يخرج الواقع السعودي اليوم بجدليته ومفارقاته عن التصنيف المعهود في الفكر السياسي وفي المجتمع. فقد عرفت الشعوب مراحل انتقال عديدة من المشاع إلى الإقطاع إلى البرجوازية فالرأسمالية فالامبريالية المتوحّشة، لكننا اليوم نشهد تحولاً مريباً ومضحكاً، إنه انتقال لا نوعي، غير متوقع وغير قابل للتصنيف نظرياً، يتجلى في النشاط الرجعي السعودي المحموم الذي وصل حد الهذيان.
فالنهج الذي اختطته دولة آل سعود الحاكمة، والمنخرط في إطار رؤية إقليمية ودولية تتناقض مع المصالح العربية، تجاه المسائل التي تتعلق بالأمن القومي العربي كان من الخطورة بمكان، وعرض هذا الأمن ليس لاختراقات هنا وهناك فحسب، بل لنكبات عديدة ساهمت في شرذمة الوضع العربي وتهميش القضايا القومية، وإضعاف الشعور بهذه القضايا إلى أبعد الحدود.
ولا يخفي نظام آل سعود شراهته ومؤامرته لفرض هيمنته السياسية الاقتصادية بقوة أموال النفط على مقدرات ومجتمعات هذه الأمة، ولا يخفي حكام مملكة الرمال دورهم فيما تتعرض له الأمة، فكل موقف وكل تصريح ومؤتمر لديهم صار عنواناً لمشروع تآمري يستهدف مقومات الأمة.
فالرجعية السعودية المتمثلة اليوم بمستواها الرسمي بمملكة آل سعود، لا تجيد إجراء الحسابات الدقيقة، ولا تعرف من معاني الاستراتيجيا إلا ما يفيدها في مواصلة بيع ثرواتها الطبيعية من النفط والغاز، وما يخدمها في الحفاظ على عرش الملك والأمراء وشيوخ الزيف… عبر العلاقة التبعية مع واشنطن وبعض عواصم غرب أوروبا، وخارج هذين الشرطين فالسعودية تعمل معصوبة العينين في كل الاتجاهات لمصالح لا يعنيها أين تصب، وأجندات لا يهمها من تستهدف وصفقات لا تعرف الرابح فيها من الخاسر، وهي من أجل ذلك تستبسل في التحريض على التغيير في المنطقة، وتمويل هذا التغيير طالما أن المطلب الأميركي والصهيوني ينحو هذا المنحى.
لقد كان تحوّل الرأسمالية الغربية إلى إمبريالية متوحّشة متجلياً بصورة مقرفة في الواقع العربي منذ رعاية هذا التحول لمملكة الرمال، وكانت وضاعة الغرب مثيرة للتقزز أمام المال السعودي ما سهّل التمادي في تبديد ثروات وطاقات الشعب السعودي.
في اللهاث السعودي خلف أدوار مرضية استطالت إلى حد التورم، وباتت كل متغيرات العالم عسيرة الهضم على دبلوماسية شاخت وهرمت على هامش الارتزاق المعتاد على مائدة الأميركي، يمكن تفسير الكثير من المقاربات الجائرة التي تلهب المنطقة هذه الأيام فيالاستعادة والتقمص والاستعانة بالإرهاب ورموزه، وإن كانت تستعصي في فهم طريقة محاكاتها للأحداث، وهي التي لم ترتدع مما سبقها، وبأن عجزها عن مجاراة المتغير الجديد في مناخ العلاقات الدولية يقودها إلى الهاوية.
لقد استعدى آل سعود شعوب المنطقة قاطبة، ووقفوا بالضد من تطلعاتها وآمالها، واستقووا عليها بأمريكا وإسرائيل، وامتد إجرامهم ونواياهم الشريرة ورغبتهم بالهيمنة حتى ضمن بيتهم الخليجي للتعاون على الإثم والإفك والضلال، والخلافات السعودية القطرية، والسعودية الإماراتية وصراعاتهم الحدودية معها، والحرب الصامتة مع عمان، وعدوانهم على شعب البحرين، باتت مظاهر عادية في سيرة حكام آل سعود….
ولابد لنا أن نوضح أنّ القوى السياسية المعروفة تاريخياً بعدائها الشديد للإيديولوجيا القومية العربية فيما تشهده بعض البلدان العربية قد وجدت فرصة لتكريس خلط مقصود بين الرجعية السعودية الحاكمة التي تتولى تنفيذ هدف تدمير الدولة الوطنية العربية، وبين شعبناالعربي في الحجاز، مع أن هذا الشعب يعاني بدوره الأمرّين من قمع تلك الرجعية وبطشها، ويخضع لعمليات غسل دماغ وهابية منهجية لطمس انتمائه القومي، وإخراجه من معادلة الصراع العربي الصهيوني، والزج به في صراعات طائفية وإقليمية بديلة.
ومن الواضح أن الذين يشتمون اليوم العرب والعروبة والقومية العربية بحجة ما تقدمه الرجعية السعودية من دعم للإرهاب الذي يقتّل السوريين والتونسيين واليمنيين والمصريين والليبيين ويدمر بلدانهم، إنما يخدم موضوعياً الموقف الرجعي العربي المعادي تاريخياً للعروبة ولاسيما العروبة السياسية الممثلة بالمشروع الوحدوي النهضوي المقاوِم.
فالحكام السعوديون ما انبروا يحشدون المرتزقة والجواسيس لإيذاء العرب في ديارهم وأقطارهم من أجل أن تبقى إسرائيل حليفتهم الأولى آمنة ومستقرة وقوية ومحتلة لأراض عربية منذ عام 1948، فبعد التآمر على العراق ومشاركتهم في شن الحرب الأمريكية عليه عام 2003 بالتعاون مع قطر ودول البترو ـ دولار، راحوا يشنون الحرب الكونية على سورية العربية حاملة المشروع القومي العربي، فجندوا كل اللصوص وقطاع الطرق والفاسدين للمشاركة في هذه الحرب، فأحرقوا ونهبوا، وقتلوا، وسلبوا، ونبشوا قبور الصالحين والمجاهدين…
وبهذا حققت السعودية وبفضل حكامها الوهابيين التكفيريين الأهداف التي تريدها إسرائيل في المنطقة العربية بتحويل أمن الدول العربية إلى فوضى عارمة، وهذا ما حصل فيما يسمى بالربيع العربي الذي حول العرب من المحيط إلى الخليج إلى صراعات ظهرت من خلالها قوى سلفية يمثلون بالأجساد ويأكلون الأكباد مثل ”داعش، والقاعدة، والنصرة والجبهة الإسلامية…”، ومسميات ما أنزل الله بها من سلطان، لضرب مواقع القومية العربية وحضارة العرب لصالح إسرائيل وتحقيق أهدافها الشريرة في المنطقة العربية…
وكان لابد لحكام السعودية أن يجندوا آلاف الجواسيس ضمن منظمات تكفيرية إرهابية إسلامية، وهذا ما فعله زعيم الجاسوسية السعودية ”بندر بن سلطان” المرتبط فعلاً وقولاً بالمخابرات الأمريكية وبالموساد الإسرائيلي والقاعدة منذ عام 1973 عندما عمل في أكثر من وكالة استخباراتية أمريكية ودخل معهد (هوستن) التابع لوكالة المخابرات الأمريكية، ونشرت الخبر صحيفة الغارديان البريطانية يوم 13/6/1979 (إن الاتفاقات السعودية الأمريكية في مجال الأمن ساهمت في اختيار الأمير السعودي ”بندر بن سلطان” أن يجتاز معهد هوستن ليحصل على معلومات أمنية في مجال الأمن الوطني السعودي).
ومن هنا فإن هذا الجاسوس الأمريكي ـ الصهيوني ساهم في تشكيل جمعيات ومنظمات إرهابية وهابية تكفيرية وفر لها ميزانية مالية بأسماء ومسميات كثيرة مثل ”لواء فلوجة حوران” و”لواء الإسلام” و”ذو النورين” و”كتائب عبد الله عزام” التابع لتنظيم القاعدة الذي يتزعمه ”ماجد الماجد” الإرهابي السعودي، وتأتي فضيحة هذا الجاسوس الإرهابي المرتبط بالمخابرات السعودية فضيحة كبرى ضد مملكة آل سعود الوهابية، والأكبر من هذا الشكوك المترتبة حول وفاته في المستشفى…
وعلى كل حال فإن هذه الفضيحة السعودية واحدة من فضائح آل سعود في لبنان وسورية والعراق، والتنسيق مع إسرائيل اللقيطة لتمزيق خارطة الوطن العربي.
من جهة أخرى فتدفق القوات الأمريكية إلى أرض العرب في ميناء جدة السعودي وإرسال أحدث الطائرات المقاتلة (F22) إلى الخليج إضافة للقواعد العسكرية المنتشرة هناك، وإجراء المناورات المتنوعة ومراقبة الأجواء والفضاء، يكشف مدى توظيف النظام السعودي من قبل الامبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني في الاستهداف الممنهج للأمن القومي العربي.
ومن المعروف أنّ في السعودية قاعدة الأمير سلطان الجوية في الخرج كانت خلال السنوات الماضية مركز قيادة القوات الأميركية في السعودية والمنطقة مع انخفاض أهميتها كثيراً بعد بناء القاعدة الأميركية في قطر واحتلال العراق. وقد كانت تلك القاعدة المنصةالرئيسية للإشراف على منطقة حظر الطيران جنوبي العراق، ثم تحولت إلى إحدى منصات غزو أفغانستان ثم العراق.
القواعد الأخرى التي تستخدمها أميركا في السعودية بانتظام في الظهران والرياض وفي خميس مشيط وتبوك والطائف، ومع أن الوجود العسكري الأميركي المباشر تقلص كثيراً بعد آب 2003، مقارنةً بما كان عليه عام 1990 فإن عناصر مهمة منه ما زالت حتى الآن على الأرض. والغريب أن هذه القواعد الأميركية يطلق عليها أسماء الملوك والأمراء! مثل قاعدة الملك خالد وقاعدة الملك فهد وقواعد بأسماء غيرهما.
وما يحزننا أن حكام الرجعية السعودية يعرفون أنهم أدوات بيد الاستعمار ينفذون ما يريده منهم بدقة مع انحناءة وإلا طارت مملكتهم وطارت رؤوسهم، وهي لابد أن تطير ذات تاريخ قريب، كأن حكام الرجعية السعودية لا يقرؤون التاريخ… ولو أنهم قرؤوا لما قبلوا بان يكونوا ”أقزاماً” في البيت الأبيض.
أما سمعوا بلورانس العرب الذي أرسل برسالة منذ أكثر من مئة عام عندما أرسل برسالة إلى حكومته في بريطانيا يقول فيها يجب أن ننجح في تحويل الوطن العربي إلى دويلات ضعيفة، متناحرة… متصارعة… دويلات إثنية وطائفية وعرقية… متحاربة…
في الأوقات الراهنة، أقرأ في الصحافة والإعلام الغربي، وأرى الكم الهائل من الأذيات البادية على شكل برقيات وطلبات ورجاءات وتوسلات رجعية عربية سعودية رخيصة ومهينة… لكي يستخدم هؤلاء الحكام قوّتهم وهمجيتهم للخلاص من بعض الحكومات العربية، إنها ـ ويا للأسف ـ برقيات يومية طافحة بالمذلة، والضعف المخجل استحلافاً لحكام الغرب لكي يحتلوا البلاد العربية مرة أخرى…
وهنا يتبدى أمران، الأول هو صراحة الغربي وكشفه للأسرار السعودية من أجل الإمعان في إذلال حكام الرجعية السعودية، والثاني هو الرخص الشديد لسلوك حكام آل سعود، وتفاهة التفكير الأسود الذي وقعوا في شباكه!
في المضمون فإن الرجعية العربية السعودية في كل ما حصل قامرت بكل رصيدها دفعة واحدة، دون أن تعلم أن رياح التغيير التي هبت على المنطقة، كيفما كان تقييمنا لها سوف لن تتوقف عند حدود رمال الربع الخالي، وأن العدوى التي انتشرت شرقاً وغرباً في المنطقة العربية لن تستثني حكام الرجعية السعودية، الذين هم الأحوج والأكثر عطشاً للتغيير مادامت طواقمهم الحاكمة هي الأكثر جهلاً واستبداداً بين كل المقامات العربية الحاكمة، ومادامت الثروة السعودية تتبدد من وراء ظهور المواطنين السعوديين لتبتلعها مصارف نيويورك ولندن وباريس، وصفقات السلاح التي لا تعدو كونها مظهراً من مظاهر الوجاهة الفارغة التي تفتقر إلى أي معنى حربي على أرض الواقع.
نحن نعيش اليوم في مرحلة رجعية عربية سعودية تندثر بها مصطلحات ومفاهيم الوحدة العربية في مستواها الرسمي الحاكم، أما الشعوب العربية فما زالت تنشدها في روح الإحساس بالمصير المشترك، ونشاهد كيف يضمحل العمل العربي المشترك، والدفاع والأمن العربي المشترك، لتطل برؤوسها مصطلحات الأمركة والفرنسة ونعود إلى التتريك، ولتطل ”الأسرلة والصهينة” مقدمات بديل العروبة والجامع القومي، ونرى بأم أعيننا سموم النسق الدولي المهيمن، في أشباح التتطييف والتمذهب والصراع الهوياتي والإثني بديلاً منها، وعموم المشاريع الخبيثة والمخططات الشريرة خدمة لعيون ”إسرائيل”.
نحن في زمن لا أجد له تسمية تستوعب كل شروره، في التاريخ العربي مرحلة أطلق عليها العرب مرحلة الانحطاط… أنا على يقين أنمرحلة الانحطاط التي عاشها العرب في زمن الدويلات لم تصل بنا إلى هذا المستوى الذي يعيشه العالم العربي اليوم، لم يصل سفك الدمالعربي على يد العرب أنفسهم إلى هذا الحد.
لم تنتشر فيه مفاهيم التكفير إلى هذا الوضع الذي نعيشه، ولم تستيقظ الطائفية والمذهبية والإثنية كما استيقظت اليوم، ولم يتفكك الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي، والاقتصادي كما هو مفكك في هذه الآونة، والأكثر خطورة في كل ذلك لم يصل العرب إلى هذه المرحلة من الدونية، والانجرار خلف الدول المعادية للعرب والعروبة والإسلام كما هم اليوم خلف أميركا والغرب، وخلف الصهيونية العالمية التي تستهدف الإسلام والمسلمين أرضاً ومقدرات ثقافية واجتماعية واقتصادية، للوصول بالعرب إلى مرحلة التلاشي، ومن ثم الموت والاندثار كأمة لا أريد أن أكون متشائماً، ولكن الواقع الراهن بكل وجوهه المزرية، يواجهنا، يدفع بنا إلى أن نقر بما هو قائم، لا أن نطمر رؤوسنا.
إن الدور الرجعي السعودي القذر هو اليوم المسؤول عما تتعرّض له سورية وتونس واليمن، وما تعرض له العراق وليبيا، وما ستتعرض له دول عربية أخرى موضوعة على القائمة…
إن تسارع الأحداث في المنطقة… بعد قرار الرئيس الأمريكي ”أوباما” بمحاربة داعش، وإعلان دعمه لما يسمى بالمعارضة المعتدلة في سورية، بالسلاح والمال… وتعهد الدولة السعودية بفتح معسكرات لتدريبها، وقيام تحالف معلن بين الكيان الصهيوني والجماعات الإرهابية في الجولان المحرر، وعقد مؤتمري جدة، وباريس، وقيام وزير الخارجية الأمريكية ”جون كيري” بزيارات عديدة إلى كل من السعودية، ومصر، والأردن، وأنقرة لإقامة تحالف دولي تحت غطاء محاربة داعش…
كل هذا يقدّم مشهداَ ظاهرياً… ولكنه في الواقع ـ يعني أن الأمور تتجه نحو تنفيذ مخطط قديم رسمته من قبل إدارة بوش الابن، ويقوم على زرع الفوضى الخلاقة في المنطقة العربية، ورسم خرائط جديدة لخدمة المشروع الأمريكي الصهيوني ”الشرق الأوسط الجديد” يتحرك الإرهاب الذي يضرب المنطقة والذي يتظاهر أوباما بمحاربته وفق تلك الأهداف الأمريكية، التي عبّر عنها ”جو بايدن” نائب الرئيس الأمريكي القاضي بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات على أساس مذهبي وعرقي، والانتقال نحو تقسيم سورية، وتقسيم دول المنطقة الأخرى، مع استمرار استنزاف الأنظمة النفطية وجعلها ملحقة، وممولة لمشروع التقسيم الذي سيصل في النهاية إلى هذه الأنظمة التي صنعتها القرن الماضي الإمبراطورية البريطانية.
عندما يقول باراك أوباما إن مهمة أمريكا في المنطقة لمحاربة الإرهاب قد تستمر ثلاث سنوات، هذا يعطينا قناعة بأن الوجود الأمريكي مستمر وباق، وكما حولّت إيران من قبل إلى فزاعة لدول الخليج، وفزاعة شيعية لأهل السنة، فهي تعمل على إبقاء داعش وأخواتها فزاعة وغطاء لأهدافها المعلنة وغير المعلنة.
وإذا كانت مملكة آل سعود تتصور أنها صديقة للغرب بعامة والولايات المتحدة بخاصة، وهي بمنأى عما يحصل لبقية الدول العربية، فهي واهمة ولا بد من أن تتجرع الكأس إياه. وأعتقد أن ما نشرته صحيفة ”نيويورك تايمز” على موقعها الالكتروني بشأن تقسيم خمس دول عربية إلى أربع عشرة دولة، هذا المخطط القديم الجديد، يبيّن رؤية الولايات المتحدة إلى حدود ”الشرق الأوسط الجديد” ومنه مملكة الرمال التي تظهر الرؤية، عودتها إلى ما كانت عليه قبل التأسيس، أي أن تقسم السعودية إلى خمس دول؟
ألا يكفي كل ذلك لأن يعي العرب وفي مقدمتهم مملكة آل سعود خطورة ما يدبّر لهذه الأمة تحت عناوين عدة ومسميات مختلفة ما أنزل الله بها من سلطان؟
وأمام هكذا واقع، فإن الرجعية السعودية سوف لن تحصد سوى الخيبة في كل الاحتمالات، فامتداد أذرع التغيير في عموم المنطقة سوف يكنسها لأنها لا تلائم شكل الشرق الأوسط الجديد، وانكفاء رياح التغيير خصوصاً على العتبة الشامية سوف يطيح بها أيضاً، لأن دمشق سوف تعمل بعد الخروج من مخاضها معافاة على تشكيل شرق أوسطها المناسب، الذي لا مكان فيه لرجعية سعودية شكلت على مدى قرن من الزمان حصان طروادة لكل غزو واحتلال قصد ديار العرب، فلنحبس الأنفاس ونحن نرقب انكشاف الغبار عن العتبة الشامية!
فالأصالة لا تغيب طويلاً، وصوت الحق لا ينكسر، وستكون الأصوات الحرّة الوطنية والعربية المستنيرة أمام لحظات مراجعة نقدية وحساب عسير، بعد أن ضيّعت ما أنجزه الروّاد، وتراخت في متابعة حركة الأجيال وتطلعاتها، وهي ترى اليوم تمدّد الرجعي السعودي واسترخاءه وادعاءه بالانتصار للعروبة وللحرية والتحرر والعدالة ومحاكاة لغة العصر، وتقدمه وسيطرته واستبداده المدعوم من الغرب، صديق إسرائيل أولاً وقبل أي شيء.
وهنا أسأل: هل لنا غير تاريخنا وكرامتنا، وعقائدنا، ومبادئنا، وثباتنا، وقوّتنا الذاتيّة، ومحبتنا، ووطنيتنا… من مخلّص؟!
لا أظن، ولا أرتجي. لذلك نحن ـ كافة القوى الوطنية والعروبية ـ مطالبون اليوم بجهود نوعية، نتجاوز فيها حالة ما يشبه الانكفاء، وجماهيرنا العريضة الواسعة على امتداد ساحات الوطن والأمة تنتظر جاهزة، وقد تتجاوزنا، فهي لن ترض أبداً بهذا العبث الطالع… ولا بالتكاذب والنفاق الرجعي السعودي.
فلابد من مراجعة نقدية جذرية للعلاقة مع الرجعية السعودية المتصهينة، ووضع الاستراتيجية اللازمة للتصدي لها فكرياً وسياسياً باعتبارها صنيعة الامبريالية والحليف العضوي للصهيونية.
استراتيجية تقوم على الفصل التام بين الرجعية الحاكمة في السعودية وبين شعبنا العربي في دولة الحجاز، وتراهن على دور هذا الشعب العربي الأصيل لتحقيق أهدافه وتطلعاته الوطنية والديمقراطية والقومية.