوكوست” الذي تقف وراءه منظمة ألمانية غير حكومية اسمها “بيكسل هيلبر”، يدعى رئيسها أوليفي بينكوفسكي وهو ذو جذور بولندية وخلفية ماسونية، المعلوم عنها قدرتها على اختراق المجتمعات.
تبرأت السلطات المحلية في بادئ الأمر من هذا المشروع، وزعمت أنها لم تمنح أي ترخيص لمشروع من هذا القبيل، كما أوضح ممثل الطائفة اليهودية بمراكش جاكي كدوش أن المنظمة الألمانية لم تستشر ممثلي الطائفة اليهودية ولم تحترم الإجراءات القانونية.
على أي، هدمت سلطات المنطقة ذلك البناء، بما يضم من متحف والعديد من المرافق بالإضافة إلى نصب تذكاري على شكل لوحات فنية تخلد المحرقة، لكن قصة مشروع نصب الهولوكوست لم تنته مع الهدم، إذ توعد آنذاك صاحب المشروع برفع دعوى قضائية في المغرب وألمانيا مطالبًا تارة السلطات المغربية بـ100 ألف يورو تعويضًا عن الخسائر التي لحقته من هدم المشروع الذي بناه، وتارة مطالبًا الدولة المغربية بتقديم اعتذار، متحججًا بنظامية مشروعه، كون سفير المغرب في برلين كان على علم بالمشروع كما هو الشأن بالنسبة لرئيس الطائفة اليهودية في المغرب سيرج بيرديغو، وأيضًا المستشار الملكي أندري آزولاي.
أندري آزولاي
رغم ما قيل في حقهم لم يصدر أي موقف لا من المستشار الملكي أو رئيس الطائفة اليهودية بالمغرب ولا حتى سفير المغرب في برلين، ما جعل أصابع الاتهام تشير بتواطئهم مع تشييد هذا النصب التذكاري للمحرقة، وحتى السلطات المحلية ادعت أنها لم تكن تعلم عنه شيئًا، حتى ولو قامت بهدم هذا البناء، إلا أن سنة من تشييده بقيت كثغرة قائمة، ذلك أنها لم تراقب ولم تهدمه من البداية، في حين استمرت الأشغال كما لو كان هؤلاء يعملون تحت حماية سرية إلى أن افتضح أمرهم.
تمهيد الطريق نحو “الهولوكوست”
من المعروف عن وزارة التربية الوطنية مسارعتها إلى نفي أي شائعة أو خبر لا أساس له من الصحة، لكنها لم تعلق أبدًا عما كشفته الصحافة الإسرائيلية بشأن قرار المغرب “دمج التعليم عن الهولوكوست في المناهج الدراسية للبلاد”، موضحة أن وزير التعليم سعيد أمزازي، أعلن هذا القرار في اجتماع رفيع المستوى عقد في الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال أكتوبر/تشرين الأول 2018.
الملك الراحل محمد الخامس
إبان فترة الحماية الفرنسية، دافع الملك الراحل محمد الخامس (جد محمد السادس) عن اليهود المغاربة خلال فترة فرنسا الفيشية، إذ رفض تطبيق قوانين معادية لليهود، ورفض أيضًا ترحيلهم القسري وتسليمهم للنظام النازي خلال الحرب العالمية الثانية، وبالتالي فملوك المغرب يعتبرون نموذجًا للأصوات التي واجهت معاداة السامية في العالم.
تبدو خطوة دمج الثقافة اليهودية في المقررات الدراسية بالمغرب، أمرًا مثيرًا للاهتمام كونها تشكل جزءًا من هوية هذا البلد الشمال إفريقي، لكنها قد تكون تمهيدًا للطريق نحو تدريس “المحرقة النازية” بالمدرسة مستقبلًا، فقد كان كل ما يمت لليهود بصلة مهمشًا في المقررات المدرسية، بسبب تأثير الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على اختيارات المغرب البيداغوجية.