وجد الطلاب السوريون في تركيا أنفسهم وسط مجتمع يختلف اختلافًا جذريًا عن مجتمع وطنهم الأم، حياة جديدة مليئة بالتحديات، لعل أبرزها حاجز اللغة الذي سيكلفهم سنة أو أكثر من رصيد حياتهم لتعلم اللغة الجديدة والانخراط في الثقافة المحلية التي من دونها لن تكون مسيرتهم مريحة أبدًا.
وعلى ما يبدو فإن نجاح الطلاب في كثير من المجالات والاختصاصات أثبت قدرتهم على تخطي هذه العثرة، فقد تربع الكثير منهم على عرش الأوائل في الجامعات التركية الخاصة منها والعامة، متغلبين على كثير من أقرانهم الأجانب والأتراك، كما استطاعوا إثبات أنفسهم وحضورهم رغم كل الصعاب التي عانوها، سواء داخل بلادهم أم خارجها، ودون وجود حاضنة أو مؤسسة ترعاهم، لذلك فإن إنجازاتهم فردية بحتة.
وذلك لا يتعارض مع حقيقة أن الحكومة التركية قدمت التسهيلات للطلاب السوريين وأولتهم الاهتمام ليرتفع عددهم في جامعات البلاد خلال الـ9 سنوات الأخيرة بشكل ملحوظ ليصل بحلول عام 2021/2020 إلى ما يزيد على 27 ألفًا موزعين بين مختلف الجامعات البالغ عددها 182 جامعة.
وبسبب الحاجة لنقاط تواصل وارتباط للطلبة في كل جامعة، أجرى بعض الطلاب مبادرات فردية بهدف إنشاء تجمعات وفرق طلابية صغيرة تعمل على تعزيز التواصل بين الطلبة، ومساعدة الجدد منهم في إتمام أوراقهم وكل ما يتعلق بإجراءات التسجيل في الجامعات.
مع ازدياد أرقام الطلاب والحاجة إلى تجمع كبير يجمع بينهم ويعزز حضورهم ويجعل لهم مركز بين التكتلات المدنية على الأراضي التركية، تشكل نشاط طلابي كبير من مختلف الجامعات تحت مؤسسة واحدة كي تكون الممثل الرئيسي والناطق الرسمي باسمهم، فبرز حاليًّا “اتحاد الطلبة السوريين الأحرار” بالإضافة إلى “ملتقى الطلبة السوريين في تركيا” وهما محور حديثنا في هذا التقرير ضمن ملف “البيت السوري في تركيا”.
أبرز التجمعات الطلابية السورية في تركيا
“توحيد جهود الطلبة السوريين حول العالم وتفعيل دورهم في مختلف الأنشطة التعليمية والاجتماعية، وجمع الكيانات والفرق الطلابية السورية تحت تكتل واحد يمثلهم ويدافع عن حقوقهم”، كانت هذه البوادر من أهم الأسباب التي دفعت أمجد الساري وزملاءه للسعي من أجل تشكيل “اتحاد الطلبة السوريين الأحرار” الذي أبصر النور عام 2019 في إسطنبول.
الاتحاد يضم حاليًّا 56 فريقًا طلابيًا منتخبًا منتشرين في أربع قارات
عرّفت الهيئة التأسيسية الاتحاد بأنه “منظمة نقابية طلابية منتخبة، مستقلة في قراراتها، نيابية في هيكليتها، تستمد شرعيتها من القواعد الطلابية في الجامعات وتتبنى مبادئ ثورة الحرية والكرامة التي انطلقت في مارس/آذار 2011″، ووفقًا لأولوياته المتمثلة في الاستقلالية وعدم التبعية حرص الاتحاد على عدم تلقي أي دعم مشروط من أي جهة، إنما يعتمد على تأمين متطلباته المادية واللوجستية من عدة رعاة آمنوا بفكرته ومهتمين بدعم العمل الطلابي بحسب ما ذكر أمجد الساري عضو الهيئة التأسيسية لاتحاد الطلبة السوريين الأحرار لـ”نون بوست”.
يضيف الساري أن الاتحاد يضم حاليًّا 56 فريقًا طلابيًا منتخبًا منتشرين في أربع قارات، في الداخل السوري الخاضع لسيطرة المعارضة وتركيا وأوروبا وبلدان أخرى، وهذه الفرق تشكل النواة التأسيسية للاتحاد، وتمثل أكثر من 43 ألف طالب سوري في الجامعات حول العالم، وتم وضع عدة شروط للفرق الطلابية الراغبة بالانضمام إلى الاتحاد، أهمها أن يكون الفريق أو الاتحاد منتخبًا من طلابه وأن لا يقل عدد أعضائه الناخبين عن 30 طالبًا، وأن يكون عدد الطلاب يساوي 15% من الطلاب السوريين في الجامعة كحد أدنى.
في ذات السياق الحركي الطلابي السوري يبرز “ملتقى الطلبة السوريين في تركيا” الذي تأسس أيضًا عام 2019 في ولاية إسطنبول التركية، وجاء في التعريف الخاص به أنه: “منظمة طلابية سورية مستقلة غير ربحية، تستهدف الطلاب الجامعيين السوريين، وتسعى من خلال برامجها ومشاريعها لتكون منصة فاعلة للشباب، تعمل على تمكين وتنمية قدراتهم ضمن بيئة تحيا بقيم العدالة والحرية والكرامة الإنسانية”.
في حديثه لـ”نون بوست” يقول طارق زلق نائب المدير العام للملتقى إن تكتلهم تأسس بدافع تقديم الدعم للطلبة السوريين في المجال الأكاديمي والبحث العلمي وتوفير مجتمع داعم للطلاب في جامعاتهم يدعم حقوقهم ويساعدهم على تنفيذ نشاطاتهم وتوسعة آفاقهم، ويضم الملتقى في الوقت الحاليّ أكثر من 200 طالب وطالبة في 29 جامعة تركية بأكثر من 52 اختصاصًا، ويسعى الملتقى ليكون مؤسسة حاضنة للطلاب السوريين في تركيا.
الأهداف والأنشطة
يتطلع “اتحاد الطلبة السوريين الأحرار” إلى تمثيل الطلاب السوريين والتنسيق بين الاتحادات الطلابية وتوحيد جهودهم وتحقيق مصالحهم وتطلعاتهم، وتعزيز الهوية الوطنية للشباب السوري والرقي بالطلبة السوريين من الناحية العلمية والأكاديمية وتوحيد الحراك السوري في الجامعات داخل سوريا وخارجها.
المشاريع التي يقوم عليها الملتقى يختارونها بعناية شديدة وبمشاركة الأغلبية من أعضاء المجلس التأسيسي
يقتصر عمل الهيئة التأسيسية في الاتحاد في الوقت الراهن على إعداد النظام الداخلي وتنظيم “المؤتمر العام” الذي سيعقد في الفترة المقبلة وسيتم من خلاله انتخاب إدارة جديدة للاتحاد وهي من سيتولى موضوع تنفيذ المشاريع وتقديم الخدمات للطلبة السوريين، بالإضافة إلى التفاعل مع الأحداث خلال الفترة التأسيسية وخاصة الطارئة منها، مثل إطلاق حملة “سند” لتأمين الأقساط الجامعية في الداخل السوري، وأيضًا متابعة قرارات الجامعات التركية الأخيرة المتعلقة بفرض الأقساط الجامعية على الطلبة السوريين، فكان هناك تحرك من الهيئة التأسيسية للاتحاد من أجل متابعة هذا الأمر مع الجهات المعنية لإيجاد حلول لهذا الموضوع، وفقًا لما قاله عضو الهيئة التأسيسية لاتحاد الطلبة.
وانطلاقًا من رؤية ملتقى الطلبة السوريين في تركيا المتمثلة في “مجتمع شبابي سوري جامعي مؤثر في صناعة التغيير المجتمعي الحضاري وخدمة القضية السورية والأخوة السورية في تركيا” يعمل الملتقى من خلال مشاريعه على تنمية وتطوير إمكانات الشباب الجامعي وتعزيز البناء الثقافي والفكري لهم وتلبية احتياجاتهم واستثمار الطاقة الشبابية في بناء مجتمعه الفاعل والمؤثر وتعزيز انتمائهم للقضية السورية.
يضيف زلق بأن المشاريع التي يقوم عليها الملتقى يختارونها بعناية شديدة وبمشاركة الأغلبية من أعضاء المجلس التأسيسي لضمان “تحديد الحاجات الأكثر إلحاحًا لدى الطلاب وتصميم مشاريع لتلبيتها مثل مشروع تأمين الستاجات والعمل الجزئي”.
الفائدة المجتمعية
لعل من أبرز الصعوبات والتحديات التي تواجه الطلاب السوريين اليوم عدم وجود جهة رسمية تتكلم باسمهم وتسعى لتحقيق مصالحهم، لذلك يأمل القائمون على “اتحاد الطلبة السوريين الأحرار” أن يكون هذا التشكيل صوتًا لهم وكيانًا يمثلهم، وأن يكون له دور فعال في سوريا المستقبل “كجهة نقابية تمثل الطلاب السوريين بشكل رسمي، أمام السلطة والرأي العام”، ويقدم لهم الخدمات التي يحتاجونها خلال فترة دراستهم الجامعية.
ومن المشاريع التي يسعى إلى تنفيذها مستقبلًا وتعود فائدتها على الطلاب السوريين في شتى أنحاء العالم مشاريع “خدمية تعليمية وأكاديمية” وفقًا لما قاله الساري، كما أنهم “سيقدمون برامج تهدف لتطوير مهارات الطلاب وزيادة الوعي لديهم، إضافة لزيادة الفعالية الشبابية أيضًا والسعي وراء تأمين منح طلابية وتقديم استشارات طلابية ومساعدة الأشخاص الذين يرغبون في التسجيل بالجامعات”، وسيبدأ الاتحاد بتقديم خدماته بعد انتخاب إدارته الجديدة خلال “المؤتمر العام”.
الحراك الطلابي أثبت عبر التاريخ أنه قادر على تغيير مسارات الأحداث في كثير من الأمور
فيما يصب “ملتقى الطلبة السوريين في تركيا” تركيزه في الدرجة الأولى على الجيل الجديد من الطلبة السوريين الذين خرجوا أطفالًا من وطنهم ونشأوا في تركيا ويفتقرون إلى “الثقافة السورية” وليس لديهم أي ارتباط بالقضية السورية، ويعتبرهم الأساس الذي سيعتمد عليه في بناء سوريا الجديدة، ويتطلع الملتقى إلى إيلاء الاهتمام بهذه الشريحة وأن يكون “حاضنة فاعلة” لهم تعمل على تعزيز الهوية والثقافة السورية لديهم وفقًا لزلق.
آراء
بعد ما استعرضه لنا الساري وزلق عن مشاريعهما وأهدافها، توجهنا إلى طلاب سوريين في جامعة إسطنبول للاطلاع على آرائهم في هذه المؤسسات الناشئة، فيقول مجد عليان وهو طالب في كلية هندسة الإلكترون والكهرباء: “التجمعات الطلابية والاتحادات التي أصبحنا نسمع بها مؤخرًا ما هي إلا نشاطات فردية موجهة من جهات لا أعلم خلفيتها ودوافعها وأهدافها الخفية”، وبرأي عليان فإن هذه المؤسسات هدفها شخصي ولا تمثل الطلاب بأي شكل.
يضيف عليان أن ما وجده في كثير من التجمعات الطلابية هو “عدة أشخاص تنشئ صفحة تواصل اجتماعي وتتحدث باسم الطلاب ولا أذكر أنها ساعدت الطلاب أو ساهمت في حل مشاكلهم إلا ما ندر لبعض الجامعات في تركيا، والأشخاص الذين يتحدثون باسم الطلاب لم يتم انتخابهم”، يكمل مجد: “على سبيل المثال أنا في مجموعة “واتس آب” تابعة للجامعة فيها أكثر من 250 طالبًا سوريًا ومن اختصاصات مختلفة وعندما تحدثنا عن هذه النشاطات أغلب الطلاب لم يكن لديهم أدنى فكرة عن التجمعات التي تمثل الطلاب السوريين”.
يوافق سعيد السقا، طالب في كلية الصيدلة، على ما قاله عليان، حيث أشار إلى أنه “بالنسبة للتجمعات الطلابية السورية في تركيا لم أر لها أي فائدة أو قيمة”، وقارن التجمعات السورية الكبيرة بتجارب تكتلات الجامعيين من البلدان الأخرى كاليمن وتونس والعراق على الأراضي التركية، ويذكر السقا أن هذه المؤسسات “تقدم للطلاب تمثيلًا فعليًا وانتخابات حقيقية، هم ليسوا مجرد فقاعات إعلامية وهم قادرون على تقديم خدمات طلابية أكاديمية وخدمية، أما التجمعات السورية الكبرى لم نر منها نتائج فعلية”.
مضيفًا “ما رأيناه من إنجازات في الجامعات بالنسبة للطلاب السوريين كان فقط نتيجة لعمل التجمعات الصغيرة وليس من تقديم التكتلات الكبيرة الناشئة”، ويأمل السقا أن تنتقل هذه التجمعات من مجرد الكلام إلى الفعل الحقيقي الذي يخدم الطلبة السوريين ويحقق لهم التمثيل الرسمي.
بالمحصلة، فإن الحراك الطلابي أثبت عبر التاريخ أنه قادر على تغيير مسارات الأحداث في كثير من القضايا، كما أنه استطاع في عدد من الدول المشاركة في صناعة تغيير حقيقي على المستويات السياسية والاقتصادية والمجتمعية، وعلى ذلك الأساس تحتاج سوريا من أبنائها الطلبة في الخارج أن يكونوا على قدر المسؤولية ليستطيعوا المساهمة في إعادة إحياء البلاد وإعمارها أو – على الأقل – أن يبنوا جسرًا بينها وبينهم كي لا يفقدوا جزءًا من هويتهم وثقافتهم بمرور الوقت.