دشن ناشطون حملة إلكترونية موسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تهدف إلى مقاطعة البضائع الإماراتية ردًا على تورط أبو ظبي في مستنقع التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتقلدها دور “عراب التطبيع” للترويج لهذه الخطوة من خلال الضغط على بعض الدول العربية الأخرى للانضمام لهذا القطار الذي يقوده أبناء زايد.
الحملة تعد أول رد فعل شعبي حيال اتفاق التطبيع الذي وقعته الإمارات – رفقة البحرين – مع “إسرائيل” منتصف سبتمبر/أيلول الماضي في واشنطن، وذلك بعد إجهاض الأنظمة العربية الحاكمة لأي فعاليات شعبية أخرى رافضة لمثل تلك التحركات التي يراها الشارع العربي خنجرًا في خاصرة القضية الفلسطينية.
لم يكن هذا التحرك هو الأول من نوعه، إذ سبقته حملات مقاطعة أخرى خلال الأشهر الماضية، لكنها كانت تتعلق برداءة المنتج الإماراتي وفقدانه للحد الأدنى من معايير الجودة، بعدما ثبت عدم صلاحيته للاستخدام الآدمي وفق المقاطع التي تناقلها رواد السوشيال ميديا، وهي الخطوة التي تسببت في إلحاق العديد من الخسائر بالاقتصاد الإماراتي الذي يواجه بطبيعة الحال أزمات متتالية خلال الفترة الماضية بسبب تراجع أسعار النفط وتداعيات كورونا، فضلًا عن تفريغ خزائن الدولة النفطية لخدمة أجندات حكامها في المنطقة.
وتحت وسم #مقاطعة_المنتجات_الامارتية عبر العديد من النشطاء والسياسيين في مختلف الدول العربية عن دعمهم الكامل لهذا الرد الشعبي البنّاء، نصرة للقضية العربية الأم في مواجهة التغول الإماراتي على مرتكزات الأمة وميكافيللية أبناء زايد في توسيع دائرة نفوذهم ولو على حساب أشلاء وحقوق وتاريخ شعب بأكمله.. لكن يبقى السؤال: هل يمكن أن تصيب تلك الحملات أهدافها المنشودة؟
6 أسباب للحملة
البيان الصادر عن الحساب الرسمي لحملة المقاطعة على “تويتر” استعرض 6 أسباب رئيسية وراء شن الحملة في هذا التوقيت، على رأسها ريادة أبو ظبي لمخطط التطبيع وتلميعها لدولة الاحتلال على المستوى السياسي والاقتصادي والإعلامي، بجانب اتهامها بتشويه الدين الإسلامي عبر العمل ضمن ما أسماه البيان “مشروع الدين الإبراهيمي”.
البيان اتهم الإمارات بالمشاركة في عمليات الضغط المستمرة على بعض العواصم العربية للاعتراف بالكيان المحتل وإبرام اتفاقيات تطبيع معه، هذا بخلاف تحول الدولة الخليجية إلى منصة كبيرة لتسويق المنتجات الإسرائيلية في العالم الإسلامي.
وخلصت الحملة في بيانها إلى مناشدة رجال الأعمال في مختلف الدول العربية والإسلامية إلى المشاركة الفعالية في المقاطعة وتوحيد الجهود لأجل التصدي للمخطط الإماراتي الذي يستهدف تذويب القضية الفلسطينية من خلال تمييعها لصالح الأجندة الصهيونية في المنطقة.
في الأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول الحاليّ أطلقت قرابة 16 جمعية وكيانًا طلابيًا وسياسيًا عربيًا مناهضًا للتطبيع حملة شعبية أخرى لمقاطعة “المؤسسات المتصهينة” تحت شعار “قاطع من أجل فلسطين”، وذلك وفق بيان صادر عنها أشار إلى أن الهدف من هذا الحراك توعية الشعوب بواجبها تجاه القضية العربية الأم (القضية الفلسطينية).
البيان لفت إلى أن “تهافت المطبعين خلف الاحتلال للتقرب منه بشتى الصور والأشكال، مسترخصين الأمانة المقدسة” كان أحد الأسباب الرئيسية وراء تدشين مشروع “الحملة الشعبية لمقاطعة المؤسسات المتصهينة” التي تسعى لمساندة الفلسطينيين في استرداد حقوقهم المسلوبة والضغط على رجال الأعمال بعدم التعامل مع أي مؤسسات صهيونية أو لها علاقات مع تلك المؤسسات حتى إن كانت عربية.
ومن بين الكيانات المشاركة في تلك الحملة الائتلاف العالمي لنصرة القدس وفلسطين والمركز الفلسطيني لمقاومة التطبيع والمرصد الدولي لمقاومة التطبيع، إلى جانب بعض الكيانات المناهضة للتطبيع في المغرب والسودان وموريتانيا وليبيا وغيرها من الدول العربية.
بيان عام للأمة الإسلامية والعالم بشأن #مقاطعة_المنتجات_الإماراتية ? pic.twitter.com/3ogPFggO9M
— مقاطعة المنتجات الإماراتية (@UAE_boycottee) December 20, 2020
ليست البضائع وحدها
حملات المقاطعة التي تستهدف الإمارات لم تتوقف عند البضائع والمنتجات فحسب، بل تجاوزت ذلك للمؤسسات الاقتصادية المتعاملة مع نظيراتها الإسرائيلية كما هو الحال مع “مصرف أبو ظبي الإسلامي” بسبب تعاونه مع بنك “لئومي” الإسرائيلي أحد أبرز البنوك الممولة للأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الحملة تم تدشينها الأربعاء قبل الماضي ولاقت ترحيبًا كبيرًا وتفاعلًا لافتًا للنظر من رواد منصات التواصل الاجتماعي، فيما قال حساب “من أجل فلسطين”، الناطق باسم الحملة عبر “تويتر” في بيان له “ستكون (الحملة) عن مصرف أبو ظبي الإسلامي الذي انخرط في اتفاقية عار مع بنك لئومي الموجود ضمن قائمة الأمم المتحدة للشركات المتورطة في الاستيطان الإسرائيلي”.
البيان أشار إلى أن بنك “لئومي” الذي يتعامل معه “مصرف أبو ظبي الإسلامي” مملوك للمنظمة الصهيونية العالمية التي أسست الكيان الصهيوني وساهمت في تشريد الملايين من الشعب الفلسطيني، وعليه كان لا بد من التصدي لهذا التعاون الذي يستهدف الحقوق الفلسطينية.
يذكر أن المصرف الإماراتي، المدرج في سوق أبو ظبي المالي، ويبلغ رأس ماله نحو 3.63 مليار درهم (988 مليون دولار) قد وقع اتفاقية تفاهم مع البنك الإسرائيلي، ثاني أكبر بنوك دولة الاحتلال، في 16 من سبتمبر/أيلول الماضي، أي بعد يوم واحد فقط من توقيع الاتفاق بين الإمارات و”إسرائيل” في البيت الأبيض.
لأنها تساهم في تطبيع الدول العربية مع إسرائيل سوف نقاطعها#مقاطعه_المنتجات_الاماراتيه #التطبيع_خيانة pic.twitter.com/3JLpQdRBdq
— كاريكاتير محبس الجن (@MAAljin_sa) December 20, 2020
وعي الشعوب
يرى بعض النشطاء أن مثل تلك الحملات تعكس وعي الشعوب العربية الناضج حيال مرتكزاتها القومية التي من الصعب الحيد عنها مهما كانت الضغوط والمغريات، وأن الشارع بات الرقم الأصعب في تلك المعادلة الصفرية التي تسعى فيها الأنظمة لترسيخ أركان حكمها ولو على حساب قضاياها التاريخية.
غياب رد فعل الشارع العربي التقليدي (التظاهرات والاحتجاجات الميدانية) حيال أوكازيون التطبيع الذي افتتحته الإمارات قبل 3 أشهر أوهم البعض أن الأمر بات من السهل تمريره وأن الغصة التي ظلت في حلق الاعتراف بدولة الاحتلال لعقود طويلة تلاشت، لكن تناسى الجميع أن الرفض ليس شرطًا أن ينحصر في صيغته المعهودة، كونه متجددًا في مضمونه تبعًا للمستجدات والظروف الراهنة.
المفكر تاج السر عثمان في تعليقه على حملة المقاطعة وصفها بأنها “مؤشر إيجابي على وعي الشعوب وبداية إدراك بالدور الإماراتي في استهداف البلدان العربية بمخططات تخريبية”، فيما اعتبرها الأكاديمي محمد مختار الشنقيطي بأنها “لا تقل أهمية في نصرة الإسلام عن مقاطعة المنتجات الفرنسية”.
لا يمكن التعاطي مع حملة مقاطعة المنتجات الإماراتية دون الربط بينها وبين حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية، فكلتاهما تنطلقان من قاعدة واحدة تتعلق بالدفاع عن المقدسات الإسلامية، الأمر الذي يؤكد أن الوعي الشعبي العربي ما زال حيًا ينبض، رغم المساعي الرسمية وغير الرسمية لإيداعه ثلاجة التجميد نظرًا لما بات يمثله من تهديد لمستقبل العديد من الأنظمة الحاكمة في المنطقة.
#مقاطعة_المنتجات_الإماراتية لا تقل أهمية في نصرة الإسلام عن #مقاطعه_المنتجات_الفرنسيه54 بعد أن أنفق سفهاء أبوظبي مليارات الدراهم في سفك دماء المسلمين، وتدمير أوطانهم، وخدمة أعدائهم، والحرب على أحرارهم وأبرارهم. وقد فعلوا كل ذلك بطراً ورياء الناس.. فقاطعوهم قطع الله دابرهم..
— محمد المختار الشنقيطي (@mshinqiti) December 20, 2020
رسالة للمطبعين
بات الاقتصاد اليوم هو السلاح الأكثر حضورًا وتأثيرًا، إيجابًا وسلبًا، لدى الأنظمة والحكومات، وبعيدًا عن نظريات العلوم السياسية التقليدية في ترتيب أضلاع الدولة التي تأتي بالسياسة في المقدمة، فإن التطورات التي شهدها العالم خلال الآونة الأخيرة أحدث تغيرات جوهرية في هذا الترتيب ليتصدر الاقتصاد القائمة فيما تأتي بقية الأضلاع في خدمته والعمل على دعمه وتقويته.
وعليه فإن التأثيرات الاقتصادية المحتملة من حملات المقاطعة التي دشنها النشطاء على منصات السوشيال ميديا ولاقت تفاعلًا كبيرًا من الجمهور العربي، تحمل بين ثناياها رسالة قوية وواضحة للمطبعين العرب، وللحكومات التي تفكر في الانخراط في هذا المسار المرفوض شعبيًا.
التاريخ شاهد في كثير من حقبه على أن المقاطعة الشعبية هي الأكثر نفوذًا من المواقف الرسمية فيما يتعلق بالتطبيع مع دولة الاحتلال، فرغم مرور أكثر من 40 عامًا على اتفاقية كامب ديفيد بين القاهرة وتل أبيب ما زال المصريون يرفضون كل ما هو إسرائيلي شكلًا ومضمونًا، وذلك رغم العلاقات الحميمية التي تجمع بين نظامي البلدين والضغوط الممارسة التي فشلت في تمرير هذا الاتفاق شعبيًا.
نشطاء يرون أن مثل تلك الحملات لو نجحت في تحقيق التأثير المطلوب وألحقت خسائر بالاقتصاد الإماراتي – مثلما حدث في 2019 بسبب رداءة البضائع وعدم جودتها – ما تهافتت دول أخرى على التطبيع بهذه السرعة، لافتين إلى تعزيزها بما يضمن لها إنجاز أهدافها حتى تكون رسالة للدول التي تنوي التطبيع مستقبلًا.