اهتدى لاجئون سوريون هاربون من جحيم الحرب إلى طريق جديد للهجرة السرية، ينتقلون فيه إلى ليبيا عبر صحراء الجزائر، قبل أن يستقلون قوارب إلى الشمال، حيث الشواطئ الإيطالية وأحلام كثيرين في حياة رغدة، إلا أن الرحلة عادة ما تنهي حياة وبالتبعية أحلام، كثير من المهاجرين بسبب وعورة الطريق الصحراوي أو تقلبات أمواح البحر المتوسط.
ويتنقل اللاجئون السوريون من العاصمة الجزائر إلى مدينة الوادي أو إليزي في أقصى الجنوب، ثم يتنقلون مسافة تزيد عن 1500 كلم عبر الصحراء للوصول إلى السواحل الليبية، ومنها يركبون البحر متسللين أيضًا نحو إيطاليا، في رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر.
ومنذ أسابيع قليلة، قررت السلطات الجزائرية منع الرعايا السوريين من التنقل إلى الجنوب الجزائري، وشددت من إجراءات تحديد الإقامة بالنسبة للاجئين السوريين في المدن الساحلية الكبرى ومراكز الإيواء، بعد أن تكررت حوادث ضبط لاجئين سوريين يحاولون التسلل عبر الحدود البرية بين الجزائر وليبيا من أجل الوصول إلى إيطاليا.
ووقع آخر حوادث ضبط سوريين أثناء محاولتهم التسلل إلى ليبيا في 27 سبتمبر الماضي، حينما أوقفت فرقة من قوات الجيش الجزائري، تابعة للقطاع العملياتي إليزي (الحدودية مع ليبيا)، عشرة مهاجرين غير شرعيين من جنسية سورية، كانوا متوجهين إلى الحدود الليبية، حسب بيان لوزارة الدفاع الجزائرية.
ويقول السيد عثمان زحنو، عضو المجلس المحلي السابق لمحافظة إليزي ومنسق الأنشطة الخيرية بالمنطقة: “تعمل الجمعيات الخيرية هنا على مساعدة اللاجئين العرب، لكننا فوجئنا في الأشهر الأخيرة بظاهرة جديدة وهي محاولة مواطنين من سوريا التسلل إلى ليبيا”.
ويتابع: “قال لي عدد من السوريين الذين أوقفهم الدرك الجزائري – وهو جهاز تابع لوزارة الدفاع – إنهم قرروا الانتقال إلى ليبيا عبر الجزائر لأن الجزائر هي البلد العربي الوحيد الذي لا يفرض تأشيرة دخول على السوريين”.
يضيف السيد عثمان: “يدفع السوريون أكثر من 300 يورو لعناصر تنتمي لعصابات ليبية مسلحة تؤمن نقلهم من الحدود مع الجزائر إلى مناطق في الساحل الليبي على البحر المتوسط ومن هناك يتنقل هؤلاء بحرًا إلى الشواطئ الإيطالية، في رحلة شاقة ومحفوفة بالمخاطر”.
فيما قال مصدر أمني جزائري: “في البداية اعتقدنا أن الأمر له علاقة بالجماعات الإرهابية خاصة مع حالة الفوضى التي تعيشها سوريا وليبيا، لكن التحقيقات كشفت أن أكثر من 95 بالمائة من المتسللين السوريين عبر الحدود البرية بين الجزائر وليبيا هم في واقع الأمر حراقة (مصطلح يطلق على المهاجرين السريين في دول المغرب العربي)”.
وحول عدم اختيار المهاجرين لمصر أو تونس كنقطة انطلاق لرحلتهم، قال: “في حالة مصر، يكمن السبب في التشدد الذي تتعامل به السلطات المصرية مع اللاجئين السوريين منذ إسقاط حكم جماعة الإخوان، أما في حالة تونس فإن السبب يكمن أن تونس تفرض تأشيرة دخول على السوريين على عكس الجزائر”.
“سميح عبد المحسن” لاجئ سوري فر من بلده بحثًا عن الأمن، وقرر الانتقال إلى الجزائر ومنها إلى ليبيا ثم إلى إيطاليا، لكنه لم يكمل الرحلة، حيث أُوقف من قبل قوات الجيش الجزائري في المنطقة الحدودية بين الجزائر وطرابلس، وتقرر نقله إلى العاصمة لمحاكمته بتهمة خرق قانون التنقل.
إلا أنه كان أفضل حظًا من ابن عمه، عمار، الذي فقد أثره قبل أكثر من 5 أشهر أثناء محاولته التسلل إلى إيطاليا عبر ليبيا.
سميح قال: “أشعر بالإحباط، لقد تمنيت الوصول إلى أوروبا إلا أن الظروف كانت ضدي”، مضيفًا: “سأحاول مرة أخرى، لا يهم أن أموت في البحر أوعطشًا في الصحراء، فذلك أفضل بكثير أن أموت على يد سوري مثلي”.
أما “كومري رضا” الموظف في الهيئة الإغاثية التي شكلتها محافظة إليزي الحدودية للتكفل باللاجئين، فيقول: “في منطقة أوهانت القريبة من الحدود الجزائرية الليبية تنطلق في كل مرة يوقف فيها مهاجرون، حافلة لنقل الركاب تعج بمسافرين أغلبهم سوريين، وتقرر نقلهم إلى العاصمة الجزائرية من حيث جاءوا قبل عدة أسابيع”.
ويتابع “إن قوات الجيش الجزائري تنقذ السوريين من الموت في حال عبورهم الحدود الجزائرية نحو ليبيا”.
وحسب مصدر أمني جزائري فإن الجيش الجزائري وقوات الدرك الوطني وحرس الحدود أوقفوا منذ شهر يناير 2014 إلى نهاية أغسطس من العام نفسه، 466 مهاجرًا سريًا من مختلف الجنسيات، بينهم 328 مهاجرًا سوريًا.
وحسب مصادر أمنية أخرى بمحافظة إليزي، فإن أغلب المهاجرين السوريين منعوا من دخول التراب الليبي, فيما يقول شهود عيان من المراكز الحدودية مع ليبيا إن حرس الحدود “منعوا عشرات المهاجرين السوريين بعد رصد محاولاتهم التسلل عبر الحدود”.
فيما يقول السيد مكنوت سليمان، الموظف في لجنة التكفل باللاجئين في محافظة إليزي الحدودية، إن “الحواجز الأمنية عبر الطرق المعبدة في إقليم المحافظة تلقت تعليمات بتشديد إجراءات الرقابة على المركبات المتجهة نحو الجنوب، للحد من تسلل المهاجرين السوريين”.
ويضيف: “في الحواجز الأمنية عند المدخل الشمالي لمدينة الدبداب وهي المعبر الحدودي الرئيسي إلى ليبيا، تلقى عناصر الدرك تعليمات صارمة لمنع تنقل المهاجرين السوريين نحو المدينة”.
وتمتد الحدود بين ليبيا والجزائر على مسافة 1000 كلم كلها منطقة صحراوية، وقد قررت السلطات الجزائرية غلق الحدود مع ليبيا في شهر يونيو الماضي بعد تدهور الأوضاع في هذا البلد.
في الوقت ذاته، كانت السلطات الليبية قد نشرت صورًا لجثث ضحايا مهاجرين من سواحلها نحو أوروبا لم تنجح محاولتهم بعد أن تعطل المركب الذي يقلهم؛ مما أدى لغرق معظمهم.
الناجون من الحادثة تحدثوا على أن القارب الذي كان يحوي 250 من المهاجرين، تحرك إلى الشواطئ الإيطالية في الثاني من أكتوبر، إلا أنه لم ينجح في الوصول بعد أن تعطل المحرك؛ الأمر الذي أدى إلى غرق القارب بما فيهم 170 من المهاجرين، فيما تم إنقاذ الآخرين.